الليبرالية والديمقراطية والعلمانية والعبيد / صالح عوض

صالح عوض  – الاثنين 4/9/2023 م …




المخدوعون والمخادعون هي المعادلة التي تمت محاولات فرضها في الواقع كعلاقة ثابتة بيننا والغرب،  شرط المعادلة الأول أن نكون نحن المخدوعين نقدم أوطاننا وديننا وثرواتنا لهم –للمخادعين- يفعلوا بها ما شاءوا لكي يمنحونا شعارات حول الديمقراطية ومصطلحاتها وتفرعاتها وحول الليبرالية وشروطها وموضوعاتها وحول ضرورة العلمنة والتغريب إلى درجة أن بعض مثقفينا لم يروا لبلادنا مستقبلا إلا في اللحاق ثقافيا وسياسيا واقتصاديا بعجلة الآخر وفي سبيل ذلك كانت التضحية بالأوطان والأديان والثروات.. وبهذه الشعارات الفارغة المخادعة يتم التسلل لمكامننا وتحطيم حصوننا واحدا تلو الآخر إنها عملية مستمرة منذ قرون ولا زالت في أوج سعارها متخذة من بلاد العرب وإفريقيا ساحة نموذجية لها.. إنهم لم يؤمنوا يوما بحقوق الإنسان ولا كرامته ولا حرياته.. أبادوا شعوبا واستباحوا ثرواتهم وأقاموا-الغربيون- الكيان الصهيوني غصبا وعنوة في قلب العرب على أرض فلسطين وهجروا أهلها الى شتات الأرض بعد مجازر فظيعة.. انهم يريدون أرضنا ونفطنا وأسواقنا ولان ذلك لا يمكن ان يمر في وجود احساس بالذات والانتماء يصار من خلال عملية مركبة لتدمير الحصون.

 الديمقراطية و الحريات السياسية:

على طريقة النخب الغربية الثقافية والسياسية يبدأ التأريخ للعالم من زاوية قراءة التاريخ في المجتمعات الغربية بمنظار مفكري وسياسيي ما يعرف بعصر النهضة فالقطيعة التي تمت مع الماضي في الفكر الغربي كانت تعني بالتمام انهاء احد ابعاد الانسان والمجتمع حيث تم الانشغال بالخارج الذي له علاقة بعجلة الاقتصاد وتفريغ الداخل من كل الكوابح والضوابط النفسية والاخلاقية وتم تعميم مصطلحات عديدة من شاكلة التنوير والحداثة والنهضة والحضارة وهم في هذا يصرون ان تكون هذه مسلمات لثقافة الاخرين ومناهجهم فمصطلح مرحلة القرون الوسطى الذي أصبحنا جميعا نكرره  تحت ضخ اعلامي وثقافي وسياسي كانت العصر الذهبي للعرب والمسلمين وهكذا.. كما أن صراعاتهم ضد الكنيسة والدين هو نفسه المفهوم المعلب الذي يصدروه لنخب منا، وهنا لن نشير الى طبيعة تشكل الدولة في الغرب لاسيما امريكا وكندا حيث تم ذلك على جثث عشرات ملايين البشر، كما ان صراخات الغربيين عن ضرورة الديمقراطية والليبرالية في افريقيا والعالم العربي تأتي على ارضية مجازر ضاع ضحيتها ملايين البشر ودمرت حواضر وثقافات وحياة انسانية جميلة..

 رغم أن مناقشة ما سبق ضروري لكي نعرف خلفيات التوجه الغربي الثقافي والسياسي وكيف تم تشكل العقل الغربي والبيئة التي انطلق منها.. إلا أننا سنكتفي بالإشارة الى البناء السياسي الثقافي المعاصر والذي يتقدم على اعتبار انه عصر التنوير والحريات وما يندرج تحتها من عناوين الليبرالية والعلمانية والديمقراطية وحقوق الإنسان أي منذ بدأ تشكل النظام الدولي الجديد الذي أصبح يتحرك في العالم كله على اعتبار انه مزرعة له.. في هذا العصر ارتكبت المؤسسة السياسية والثقافية الغربية جريمة مركبة داخليا وخارجيا.. على الصعيد الداخلي لقد كانت المجازر والحروب الداخلية في أوربا لاسيما الحرب العالمية الأولى والثانية، وفي داخل كل بلد تحرك النظام الاقتصادي الرأسمالي يفرض على الناس واقعا اجتماعيا يجدد عملية الاستعباد والعبودية من خلال هيمنة البنوك، وفلسفة الاستهلاك وتدمير الجوانب القيمية التقليدية وبعث الغرائز لتحقيق سياسات كونية جوهرها تحقيق الربح ومزيد من الربح لعصابة المال الدوليين..

