الشعب الليبي عصي على التطبيع رغم اندلاق حكومة “الدبيبة” على الكيان الصهيوني / عليان عليان

عليان عليان ( الأردن ) – الأحد 3/9/2023 م …




استحضرت وأنا أكتب هذا المقال، ما قاله “مصطفى الفقي” رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشعب المصري، إبان حكم الرئيس البائد حسني مبارك ” ، بأن الوصول إلى قلب أمريكا يمر من بوابة ( إسرائيل)”.

اللقاء التطبيعي بين نجلاء المنقوش- وزيرة خارجية حكومة الوحدة الوطنية (طرابلس) برئاسة عبد الحميد الدبيبة – وبين وزير الخارجية الصهيوني إيلي كوهين ، جاءت لتؤكد ما ذهب إليه ” مصطفى الفقي” ، فحكومة الدبيبة حتى تحصل على الدعم الغربي وخاصةً الأمريكي في معركة الشرعية من أجل البقاء في السلطة، في مواجهة حكومة الشرق الليبي المدعومة من الجنرال حفتر ، عملت على نقل التطبيع السري مع الكيان إلى الحالة شبه العلنية ، ولا يغير من واقع الأمر تنصل الدبيبة من واقعة التطبيع ، بزعم أن لقاء المنقوش مع الوزير الصهيوني هو تصرف فردي ويعكس عدم النضج الدبلوماسي .

الدبيبة – حسب العديد من المصادر -كان يعلم علم اليقين بأن خبر اللقاء سيتسرب من قبل أكثر من طرف ، وكان مستعداً لذلك ، وأراد من هذه النقلة الفاقعة في التطبيع ،أن تكون بالون اختبار لقياس ردة فعل الشارع الليبي حيال التطبيع مع الكيان الصهيوني، فإذا كانت ردة الفعل باهتة يمضي بها ، ويبني عليها لاحقاً بإقامة سفارات وقنصليات متبادلة ، في إطار مسلسل التطبيع الإبراهيمي وإذا كانت ردة الفعل صاخبة يتنصل منها الدبيبة ويجعل من وزيرته ” كبش فداء ” ، لكن تعليق مكتب المنقوش على قرار إيقافها جاء ليفضح طابق حكومة الدبيبة ،عبر تصريح محدد “بإنّ اللقاء مع كوهين كان بإذن من الدبيبة، وجاء بعد أن اجتمع الأخير في روما مع رئيسة حكومة إيطاليا، جورجا ملوني الشهر الماضي، واتفق معها على ترتيب اللقاء مع الإسرائيليين.

فعملية التطبيع الرسمية لحكومة طرابلس مع الكيان الصهيوني تمت بشكل مبرمج ومنسق في إطار خطوات متدرجة ، برعاية أمريكية وتحديداً من قبل رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية ” وليام بيرنز ” تمثلت فيما عدة لقاءات يلي:

1-لقاء رودس ، الذي جمع وزير الإعلام والثقافة والآثار الليبي السابق عمر القويري ، مع وفد إسرائيلي ضم وزير الاتصالات الإسرائيلي، أيوب قرّة، ووزيرة المساواة الاجتماعية آنذاك، جيلا جمليئيل والتي تنحدر والدتها من ليبيا ، واللواء المتقاعد، يوم توف سامية، وهو أيضاً من أصلٍ ليبي ، ورئيس اتحاد اليهود الليبيين رافاييل لوزون في حزيران/يونيو 2017 والذي رتبه الأخير برعاية أمريكية ، وأسفر اللقاء عن متابعة عملية التطبيع والبحث في عودة اليهود الليبيين إلى ليبيا ،حيث أكد المسؤول الليبي على حق اليهود الليبيين العودة إلى وطنهم الأم ” ليبيا”، ووفق وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن لوزون عمل على طبخ عملية التطبيع مع الحكومة الليبية منذ ست سنوات..

2- زيارة وزير العمل الليبي علي العابد إلى رام الله، قادماً من الأردن بتأشيرة إسرائيلية كانت بمثابة أول تمهيد لتطبيع علني ليبي مع الكيان الصهيوني عبر البوابة الفلسطينية وإن كان قد بررها بلقاء الدكتور نصري أبو جيش، في اجتماع الشركاء لدعم تنفيذ الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية للتشغيل ، ولم يكتف بزيارة رام الله بل توجه إلى القدس بذريعة الصلاة في المسجد الأقصى ، حيث تسربت أنباء عن إجراء لقاءات مع مسؤولين صهاينة في المدينة.

