متابعات، نشرة أسبوعية – العدد السّادس والثلاثون / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – السبت 9/9/2023 م …
يحتوي العدد السّادس والثلاثون على فقرة تُشكل محاولة تبسيط بعض مفاهيم الإقتصاد السّياسي وتتناول هذه الحلقة موضوع “الأزَمات”، وفقرة عن تناقضات رأس المال، بين ادّعاء انتهاج “المُنافَسَة الحُرّة” ومحاولات خنق المنافسين بوسائل اقتصادية وعسكرية، وفقرة عن بعض الجرائم الأمريكية التي بقيت بدون عقاب وهي جرائم الإغتيال عن بُعْد، وفقرة عن اقتصاد مصر وارتفاع حجم الدَّيْن العُمُومي، وفقرة قصيرة تختزل صراع القوى الرأسمالية الكبرى من أجل السيطرة على قارة إفريقيا، وفقرة عن التناقض الصارخ بين الحجم الهائل لثروات “الغابون” وانتشار الفَقْر بين سُكّانها، وفقرة عن أزمة السّكن في الولايات المتحدة كنموذج لهذه الأزمة في البلدان الرأسمالية المتطورة، وفقرة موجزة عن اقتصاد الصين التي قرر رئيسها عدم الحضور شخصيا بقمة العشرين بالهند
تبسيط موضوعات الاقتصاد السياسي
الأزمات
أعلن مصرف ليهمان براذرز الأمريكي إفلاسه، يوم الخامس عشر من أيلول/سبتمبر 2008، مما تسبب في أزمة مالية في جميع أنحاء العالم لا تزال تداعياتها محسوسة حتى اليوم، وبعد مرور حوالي عشر سنوات على واحدة من أكثر الأزمات المالية تدميراً في الرأسمالية الحديثة، انطلق صراع كبير في أوروبا وانتشرت آثاره لتُهَدِّدَ العالم بأسره، وكان من الممكن أن تظل الحرب في أوكرانيا مقتصرة على المستوى المَحلِّي أو الإقليمي، محدودة في المكان والزمان، لكن جذور الحرب الحالية تعود إلى ما قبل شباط 2022، أو حتى إلى ما قبل شباط 2014، سنة الانقلاب – ضد المؤسسات المنتخبة ديمقراطيا – في أوكرانيا الذي دبرته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بمشاركة الناتو والكيان الصهيوني والعديد من القوى الرجعية، وقد تعود جذور الحرب إلى أزمة 2008، وهي أزمة لا تُشبه أزمة 1929، لكن من البديهي أن الأزمات المالية الكبرى والحروب تعكس المشاكل الهيكلية للإقتصادات الرأسمالية التي تُعَمِّقُ الشروخ الاجتماعية.
قبل عصر الرأسمالية، كانت وَفْرَةُ أو نَدْرَةُ الغذاء والضروريات الأساسية الأخرى تعتمد على الظروف المناخية كالجفاف أو وفرة الأمطار، لكن منذ القرن الثامن عشر (هيمنة الرأسمالية في أوروبا وأمريكا الشمالية)، غيرت الرأسمالية نمط الإنتاج وأصبحت الصناعة أكثر أهمية من الفلاحة، على مستوى عالمي، فتغيَّر هيكل الإقتصاد، وتَحَوَّلَ ملايين الفلاحين، والعبيد المُسَرّحين (“المُحَرَّرِين”) إلى عُمّال في مناجم الفحم وفي المصانع، ثم حدثت ثورة كبيرة في المنظمة الرأسمالية، حوالي النّصف الثّاني من القرن التّاسع عشر، لمّا بدأت تستخدم الإبتكارات والأساليب العلمية للإنتاج في قطاعات الزراعة والتصنيع، وأدخلت الرأسمالية استخدام الأسمدة الكيماوية والآلات في قطاع الزراعة، مما أدى إلى زيادة حجم الإنتاج، لكن مع تقليل عدد الأشخاص القادرين على شراء المنتجات الزراعية، وأدّت هذه العملية إلى إرهاق صغار الفلاحين الذي اضطرُّوا إلى اقتراض الأموال لتحديث أدوات الإنتاج ولزيادة حجم المحاصيل، لكنهم لم يتمكنوا من منافسة كبار الفلاحين ولم يتمكنوا من العثور على عدد كافٍ من الزّبائن، ولم يتمكنوا بالتالي من بيع إنتاجهم، وهم مثقلون بالديون التي لم يتمكّنوا من تسديدها، وأدى هذا الوضع إلى الأزمات التي حدثت بنهاية القرن التاسع عشر، خاصة في الولايات المتحدة، لكن أزمة عام 1929 كانت الأكثر إثارة.