وبسهولة يمكن الاشارة لما يحصل في النماذج الديمقراطية الغربية حيث تبرز عيوب الديمقراطية ومثالبها في المجتمعات الغربية ويكفي ان نقترب من تحليل النظام السياسي الامريكي الذي أصبح أكثر وضوحا في ميوله العصبوية حول مراكز المال واذا بالديمقراطية حالة وهمية لا قيمة لها بعد ان اصبح الناس جميعا رهينا لاحد الحزبين المتحكمين.. وها هي العملية الانتخابية التي تشير الى العمل الديمقراطي تكشف تفاهة العملية تماما ففي بلد هو امريكا كم هي نسبة الذين يشاركون في العملية الانتخابية و ا ناي ناخب امريكي مضطر ان يدلي بصوته لاحد المرشحين الذين يجمعون على خط سياسي مشترك ويكفي فضحا للديمقراطية الغربية انها مغلقة امام اي انسان مهما كانت ملكاته الخاصة ان لم يكن مرشحا من اي الحزبين.

قرن من العلمنة المنظمة:

لقد كانت بذور العملية في أكناف الحملة الفرنسية على المشرق في نهاية القرن الثامن عشر.. فلقد كانت سفن نابليون لا تحمل الجنود فقط بل ومئات المستشرقين ومعهم مطبعة لبث الأفكار والثقافة.. ومنذ أكثر من قرن تركزت الحملات الغربية بناء على دراسات المستشرقين تبث أفكارها وتصنع مثقفين عرب ومسلمين تشككهم في ثقافتهم وتاريخهم وتنتج لهم روايات جديدة عن قياداتهم وملاحمهم وتعمل بكل دأب لتفتيت البنية الصلبة في المجتمعات العربية والإسلامية ممثلة في اللغة والدين.. وذلك لصناعة جيل يتسلم من المهمات الداخلية ما ينوب به عن الاستعمار المباشر.

كانت القاهرة وطهران واسطنبول ساحة المعركة الكبيرة التي حقق فيها المستشرقون والمؤسسات الغربية انتصاراتها الكبيرة وبخطى متقاربة تم عزل قطاع متنفذ من النخب عن انتمائه الوطني والقومي والديني ليكرر ما يراد له ويزين له ومن خلال تدخلات واضحة تم تلميع تلك النخب والسهر على ايصالها الى سدة الحكم وقيادة المشاريع الثقافية في المجتمعات العربية والاسلامية.. وهكذا تم اسقاط النظام السياسي الخاص بالامة وتقسيم الوطن العربي والعالم الاسلامي واستبدال الشريعة بالقانون الفرنسي والنمساوي.. وفي مناطق عربية اسلامية اخرى كالجزائر تم التغريب تحت سطوة البطش والقوة والقهر الفاقع وتدمير مؤسسات البلد العلمية والثقافية لانهم كانوا بصدد ابادة البلد والحاقه بشكل نهائي بفرنسا.. وهكذا لم ينهج المستشرقون والمؤسسات التغريبية سبيلا واحدا بل حسب كل موقع في الامة في اتجاه التدمير الشامل لشخصية الامة وبواعثها وبمعنى اكثر وضوحا تفريغ الفرد والمجتمع من ضوابطه وقيمه وانتمائه.. اما بالتجهيل واما بالتشويش والتشكيك.

تجارب التدمير:

لم يعد الامر يحتاج كثيرا من الادلة وذكر الوقائع للتأكيد على حقيقة أهداف الاستعمار عبر كل أطواره، حيث أصبحت مصطلحات الديمقراطية والليبرالية والعلمنة أوراق في سلسلة السيناريوهات المحتملة عندما يراد تطوير استغلال الثروات او محاربة النظام ان حاول الخروج عما رسم له.. وكما نتابع الان مواقف الحكومة الفرنسية مما يجري في افريقيا وكأن القارة قد أصبحت ملك يمين للحكومات الغربية التي استعمرت القارة 300 سنة بعد ان تم جلب ملايين الافارقة المسلمين الى اوربا وامريكا عبيدا بعد مجازر رهيبة ارتكبها المستعمرون في افريقيا.

