واقع اللاجئين الفلسطينيين في أوروبا / عماد فواز العربي

عماد فواز العربي (مصر) –  الأحد 17/9/2023 م …




 ليس خافيا أن قضية اللجوء والهجرة في أوروبا باتت تحتل مواقع جد متقدمة في الحياة العامة اليومية هناك، مع طروحات الأحزاب والتشكيلات السياسية، يمينا ويسارا، المرتبطة بتلك المسألة بشكل مباشر والتي وضعتها في صلب خطابها لقواعدها الجماهيرية والانتخابية. وليس خافيا أيضا أن التعامل مع المجموعات المختلفة من المهاجرين واللاجئين، إنما يتم وفقا لتقييمات الدول الأوروبية لحالة بلدانهم الأم، سواء كانت آمنة أم لا، فضلا عن تطبيقات اتفاقية دبلن التي عمدت بعض الدول، مثل بلجيكا، لوقف العمل بها لاعتبارات خاصة بها دول أخرى مثل ألمانيا والدنمارك بدأت مؤخرا نقاشا حول إعادة المهاجرين واللاجئين لديها، خاصة السوريين، إلى بلدانهم الأم. وبعيدا عن الجدال الذي أثارته تلك الطروحات،

 

 اقترحت الدنمارك إنشاء مراكز استقبال في دول ثالثة، تقوم هي بتمويلها، لاستقبال طلبات اللجوء فيها، دون أي ضمانة لاستقبال من حازوا على حق اللجوء على أراضيها

اللاجئون الفلسطينيون  يشكلون إحدى تلك الجنسيات الغارقة في دوامة الإجراءات الإدارية وعمليات اللجوء المعقدة في أوروبا. جزء كبير منهم لا يحق لهم الحصول على حق اللجوء في أوروبا لاعتبار أن البلدان التي جاؤوا منها تعتبر آمنة (بعكس الفلسطينيين القادمين من سوريا). لكن وفقا للقانون الدولي، يعتبر هؤلاء الأشخاص بلا وطن، أي بلا جنسية معترف بها، وبالتالي لا يملكون بلدا خاصا بهم، وبالتالي لا يمكن ترحيلهم لأي مكان

اللاجئون الفلسطينيون هم ليسوا اللاجئين الوحيدين في هذا العالم. فهنالك عشرات الملايين من اللاجئين الذين نفضوا عنهم ترسبات الحروب، نهضوا وواصلوا المسيرة من أجل بناء مستقبلهم
هذه الأيام تحل الذكرى السابعة والستين لقرار الأمم المتحدة الذي نصَّ على إقامة دولتين يهودية وعربية تتعايشان سلمياً وتتعاونان في مجالات البناء والتطوير. إلا أن الدول العربية السبع آنذاك رفضت ذلك القرار وضربت به عرض الحائط وأعلنت حرب إبادة ضد إسرائيل وهي لم تولد بعد وإن الأمر الذي ليس بحاجة إلى البرهنة والتدليل هو أن الذين حاربوا قرار التقسيم اقترفوا خطأ جسيماً بحق الفلسطينيين وبحق شعوبهم التي دفعت تكاليف تلك الحرب الفاشلة بالدم وبالمال أجل، اقترفوا خطأ جسيماً وهذا بدليل أنهم نادمون على ما فعلوا وهم هذه الأيام يحلمون ويتمنون عودة ذلك القرار
إلاّ أن هذا ليس الخطأ الوحيد الذي اقترفه الزعماء العرب قائمة الأخطاء طويلة ومتعددة وليس هنا مجال لسردها والتذكير بها وذلك تفادياًَ لذر الملح على الجروح التي لماّ تندمل بعد.
والسؤال هو : كم من مليارات الدولارات كلفت تلك الأخطاء ومن ذا الذي دفع الخسارة والتكاليف غير الشعوب المغلوبة والمعانية؟ هذا ناهيك عن فقدان الأرواح هذا ـ دون شك ـ شأن يستحق البحث والتعمق في بحثه وتعلم الدروس والعبر منه
والذي يبدو أن الأوساط العربية التي اقترفت الأخطاء وسببت النكبات تتفادى إجراء بحوث عن الخسارات التي تسببت من جراء أخطائهم بهدف التستر على النتائج المأساوية لما فعلوه.
أحد الأخطاء المأساوية التي اقترفها شتى الزعماء العرب هي اللعب بمصير اللاجئين الفلسطينيين. فلم يكف أن الزعماء العرب تسببوا في حرب العام 1948 وحرب الأيام الستة بخلق مشكلة اللاجئين، إلاّ أن أولئك مضوا قدماً في ظلم اللاجئين طوال سبعة عقود عن طريق إبقائهم في المخيمات، فقراء معدمين محرومين من حق العمل ومن العناية الصحية ومن المساواة … هكذا وضع اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية وخاصة في سوريا ولبنان … أولئك اللاجئون تركوا بمثابة عبء على وكالة الغوث الدولية للاجئين الفلسطينيين.

وإذا كان لأحوال اللاجئين الفلسطينيين واللاجئين اليهود من الدول العربية درس وعبرة فهما في حتمية نبذ العداوات والاقتتال والحروب.
الضرورة القصوى في المضي في سبيل التعايش السلمي. وتكريس الجهود من أجل بناء غد أفضل لأولادنا وأحفادنا والجنوح للسلم.