هناك صلة مباشرة بين الأزمات المالية والحروب، لأن الرأسمالية تحاول حل الأزمات من خلال تسريع وتيرة استغلال العمال، ومن خلال غزو مناطق جديدة (لتكون مصْدَرًا للمواد الخام منخفضة التكلفة وأسواقًا لبيع السلع الفائضة) ومن خلال الحروب ضد المنافسين، وتساعد الحرب على إنعاش الاقتصاد من خلال تنشيط صناعة الأسلحة التي لا تخضع لضوابط الصناعات الأخرى، وما الحُرُوب سوى وسيلة تستخدمها الرأسمالية لتنظيم المعروض الزائد من المنتجات، بعد أن جربت الحمائية من خلال فرض رسوم جمركية مرتفعة على السلع الأجنبية، وغيرها من التدابير أو “الحلول“…
قبل الثورة البلشفية الروسية سنة 1917 وإلى حدّ تاريخ تأسيس الاتحاد السوفييتي، استفادت بريطانيا (الإمبريالية المهيمنة في ذلك الوقت) من الإنتاج الوفير والرخيص للحبوب التي تُنتِجُها روسيا وأوكرانيا (الجمهورية التي أنشأها الاتحاد السوفييتي وضَمّت أراضي روسية ومناطق سوفييتية أخرى، إلى أن قرر الاتحاد السوفييتي (خصوصًا بعد الحصار الأوروبي الذي استمر من 1918 إلى 1922) اعتماد الاقتصاد المخطط، حيث تُشرف الدّولة المَرْكَزِيّة على تنظيم العرض والطلب على إنتاج المحاصيل الزراعية وعلى الإنتاج الصناعي، ورفضت قيادة الاتحاد السوفييتي (بعد سنة 1924) “العرض” البريطاني (شاركت بريطانيا في الحصار العسكري والإقتصادي والدّبلوماسي للإتحاد السوفييتي) للعودة إلى نظام التجارة التجاري وبيع الحبوب بأسعار أعلى.
إن الاقتصاد المخطط ليس سمة حَصْرِيّة أو محَدّدة للاشتراكية، بل تلجأ الرأسمالية أيضًا (ألمانيا النازية والولايات المتحدة أو اليابان وغيرها) إلى تأميم القطاعات الإستراتيجية (المؤسسات المالية والصناعات الثقيلة والإستراتيجية والاتصالات والتكنولوجيا العالية وغيرها) غير إن التخطيط الرأسمالي يعتمد على تقديس الملكية الخاصة، مع توفير المال العام وضخّه في خزائن الشركات الخاصة، وهو ما حدث ويَحْدُثُ منذ أزمة 2008، التي كانت أقل تدميرا من أزمة 1929، لكنها ألحقت أضرارا جسيمة بالنموذج المهيمن للاقتصاد الرأسمالي المُعَوْلَمِ الذي تقوده السوق، أو “اليد الخفية للسوق”، وفق عبارة آدم سميث، وادَّعَت أجهزة الدولة الرأسمالية أن “السوق” يعادل “الحرية” والديمقراطية، واختزلت الرأسمالية الحُرّية والدّيمقراطية في تقديس الملكية الخاصة وحرية الإستغلال، وحُريّة المُستهلك (وبذلك يتحول المواطن إلى “مُستهلك” لإنتاج رأس المال)، وتُهيْمِنُ الشركات العابرة للقارات على هذا النموذج من الحرية أو “السوق الحرة”، حيث تتمتع رؤوس الأموال والشركات متعدّدة الجنسيات بحرية الحركة والتنقل حول العالم والتهرب من الضرائب مع تهريب الأموال التي تجنيها من استغلال العُمّال إلى الملاذات الضريبية، مع الإفلات من التّتبّع والمحاكمة…
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وإعادة إدماج الصين في المنظومة الرأسمالية، باعتمادها “اقتصاد السوق الاجتماعي” (وهي عبارة مُلَطَّفَة للإقتصاد الرأسمالي)، ادعى أبطال النيوليبرالية أن هذه الأحداث (وهي ليست تلقائية) شكّلت انتصارًا نهائيًا للرأسمالية النيوليبرالية، أو ما عَبّر عنه “فرنسيس فوكوياما” ب”نهاية التاريخ”، لِيُصبِح الحديث عن “حروب التحرير الوطنية”، أو الصراع الطّبقي ضربًا من الكُفْر والزّنْدَقَة، حيث تم استبدال الصراع الطبقي أو مُقاومة الإستعمار والإمبريالية من قِبَل الشعوب المضطَهَدَة ب”صراع الحضارات”، وتم تطبيق مفاهيم ونَظَرِيّة “صراع الحضارات” من قِبَل الإمبريالية الأمريكية، خلال عدوان حلف شمال الأطلسي على يوغسلافيا من أجل تقطيع أوصالها والتّدليل على استحالة تأسيس دولة مُتعدّدة الأثنيات والقوميات، وخصوصًا استحالة رَفْض شُرُوط صندوق النّقد الدّولي، ولم يقف الأمر عند تفتيت يوغسلافيا، بل تم توسيع العدوان ( في غياب قُوّة مُعارضة كما كان يُمثلها الإتحاد السّوفييتي) واحتلال الصومال وأفغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن، وزيادة عدد الدّول التي تم فرض الحَظْر والحصار عليها، وينْدَرِجُ منطق هذه الهيمنة في إطار “حرب الحضارات”، وما احتلال فلسطين سوى جزء من هذه الحرب التي بدأتها أوروبا ضد السّكّان الأصليين بالقارة الأمريكية، ولا تزال مُستمرّة، كما لا تزال مُقاومة الشعوب مُستمرة، وإن مَرّت بفترات مَدّ وجَزْر.
