الخطة الخماسية … وعصابات المستوطنين تهدد الشعب الفلسطيني / عبد المنعم فياض سعدون

عبد المنعم فياض سعدون ( فلسطين ) – الخميس 30/8/2023 م …




 تهدف الخطة الخماسية إلى تعميق تهويد القدس وتغيير معالمها في المجالات كافة بما في ذلك الحد من النمو السكاني الطبيعي للمواطنين الفلسطينيين وتعزيز الاستيطان في القدس ومحيطها. ويتعرض السكان الفلسطينيون في القدس لإجراءات قمعية وقيود خاصة على حرية التنقل والحصول على تصاريح البناء، مما يؤدي إلى ضياع هوية القدس الفلسطينية وتهديد وجودها الثقافي والديمغرافي. كما تتضمن الخطة الخماسية سياسات مبنية على الفصل والتمييز العنصري بين السكان، وتهدف إلى استمرار الاستيطان الإسرائيلي وضمان تفوق السكان اليهود في المدينة.كما تحظر الخطة بناء الوحدات السكنية الجديدة للفلسطينيين، وتضع قيودًا صارمة على التطور العمراني للأحياء الفلسطينية، مما يؤثر سلبًا على حقوق واحتياجات المجتمع الفلسطيني في القدس. الهدف هو تشجيع المزيد من المستوطنين للعيش في القدس وتحقيق التفوق الديمغرافي للسكان اليهود، مما يزيد من التهويد والاحتلال ويعطل أي أمل في استقرار وإقامة دولة فلسطينية مستقلة في المستقبل.

هناك أيضًا تأثير سلبي على حياة الفلسطينيين في القدس من خلال قيود على حرية التنقل والحصول على الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والصحة والتعليم. تم تجاهل احتياجات المجتمع الفلسطيني بشكل عام وتهميشه في سياسات التنمية والتخطيط العمراني في المدينة، مما يعزز الاستيطان الإسرائيلي ويقوض الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للفلسطينيين. تعتبر الخطة الخماسية جزءًا من استراتيجية أوسلو التي تهدف إلى تقسيم الضفة الغربية وتحقيق سيطرة إسرائيلية شاملة على القدس، مما يدمر أي أمل في حلول سياسية عادلة ودائمة للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني.

تأتي الخطة في ظل استمرار “حرب الاحتلال المفتوحة على القدس والوجود الفلسطيني فيها ومحاولة إغراقها بالاستيطان من الجهات كافة وعزلها تماما عن محيطها الفلسطيني وربطها بالعمق الإسرائيلي تكريسا لضمها وحسم مستقبلها السياسي من جانب واحد وبقوة الاحتلال وبعيدا عن أية مفاوضات”. تعكس هذه الخطة التصعيد الذي تشهده المنطقة وتعبر عن استهداف شامل للحقوق الفلسطينية وسيادتها على الأراضي التي تضم القدس. تتضمن الخطة محاولات تعزيز السيطرة الإسرائيلية على المدينة وتحقيق حلول مستدامة لصالح إسرائيل فحسب، مما يترتب على ذلك تقويض حقوق الفلسطينيين المشروعة وتخريب أي أمل في تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة. تلقى الاحتلال الإسرائيلي دعمًا قويًا من قبل بعض القوى العالمية، مما يعزز سياسته الاستيطانية ويعمق الانقسامات في المنطقة.

تتناول الخطة الخمسية للتعليم في القدس الاستهداف الصهيوني لتحكم وتهويد المدينة. وقد بدأت هذه الخطة تحت إشراف سموتريتش من خلال إنشاء نحو 14 بؤرة استيطانية غير قانونية. تعتبر خمسة من هذه البؤر بمثابة مستوطنات رعوية، ولكن في الواقع تستقر بها مستوطنين إرهابيين بشكل أساسي. وقد أدت هذه البؤر إلى تهجير العديد من التجمعات البدوية مثل عين سامية والقبون والمرج والبقعة وراس التين.

