الشعب الفلسطيني ضحية الصراع الأمريكي الصيني / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الأربعاء 12/9/2023 م …

 تَغَيَّبَ الرئيسان الصيني والروسي عن اجتماع قادة مجموعة العشرين (الدّول الأكثر ثراءً) يوم التاسع والعاشر من أيلول/سبتمبر 2023، بنيودلهي (عاصمة الهند) الذي كان من أهم قراراته إقامة “ممر اقتصادي” ( IMEC  ) وهي طريق تجارية بحرية وبرية وحديدية تربُطُ الهند بأوروبا عبر ما سُمِّيَ “الشرق الأوسط” (بهدف إدماج الكيان الصهيوني وتركيا كقوى مُهيْمنة في المشرق العربي) وتنْقُل المحروقات والكهرباء والطاقة المُتَجَدِّدَة وشبكات البيانات، عبر خطوط الألياف البَصَرية، بحجة تَيْسِير مرور السّلع والمعلومات وتعزيز التبادل التجاري والإندماج الإقتصادي، غير أن الرئيس الأمريكي أعلن عن خفايا المشروع بقوله “سوف يُغَيِّرُ هذا الإتفاق قواعد اللعبة”، وتم توقيع الاتفاق المبدئي من قِبَل الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي (ككيان ) وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والهند والسعودية والإمارات، وفق بيان البيت الأبيض (09/09/2023)، وينقسم المشروع إلى مَمَرّ شرقي يربط الهند مع الخليج والكيان الصهيوني ومَمَر شمالي يربط الخليج بأوروبا، عبر ميناء حيفا المُحْتَلّة، ويهدف المشروع ( وهو مشروع أمريكي ) ومواجهة مشروع “الحزام والطّريق” الذي بدأت الصين إنجازه، منذ سنة 2013، بعد إقرار الولايات المتحدة محاصرة الصين عسكريا وتجاريا وتقييد استخدام الصين للممرات المائية التي تمر عبرها نسبة تفوق 60% من المبادلات التجارية الصينية مع بلدان العالم، وكتبت بعض الصحف الأمريكية صراحة: إن الطريق التجارية الجديدة خُلِقَتْ لتُنَافِسَ شبكة مبادرة الحزام والطريق (BRI) التي أنشأتها الصّين، ولِتقليل الإعتماد على الإمدادات الصّينِيّة، كما رَدّدت “أرسولا فون دير لاين”، رئيسة المفوضية الأوروبية ( اليمينية جدًّا والصّهيونية جدًّا)، نفس الخطاب الأمريكي الذي يَدّعي “توفير مزيد من المرونة في سلاسل التوريد وخفض الإعتماد على الصين”…




يُسْتَشَفُّ من بعض الدّراسات والبحوث الأمريكية إن هذا “المَمَر الإقتصادي” يهدف خنق الصين على مدى متوسّط أو طويل، ولذلك لم يتم تقديم تقديرات للتكاليف الإجمالية ولا التزامات مالية، ويشمل المُخَطّط الأمريكي دعم طموح الهند لتصبح “قوة تصنيعية كبرى تحوز على حصّة أكْبَرَ من الإنتاج العالمي للسلع، وهذا يحتاج تطوير البنية التحتية وطاقة الموانئ وإعادة بناء شبكات الطرقات والسّكك الحديدية، بدعم من الولايات المتحدة، لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد في آسيا والدول العربية”، وفق موقع صحيفة “فاينانشال تايمز” (  10 أيلول/سبتمبر 2023)، ويمكن تأويل تصريح جوزيف بايدن” (إن الممر) سيسهم في جعل الشرق الأوسط أكثر استقرارا وازدهارا” بأن هذا المشروع الأمريكي يهدف التطبيع الإقتصادي بإدارة صهيونية، وربط اقتصاد مشيخات الخليج بالكيان الصهيوني، على حساب مصر وقناة السويس، فضلاً عن دعم الهند على أمل تفوقها على الصين، وفي انتظار ذلك تُضاعف الولايات المتحدة من حجم العراقيل أمام مبادرة الحزام والطريق