عادت روسيا، منذ حوالي عِقْدَيْن، إلى تَبَنِّي نمط الرأسمالية التي تهيمن عليها الدولة، بعد الخراب الذي أحدثه الاقتصاد النيوليبرالي خلال العقد الأخير من القرن العشرين. أما اقتصاد الصّين فهو رأسمالي لكنه يظل تحت إشراف الدولة وحزبها الوحيد الذي لا يزال يطلق على نفسه صفة “الشيوعي”، واشيوعية براء منه، وبذلك أصبحت الرأسمالية مُهيمنة على جميع أرجاء العالم، لكن ذلك لم يمنع الحُروب والأزمات، فقد أظهرت الأزمة المالية العالمية في عام 2008 أن الأسواق غير قادرة على حل مشاكل البلدان والشعوب، وهذه ليست من مهامها، بل إن الرأسمالية تبحث عن الرّبح السريع والوفير، بدعم من أجهزة الدّولة التي ابتكرتها الرأسمالية وألبستها شعارات “الحُرّيّة” و”الدّيمقراطية”، وتمثل انحياز أجهزة الدّولة إلى رأس المال في ضخ الولايات الأموال العامة في خزائن المصارف والشركات الكبرى، في حين عانى السكان من الفقر ومن التقشف، ولم تسلم من أزمة 2008 سوى الدول التي لم تطبق تعليمات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، ونجت الصين وروسيا من أزمة 2008، بفعل عدم الإنجرار وراء النيوليبرالية، وعززتا نفوذهما في أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية…
إن الحرب في أوكرانيا هي معركة بين روسيا (وحلفائها) والولايات المتحدة (وحلفائها)، بالوكالة، من أجل مستقبل الرأسمالية، لأن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نجحا في الحد من كارثة أزمة عام 2008، من خلال فرض التقشف، وخفض أسعار الفائدة إلى الصفر، وبفعل الزيادة الهائلة في المعروض النقدي بفضل سياسات التيسير الكمي، وأَدّت هذه السياسات إلى تفاقم عدم المساواة الاجتماعية وتوسيع الفجوة بين الأغنياء ( الذين استفادوا من المال العام) والفقراء والعاملين والأُجَراء الذين انخفضت دُخُولُهم، على المستويين الوطني والعالمي، وسوف تؤدي الزيادة في أسعار الطاقة والغذاء والضروريات الأساسية إلى تفاقم حالة الشرائح الأكثر هشاشة من السكان، ويُعيدُنا هذا الأمر إلى الحديث عن أسباب الأزمات، إذ لا يستطيع جزء كبير من السكان شراء السلع والخدمات التي يرغب المنتجون في بيعها، ما يزيد من حدّة الفقر، ويسمح هذا السياق لليمين المتطرف بزيادة شعبيته في أوروبا والولايات المتحدة، ويخلق نفس هذا السياق الظروف المواتية الثورات أيضًا، لكن هل تتوفّر الأداة القادرة على قيادة وإنجاح الثورة؟
الرأسمالية بين اللِّيبرالية والحِمائية
اشتهرت الرأسمالية بشعارها “دَعْهُ يعْمل، دَعْهُ يَمُرّ” في إشارة إلى خفض الرقابة على الإستثمار وعلى التجارة وإزالة الحواجز أمام رأس المال والسّلع، لكن تاريخ الرأسمالية حافل بالحروب بين المتنافسين الذين يتحوّلون إلى خُصُوم ثم إلى أعداء لا يمكنهم التّعايش في نفس الفضاء، وارتفعت حالات الحصار الإقتصادي والتجاري منذ النّصف الثّاني من القَرْن العشرين، وأهمها الحصار الأمريكي (و”الغربي” عُمومًا) لكوبا منذ ستة عقود، قبل أن تتوسّع دائرة الحَظْر فتصبح حربًا اقتصادية شاملة تستهدف