تركز الخطة الخمسية حاليًا على البؤر الاستيطانية في شمال الضفة الغربية ووسطها، قبل التوجه إلى مناطق الخليل (مسافر يطا) والأغوار حيث توجد البادية الفلسطينية. وتشمل تلك الخطة تخصيص مئات الملايين من الشواقل لتمويل البؤر الاستيطانية، بالإضافة إلى بناء طرق وتوفير الكهرباء والمياه لهذه البؤر. يهدف ذلك إلى تعزيز وتوسيع الاستيطان الصهيوني وتشجيع المستوطنين على الاستقرار في تلك المناطق، مما يعمق الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني.

كما ذكر تقرير فلسطيني أن النصف الأول من العام الجاري شهد أرقامًا قياسية في عدد الوحدات الاستيطانية التي تم الترويج لها في مرحلة المصادقة النهائية على بناء المشاريع الاستيطانية. وقد بلغ إجمالي عدد الوحدات الاستيطانية 12855 وحدة في الضفة الغربية، حيث شهدت القدس الشرقية إقامة 7082 وحدة استيطانية جديدة.

وتنوه التقرير أيضًا إلى أن حكومة الاحتلال قد صادقت على تخصيص 230 مليون شيقل لاستكمال الطريق الأميركي، المعروف أيضًا باسم الطريق الدائري الشرقي، في القدس الشرقية المحتلة ضمن مشروعات المواصلات التي تم تضمينها في الخطة الخمسية. يهدف هذا المشروع إلى تحسين وتوسيع البنية التحتية للمستوطنات في المنطقة، ويعتبر جزءًا من الجهود المستمرة لتعزيز الوجود الاستيطاني في المنطقة المتنازع عليها.

في الوقت نفسه، يعكف وزير المالية ووزير الاستيطان في وزارة جيش الاحتلال بتسلئيل سموتريتش على إعداد خطة لإضفاء الشرعية على 155 بؤرة استيطانية عشوائية في الضفة الغربية المحتلة مستخدما سيطرته على وزارة المالية والإدارة المدنية لتنفيذ خطته.

تهدف هذه الخطة إلى رسم خرائط لجميع البؤر الاستيطانية الإسرائيلية “غير القانونية” في الضفة الغربية المحتلة، وذلك بهدف تسهيل إضفاء الشرعية عليها جميعاً في نهاية المطاف. من خلال استخدام سلطته في وزارة المالية والإدارة المدنية، يعمل سموتريتش على تنظيم وتنظيم هذه البؤر الاستيطانية وتوفير الدعم المالي لها، بهدف تعزيز وتوسيع الاستيطان في المناطق المحتلة.

من المهم أن نلاحظ أن هذه البؤر الاستيطانية تعتبر غير قانونية وغير مشروعة وفقًا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، حيث تعتبر بمثابة انتهاكات جسيمة لحقوق الفلسطينيين وعرقلة لعملية السلام. ومع ذلك، يسعى وزير المالية ووزير الاستيطان إلى تمرير خطة تهدف إلى إضفاء الشرعية على هذه البؤر الاستيطانية من خلال استغلال الموارد المالية والسلطة المديرية المتاحة لهم.

ولعل أخطر الظواهر على الاطلاق هو ما تقوم به عصابات المستوطنين المسلحة الإرهابية من اعتداءات مخططة ومنهجية على سكان الضفة الغربية، بغرض طردهم من مناطق سكنهم وتدمير زراعتهم ومعيشتهم، لتسهيل استيلاء المستعمرات الاستيطانية عليها.

هذه العصابات الإرهابية، بمن فيها من يسمون “فتيان التلال” تمثل تكراراً، أكثر فاشية ووحشية، لعصابات الإرهاب الصهيونية مثل الإرغون وأيتسل والهاغاناه التي استخدمت في عامي 1947 و 1948 لتنفيذ التطهير العرقي ضد الفلسطينيين الذي شمل إزالة 520 بلدة وقرية فلسطينية من الوجود وارتكاب 52 مجزرة وحشية مثل مجزرة دير ياسين والطنطورة، وتهجير حوالي 70% من سكان فلسطين.