سبق أن طلبت “هيلاري كلينتون”، منذ سنة 2016، إقرار خطّةٍ منافسة لمبادرة الحزام والطريق الصينية، من خلال تسريع عمليات التطبيع بين الأنظمة العربية والكيان الصهيوني، كما أقَرّ الإتحاد الأوروبي خطة بقيمة 300 مليار يورو لتحسين البنية التحتية بين سَنَتَيْ 2021 و2027، لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية (التي انخرطت بها إيطاليا واليونان، قبل تراجعهما بعد الضغوط الأمريكية والألمانية)، وتتكامل المخططات الأمريكية والأوروبية (ومنها المخططات الصهيونية) ضمن مخطط يتجاوز الأهداف التي تم الإعلان عنها، ويُعيد طرح خطة “صراع الحضارات” إلى الواجهة، وتوسيعها لإدماج أنظمة صهاينة العرب بالخليج، وكذلك الهند، لمواجهة الصين، المنافس الأكبر لهيمنة الإمبريالية الأمريكية على العالم، وربما لعزل إيران (وهي قادرة على الإندماج في المخطط الأمريكي لو حصلت على الحصّة التي تطلبها)، كما يهدف هذا المشروع الأمريكي إفشال ممر “بين الشمال والجنوب” الذي ينقل السّلع بين روسيا وإيران والخليج، والملاحظ أن الخليج ومنطقة المشرق العربي تحتل مكانة مَرْكزية في معظم المُخططات المطروحة ( المشروع الصيني – الحزام والطّريق – والمشروع الروسي – بين الشمال والجنوب – والمشروع الأمريكي الذي تَبَنّتْه مجموعة العشرين وصندوق النّقد الدّولي، وكذلك المشروع الصهيوني الأمريكي لربط السعودية والإمارات، بأوروبا، بواسطة ميناء حيفا )، مع تهميش البلدان العربية الكبيرة والتي لعبت دورًا في مقاومة الإستعمار وفي مشاريع الوحدة، وخصوصًا بلاد الشّام ومصر، وإعادة طرح وتحديث مشروع حلف بغداد، من خلال ربط مدينة “نيوم” (مشروع محمد بن سلمان) بميناء أم الرّشراش بفلسطين المحتلة، وبالتالي إلغاء بالتزامات السعودية مع الصين بشأن إدماج خطّة محمد بن سلمان (رؤية 2030 ) ضمن خطة “الحزام والطريق” الصّينِيّة…

إن مُخَطّط إقامة “الممر الإقتصادي” ( IMEC  ) وتقديم الخطّة ك”طريق تجارية بحرية وبرية وحديدية تربُطُ الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط” هو مخطّط أمريكي يهدف توسيع رقعة وأشكال التحالف (بقيادة الولايات المتحدة) ضد الصّين وخطة “الحزام والطّريق”، ويهدف إظهار الولايات المتحدة في صورة المستثمر والشّريك البديل والموثوق للصين في بلدان آسيا والبلدان العربية،  بتزكية من الإتحاد الأوروبي والهند والسّعودية، أي من حلفاء أمريكا، ويبدو أن الخطة الأمريكية كانت قَيْدَ الدّرس منذ أشهر أو سنوات، وأشار موقع “أكسيوس” الإخباري الأمريكي “إن المشروع يهدف ربط الدول العربية بإسرائيل ضمن تطبيع العلاقات، وخلق شبكة من المصالح والرّوابط الإقتصادية المتينة بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، بموازاة مبادرة الحزام والطريق الصّينية…”