بلدانًا عديدة، أهمّها الصين وروسيا، ولتشمَل حَظْر وصُول المواد الأساسية والتكنولوجيه، وفَرْض حَظْرٍ على الاستثمار في المواد الخام والمعادن الاستراتيجية، من بينها الليثيوم والكوبالت والمعادن النادرة، في كندا وأستراليا والدول الأعضاء حلف شمال الأطلسي وحلفاء الولايات المتحدة، باسم “حماية الأمن القومي”، ما جعل الشركات والحكومة الصينية تعمل على الإستحواذ على المعادن الإستراتيجية في إفريقيا وأمريكا الجنوبية، وأعلن مُجَمّع شركات صينية مُؤَخّرًا استثمار 1,4 مليار دولارا لإنشاء مصنع لتصفية وإنتاج الليثيوم في بوليفيا، وللتّذكير فإن الإستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إي) وشركة “تيسلا” للسيارات الكهربائية ضالعة في تنظيم الإنقلاب على الرئيس إيفو موراليس بعد إعلانه تأميم مناجم الليثيوم، كما تستثمر الشركات والحكومة الصينية في احتياطي المعادن الإستراتيجية في مالي وتشيلي والأرجنتين والمكسيك…
ارتفعت قيمة عُقود القُروض الصينية لإنشاء البُنية التحتية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، من بينها إريتريا وتنزانيا وناميبيا، ضمن المشروع الصّيني المُسمّى “الحزام والطّريق”، كما ارتفعت الاستثمارات الصينية في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا وبلغت أربعة مليارات دولارا خلال النصف الأول من سنة 2023، وكانت الصين قد أعلنت عن مبادرة “الحزام والطريق”، سنة 2013، بعد إعلان الرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما” ووزيرته للخارجية “هيلاري كلينتون”، منذ سنة 2012، مُحاصرة الصين عسكريا بواسطة البحرية الأمريكية بهدف إغلاق الممرات المائية الحيوية لتجارة الصين، وانضمت 148 دولة إلى المشروع الصّيني، وارتفع حجم العُقُود الصينية لتشمل خلال عشر سنوات أكثر من مائة مشروع في 45 دولة، بقيمة 43,3 مليار دولار، في قطاعات البُنْيَة التّحْتِيّة (كالموانئ والسكك الحديدية والمطارات والمناطق الصناعية ومحطات توليد الطاقة) والفلاحة والعقارات والمعادن، فضلا عن ارتفاع حجم العقود التجارية والمالية إلى أكثر من تريليون دولارا خلال عشر سنوات، بين الصين ودول من أوروبا وإفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية…
جرائم بدون عقاب
قدرت مجموعة المراقبة ( Airwars – الحرب الجوية) ومقرها لندن أن جيش الجو الأمريكي قتل ما بين 22679 و48308 مدنيًا، خلال عشرين سنة، بين أواخر أيلول/سبتمبر 2001 و نهاية أيلول/سبتمبر 2021، وأغلب المداهمات هي ما يسمى بالاغتيالات “المستهدفة”، أي جرائم القتل التي قررتها الحكومة الأمريكية، والتي تم تنفيذ معظمها بطائرات بدون طيار، خارج أراضي الولايات المتحدة، سواء في أفغانستان أو باكستان أو الصومال أو اليمن أو العراق أو سوريا…
ارتفع عدد الإغتيالات بواسطة الطائرات الآلية (بدون طيار) خلال فترة رئاسة باراك أوباما الذي أَقَرَّ توسيع عمليات الإغتيال “عن بُعْد” بعد بضعة أشهر من حصوله على جائزة نوبل للسلام، وفقًا لمعهد دراسات السياسة في واشنطن العاصمة.