وتشمل جرائم عصابات المستوطنين قائمة طويلة من الأعمال الإرهابية، من أبسطها اقتلاع أشجار الزيتون، وتدمير المحاصيل الفلسطينية، إلى إطلاق الرصاص على المدنيين الفلسطينيين العزل، ومهاجمة السيارات الفلسطينية على الطرق بالحجارة والرصاص، إلى أخطرها بالاقدام على محاولة حرق وإزالة بلدات بكاملها كما جرى في بلدة حوارة جنوبي نابلس، والهجمات الإرهابية المتكررة على التجمع الفلسطيني في عين سامية، والذي أسفر عن سابقة لم تحدث منذ عام 1967 بإجبار سكان التجمع على ترك مساكنهم والرحيل إلى مناطق أخرى.

ولا يمر يوم من دون أن تتعرض القرى والبلدات الفلسطينية، خصوصاً المجاورة للأراضي التي صادرتها المستوطنات لإعتداءات إرهابية، رأينا أمثلة صارخة عليها في حرق عائلة الدوابشة في بلدة دوما في منطقة نابلس، وحرق الفتى الفلسطيني محمد أبو خضير حياً بعد اختطافه.

في شهر نيسان الماضي وحده هاجمت العصابات الارهابية الاستيطانية قرى دير جرير، و دير دبوان، وراس كركر، وترمسعيا، وسنجل، والمغير، وامنيزل، واللبن الشرقية، ومخماس، والمزرعة القبلية، وكفر قدوم، وحوارة، ومسافريطا، وحمصة في الأغوار، ويرقة، والقادسية، والقائمة تطول. هذا بالاضافة إلى الاعتداءات التي لا تتوقف على البلدة القديمة في الخليل التي يخضع 25 ألفاً من سكانها لقمع وحصار مستمر لصالح 500 مستوطن غير شرعي في المدينة، وما تتعرض له مدينة القدس ومحيطها من هجمات استيطانية مدعومة من جيش الاحتلال، بما في ذلك اقتحامات المسجد الأقصى ومحاولة فرض صلوات يهودية فيه وتقسيمه زمانياً ومكانياً.

ولم تتورع المحكمة العليا الاسرائيلية عن إصدار قرار بتهجير آلاف من سكان مسافر يطا الفلسطينيين، لتخصيص أرضهم للمستعمرين المستوطنين. ويمتليء موقع منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية – بتسيلم، بفيديوهات وصور بالمئات توثق اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين.

يمثل التوسع الاستيطاني الاستعماري، إلى جانب مصادرة الأراضي وهدم بيوت الفلسطينيين وحرمانهم من حقهم في العيش والبناء في القدس وما يزيد عن 62% من مساحة الضفة الغربية التي تسمى مناطق (ج) أجزاء من مخطط استراتيجي صهيوني متكامل يسعى، ويحلم، بتكرار نكبة عام 1948 في الضفة الغربية بغرض تهويدها وضمها لإسرائيل. ولا يخفي قادة إسرائيل من نتنياهو إلى الفاشيين سموتريتش وبن غفير نواياهم في هذا الشأن.

غير أن تنظيم المستعمرين المستوطنين الذين يسيطرون على حوالي 400 ألف قطعة سلاح، في مجموعات مسلحة إرهابية، وتشجيعهم على شن الهجمات على المدن والقرى الفلسطينية، بحماية جيش الاحتلال ، ورعايته يجسد انتقالا حاداً وخطيراً للغاية لتحويل فكرة التطهير العرقي مجدداً من تصور وخطة نظرية إلى تطبيق عملي ملموس.

يمثل هذا التصعيد واحداً من أكبر التحديات التي تواجه الحركة الوطنية الفلسطينية بكل مكوناتها، في ظل صمت وتواطؤ دولي مستمر، وازدواجية مشينة في المعايير الدولية، وعجز عربي عن التصدي الفعال للجرائم الإسرائيلية.