3- وحسب وكانت وكالة “نوفا” الإيطالية، فإن الدبيبة يسعى لتطبيع العلاقات بـ”إسرائيل” بشكل علني في مقابل البقاء في السلطة، وأن هناك عملية تجري منذ مدة لجسّ النبض بين “تل أبيب” وطرابلس برعاية أميركية، وأن هذه العملية كانت إحدى مطالب وليام بيرنز رئيس الاستخبارات الأميركية، أثناء زيارته للعاصمة الليبية في كانون الثاني/يناير 2023 .

ولفتت الوكالة إلى أن أحد المقرّبين إلى الدبيبة التقى ممثلين عن الموساد، وطلب دعم الولايات المتحدة لبقائه في السلطة، وأن الأخير طلب تأجيل الانتخابات الرئاسية بحجّة عدم توافر الظروف الملائمة لإجرائها، في مقابل تطبيع العلاقات بـ”تل أبيب”..

الشعب الليبي عصي على التطبيع

ردة فعل الشارع الليبي كانت فوق المتوقع ، من خلال المظاهرات الصاخبة في مختلف المدن الليبية التي أحرقت فيها الأعلام الإسرائيلية، وطالبت بمحاكمة الوزيرة ” نجلاء المنقوش، وتحميل الدبيبة مسؤولية ما حدث ، والتي ترافق معها موقف دار الإفتاء وموقف المجلس الرئاسي ، وموقف المجلس النيابي في الشرق ، حيث أدانت مختلف الأطراف الخطوة التطبيعية ، معلنة أن التطبيع خط حمر بالنسبة لمختلف أطياف الشعب الليبي وأنها في خندق الشعب الفلسطيني في مواجهة الكيان الصهيوني الغاصب.

وهذا الموقف من الشعب الليبي يؤكد للمرة الألف ، أن الشعوب العربية ضد التطبيع مع العدو الصهيوني ، وأنها تعتبر الصراع معه صراع وجود ، ولا يغير من واقع الصورة التدليس الذي تقوم به الحكومات المطبعة، لتزوير إرادة شعوبها ، ناهيك أنه يوجه رسالة للبيادق العميلة وللكيان الصهيوني وللإدارة الأمريكية ولدول الغرب الرأسمالي عموماً أن قضية فلسطين هي قضية الشعب الليبي المركزية ، رغم ما يمر به من صعوبات جراء صراعات السلطة بين مختلف الأطراف في البلاد.

كما أن هذا الموقف من الشعب الليبي ، يكشف ويؤكد على ما يلي :

1-حقيقة ثورات الريع العربي المزعوم ،بأنها في التحليل النهائي في خدمة الغرب والمشروع الصهيو أميركي .

2-ا أن لشعب الليبي عصي على التطبيع ، كما هو الحال بالنسبة للشعب المصري والشعب الأردني والشعب التونسي وبقية الشعوب العربية.

3- أن هذا التطبيع كشف وبأثر رجعي الأبعاد والاستهدافات الخاصة، من إسقاط نظام العقيد معمر القذافي المعروف بتوجهاته القومية ، بدعم فرنسي وأمريكي ومن دول خليجية تدور في فلك واشنطن .

اللواء حفتر والتطبيع مع الكيان الصهيوني

ما يجب الإشارة إليه هنا أيضاً، أن عراب حكومة حكومة بنغازي، اللواء “خليفة حتر” في الشرق الليبي ، هو الآخر دخل في سياق تطبيعي سري مع الكيان الصهيوني ، عبر إرسال ابنه ” صدام” في زيارات إلى تل أبيب ، أكثر من مرة ، وكشفت عنها وسائل الإعلام الصهيونية ، وذلك بهدف كسب الرضا الغربي والأمريكي في إطار منافسته مع حكومة طرابلسٍ.

وكانت وسائل إعلام إسرائيلية، قد كشفت في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، أنّ صدّام خليفة حفتر حمل من أبيه رسالة إلى “إسرائيل” يطلب فيها مساعدة إسرائيلية، سياسياً وعسكرياً، في مقابل تعهده إقامة علاقات دبلوماسية مستقبلية بين الطرفين.

وذهبت صحيفة ” إسرائيل هيوم” إلى الادعاء بأن حفتر سيعمل على تحقيق هذا التطبيع بعد الانتخابات الرئاسية الليبية ، والتي كانت ستعقد في 24 كانون الثاني ( يناير) 2022 وأن حفتر- وفق مسؤول حملته الانتخابية- لم يجهر بهذا الموقف ، خشية من أن يلحق ضرراً باحتمالات فوزه في الانتخابات..