مصر
أعلن وزير التّجارة والتموين إلغاء دعم الأرز، وهو الغذاء الأساسي لفئات كبيرة من الشعب المصري، وذلك ضمن تطبيق شروط الدّائنين ومنها خفض الدعم، ورفع أسعار السلع والخدمات الأساسية، وكانت الحكومة المصرية قد اقترضت 21 مليار دولارا سنة 2016، وخمسة مليارات دولارا ( في شكل ضمان ائتماني) سنة 2020، و2,7 مليار دولارا، ضمن برنامج التمويل الطارئ أثناء جائحة “كورونا”، وجميع هذه القُروض من صندوق النّقد الدّولي، لتبلغ جملة مستحقات صندوق النقد الدّولي 15,3 مليار دولارا سنة 2023 و 24 مليار دولارا سنة 2024، ويجب أن تُسدّد الدّولة المصرية الأقساط التي حل أجل سدادها: 847 مليون دولارا خلال شهر آب/أغسطس و240 مليون دولار خلال شهر أيلول/سبتمبر ونحو 1,45 مليار دولار خلال شهري تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر 2023، وفق بيانات صندوق النقد الدّولي، فيما أظهرت بيانات البنك العالمي، إنه يتعين على مصر سداد 6,93 مليار دولار ديونا خارجية خلال الربع الرابع من سنة 2023 ( وهي قيمة حصص الدّيون الإجمالية التي حل أجل سدادها)، بينها ديون حكومية بقية 2,8 مليار دولار الحكومة، وديون المصرف المركزي بقيمة 2,7 مليار دولار، وودائع بقيمة 2,3 مليار دولار وقروض المصارف بقيمة 973 مليون دولار، وديون القطاعات الأخرى بقيمة نحو 470 مليون دولارا، وقدّر صندوق النقد الدّولي، حجم الأقساط التي يحل أجلها سنة 2024 بنحو 6,46 مليار دولارا، في حين تُعاني الحكومة المصرية من شح الدّولار والعُملات الأجنبية، فضلا عن انخفاض قيمة الجُنَيْة حيث بلغ السعر الرسمي للدّولار الأمريكي الواحد 30,8 جنيها وأكثر من أربعين جنيها في السّوق الموازية يوم السبت 02 أيلول/سبتمبر 2023، ولذلك لجأت الحكومة إلى بيع جزء من حصتها في عدد من الشركات والمصارف والمباني الحكومية، بهدف توفير قدر من النقد الأجنبي يُمكّنها من سداد أقساط من فوائد الديون الخارجية المستحقة، فيما بلغ عجز موازنة السنة المالية 2023/2024، التي بدأت يوم 01 تموز/يوليو 2023 824 مليار جنيها…
أظْهرت الوثيقة الرسمية بعنوان “سياسة ملكية الدّولة” التي نُشرت في بداية سنة 2023، إن الحكومة تأمَلُ جَمْع استثمارات خاصة، من خلال بيع مؤسّسات القطاع العام، بقيمة أربعين مليار دولارا، خلال السنوات 2023 – 2026، أو ما يُعادل عشر مليارات دولارا سنويًّا، خلال أربع سنوات، واضطرت، في بداية شهر أيلول/سبتمبر 2023، إلى خفض المبلغ المُسْتَهْدَف إلى خمس مليارات دولارا، وزيادة عدد الشركات المطروحة للبيع، بَعْدَ بيع 10% من حصّة الدّولة في “الشركة المصرية للإتصالات”، قَبْل طَرْح حصص بعض الشركات الرابحة مثل شركة التبغ (الشّرقية للدّخان) وبعض شركات الجيش للبيع لأول مَرّة ( منها شركة “وطنية” للوقود وشركة “صافي”)، أمَلاً في جمع ما يكفي لِسَدّ عجز الميزانية وسداد حصص الدّيون التي سوف يحل أجل سدادها.
