الديمقراطية في ثقافة د. حيدر عبد الشافي / محسن ابو رمضان
محسن ابو رمضان ( الإثنين ) 26/9/2016 م …
*عارض د. حيدر عبد الشافي اتفاق اوسلو سياسياً لأنه ينتقص من حقوق شعبنا …
يأتي هذا المقال في اجواء الانتخابات المزمع عقدها للبلديات رغم المعيقات والصعوبات التي تعترضها والتي كان آخرها قرار المحكمة العليا بإيقافها، كما يتزامن مع الذكرى التاسعة لوفاة القائد الوطني الكبير د. حيدر عبد الشافي.
لعبت النشأة الاجتماعية دوراً هاماً في تشكيل الوعي الديمقراطي لدى القائد الوطني الكبير الراحل عبد الشافي، حيث انخرط بجمعية العروة الوثقى بالجامعة الامريكية في بيروت، والتي تأسست على القيم والمبادئ القومية والتنويرية، كما ان استكمال دراسته بالولايات المتحدة كان له أثر ايضاً في هذا الوعي، عبر ادراكه لمعنى وقيم التعددية والمواطنة والتسامح وتقبل الآخر، واحترام مبادئ حقوق الانسان إلى جانب أهمية التفكير العلمي والنقدي والابداعي بعيداً عن التلقين والتفكير النمطي والتقليدي.
لم يكن الوعي الديمقراطي في مفاهيم د. حيدر مفصولاً عن الوعي الاجتماعي، حيث كان يقدم الخدمات ويعالج الفقراء بالمجان وبهذا حصل بجدارة على لقب طبيب الفقراء، وخاصة عندما كان يتوجه ميدانياً لهم ابان وبعد هجرة عام 48، وفي اطار من الانخراط في هموم الجماهير المسحوقة والسعي باتجاه اسنادها وتمكينها في ترجمة واضحة لقيمه النبيلة المبنية على العدالة الاجتماعية ، كأحد المبادئ التقدمية والإنسانية الكبرى.
وبالوقت الذي تبلور وعيه الديمقراطي في اطار الترابط مع قيم العدالة الاجتماعية، فإنه ترابط في نفس الوقت مع الابعاد الوطنية، حيث لعب دوراً رئيسياً في تجميع القوى الوطنية على اختلاف مشاربها السياسية من قومية وإسلامية ويسارية في اطار ايمانه العميق بمفهوم الوحدة الوطنية والمترجم مؤسسياً بالجبهة الوطنية التي لعبت دوراً هاماً في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي ابان العدوان الثلاثي عام 56، والتي تم تكرار تأسيسها بعد الاحتلال العسكري الاسرائيلي على اثر عدوان عام 67، حيث تشكلت الجبهة الوطنية بعد الاحتلال من بعض القوى السياسية اليسارية والشخصيات الوطنية التي كان في مقدمتها د. حيدر عبد الشافي .
كانت فكرة الجبهة الوطنية راسخة في وعي د. حيدر والتي تم تكرار تأسيسها بعد عام 74 في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة والتي نظر لها الاحتلال بخطورة كبيرة حيث قمعها وقام باعتقال اعضائها وإبعاد اعضائها الآخرين خارج الوطن.
وفي سياق الترابط بين الديمقراطي والوطني شارك د. حيدر بانتخابات التنظيم الشعبي التابع للمنظمة بعد نشأتها وقد كان باستمرار يحظى بتأييد عارم من الجماهير الذي امنت بمصداقيته الكبيرة.
تعرض د. حيدر عبد الشافي وبسبب مواقفه المبدئية المناهضة للاحتلال إلى عمليات ابعاد واحدة في عام 69 إلى سيناء والثانية في عام 71 إلى لبنان، وبعد عودته قرر الاستمرار بالنضال الوطني ببعده الاجتماعي، حيث اسس جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بقطاع غزة مع نخبة من الشخصيات المجتمعية العاملة في قطاعات مختلفة، لتلعب دوراً بالعمل الصحي والاجتماعي والتوعوي، إلى جانب ترويجها للثقافة التنويرية عبر مكتبتها والتي كان يرتادها عدد كبير من الشباب المقبل على الثقافة الوطنية والتقدمية بالإضافة إلى قيامها بأنشطة تطوعية عبر لجنة العمل الطوعي التي تشكلت في نهاية السبعينات من القرن الماضي تعزيزاً لعملية المشاركة المجتمعية ومساهمة في تقوية الرأسمال الاجتماعي مشكلة احد ادوات الكفاح في مواجهة الاحتلال الذي كان ينظر لها بخطورة شديدة بوصفها تشكل ارهاصات لقيادات وطنية مناهضة للاحتلال وباتجاه تفعيل الطاقات الشعبية لمواجهته.
بعد انتخابات البلديات عام 76 من القرن الماضي، والتي افرزت قيادات وطنية متمسكة بالنهج والمسار الوطني ب م.ت. ف تم تشكيل لجنة التوجيه الوطني من رؤساء البلديات إلى جانب رؤساء تحرير الصحف التي كانت تصدر بالأراضي المحتلة وكذلك ممثلي النقابات المهنية لتلعب دوراً رئيسياً في توجيه وقيادة الشارع الفلسطيني لإفشال مشروع الإدارة المدنية بذلك الوقت.
