“نفق الحرية”.. كيف صُقلت المقاومة الفلسطينية من داخل السجون؟

الأردن العربي – الاثنين 4/9/2023 م …




شكّلت عملية تحرّر الأسرى الستة من سجن جلبوع (نفق الحرية)، إسناداً معنوياً للشعب الفلسطيني. وساهم الأسرى، بدورهم ورسائلهم، من داخل السجون، في تعزيز المقاومة في الضفة المحتلّة وفي نفوس جيل الشباب الجديد.

شكّلت عملية تحرّر الأسرى الستة، (عملية نفق الحرية)، من سجن “جلبوع”، اختراقاً أمنياً لكيان الاحتلال الإسرائيلي، ومصلحة سجونه. وإلى الآن، لا يزال الاحتلال تحت تداعيات هندسة العملية وآلية الحفر والخروج من تحت الأرض، رغم مرور سنتين. 

لكن، على المقلب الآخر، مثّلت هذه العملية النوعية في تخطيطها وتنفيذها، جرعةً معنوية للشعب الفلسطيني، ومدّت الشارع بزخم، ساهم من داخل السجون، في دفع المقاومة على امتداد البلاد، وخاصةً في الضفة الغربية المحتلّة. 

كتيبة جنين.. كتيبة الأسرى الستة

عقب تحرّر الأسرى، مهندس العملية محمود العارضة، زكريا الزبيدي، يعقوب القادري، محمد العارضة، أيهم كممجي، ومناضل نفيعات، أعلن الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، زياد النخالة، في اليوم نفسه، السادس من أيلول/سبتمبر عام 2021،  تسميتهم بـ “كتيبة جنين”، مؤكداً أنها “كتيبة الحرية، كتيبة جنين الملحمة”. 

مهمّة حماية الأسرى الستة كانت إعلاناً رسمياً لبدء العمل المسلّح للشباب الفلسطيني في جنين تحت اسم “كتيبة جنين”. مقاومو الكتيبة أكدوا وقتها، في بيان، أنهم لن يتوانوا عن حماية الأسرى والدفاع عنهم. 

“نفق الحرية”.. شرارة تصاعد المقاومة

خلال شهر عملية “نفق الحرية”، شهدت الضفة 833 عملاً مقاوماً، تنوع بين إلقاء الحجارة والطعن أو محاولة الطعن والدهس بالسيارات وإطلاق النار وزرع العبوات الناسفة أو إلقاء القنابل، وأدت إلى مقتل ضابط في “جيش” الاحتلال وإصابة 49 آخرين بعضهم بجراح خطرة. 

كان هذا جزءاً من خطة تسخين كلّ مناطق الضفة، وجزءاً من إشغال  أجهزة الاحتلال الأمنية والعسكرية واستنزافها، والتي كانت خلال هذا الشهر، في مرحلة تقصي أثر الأسرى الستة، الذين أعيد اعتقالهم لاحقاً قبل منتصف الشهر. 

على هذه الحالة، أخذت المقاومة بالتصاعد، وتوسّعت رقعتها، وازدادت العمليات، كما أعداد القتلى في صفوف “الجيش” والمستوطنين. حملةٌ أجبرت كيان الاحتلال، في آذار/مارس، على الإعلان عن حملة مقابلة تحت عنوان “كاسر الأمواج” لاستهداف المقاومين. وجاءت بعد سلسلة من العمليات الفردية التي وقعت في القدس وفي الداخل الفلسطيني المحتل (بئر السبع، الخضيرة، مستوطنة “بني براك”، وشارع “ديزينغوف”…). 

تعبئة من داخل السجون.. لقاء الشباب بالعارضة والانطلاق نحو العمل المسلّح

في كانون الثاني/يناير من العام 2023، وبعد أقل من سنتين على انطلاق العمل المسلّح في جنين، كشف مسؤول الدائرة العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، أكرم العجوري، (في مقابلة تلفزيونية)، أنّ الكتلة الصلبة لكتيبة جنين تتجاوز الـ 100 مجاهد، علماً أنها بدأت بقلّة من الشباب. 