إفريقيا
دعمت الولايات المتحدة الأنظمة الرّجعية في إفريقيا ونظام الميز العُنصري في إطار مُعاداتها لحركات التّحرر الوطني وللأنظمة التقدمية وللفكر التّحرّري وللإشتراكية، وبعد انهيار الإتحاد السوفييتي ونهاية نظام الميز العنصري بجنوب إفريقيا ومستعمرتها ناميبيا، وبزمبابوي ( “روديسيا” حسب التسمية الإستعمارية) أنشأت الولايات المتحدة قواعد عسكرية، مُرْفَقَة بمعاهدات عسكرية وأمنية مع العديد من الأنظمة بشرق إفريقيا (مثل كينيا ) وبوسط وغرب القارة (ليبيريا) وسبع دول أخرى، منها الغابون، ذلك البلد الصغير والثّري، وأصبحت الولايات المتحدة تُنافس فرنسا في مناطق ما يُعبّر عنه ب”فرانس – افريك”، أي في مُستعمراتها السابقة التي تستخدم الفرنك – CFA – والمنخرطة في المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس)، وبعد إقرار برنامج “أفريكوم” (القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا) أصبح الجيش الأمريكي (والإستخبارات العسكرية الأمريكية ) يُشرف على تسليح وتدريب ما لا يقل عن جيوش سبع بلدان من إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء، وهي مستعمرات فرنسية سابقة، والتزمت الولايات المتحدة الحياد الظاهري حيال سلسلة الإنقلابات الحالية التي بدأت سنة 2021، لأنها زعزعت مكانة الإمبريالية الفرنسية، ولم تتضَرّر المصالح الأمريكية، وفق صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 30 آب/أغسطس 2023، غير أن الولايات المتحدة تُواجه خُصُومًا آخرين في إفريقيا، وخصوصًا الصين التي فاقت استثماراتها 155 مليار دولارا في دول إفريقيا الواقعة جنوب الصّحراء الكُبرى، وروسيا التي تبيع الحبوب والأسمدة والعلف بسعر تفضيلي للبلدان الإفريقية الفقيرة، بل أعلن الرئيس الرّوسي خلال لقائه الرؤساء الأفارقة استعداد بلاده مساعدة الدول الفقيرة بمنحها الحبوب مجاناً، وعمومًا تستثمر الصين في البنية التحتية والمناجم والإنشاء والطاقة، سواء في إطار مشروع “الحزام والطريق” أو خارجه، وكثفت روسيا التبادل التجاري مع إفريقيا، بينما لم تهتم الولايات المتحدة سوى بالجوانب العسكرية والأمنية، ولم تُنجز الولايات المتحدة وُعُود رئيسها الأسبق باراك أوباما، منذ سنة 2015، باستثمار أربعمائة مليار دولار على مدى عشر سنوات في الطاقة والبنية التحتية بإفريقيا، وبعد أكثر من ثماني سنوات لم تتجاوز الإستثمارات الأمريكية ثلاثين مليار دولارا…
الغابون:
تقع “الغابون” في الوسط الغربي لأفريقيا وتطل على المحيط الأطلسي، ولها حُدُود مع الكاميرون وغينيا الاستوائية وجمهورية الكونغو، وهو بلد صغير تبلغ مساحته 267 ألف كيلومتر مربع ويسكنه نحو 2,3 مليون نسمة، وتُغَطِّي الغابات نسبة 88% من مساحته، وينتج خشبًا من النوع الجَيِّد، تستغله وتُصَدِّرُهُ شركات أجنبية (فرنسية أساسًا) فضلا عن مناجم المنغنيز والأراضي الخصبة الصالحة للزراعة والسّمك البحري الوفير، كما تنتج البلاد نحو 180 الف برميل من النفط يوميا (سنة 2021)، تستغله شركة “توتال-إنرجي (فرنسية المَنْشَأ) واحتياطي نفطي بنحو ملْيارَيْ برميل واحياطي غاز بنحو 26 مليار متر مكعب، ويمثل النفط نحو 38,5% من إجمالي الناتج المحلي، ونسبة 70,5% من صادرات السلع، ويُساهم النفط الذي بلغت قيمة صادراته حوالي 13 مليار دولارا، سنة 2022، في تحقيق فائض تجاري بنحو 9,5 مليار دولارا سنة 2022
تُشير قاعدة بيانات البنك العالمي إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي للغابون من 18,2 مليار دولار سنة 2014 (سنة انخفاض أسعار النفط بداية من منتصف حزيران 2014) إلى 20,2 مليار دولارا سنة 2021 وإلى 21 مليار دولارا سنة 2022، وقَدّرت نفس البيانات تراجع متوسّط نصيب الفرد من الناتج المحلي من 8930 دولارا سنة 2013 إلى نحو 7540 دولارا سنة 2022، ورغم قِلّة عدد السّكّان وارتفاع قيمة وحجم الثروات، تصل نسبة الفقر إلى 30%، ولا يتجاوز متوسط الدخل الشّهْرِي لثُلُث السّكّان الأكثر فقرًا 143 دولارا (مقارنة بمتوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي)، ما يعني اتساع الفَجْوَة الطّبقية واحتكار الثروة من قِبَل عدد صغير من الأفراد المُحيطين بالرئيس الذي ورث السلطة عن والده، والذي فاق فَسادُهُ والدَهُ، فرغم ثروات البلاد، ارتفعت ديون الدّولة من 4,8 مليار دولارا سنة 2013 إلى 7,7 مليار دولارا سنة 2021، وأَدْرَجَ تقرير مدركات الفساد لسنة 2022، الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، الغابون في المرتبة 136 من بين 180 دولة شملها التقرير، ما يشير إلى تفشي الفساد وسرقة المال العام في أجهزة الدّولة…
أزمة السكن، نموذج الولايات المتحدة
منذ العقدَيْن الأخيرَيْن من القرن العشرين (مرحلة سيادة النيوليبرالية) لم تعد الولايات المتحدة (وكذلك الدول الأوروبية) تبني مساكن اجتماعية، بأسعار وإيجارات معقولة وفي متناول جميع فئات السكان، فأصبحت الفئات الكادحة وذوي الدخل المنخفض والفقراء يواجهون في الولايات المتحدة مشكلة نقص المساكن وارتفاع الإيجارات بشكل مفرط، ويؤدي ارتفاع تكاليف الإيجار إلى الاكتظاظ ونقص التّهْوِئَة وانتشار الأمراض وانخفاض التحصيل التعليمي للأبناء وانعدام الأمن الغذائي، ويُؤَدِّي ارتفاع الإيجارات إلى عجز فئات من السّكّان عن تسديد الإيجار ما يزيد من عمليات الإخلاء وزيادة حالات التشرد.
