حزب الله لدغ إسرائيل مرتين.. كيف؟
الأربعاء 21/9/2016 م …
الأردن العربي – كتب عبدالله قمح …
لم يعد خفياً وجه الصراع الحديث بين حزب الله وإسرائيل على تراب الجنوب السوري، فاللعبة التي تأخذ شكل الصراع الإستخباراتي الخفي، تعود لتظهر في جوانبٍ منها، عملية حرب غير معلنة لا تقف فصولها عند عمليات الإغتيال الغير مجهولة، ولا الردود الأكثر جهلاً التي يقوم بها حزب الله.
أوراق كثيرة ترفعها النسمات العليلة التي تلفح وجه تراب الجنوب السوري، فتحرّك الدبابير المنتشرة إنتشاء البحث عن أهداف بزوايا قاتلة توجع إسرائيل وتضرب في صلب الخطط الإستخباراتية. لم تكن معركة “قادسية الجنوب” التي أطقلتها المعارضة السورية قبل أيام أكثر من مرآة تفاعلية تظهر الدور الإسرائيلي في بؤرة باتت عامل جذب للمقاومة التي تريد جبهات مقارعة جديدة، بهوامش أوسع، تؤذي الإسرائيلي وتضعه على وجه صفيح عسكري – إستخباراتي له حسابات مغايرة لواقع الـ1701 اللبناني، تحرّكت آلة الحرب الإسرائيلية دعماً للمعارضة إذاً، ففعّل الدبور محرّكات أجنحته وطار باحثاً عن أهداف.
لم يكن إستهداف الطائرة الحربية الإسرائيلية فوق الجولان وإسقاطها – وفق الإدعاء السوري الرسمي – إلّا جانباً صغيراً من قدرات اللسع لدى الدبور الهائج الذي أخفى عن الأفير ما فعل، لكنها في الواقع، كانت مفهومة جيداً لدى تل أبيب خاصةً بعد كشف الإعلام الحربي في المقاومة لصور الصاروخ الذي أطلق وظهر أنه روسي الصنع من طراز s200 المتطوّر. اللسعة الأولى فسرت “عقصة دبور” مؤذية، مثلت إنذاراً أولياً لمدى القدرات ومستوى الحرب المقبلة الآخذة صورتها بالتشكّل في ضوء الترتيبات العسكرية والقدرات الميدانية. لم تقف اللسعة عند حدود مراوغة الصاروخ لطائرة الـF16 – وفق الإدعاء الإسرائيلي – بل طبعت على يد الموساد في جنوب البلاد.
اللسعة الثانية كانت عبارة عن إكتشاف ذراع إستخباراتية عميلة ناشئة في الجزء الجنوبي من سوريا تتخذ من بلدة جباثا الخشب بريف القنيطرة مركزاً لها، حقيقةً أن هذه الذراع كان رأس من إكتشفها الشهيد سمير القنطار قبيل إغتياله بأشهر قليلة، ظهر بوضوح أنها تعمل داخل الأراضي السورية براحة، مرتبطة مع جهاز الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان”. كتيبة، تشبه الكتائب الأولى التي أنشأت أبان ظهور “قوات سعد حداد” جنوب لبنان، تحمل نفس الدور لا بل أخطر، يشمل جزء من الأهداف الموضوعة لها مراقبة الحدود بين الجزء المحرّر والمحتل من هضبة الجولان ممتدة على مسافة 10 كلم على خط الـ 61 كلم تحديداً ضمن خط عمق الـ 10 كلم القريب من الحدود الذي تعتبره إسرائيل “منطقة نشاط محتملة للمقاومة يمكن ان تخترق منها”.
الكتيبة هذه، يقودها عسكري سوري منشق يدعى “خالد نصّار”، وهذا الأخير، وفق مصادر “ليبانون ديبايت”، جنّد من قبل الوحدة 504 التابعة للإستخبارات العسكرية “أمان”، وضعت في خدمته أعمال غرفة عمليات عسكرية مرتبطة بشكل مباشر بالداخل الإسرائيلي ويشرف عليها بأمور الميدان ضباط من لواء “جفعاتي”. غرفة العمليات هذه غير المهام المنوطة بها من مراقبة خط الحدود وتأمين سلاح وإعداد طقم بشري، عملت في الفترة الأخيرة على ترتيب هجوم “قادسية الجنوب” عبر ربطه بغرفة عمليات “نصّار” التي أخذت على عاتقها طلب توفير إسناد مرابض المدفعية الإسرائيلية التابعة للوحدة 210 المرتفعة بالجزء المحتل من الهضبة، وتأمين حركة مقاتلات تحمل أهدافاً سورية تركزت على ضرب مرابض المدفعية التي عملت على شل حركة الهجوم، فبدت إسرائيل متورطة بنيوياً في الهجوم.
وبعيداً عن “قادسية الجنوب” فإن أخطر ما يؤذي في اللسعة الثانية التي وجهها حزب الله إلى إسرائيل، هو إكتشافه لخلية جباثا الخشب وسلّمها الذي يشمل العديد من “النصاصرة” (جمع نصّار)، فمثلاً، أسّست الـ504 داخل القرية التي تسيطر عليها المعارضة، مستشفى ميداني أواخر عام 2014 ظاهره توفير مساعدات طبية وباطنه تجنيد عملاء لصالح الوحدة ضمن كتيبة “خالد نصار” المسلحة وهؤلاء ينتقى عدد منهم من أجل القيام بعمليات ذات بعد أمني تصل حد عمليات الاغتيال ووضع عبوات ناسفة، وهو ما كان عامل نشاط في الفترة بين منتصف 2015 وأوائل 2016 حيث إستهدفت العديد من المجموعات ذات النشاط المقاوم في الجزء المحرر من الجولان.
إذاً، هي حرب أدمغة ترمي خططها على طاولة شطرنج تعرف كيف تحرّك أحجرتها وأين “تلدُغ” في عملية “عقص الدبابير” المتواصلة في جبين لعبة الموت السريري وجبهة مواسم الحرب المقبلة التي سيكون شأنها مغايراً تماماً لواقع الحرب السابقة ولن تكون مناورات الحرب أكثر من قراءات تقصي حقائق عن الوجه القادم للصراع.
التعليقات مغلقة.