مقاطعة إسرائيل… ما تعنيه وجريمة خرقها! / د.فايز رشيد

 

د.فايز رشيد ( الأردن ) الخميس 12/2/2015 م …

 

بداية، لا بد من التوضيح: أنني لم أستكمل بعد سلسلة مقالاتي تحت عنوان «أمراض عربية» لكنني أستبيح عذر القارئ الكريم في الإفلات من السلسلة هذه المرّة..

فالكاتب هو محض بشر تستفزُه بعض الأخبار من تلك التي لا يمكن تأجيل تناولها، هذا ما حصل معي.. فقد جاء في الأخبار أن «الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (BDS)» وفي بيان حديث أصدرته، تناشد الشاعر المصري هشام الجخ إلغاء أمسيته الشعرية المزمع إقامتها الأسبوع القادم في مدينة الناصرة، لأن زيارته ستتم إلى منطقة 48 بتصريح خاص تحكمه اتفاقية «كامب ديفيد»، ولأن الزيارة تخالف «معايير المقاطعة ومناهضة التطبيع»، وتتم الخطوات التطبيعية في العادة تحت عنوان تبريري: «التواصل مع الداخل الفلسطيني»، وهو ورقة التوت التي يتم استخدامها لتبرير التطبيع.

البيان يأتي بعد مدة قصيرة فقط من توقيع 400 بروفيسور أمريكي على بيان مشترك، أعلنوا فيه مقاطعتهم للجامعات والمعاهد الصهيونية. أهم ما جاء في بيانهم مضمونه يؤكد: الإقرار بأن المجتمع الدولي لا يحاسب إسرائيل، إن لديهم مسؤولية أخلاقية في اعتبار أن الحكومة الأمريكية وإسرائيل مسؤولتان عن الجرائم ضد المجتمع المدني الفلسطيني. إن الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة غير قانوني، وإن إسرائيل تمارس التمييز العنصري ضد الطلبة الفلسطينيين في الجامعات والمعاهد الإسرائيلية. كذلك تضمّن البيان، تعبيرهم عن قلقهم من التاريخ الطويل لإسرائيل في مصادرة المخطوطات الفلسطينية، وتواطؤ المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية مع سلطات الاحتلال واضطهاد الفلسطينيين، ومن هذه المؤسسات، جامعة بن غوريون، الجامعة العبرية، جامعة بار إيلان، جامعة حيفا، وجامعة بن غوريون عبّرت عن دعمها غير المشروط لجيش الدفاع الإسرائيلي، وأن هناك تواطؤا بين المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية والجيش والأمن والسلطة السياسية في إسرائيل.

وأكد العلماء في بيانهم على عدم التعاون والتدريس وحضور المؤتمرات والنشر في المجلات الأكاديمية في إسرائيل، واستمرار ذلك حتى إنهاء هذه المؤسسات تواطئها في انتهاك الحقوق الفلسطينية المنصوص عليها في القانون الدولي، واحترام إسرائيل الكامل للحقوق الوطنية الفلسطينية بما في ذلك، حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ممتلكاتهم وديارهم المنصوص عليها في قرار الأمم المتحدة رقم 194. أهمية القرار والبيان أنهما صادران عن مؤسسات أكاديمية أمريكية، حيث إسرائيل تعتبر الولايات المتحدة ملعبها الرئيسي، وساحة محجوزة على الدوام لها، كما أن أمريكا هي الحليف الإستراتيجي الأول والأهم لها وللحركة الصهيونية عموما. من قبل، وفي عام 2006 قرر أعضاء الرابطة الوطنية للمعلمين ورابطة أساتذة الجامعات البريطانية، مقاطعة إسرائيل أكاديميا. الخطوة نفسها اتخذتها الحكومة الإسبانية عام 2009 ضد جامعة بار إيلان، لأنها مقامة على أراضي الضفة الغربية، وجرى منعها من المشاركة في المرحلة النهائية للمسابقة الدولية بين كليات الهندسة المعمارية، أيضا فإن هناك بداية لمقاطعة ثقافية للكيان على صعيد العالم الغربي. رواد هذه المقاطعة: الموسيقار العالمي روجير واتيرز، الكاتبان العالميان أرونداتي روي وإدواردو غاليانو. المخرجان، كين لوتش، جان لوك غودار، الممثلة الأمريكية ميغ رايان، التي سبق لها أن انسحبت من مهرجان الفيلم الذي انعقد في القدس في يوليو 2010 بسبب الغارات الصهيونية على أسطول الحرية، إضافة إلى كل ذلك المقاطعة الاقتصادية لدول المفوضية الأوروبية لمنتجات المستوطنات، مقاطعة شاملة من قبل جنوب أفريقيا لإسرائيل، كذلك في العديد من دول أمريكا اللاتينية بدأت بوادر مقاطعة للكيان، وفي تركيا وفرنسا وغيرهما من دول العالم وفي مختلف أنحاء القارّات.

