الصهيونية وأخطبوط الارهاب / د. خليل اندراوس
د. خليل اندراوس – الخميس 7/9/2023 م …
يتداعى القلم بين يدي، ونفسي تتألم وقلبي يتوعك لا بل يتمزق عند مراجعة تاريخ الحركة الصهيونية ورؤية ما يجري الآن من ممارسات شوفينية عنصرية ارهابية صهيونية من قبل حكومات اسرائيل. في السابق وخاصة الآن ، فبرأيي الارهاب الصهيوني بدأ منذ قيام الحركة الصهيونية كإيديولوجية مبنية على أساطير، واستطاعت أن تستولي لا بل وتمزق وتحتل فردوسنا فلسطين في حين كانت الأنظمة العربية وما زالت تكب الكلمات الفارغة وبعضها قام بالتطبيع مع المُحتل، وحتى الشعب العربي الفلسطيني الذي يعاني من جرائم الاحتلال والاستيطان ويقاوم وصامد، لم تقم منظماته المختلفة بتحقيق ورقتها الرابحة الوحيدة، وهي المقاومة من خلال وحدتها الوطنية الرافضة للاحتلال والاستيطان الكولونيالي والرافضة للتنسيق الامني مع المحتل.
فالإرهاب الصهيوني الذي رفع رأسه لا بل ذنبه الآن له جذوره منذ اقامة الحركة الصهيونية. فالحركة الصهيونية قناة قذرة من قنوات الاستعمار الكولونيالي الذي من خلال مسالكه وممارساته استطاع أن يقيم قاعدة أمامية للامبريالية العالمية في منطقة الشرق الاوسط.
فالمشروع الصهيوني الذي نجح في اقامة دولة اسرائيل والتي تمارس حكومتها منذ قيامها وقبل قيامها والآن بشكل بربري وحشي سياسات الأبرتهايد، هو مشروع كولونيالي امبريالي يخدم مصلحة طبقة رأس المال العالمي وخاصة شركات صناعة السلاح.
وصفقة بيع السلاح الاسرائيلي لألمانيا في الفترة الاخيرة وقيمتها أكثر من 3.6 مليار دولار اكبر مثل على دور اسرائيل الارهابي التخريبي على مستوى عالمي. فبيع السلاح لألمانيا في النهاية هدفه دعم النظام النازي في اوكراينا. وهنا أذكّر بأن الشعب اليهودي الذي عانى من النازية، ومن الهولوكوست يقوم الآن حكّامه بدعم النازية في اوروبا وخاصة في اوكرانيا ويمارسون الارهاب ضد الشعب الفلسطيني.
وهذه الاحداث تؤكد بأن الحركة العنصرية الصهيونية لم تتعلم شيئا من تاريخ الشعب اليهودي. وهنا أذكر بأن الممارسة الامبريالية المتوحشة ليست بجديدة، فخلال الحرب الباردة التي خاضتها الولايات المتحدة والناتو ضد الاتحاد السوفييتي استغلت واستفادت الولايات المتحدة من خبرات مرتزقة الحرب النازيين الهاربين من المانيا. وللتعمق بهذا الأمر أنصح بقراءة كتاب المؤرخ داني اورباخ – נמלטים – שכירי חרב נאצים במלחמה הקרה- فالايديولوجية الصهيونية أباحت ومارست وتُمارس عبر كل تاريخها جرائم وحشية فظيعة، واستمرار الاحتلال والاستيطان الكولونيالي، والمدعوم الآن من قبل حكومة اليمين المتطرف ودولة الابرتهايد بمبلغ 700 مليون شاقل لأكبر دليل على ذلك. وخلاص المجتمع الاسرائيلي لن يكون عن طريق الغاء هذا القانون او ذاك لأنه لا ديمقراطية مع الاحتلال والاستيطان والحصار، فقط الحل العادل للقضية الفلسطينية، وخلاص الشعب الاسرائيلي من الايديولوجية العنصرية الشوفينية الدينية المبنية على الأساطير الطريق الوحيد للسلام العادل من خلال دولتين لكلا الشعبين الاسرائيلي والفلسطيني أو دولة واحدة للشعبين. أما الإيديولوجية الصهيونية فمصيرها عاجلا أم آجلا مزبلة التاريخ سوية مع النازية في اوكرانيا.