تُفيد البيانات الرسمية إن نحو 66% من الأميركيين يمتلكون منازلهم، في حين يستأجر نحو 27% المساكن التي يقطنوها، لكن معدل ملكية المساكن لا يتجاوز 44% لدى السّود الأمريكيين في حين يبلغ هذا المعدل 73% بالنسبة للبيض، ويبلغ متوسط الدخل لعائلة من السّود 24 ألف دولار، في حين يبلغ متوسط الدخل لعائلة أمريكية بيضاء 189 ألف دولار، سنويًّا، وتؤدِّي هذه الفوارق في الدّخل إلى رَفْضِ المصارف وشركات التأمين تقديم القروض وتأمين هذه القروض للسود الذين يعيشون في أحياء الطبقة العاملة، ولذلك يصعب على عائلة سوداء (فقيرة أو من الفئات المتوسطة) شراء مسْكن، بسبب ضُعف الدّخل الذي لا يكفي لتسديد الدّفعة الأولى (الوديعة) وللأقساط الشهرية للقرض، وتتزامن هذه الصعوبات مع ارتفاع سعر البيع والكراء، حيث بلغ متوسط سعر بيع المنازل 329 ألف دولار سنة 2020، وارتفع بنسبة 32% ليصل إلى 436800 دولار خلال الربع الأول من العام الحالي، بنهاية آذار/مارس 2023، وأدى ارتفاع الأسعار إلى إقصاء العديد من الفئات المتوسطة وضعيفة الدّخل من شراء المنازل، كما زادت الصعوبات لكراء المسكن، فقدارتفعت الإيجارات بنسبة 10% في المتوسط سنة 2022 في ما يقرب من 90% من المدن الأمريكية، بينما لم تبلغ معدّلات زيادة الأجور نسبة 5% بل انخفضت قيمة الدّخل الحقيقي للعديد من الفئات، وبلغ متوسط الإيجار الشهري لشقة مكونة من غرفة نوم واحدة 1504 دولارًا خلال شهر تموز/يوليو 2023، يصل هذا المبلغ إلى 2400 دولارًا شهريًا في لوس أنجلوس و3900 دولارًا في نيويورك، كما أدت الزيادة في الإيجارات ورسوم الإيجار (الطاقة والمياه والصيانة وما إلى ذلك) إلى عجز المُستأجِرِين وبالتّالي إلى زيادة عمليات الإخلاء في العديد من المدن الكبرى مثل نيويورك وهيوستن ودالاس.
تحتاج الولايات المتحدة إلى نحو سبعة ملايين وحدة سكنية للأسر ذات الدخل المنخفض، لكن شركات البناء تفضل بناء مساكن باهظة الثمن للأثرياء لأنها أكثر ربحية، فتَبْنِي هذه الشركات العقارية منازل كبيرة في الضواحي الفاخرة وتُحوّل المباني التي كانت تؤوي عائلتين أو ثلاث عائلات إلى منازل عائلية كبيرة في وسط المُدُن، ما يُؤدِّي إلى إهمال الإسكان لذوي الدخل المنخفض.
تمتلك الولايات المتحدة القليل من المساكن “الإجتماعية” التي تُشرف الدولة الإتحادية أو الولايات والبلدات على بنائها وإدارتها وتوزيعها، فضلاً عن ممارسات التمييز العنصري الشائعة إلى حد كبير، لأن البلديات قامت ببناء مساكن عامة في أحياء البيض للبيض وفي أحياء السود للسود، ما زاد من تقسيم السّكّان، وفي المدن الكبرى، يمكن للأشخاص البيض الحصول على قروض مدعومة من الحكومة والانتقال إلى الضواحي، وهو أمر غير مُتاح للسود، ولهذه الأسباب مجتمعة، تم تسجيل حوالي 600 ألف شخص رسميًا على أنهم “بلا مأوى” بسبب نقص المساكن وارتفاع الإيجارات، ويُقدّر عددهم الحقيقي بأكثر من الضّعْف، لأن المزيد من أسر العاملين بأجر ضعيف ومن النساء والأطفال، والآلاف من ذوي الدخل المنخفض أصبحوا بلا مأوى.