من قبل أعلنت شركة «بوسكاليس» الهولندية العملاقة وشركة»كوندوتي دي أغوا» الإيطالية انسحابهما من عطاءات لبناء ميناءين قريبين من مدينتي حيفا وأسدود، على خلفية العواقب السياسية السلبية لنشاطهما في إسرائيل. شركة ثالثة من بلجيكا اتخذت الخطوة ذاتها. إن دويتشي بنك أكبر بنك ألماني وثالث أكبر بنك في العالم، يعتبر أن «نشاط البنوك الإسرائيلية في المستوطنات هي نشاطات غير أخلاقية»، ولذلك تعهد هذا البنك مؤخراً لزبائنه بعدم استثمار أموالهم في شركات لا تستجيب «لمواصفات أخلاقية»، وعدّد البنك، قائمة شملت 16 شركة، كهذه (لا تستجيب للمواصفات الأخلاقية) في أنحاء العالم، في مقدمتها «بنك هبوعليم»وهو أكبر بنك إسرائيلي، وتليه 13 شركة تعمل في مجال التجارة بالأسلحة والمواد المتفجرة والعتاد العسكري في العالم وفي إسرائيل.

إن من أبرز وأدنى أساليب مقاومة العدو المحتلّ للأرض الفلسطينية والعربية، المغتصب لإرادة البشر تحت الاحتلال، مقاومته وعدم التطبيع معه من الأمة العربية بكاملها، ونحمد الله أن المقاطعة ناجحة بفضل أبناء أمتنا العربية واللجان الشعبية العربية للمقاطعة، في العمل والنضال الدؤوب لمواصلة خطواتها. لقد حاولت إسرائيل التطبيع مع الشعب المصري.. لكن بوعيه أفشل التطبيع. إسرائيل حاولت وما تزال وبكل الوسائل اختراق الشعب العظيم في مصر، كما كل شعوبنا العربية.. لكن وعي أمتنا أفشل مخططاتها.

أذكر حادثة حقيقية حصلت في إحدى القرى في المناطق التي احتلها النازيون في الاتحاد السوفييتي، إبّان الحرب العالمية الثانية، وتقول إن امرأة مسنّة في القرية وبعد ملاحظة بيع بعض نساء القرية البيض الطازج للجنود النازيين.. أخذت على عاتقها صبيحة كل يوم شراء كل البيض من القرية وبسعر أعلى، والدوس عليه بقدميها. علم النازيون بفعلتها بعد أيام من افتقادهم للبيض، استدعاها الضابط المسؤول وسألها عن السبب؟ أجابت: حتى لا يقال إنكم تأكلون من خيراتنا، وبرضانا ضربها المحقق وأمر بإطلاق النار عليها في الساحة الرئيسية للقرية. شعبنا وأمتنا ليسا أقل تضحية من كل شعوب الأرض التي قاومت التطبيع مع أعدائها.