الصهيونية منذ قيامها وحتى الآن كايديولوجية عنصرية، وحكومات اسرائيل منذ قيامها تمارس أنشطة تخريبية في كل العالم العربي يكفي أن نُذكر ما جرى ويجري في سوريا. فمؤامرة تقسيم سوريا الى دويلات كردية في الشمال السوري وعلوية غرب سوريا وسنية وسط سوريا ودرزية على حدود سوريا خدمة لمصالح اسرائيل الأمنية الاستراتيجية، والشعب الفلسطيني ليس فقط ضحية سياسات استعمارية استبدادية امبريالية تمارسها القاعدة الأمامية للإمبريالية العالمية في الشرق الاوسط، بدعم أمريكي مُطلق، وانما ايضا ضحية ايديولوجية عرقية، ودينية، متطرفة، وما يحدث الآن من ممارسات الاحتلال والمنظمات الصهيونية المتطرفة، ضد الشعب الفلسطيني لأكبر مثل على ذلك.
وهنا أذكر ما كتبه أ.شفيتر عم موشيه ديان تحت عنوان “موشيه ديان – بين الزعامة والاعتزال”. “في اعتقاد (ديان) للشعب اليهودي هدف، وعلى الخصوص للفصيل الاسرائيلي منه! في هذا القسم من العالم، عليه أن يكون صخرة امتداد العالم الغربي، تنكسر عليه أمواج القومية الناصرية”. وهنا أذكر ايضا ما جاء في الكتاب الذي ألفه ثيودور هرتسل مؤسس الحركة العنصرية الشوفينية الصهيونية: “أرض اسرائيل هي أرض أجدادنا التي لا ننساها الى الأبد. عند ذكراها تخضع قلوب شعبنا ولدى سماع اسمها يخشعون … لو رضي جلالة السلطان (العثماني – المحرر) بمنحنا أرض اسرائيل لأخذنا على عاتقنا سد العجز المالي في خزينة الدولة برمته وزيادة”.. وهذا دليل على هيمنة الصهيونية على طبقة راس المال العالمي والصهيوني منذ ذلك الوقت وفي الماضي والآن اللوبي الصهيوني.
ويضيف هرتسل اياه ويقول: “ونكون هناك جزءا من سور حصين لأوروبا ضد آسيا ونقوم بمهمة انقاذ الحضارة وحراستها من البرابرة”. لقد نسي هرتسل اياه وأباء الصهيونية في الماضي وقادة الصهيونية في الحاضر بأن حضارة شعوب الشرق وخاصة حضارة الأندلس كانت قمة الحضارة الإنسانية، في حين كانت اوروبا قبل العصور الوسطى وخلال العصور الوسطى تعاني من تخلف حضاري. ولولا فلسفة ابن رشد العقلانية لما كانت فلسفة كانط العقلانية.
وعقب اعلان دولة اسرائيل واعتراف دول العالم بها اصبحت المجازر التي تُرتكب ضد الشعب الفلسطيني أكبر واشنع. وهنا نذكر بأن الولايات المتحدة تبنت الصهيونية ودولتها وقدمت لاسرائيل الدعم اللامحدود في مقابل خدمة مصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الاوسط، وهكذا أصبحت اسرائيل القاعدة الأمامية للامبريالية العالمية، وتقوم بدورها العدواني البربري المتوحش ضد شعوب المنطقة وخاصة ضد الشعب الفلسطيني.
وهنا أريد ن أذكر بأنه منذ عام 1963 وضعت الاستراتيجية العسكرية الاسرائيلية والتي تهدف الى اعداد الهيمنة والسيطرة على الضفة الغربية لتصبح منطقة عسكرية محتلة. لم تكن الضفة محتلة حينذاك ولكن الجيش الاسرائيلي المدعوم من فرنسا (التي حولت اسرائيل الى دولة نووية عظمى بأيام بن غريون وشمعون بيرتس د.خ ). والولايات المتحدة كانت قد اعدت وقبل 4 سنوات من احتلالها الضفة البنية التحتية القضائية والادارية للتحكم بحياة مليون قلسطيني (اليوم اكثر من 3 ملايين فلسطيني) واليوم اسرائيل تتحكم بشكل مباشر على اراضي الضفة الغربية المحتلة وبشكل غير مباشر على التجمعات السكانية، ومشروع سموتريش الاخير هو استمرار لهذه الاستراتيجية الهمجية الصهيونية.