لا يمكن النظر لهوية الوجود الفلسطيني في أوروبا باعتبارها هوية أقلية فحسب، فرغم كونها تخضع لعوامل وظروف تشكيل هوية الأقلية في كثير من جوانبها، إلا أنها تتمايز أيضاً بتأثير العامل المركزي أي أنها جزء من شتات وتشظي لشعب بأكمله بفعل عدوان وغزو مستمر.
ومع توسع حجم عدد الفلسطينيين في بلدان القارة الأوروبية نتيجة موجة اللجوء الحديثة من قبل فلسطينيي سوريا ولبنان خلال العقد الأخير، وبروز دور سياسي لهؤلاء المهاجرين في بلدان القارة الأوربية، تستعرض ورقة عمل تحمل عنوان العمل الفلسطيني في أوروبا-جنة الأوهام السياسية وصحراء الواقع أبرز الإشكاليات والتحديات التي تواجه الوجود الفلسطيني في أوروبا، والمعضلات الخاصة بوجه الفلسطيني تحديداً، والأدوار التي يقوم بها فلسطينيو أوروبا تعبيراً عن هويتهم وارتباطاً بقضيتهم الأساسية، وبواقع أن أغلبيتهم مهجرون من بلادهم ومخيماتهم بفعل احتلال مدعوم من معظم الحكومات الأوروبية.
وتناقش الورقة الأزمة التي يعيشها الوجود الفلسطيني في أوروباعلى مستوى تعبيراته عن الهوية الفلسطينية، والدور، والقدرة على التنظيم، نتيجة للتأثير الكبير للحالة المركزية في الوطن المحتل، وأيضاً الظروف الموضوعية في أوروبا، وهو ما يترك آثاراً عميقة على قدرة فلسطينيي أوروبا على الدفاع عن حقوقهم، أو لعب دورهم السياسي لمصلحة قضيتهم وشعبهم، أو انتزاع تمثيلهم الوطني ضمن معادلة فلسطينية مختلة يحكمها التفرد من جانب والهيمنة الخارجية من جانب آخر وتنال منها عوامل التعطيل والتفكيك والانقسام.
وتشير الورقة إلى غياب مركز فلسطيني مهيمن بشكل تام على صناعة السياسات الفلسطينية وإيجاد مساحات فعل مصدره الفلسطيني الأوروبي، وترى أن كل ما يوجد هو مبادرات سياسية لإحياء أو توحيد بعض المؤسسات الفلسطينية المركزية أو استحداث بديلة عنها أو المطالبة بالتمثيل الوطني، أو الانحياز لوجهة محددة تتعلق بالصراع مع المحتل ومواقف الأطراف الفلسطينية منه، وهذا أنتج انحيازاً لأحد الأطراف الفلسطينية من قبل تشكيلات فلسطينية أوروبية جديدة لم تنتم تاريخياً لأي من طرفي الانقسام ولم تعمل سابقاً في تلك المساحات التي لا تتعلق بالاستقطاب الفلسطيني.
إلا أنها تورد في السياق أمثلة عن حالة وحدوية فلسطينية شهدتها الساحة الأوروبية في ظل عجز منظمة التحرير عن أداء دور الممثل الجامع للفلسطينيين هناك، وعدم قدرة أي من التشكيلات الفلسطينية التي تتوالد في أوروبا عن لعب دور المنظمة في تمثيل الفلسطينيين.
وتخلص الورقة إلى أن إهمال المركز الفلسطيني على اختلاف أطرافه لدور الفلسطيني الأوروبي، كفاعل وطني سياسي، وأيضاً كضحية لسياسات المنظومة الصهيونية، ودعم الحكومات الأوروبية الأعمى للكيان الصهيوني وانحيازه ضد كل ما هو فلسطيني بما في ذلك الفلسطيني على الأرض الأوروبية، يٌفقد الشعب الفلسطيني مخزوناً هائلاً وقدرة هامة على الفعل السياسي، قد يحمل قدرة على تغيير المعادلة، وبشكل أو بآخر. 

شكّل فلسطينيو أوروبا خلال عام 2022 رافعة حقيقية للعمل الوطني؛ لنصرة القضية الفلسطينية والتخفيف من معاناة اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الشتات، فانتفضوا لأجل دعم القدس والأسرى، وأبدعوا في التفافهم حول قضيتهم، وتمسكهم بحق العودة.

ولم يقتصر دور فلسطينيي أوروبا على ذلك، بل نادوا مرارًا وتكرارًا بإنهاء الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، ودعم الحقوق الفلسطينية المشروعة، والحفاظ على الرواية والهوية الوطنية من الطمس والتزوير، متحدّين الرواية الإسرائيلية في القارة الأوروبية.

وبلغ عدد الفلسطينيين في الدول الأجنبية في نهاية العام 2022، نحو 761 ألف فلسطيني، وفقًا لجهاز الإحصاء الفلسطيني.

ويعتبر فلسطينيو أوروبا جزءًا لا يتجزأ من المكون الفلسطيني، فهم يحملون هم فلسطين أينما ذهبوا، ويوصلون معاناة أبناء شعبهم إلى العالم الحر، سياسيًا واقتصاديًا وإنسانيًا وإغاثيًا، وفق حنون.

أنّ “فلسطينيي الشتات جزء من الكل الفلسطيني، وهم على جسد واحد مع كل أحرار العالم والشرفاء والمناضلين في القارة الأوروبية، والذين يلتفون حول خيار الشعب الفلسطيني في انتزاع حريته وحقه في أرضه، رغم كل الضغوطات الإسرائيلية”..

الفلسطيني الموجود في أوروبا لم ولن يتخلى عن فلسطينيته، سيبقى وفيا لأبناء شعبه أينما حلو، وستظل أمنا فلسطين حاضرة في وجدانه، يورثها جيل بعد أخر إلى أن تحين العودة إلى أرض الوطن.

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.