استياء إسرائيلي وأمريكي من تسريب خبر اللقاء التطبيعي

لقد وجهت أطراف في المعارضة الصهيونية انتقادات كبيرة لوزيرة خارجية الكيان إيلي كوهين ، لتسريب اللقاء مع المنقوش لوسائل الإعلام الإسرائيلية ، ورأت في سلوك كوهين محاولة بائسة ومكشوف لتعزيز موقف ” الليكود” في إطار الائتلاف الحكومة ولأغراض انتخابية .

وكشفت القناة (12) الإسرائيلية بأن قادة جهاز ” الموساد” استشاطوا غضباً من تسريب خبر اللقاء ، لأنه ضرب في الصميم جهود الجهاز في هذا المجال ، ورأوا أن هذا الكشف يصعب إصلاحه ، بل يعرض حياة أشخاص للخطر .

 لكن الاستياء الأكبر جاء من إدارة الرئيس الأمريكي ” جو بايدن” بعد الكشف عن الاجتماع مع الوزيرة نجلاء المنقوش ، حيث كشف موقع ” والاه” الإسرائيلي أن مسؤولين أمريكيين كباراً قالوا : أنه تم نقل رسائل قاسية اللهجة لوزير الخارجية الإسرائيلي ” إيلي كوهين” وكبار المسؤولين في وزارة الخارجية مفادها : “أن كشف ( إسرائيل) للاجتماع أضر بالجهود الأمريكية ، في تعزيز التطبيع بين ( إسرائيل) وليبيا ودول عربية أخرى وزعزع استقرار ليبيا ، وأضر بالمصالح الأمنية الأمريكية” ، وأوضح المسؤولون الأمريكيون أن إدارة بايدن ، عملت على مدى العاميين الماضيين ، على تعزيز انضمام ليبيا إلى اتفاقيات التطبيع مع ( إسرائيل) ، مشددين على أن تسريب أمر الاجتماع ، يقوض بشدة هذه الجهود، ويعرقل انضمام دول عربية أخرى إلى عملية التطبيع.

لماذا التطبيع مع ليبيا ؟

وحسب العديد من الباحثين فإن الكيان الصهيوني ، سعى إلى توثيق العلاقة مع كل من رئيس وزراء حكومة طرابلس ” عبد الحميد الدبيبة” ومع منافسه اللواء خليفة حفتر ، وأنه في المحصلة سيكون مع الحصان الفائز ، لعدة اعتبارات أبرزها :

1-موقع ليبيا الجيوسياسي والاستراتيجي الممتد على مسافة 1850 كم على ساحل البحر المتوسط ، والتي تعد رابع دولة في أفريقيا من حيث المساحة 1,760,000 كيلومتر خاصةً وأن ( إسرائيل) تبحث عن بوابة شرقية في المتوسط، لتمكينها من احتواء المغرب العربي ، خاصة بعد توقيع اتفاق التطبيع مع المملكة المغربية في 10 ديسمبر ( كانون أول) 2020 ، وبعد محاولاتها الجادة لمعاودة التطبيع مع موريتانيا ، والأهم من ذلك أن تطبيعها مع ليبيا يقربها من الجزائر التي تشكل صداعاً للكيان الصهيوني في القارة الإفريقية خاصةً بعد أن حالت دون حصولها على عضوية مراقب في الاتحاد الافريقي ، ونظراً لدورها المركزي في دعم القضية الفلسطينية.

2- البعد الاقتصادي بحكم أن ليبيا دولة غنية بالنفط ، إذ يبلغ إنتاجها من النفط ي 1.2 مليون برميل يومياً ، من خلال استخراجه من (7) حقول ، وحسب “حسني عبيدي”، مدير مركز الدراسات والبحوث بشأن العالم العربي ودول المتوسط في جنيف، فإن “إسرائيل” تسعى لمدّ أنابيب غاز تحت سطح البحر، كجزء من مشروع “إيست ميد” الهادف إلى نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا (عبر اليونان وإيطاليا في الأساس) ، وهذا يقتضي موافقة أنقرة ، التي يصعب الحصول عليها نظراً ما يمثله المشروع الإسرائيلي من تقويض لطموحات تركيا بشأن التحوّل إلى مركز طاقة إقليمي، كونه ينافسه في الأساس المشروع التركي المُسمى “ممر الغاز الجنوبي” لنقل 31 مليار متر مكعب من غاز أذربيجان إلى أوروبا، من ناحية أخرى.

3- للحيلولة دون استمرار توريد السلاح من ليبيا إلى حركات المقاومة ، وتحديداً إلى قطاع غزة ، خاصةً وأن ليبيا قد شكلت مصدراً هاما لتوريد السلاح الذي امتلكته بشكل هائل في عهد العقيد القذافي .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.