والأن خاصة سياسات الولايات المتحدة الامبريالية والتي تُهيمن عليها طبقة راس المال العالمي (نصف ثروة هذه الطبقة تعود الى عائلة روتشيلد اليهودية) وخاصة طبقة وشركات صناعة السلاح، واسرائيل تسعيان الى اعاقة لا بل تحطيم الديموقراطية وحرية الشعوب حول العالم من امريكا اللاتينية الى افريقيا وآسيا مرورا بالشرق الاوسط والأدنى، وكذلك الآن في اوروبا من خلال دعم النظام النازي في كييف، نظام بانديرا في اوكرانيا، بهدف تمزيق روسيا الى دويلات، وتهميش دور روسيا الايجابي حول العالم بهدف الاستفراد بالصين ومواجهة الصين لوحدها من قبل الولايات المتحدة، اقتصاديا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا.
هذه المواجهة الاستراتيجية ضد الصين تسعى الى اضعاف وضرب النظام الصيني من الداخل بحجة كونه نظاما ديكتاتوريا كما وصفه بايدن الرئيس الامريكي الصهيوني، خادم الصهيونية وخادم شركات صناعة السلاح التي تعمل على خلق أجواء السباق اللامتناهي مع الصين.
فالغرب الامبريالي الاستعماري وعلى رأسه الولايات المتحدة والصهيونية العالمية يريدون صياغة العالم وفق رؤيتهم العنصرية الاستبدادية وهيمنة القطب الواحد.وهنا أقول بأن الصهيونية واسرائيل بسياستها منذ أقامتها وخاصة الآن تحاول أن تقيم “زرائب قومية” لتكريس العزلة بين القوميات وتقيم بينها حواجز ثقافية ثابتة ونهائية. وبناء الجدار العازل وحصار غزة واقامة مستوطنات الاحتلال الكولونيالي الارهابي لأكبر مثل على ذلك في عصرنا الحالي وخاصة الآن ومشروع المتطرف سموطريش بتوسيع الاستيطان في الضفة لأكبر مثل على ذلك.
وهنا اريد أن أذكر بأن روسيا القيصرية المُتخلفة المُستبدة آسيويا والتي كانت سجنا لشعوب الشرق ومثل قاسي لاضطهاد اليهود، ولذلك ليس من الصدفة ان تكون الصهيونية قد ولدت في روسيا، قبل هرتسل، فاللاسامية هي البؤرة الطبيعية لانتعاش الصهيونية فالصهيونية واللاسامية وجهان لعملة واحدة.
والحركة الصهيونية تعرقل لا بل تمنع الحل الوحيد الممكن للمسألة اليهودية من خلال الاندماج بالشعوب الأخرى والتخلص من عبادتهم لاسطورة الخصوصية اليهودية. ولينين كان يرى أن التقارب بين الأمم هو أنجاز ديمقراطي للعصور الحديثة، وأن اندماج اليهود بالشعوب الاخرى التي يعيشون بين ظهرانيها كان على الدوام علامة أساسية من علامات التقدم الديمقراطي للانسانية جمعاء، وبرأي كاتب هذه السطور وانتصار القضية العادلة الكونية الانسانية للشعب الفلسطيني ستكون هزيمة كبرى للايديولوجية العنصرية الصهيونية وستكون خطوة كبيرة نحو عالم تقدمي ديمقراطي لكل الانسانية. وكل انسان تقدمي ديمقراطي عليه ان يعمل ويساند كل من يساهم في وضع حد للخصوصية اليهودية.وأريد أن أقول في النهاية بأنه ليس ماركسيا ولا حتى ديمقراطيا من لا يعترف بمساواة الأمم واللغات ولا يدافع عنها، ومن لا يناضل ضد كل اضطهاد قومي.
//مراجع المقال:
-الصهيونية على لسان زعمائها – جمع واعداد البروفيسور اسرائيل شاحك.
-الشرق الاوسط وخرائط الدم – د. طارق عبود.
-فكرة اسرائيل تاريخ السلطة والمعرفة – ايلان بابيه.
-من يجرؤ على نقد اسرائيل – باسكال بونيفاس.
-السجل الأسود لأمريكا – د. الحسيني الحسيني معدّي.
-لينين – نصوص حول المسألة اليهودية – ترجمة وتقديم جورج طرابيشي.
في الصورة: الدخان يتصاعد فوق بيوت مخيم جنين المكتظّ خلال قصف إسرائيلي عنيف، تموز الفائت (شينخوا)
التعليقات مغلقة.