هكذا انتهى “حل الدولتين” لحظة التوقيع على “أوسلو”
الأردن العربي – الإثنين 11/9/2023 م …
هذا الأسبوع قبل 30 سنة، وقّع في ساحة البيت الأبيض على اتفاق أوسلو الذي كان معداً ليأتي بحل للنزاع الدموي بيننا وبين الفلسطينيين. غير أن الطريق إلى جهنم مبلطة بالنوايا الحسنة، وعملياً الاتفاق أبعد السلام، بل جعله هدفاً غير قابل للتحقق.
في إحدى لحظات الذروة في الانتفاضة الثانية تباهى محمد دحلان، رجل السلطة الفلسطينية، المعروف حتى اليوم بعلاقاته الطيبة مع إسرائيل، بالإنجازات التي منحها اتفاق أوسلو للفلسطينيين. على حد قوله، كان عدد المصابين الإسرائيليين في الانتفاضة الأولى متدنياً، وفي المقابل، ارتفع في أثناء الانتفاضة الثانية، تقريباً، بعشرة أضعاف إلى أكثر من 1200 قتيل، وذلك على حد قوله بفضل اتفاق أوسلو، الذي منح الفلسطينيين مجال عمل آمن، للتهديدات والتسلح والاستعداد لعمليات الإرهاب.
جاء اتفاق أوسلو في لحظة قاسية لـ م.ت.ف، في اللحظة التي كانت فيها المنظمة ملقاة على الأرضية، وتعيش عزلة إقليمية ودولية. فقد فقدت المنظمة سيطرتها في “المناطق” [الضفة الغربية] وكانت الانتفاضة الأولى التي علقت عليها آمالها في حالة خبو.
من ناحية الفلسطينيين، كان هذا اتفاقاً هدفه إنقاذ م.ت.ف، ولهذا السبب، حيك ليتناسب ومقاييس قادة م.ت.ف الذين كانوا يستقرون في حينه في تونس، وكان بعيداً عن أن يلبي تطلعات واحتياجات السكان الفلسطينيين في “المناطق”. ينبغي الاعتراف بأن الأيام الطيبة التي شهدها الفلسطينيون كانت في سنوات ما بعد حرب الأيام الستة عندما أزيلت الحواجز وفتحت الحدود، واندمج سكان الضفة وغزة في نسيج الحياة الإسرائيلي، وعلى الأقل في الاقتصاد وسوق العمل.
جذر المشكلة في هذا الاتفاق كان افتراض الموقعين عليه من الجانب الإسرائيلي بأن النزاع مع الفلسطينيين نزاع حدود آخر، كذاك الذي كان مع مصر، والذي يختلف فيه الطرفان على قطعة أرض تقع على حدودهما، لذا فالمطلوب حل وسط إقليمي لتسوية النزاع. أما عملياً، فكان هذا نزاعاً وجودياً يتصارع فيه الطرفان على بلاد إسرائيل كلها، ومشكوك إذا كانت القيادة الفلسطينية، وتلك الإسرائيلية اليوم أيضاً، تريدان أو تستطيعان اتخاذ القرارات الواجبة لإيجاد حل لمثل هذا النزاع.
ثمة خطأ آخر، وهو اعتقاد ساذج بأنه إذا ما ترك الفلسطينيون والإسرائيليون يعيشون معاً، وفي واقع الأمر واحداً داخل الآخر، فسيتغلبون في سنوات أوسلو على رواسب الماضي وسيكتسبون أمناً وثقة. أما عملياً، فقد أدى الأمر إلى نقيض تام، وليس صدفة أن قاعدة حديدية في حل النزاعات هي أن أسواراً عالية، تفصل بين الصقور وتمنح الأمن، هي الضمانة لعلاقات جيرة طيبة.
لقد صفى اتفاق أوسلو أحد إنجازات دافيد بن غوريون الكبرى في أثناء حرب الاستقلال، بجرة قلم. فقد نجح بن غوريون، بالتشاور مع عبد الله ملك الأردن، في دفن الحركة الوطنية الفلسطينية التي رأى الأردن وإسرائيل فيها تهديداً وجودياً عليهما. في السنين التي أطلت فيها الوطنية الفلسطينية رأسها، وفي اتفاق أوسلو الذي وقع من خلف ظهر الأردن، رفعت إسرائيل مستوى م.ت.ف إلى مكانة شبه دولة. لكن المهم ليس ما كان، بل ما ينبغي عمله من هنا لاحقاً.
استهدف اتفاق أوسلو، حتى لو لم يعترف الموقعون عليه بذلك، إقامة دولتين – إسرائيل وإلى جانبها دولة فلسطينية. ويدل انهيار مسيرة أوسلو على أن حلاً كهذا لم يعد عملياً. لهذا السبب، يجدر التركيز على إدارة النزاع، وليس على الجهد للوصول إلى حله. فمثل هذا الجهد حكمه الفشل، وسيوقف توقعات ستتبدد وتؤدي إلى عنف وإرهاب.
يجدر بنا أن نسأل أنفسنا إذا كان الوضع القائم – الذي سيتواصل لسنوات طويلة أخرى – يخدمنا، وإذا كان يمكننا أن نتحمل ثمنه. من جهة، نزف لا يتوقف وإرهاب، وكذا سيطرة غير مباشرة على ملايين الفلسطينيين؛ ومن جهة أخرى، قدرتنا على مواصلة التمسك ودق الأوتاد في “المناطق”. وإذا كان الجواب سلبياً، فعلى إسرائيل أن تفكر من خارج الصندوق، وتبحث عن حل واقعي، وألا تسير أسيرة خلف هذيانات مسيحانية، حل يضمن أمنها وسيطرتها في المناطق الحيوية والعزيزة عليها أيضاً.
التعليقات مغلقة.