هذا الاندفاع لدى الجيل الفلسطيني الجديد نحو العمل المسلّح، صقله الأسرى داخل السجون! اهتم الأسير محمود العارضة وأسرى آخرون، بتشكيل حلقات النقاش والفكر والوعي داخل الزنازين. فكانت السجون، التي دخل وخرج منها العديد من مقاتلي كتيبة جنين، فرصةً لتعبئتهم المعنوية والفكرية، التي عززت تمسكهم بالسلاح ومبادرتهم لتنفيذ العمليات والاشتباك مع قوات الاحتلال فور خروجهم من السجن. 

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنّ الشهيد جميل العموري (25 عاماً)، الملقّب بـ “مجدّد الإشتباك”، والذي يعتبر المؤسس الأبرز والقائد الميداني لكتيبة جنين، كان من الشباب الذين التقوا بالعارضة. وكان العارضة يصرّ على أن يجالس الشباب، الأسرى الجدد، أكثر من قدامى الأسرى. واغتالت قوات الاحتلال العموري في  العاشر من حزيران/يونيو 2021 في جنين. 

كما أنّ الشهيد عبد الله الحصري (23 عاماً)، التقى بالعارضة في سجن “جلبوع”، وشاركه الغرفة نفسها. كما تعرّف إلى عدد كبير من قادة الفصائل الفلسطينية وشخصياتها  من مختلف المناطق. وبعدما خرج الحصري من السجن، قبل شهر واحد فقط من عملية “نفق الحرية”، بات من أبرز مؤسسي  كتيبة جنين ومقاتليها، ثم استشهد خلال عملية التصدي لاقتحام “جيش” الاحتلال لمخيم جنين في الأوّل من شهر آذار/مارس 2022.

كذلك، كان الشهيد نعيم الزبيدي (35 عاماً) – ابن عمّ الأسير زكريا الزبيدي- ممن التقوا الأسير العارضة وغيره من الكوادر الفصائلية داخل السجون. وقتها صنف أيضاً كأحد قادة ظل عملية “نفق الحرية”، إذ ذكر الأسرى الستة، في رسالتهم عند شهادة الزبيدي، أنّه “حافظ على السر”.  وبعد ذلك، خرج من السجون ليلتحق مباشرةً بكتيبة جنين، ويستشهد في اشتباك مع قوات الاحتلال في جنين، في كانون الأول/ديسمبر 2022. 

رسائل الصمود من داخل السجن والمحاكم.. معنويات للشعب والمقاومة

لافتةً كانت رسائل أسرى “نفق الحرية” من داخل المحاكم العسكرية للاحتلال، إذ حملت في طياتها الصمود والتمسّك بخيار المواجهة بشتّى الطرق، ما مدّ الشارع الفلسطيني ومقاومته بالمعنويات، للاستمرار بتصعيد العمل المسلّح، والحفاظ على الحالة التي تمّ التوصّل إليها.

الأسير العارضة سجّل رسالته: “هذا الوحش (كيان الاحتلال) وهمٌ من غبار”، من داخل المحكمة والسلاسل في يديه. حاولت شرطة العدو إسكاته من خلال ضربه، بيد أنّ صوته ورغم ذلك، مدّ المقاومة في الضفة وغزّة بالعزم والقوّة لمواصلة فعل القتال، رغم حصار الاحتلال وعدوانه.  

أمّا رسالة الأسير يعقوب القادري، من داخل عزل سجن “ريمونيم”، فلخصت أيضاً المشهد الجديد الذي حلّ داخل أرض فلسطين، حين قال: “ما كتيبة جنين إلا نبتة من نبات أرضكم، جابت شمال فلسطين طولاً وعرضاً، وهي لا تسمع إلا صوت رجال من الجنوب، قالوا يا خيل الله اركبي، فركب ستة رجال، وسار الركب شمالاً كي يقبل ويشرق ويغرب”. 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.