وبالملاحظة السريعة نكتشف عنوان الربيع العربي الذي اودى بمجموعة دول عربية واسقطها وحولها الى ساحات اقتتال وتآكل ذاتي.. فلقد جلب المعارضون في العراق الخراب لدولة لم تستطع ان تخرج من التيه بعد اكثر من عشرين عاما والامر نفسه ينساق على سورية وليبيا والسودان واليمن.. ولقد أصبح واضحا أن الاسناد الغربي للديمقراطية وحقوق الانسان في بلادنا ليس الا لكي تتم عمليات ابتزاز للنظام العربي.

ولكن حتى لايفهم ان هذا السياق في الكلام يصادر مطالب الناس في المطالبة بما لهم من حقوقهم واجبة ولكنه يكشف الطريقة الخبيثة التي خلطت بين الشعارات وهنا لابد من التأكيد ان اكثر ما تستنكره الادارات الغربية ان ينال شعب ما في البلاد العربية والافريقية حريتها وكرامتها لان ذلك يعني ببساطة استعادة الثورات..

وما يجري في اكثر من بلد افريقي الان يكشف حقيقة الشعارات وهذا يعني بوضوح ضرورة السير في طريق اخر لاسترداد حقوق الناس وثرواتهم في اطار عملية متكاملة تحمي الانسان من اخطر ما يستهدفه من عمل استعبادي.

المواجهة الضرورية:

لابد من التفكير في خارج دائرة التشويش والتشكيك الثقافي والتصدي بعملية رصينة للمشروع الثقافي الامني الاجنبي، وهذا يعني بوضوح أن نتجنب المعارك التي يفجرونها في المجتمع لاسيما تلك التي لها علاقة بالاثنيات اللغوية او المذهبية او الجهوية.

انه لمن العيب ان نظل ندور في حلقات الحوار حول الهوية والاثنية اللغوية والعرقية ولا يظنن عاقل ان مثل هذا الاشتباك يتم بدون توجيه استعماري استشراقي امني، ويكفي ان ندرك ماهي الخسارات الفادحة التي يمناها المجتمع العربي والاسلامي وهو يبذل من جهده وثرواته وهو يحاول معالجة قضايا عصبوية تزيد من تخلفه وارباط مثقفيه بدوائر صنع القرار في الغرب..

لقد أصبحت الديمقراطية تعني فتح المجال لبروز التيارات الانفصالية في مجتمعاتنا اما الليبرالية فتعني التفسخ القيمي والاجتماعي وفلتان الغريزة وتهتك المرأة، وحقوق الانسان عبارة عن تدعيم المناهضين للنظام لاسيما المرتبطين بالثقافة الغربية

اننا نواجه الان اخطر عمليات التمويه والخداع التي مارسها الاستعمار الحديث فكانت بمثابة دورية استطلاع واختراق بالرصاص الحي تمت في جنح الظلام لتدمير كياناتنا السياسية والاجتماعية.. انتصرت هذه العملية في أماكن كثيرة ولا زالت مستمرة كالسرطان مزودة بالسلطة والمال والاساليب الأكثر قذارة.. ولديها قدرة عجيبة على توجيه كثير من خصومها حيث تريد وحيث لا يشعرون.. وفي هذه العملية يتم تهميش كل حر ومخلص او تشويهه او نصفيته.. وكان اشد هجومات هذه العملية موجهة ضد التراث والدين والقيم

وتفترض المواجهة ان نمتلك ادواتنا الذاتية وان نستند الى روايتنا الحضارية وان نؤكد مسلمات حويتنا التي تحمينا داخليا بحيث نظل في موقع القدوة الانسانية بما نكتنز من قيم واخلاق وروح يفتقدها الغربيون وفي الوقت ذاته نفضح وسائل المستشرقين ونضع خطا احمر امام أي محاولة استشراقية امنية للتأثير على ابنائنا ومجتمعاتنا بمعنى ان يكون الامن الثقافي والاجتماعي بنفس درجة الامن السياسي والعسكري..

لابد ان نتحرر من مداراة تلك المصطلحات ومسايرتها بعد ان نفضحها ونستعيد روح هجومنا الفكري والثقافي بما نمتلك من منظومات قيمية وثقافية ولنستعيد زمام المبادرة من اجل قيامنا بالدور المطلوب في المراحل القادمة حيث اصبحنا بما نملك من روح وثروة المؤهل الوحيد لنقل الانسانية الى مستوى انساني كريم.

..

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.