من وجهة النّظر العربية (وفي مُقدّمتها الفلسطينية)، يُعْتَبَرُ هذه المُخَطَّطُ مشروعًا أمريكيًّا، للحد من طموحات الصين ومنافستها للولايات المتحدة، ومخطط صهيوني يهدّد قناة السويس ومصر التي سوف تُعاني كذلك من نقص حصتها من مياه النيل، بفعل اكتمال بناء وملء سدّ النّهضة الحَبَشِي، وهو مخطط ذو وظيفة تطبيعية، تُعمّق التغلغل الصهيوني في مختلف جوانب حياة الشعوب العربية ( فضلا عن الأنظمة) من خلال البُنَى التحتية والتجارة والطاقة ووسائل الإتصالات والنقل بأنواعها، كما يضع العديد من البلدان العربية في مواجهة الصّين، خدمةً لأهداف الولايات المتحدة التي تدعم الكيان الصهيوني وتحتل العراق وسوريا والصومال وغيرها، بالإضافة إلى القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في الوطن العربي، من موريتانيا والمغرب إلى البحرَيْن وقطر والعراق، ولا مصلحة لنا كعرب وكشعوب مُضْطَهَدَة ومُستَعْمَرَة وكفئات كادحة، في دعم الولايات المتحدة أو الإتحاد الأوروبي أو صهاينة العرب، من حُكّام الخليج الذين ساهموا في تخريب البلدان العربية واحتلالها وتمويل وتسليح وتدريب المجموعات الإرهابية التي تخدم الأهداف الإمبريالية والصّهيونية، ويُساهمون حاليا في إدماج الكيان الصهيوني في النّسيج الإقتصادي والتّجاري والإجتماعي العربي، “… وستكون إسرائيل في قلب مشروع دولي غير مسبوق، يربط البنية التحتية بين آسيا وأوروبا، ومن شأنه تغيير ملامح الشرق الأوسط، وتعزيز دور إسرائيل ومكانتها في الإقليم والعالم… وهو التطور الاقتصادي والدّبلوماسي الأكثر أهمية، لأنّه يدمجها بشكل كامل في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك في آسيا” وفق تعبير رئيس حكومة العدو الذي أورده موقع الصحيفة الصهيونية “هىرتس” (11 أيلول/سبتمبر 2023 )

بدأت حكومة الكيان الصهيوني تطرح علنا، منذ سنة 2017، خططًا اندرجت تحت مُسمّى ” مسارات السّلام الإقليمي”، لربط فلسطين المحتلة بالخليج عبر الموانئ ( بين حيفا وأم الرّشراش ودُبَيْ) وخطوط السكة الحديدية، وعبر خطوط نقل المحروقات والطاقة، وأصبحت هذه الخطط قابلة للتطبيق، عند إعلان التطبيع الرسمي مع البحرَيْن ثم الإمارات، في انتظار السعودية، وفي انتظار نقل المسافرين بين الخليج وأوروبا، عبر فلسطين المحتلّة، وهي عملية إحياء وتطوير خط الحجاز ( 1464 كيلومترا) ليستثني سوريا التي كانت ممرا هاما لخط الحجاز، بداية من سنة 1908، وترى الصّين إن هذا المخطط يُشكل عملا عدوانيا، فيما يحق لنا كعرب معارضته لأن الكيان الصهيوني أكبر مستفيد منه، والشعب الفلسطيني أكبر مُتَضَرّر لأن هذا المخطط يُوسّع التطبيع إلى المجال الاقتصادي، ويزيد من حجم تجارة العدو ويُناقض جهود المُقاطعة، بل يجعل من حُكام الخليج حريصين على أمن الإحتلال ومُستوطِنِيه، غير عابئين بخنق الإقتصاد المصري، بإبعاد التجارة عن قناة السويس، التي تعبر منها حاليا نحو 26 ألف سفينة، وبلغت إيرادات الدّولة المصرية نحو 9,4 مليار دولارا سنة 2022، ومرت من قناة السويس نسبة 12% من حجم التجارة الدولية، ونحو 10% من شحنات النفط والغاز الدولية، و22% من تجارة الحاويات…

سبق أن كتبْتُ قبل نحو ثلاثة أسابيع: “… وبذلك تكون مصر، أول دولة عربية طبّعت علاقاتها الرسمية مع الكيان الصهيوني، أكبر خاسر من المشاريع الصهيونية، لأن الكيان الصهيوني لا يستهدف فلسطين لوحدها، بل يستهدف الوطن العربي ككل، من المحيط إلى الخليج، وقَصَفَ البلدان العربية، بواسطة السلاح الأمريكي، من العراق إلى تونس، مرورًا بمصر وسوريا ولبنان والسودان وليبيا الخ.” ( يمكن مراجعة مقال بعنوان “مصر – جزاء سنمار بتاريخ 22 آب/أغسطس 2023)  

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.