تمكّنت المصارف والشركات العقارية وشركات “تطوير المُدُن” من التحكم في قطاع العقارات السّكَنية – البناء والمبيعات والإيجار ويمارس المُشْرِفُون على هذه الشركات نفوذاً سياسياً هائلاً على المجالس البلدية والحكومات المحلية، أما منظمات مُقاومة المُضاربة بالمَسْكن ومقاومة “تسليع” السكن، فهي موجودة في كل مدينة، وكذلك على مستوى وجني، وتحاول مُناصَرَة الفُقراء ومتوسّطي الدّخل من أجل الحصول على سَكَن لائق وصِحِّي، وتعارض زيادة الإيجارات، وتحاول منع عمليات الإخلاء، لكنها ضعيفة ولم تتمكن من فرض حق المواطن في الحصول على سكن اجتماعي، ما يسمح بتخفيض امتلاك المسكن وتخفيض قيمة الإيجارات. وردت معظم المعلومات في موقع “كاونتر بانش” 27 تموز/يوليو 2023
الصين
قرّر الرئيس الصّيني عدم الحُضُور شخصيا وتكليف رئيس وزرائه للمُشاركة بقمة مجموعة العشرين المنعقدة بالهند التي عززت علاقاتها مع الولايات المتحدة لكنها لم تُنفّذ “العُقُوبات” الأمريكية ضد روسيا التي يتغيب رئيسها كذلك عن هذه القمة التي تلتئم في ظل ارتفاع سعر الدّولار الأمريكي وتراجع سعر العُمْلَة الصّينية (يُوَانْ) الصيني يوم الخميس 07 أيلول/سبتمبر 2023، إلى أدنى مستوى لها أمام الدولار منذ 2007، كما انخفضت قيمة الصادرات الصينية بنسبة 8,8% وتراجعت كذلك الواردات بنسبة 7,3% بنهاية آب/أغسطس 2023 على أساس سنوي، وانخفض الطّلب، في الدّاخل كما في الخارج، على إنتاج قطاع الصناعات التحويلية، ما يثير مخاوف من عدم تحقيق نسبة النّمو المُستهدفة ( 5% ) بنهاية العام الحالي (2023)، فضلا عن أزمة قطاع العقارات وانخفاض الإنفاق على الإستهلاك. أما الصادرات الصينية فقد انخفضت بنهاية شهر آب/أغسطس 2023، للشهر الرابع على التوالي، ما يُؤَكّد عُمْقَ ارتباط اقتصاد الصين بالإقتصاد الرأسمالي العالمي (رغم الإصرار على تسمية الحزب الحاكم “الحزب الشيوعي”) وبالتّالي تأثُّرَه المباشر بالرّكود السائد في اقتصادات الدّول الرأسمالية المتطورة المُستورِدَة للسّلع الصينية، وتأثُّرَه بارتفاع الأسعار وانخفاض الطّلب، ما خفض الفائض التجاري الصيني من 80,6 مليار دولارا بنهاية تموز/يوليو إلى 68,4 مليار دولارا بنهاية آب/أغسطس 2023…
من العسير مقارنة اقتصاد الصّين باقتصاد الولايات المتحدة لأن هيكلتهما مختلفة، مما جعل اقتصاد الصين يتجاوز مرحلة إغلاق الإقتصاد بسبب جائحة كوفيد- 19 ويحافظ على نسبة نمو بمعدّل 4,5% خلال السنوات الأربع الماضية، بينما لم تتجاوز النسبة 1,8% في الولايات المتحدة، كما ارتفع متوسط نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي السنوي في الصين بنسبة 4,4% بفعل ارتفاع الأُجُور الذي تحقّق في الصّين، لأن الدّولة بدأت منذ أزمة 2008 تُوَجّه الإقتصاد لكيْ يَنْمُو بفعل ارتفاع الطّلب والإستهلاك الدّاخلي، بدل الإعتماد بشكل أساسي على التّصدير لتلبية الطّلب الخارجي… وردت معظم البيانات ببرقيات وتحليلات وِكَالَتَيْ الصحافة الفرنسية ورويترز يومَيْ 07 و 08 أيلول/سبتمبر 2023
التعليقات مغلقة.