ولا يمكن مواجهة هذا التحدي إلا بإستراتيجية منهجية فلسطينية موحدة، تستند إلى إدراك أننا في مرحلة مواجهة وكفاح متصاعد مع الحركة الصهيونية، ولسنا في مرحلة حل وسط معها، بعد أن تنكرت لكل الاتفاقيات، وألقت بها في سلة المهملات، وجعلت مما سمي بعملية “السلام والمفاوضات “مهزلة عدمية.

وبدل الاستمرار في الصراعات والمناكفات والانقسامات الداخلية الفلسطينية، والتنافس السخيف على المواقع في سلطة تحت الاحتلال، ستذروها بالتأكيد هجمات المستوطنين وجيشهم في نهاية المطاف، آن أوان تنحية كل تلك الخلافات والتوحد على نهج مقاومة كفاحي مشترك لمواجهة خطر التطهير العرقي الجديد، فالاحتلال وحكام إسرائيل، والمستوطنون المستعمرون يرسلون في كل دقيقة رسالة واحدة إلى الشعب الفلسطيني والعالم بأسره، أنهم لا يفهمون إلا لغة القوة، ولن يردعوا إلا بمقاومتهم، والتصدي لمخططاتهم. وأبرز أشكال القوة الرادعة، أن يتوحد الشعب الفلسطيني بكل مكوناته في مقاومة شعبية موحدة للمستوطنين وجيشهم.

واذا نظرنا الي مواقف وردود الفعل الدولية تجاه الخطة الخماسية الإسرائيلية والاستيطان اليهودي في القدس الشرقية تعكس تباينًا كبيرًا في الآراء والمواقف. هناك دول تدعم هذه الخطة وتعتبرها إجراءات لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، بينما تعارضها دول أخرى وتعتبرها انتهاكًا للقانون الدولي وحقوق الفلسطينيين.

على المستوى الدولي، أعربت العديد من الدول العربية والإسلامية عن رفضها القاطع للخطة الخماسية الإسرائيلية واستنكارها للممارسات الاستيطانية اليهودية في القدس الشرقية. وقد أصدرت بعض الدول بيانات رسمية تدين هذه الخطة وتدعو إلى وقف الاستيطان واحترام حقوق الفلسطينيين.

من جانبها، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها العميق إزاء الخطة الخماسية الإسرائيلية وأكدت على ضرورة الامتناع عن أي إجراء يؤثر على حالة القدس الشرقية ويعرقل تحقيق حل الدولتين المستدام والعادل.

من الجانب الأوروبي، أعلنت الاتحاد الأوروبي عن موقفه الثابت برفض الاستيطان اليهودي في القدس الشرقية وأكد على ضرورة الالتزام بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

وعلى المستوى الأمريكي، فإن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب قدمت دعمًا قويًا للخطة الخماسية الإسرائيلية واعترفت بالقدس كعاصمة لإسرائيل. ومع ذلك، فإن الإدارة الحالية للرئيس جو بايدن تبدي استعدادًا لإعادة التفاوض والتوصل إلى حل سلمي يلبي مطالب الجانبين.

إجمالًا، تظهر مواقف وردود الفعل الدولية تجاه الخطة الخماسية الإسرائيلية والاستيطان اليهودي  تباينًا كبيرًا وعدم اتفاق على الحل الأمثل. ومع ذلك، فإن هناك توافقًا على أن الاستيطان اليهودي يعتبر عائقًا أمام تحقيق السلام ويجب أن يتوقف من أجل إحلال السلام والاستقرار في المنطقة.

ويمكن القول إن الاستيطان اليهودي يؤدي إلى تفاقم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ويعرقل جهود التسوية السلمية. ويجب أن يتوقف الاستيطان ويتم احترام حقوق الفلسطينيين وإقامة دولتهم المستقلة بجانب إسرائيل، وذلك لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.

أخيراً، يجب على الجهات المعنية أن تعمل بجدية على تحقيق العدالة والمساواة في القدس الشرقية وضمان حقوق جميع السكان، بما في ذلك اليهود والفلسطينيين. يجب أن تكون القدس مدينة متعددة الثقافات والأديان ومفتوحة للجميع.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.