من الملاحظ أن حركة المقاطعة للمستوطنات الصهيونية في الضفة الغربية تتنامى بشكل متسارع مؤخراً، كحصيلة لنشاطات جمعيات ومنظمات أهلية فلسطينية وعربية ودولية. نعم المقاطعة في طريقها للتحول إلى ظاهرة، وقد بدأت تقلق إسرائيل. لقد خسرت المستوطنات الإسرائيلية العام المنصرم 2014 وفقا للتقديرات الأولية، حوالي 23.5٪ من تجارتها مع الدول الأوروبية وغيرها. نعم بدأت تتكاثر المؤسسات الأكاديمية والإقليمية والشركات والمؤسسات الأوروبية التي تعلن مقاطعتها لإسرائيل في دول عديدة من الصعب إيرادها كلها في مقالتنا هذه. نعم علينا الاستفادة من هذه الظاهرة، فالحكم العنصري في جنوب أفريقيا حوصر وقوطع من غالبية دول العالم، إلا من إسرائيل التي تحالفت مع نظام الفصل العنصري طيلة وجوده، ولأن الشعب الجنوب أفريقي عانى العنصرية، فهو يدرك تماما حقيقة العنصرية الصهيونية، الأمر الذي ساهم وبفعالية كبيرة، إضافة إلى ما قاله الزعيم الخالد نيلسون مانديلا: «ستبقى حريتنا منقوصة طالما بقي إخوتنا الفلسطينيون تحت الاحتلال»، إضافة إلى سياسات حزب «المؤتمر الوطني الأفريقي»… كل ذلك ساهم ويساهم في المزيد من الدعم اللامحدود الجنوب أفريقي لحقوق شعبنا الوطنية، وتدعيم الصداقة الأصيلة معه. المقاطعة ببساطة شديدة وباختصار تعني، التوقف الطوعي عن إقامة أي علاقات مع العدو في كافة المجالات، الاقتصادية والسياسية وغيرها، التوقف عن استعمال سلعه وشرائها أو مشاركة العدو في عمل، التوقف عن التعامل معه أو تقديم خدمات له من أجل إلحاق الضرر به كنوع من الاحتجاج عليه. مقاطعة الشعوب لمحتلي أراضيها تجربة أصيلة في التاريخ، ومن أهمها: مقاطعة الشعب الإيرلندي للسيطرة الإنكليزية عليه في القرن التاسع عشر، مقاطعة الشعب الصيني للبضائع الأمريكية عام 1906 احتجاجا على تقييد أمريكا لهجرة الصينيين إليها، مقاطعة الهند ( بتعليمات من المهاتما غاندي) للبضائع البريطانية بين الأعوام 1906- 1911، وأُطلق عليها اسم «حركة سواديشي»، مقاطعة الشعب المصري ضد الإنكليز عام 1921 بتعليمات من سعد زغلول، مقاطعة ألمانيا النازية لبضائع الشركات التابعة للمنظمة الصهيونية عام 1933ومقاطعة اليهود في الولايات المتحدة (احتجاجا على ذلك) للبضائع الألمانية، تجربة المقاطعة العالمية لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. الآن تجربة المقاطعة العربية لإسرائيل.

ليس أدل على مدى تأثير المقاطعة على إسرائيل من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم، فقد صرّح وزير المالية الإسرائيلي في حينه يائير ليبيد، في خطابه في جلسة من جلسات مؤتمر هرتزيليا الـ15 في 29 يناير 2014: «المقاطعة خاصة الأوروبية تؤثر علينا بشكل كبير، الاحتمالية كبيرة لفقدان 9800 عامل وظائفهم في العام الحالي، التصدير لأوروبا عام 2013 خسر بنحو 20 مليار شيكل، والقطاع الصناعي خسر 11 مليار شيكل». شيمون بيريز وفي اجتماع لسفراء ورؤساء ممثليات إسرائيل في الخارج، في 5 يناير 2014 قال بالحرف الواحد «إن المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل أخطر عليها من التهديدات الأمنية». ردّت تسيبي ليفني على تقرير انتقد تصريحات سابقة لها عن أثر المقاطعة على إسرائيل (التقرير حاول تهميش تأثير المقاطعة) فقد أصدرت بيانا قالت فيه: «إن من حق مواطني إسرائيل معرفة الحقيقة وألا يستمعوا إلى الكذابين الذين يمارسون التضليل عليهم، لأنهم يخدمون من لا يريدون التسوية السياسية.. المقاطعة تؤثر علينا كثيرا». من تصريح لها نقلته «معاريف» في 23 يناير 2014. أما عن جريمة خرق المقاطعة… فكل ما كتبته في المقالة هو إجابة وتوضيح لذلك وإلى لقاء مقبل.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.