وبالوقت الذي كانت توجهات د. حيدر الفكرية تتجه نحو الفكر اليساري والديمقراطي فإنه كان يصر على أهمية ادماج ممثلي تيار الاسلام السياسي بالحوارات الوطنية وباللقاءات من اجل تعزيز الجبهة الوطنية والداخلية بوصفها قانون الانتصار، وذلك رغم الاختلاف الفكري والسياسي معه والذي كان يصل في بعض المحطات إلى ظروف بالغة التعقيد والصعوبة والحساسية بما يعكس ايمانه بقيم التسامح وتقبل الآخر رغم التنافس والاختلاف السياسي .
برز ايمان د. حيدر عبد الشافي بالثقافة الديمقراطية التي تعتبر التسامح واحدة من ابعادها عندما دافع عن ممثلي حركة حماس الذين تعرضوا إلى عمليات مضايقة واعتقالات من قبل السلطة الفلسطينية في عام 96 أي بعد تأسيس السلطة وعندما كان يناقشه احد المقربين إليه كيف تقوم بالدفاع عنهم وزيارتهم بالمعتقل وهم خصوم سياسيين لك، كان يجيب ان رسالتنا تكمن بالوقوف إلى الحق وإلى جانب المظلومين وهم بهذا الوضع الآن الامر الذي يتطلب اسنادهم والوقوف إلى جانبهم بما يعكس سعة افقه وقدرته على استيعاب الآخر ومبدئيته عبر انتصاره لمبادئ حقوق الانسان ولكرامة المواطنين.
وفي اطار الدمج ما بين الوطني والديمقراطي، وعند تأسيس القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة “قاوم” في عام 88 حاول اقناع فصائل المنظمة بإدماج حركة حماس في بنتيها والتي اثرت ان تخوض فاعليات مجاورة “لقاوم” في تلك الفترة دون الاندماج في مكوناتها.
عارض د. حيدر عبد الشافي اتفاق اوسلو سياسياً لأنه ينتقص من حقوق شعبنا ولكن في نفس الوقت اكد على أهمية الاستفادة من بعض الهوامش منه مثل هامش “الانتخابات” التي تمت في يناير/96 للمجلس التشريعي حيث قرر المنافسة بها وحصل على اعلى الاصوات عن دائرة غزة، وقد لعب دوراً باتجاه محاولة ارساء اسس الحكم الديمقراطي الرشيد عبر محاربة الفساد وأهمية وجود نظام ديمقراطي تعددي مبنى على سيادة القانون والفصل بين السلطات واحترام الحريات العامة، ولأنه لم يتم الاستجابة إلى رسالة المجلس التشريعي وتم طي ملف الفساد دون محاسبة او مساءلة فقد قرر الاستقالة والاكتفاء بتشكيل حركات اجتماعية وسياسية تربط ما بين الأهداف الوطنية والديمقراطية إلى جانب عمله المستمر بالمجتمع المدني.
كانت الديمقراطية بالنسبة للدكتور حيدر ذات ابعاد وطنية، فهي الصمغ اللاصق للوحدة الوطنية التي تعتبر قانون الصمود والكفاح في مواجهة الاحتلال عبر المشاركة وتعزيز الآلية الجماعية في صناعة القرار، فلا قيمة للديمقراطية بدون البعد الوطني ولا قيمة لها دون ان ترتبط بقضايا المجتمع، وخاصة الفقراء منه والمحرومين.
آمن د. حيدر عبد الشافي بالمجتمع المدني وكان قيادياً بالعديد من المؤسسات العاملة بها، وأبرزها جامعة بير زيت، والهيئة المستقلة لحقوق المواطن، وشبكة المنظمات الأهلية، وجمعية الهلال الاحمر، وجمعية تأهيل المعاقين، وجمعية المقاصد الخيرية، وذلك في اطار قناعته بضورة قيام هذه المنظمات بدورها في تعزيز الصمود إلى جانب توسيع المساحة الديمقراطية والحقوقية والتنموية بالمجتمع، وفي هذا السياق كان يؤكد على أهمية ان تقوم منظمات المجتمع المدني بأن تعطى نموذجاً بالحكم الديمقراطي الرشيد المبني على المسائلة والمحاسبة والانتخابات الدورية، ووضع الانسان المناسب بالمكان المناسب إلى جانب الشفافية التي يجب ان تتميز بها منظمات المجتمع المدني لتستطيع ان تلعب دوراً في مسائلة ومحاسبة السلطة التنفيذية .
لم تكن الديمقراطية بالنسبة للدكتور حيدر ثقافة زائدة بل كانت متأصلة بقيمة ومبادئ ولكنها كانت تتميز بترابطها الوثيق بين الوطني والاجتماعي بوصفها النسيج والحامي لها والقادرة على تحقيق اهداف شعبنا بالحرية والمساواة والعدالة .
التعليقات مغلقة.