متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثّامن والثلاثون / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – السبت 23/9/2023 م …
يحتوي العدد الثامن والثلاثون من نشرة متابعات الأسبوعية فقرة عن الكوارث الطبيعية الأخيرة باليونان وليبيا والمغرب (حوض البحر الأبيض المتوسّط) وفقرة عن تدهور ظروف العمل والعاملين، من خلال تقرير نقابي دولي، وفقرة للتعريف بمجموعة السّبع والسّبعين التي عقدت قمتها في كوبا يومي 15 و16 أيلول/سبتمبر 2023، وفقرة عن الوصول غير المتكافئ إلى تقنيات الإتصال، وفي مقدّمتها الشبكة الإلكترونية (إنترنت) وفقرة عن بعض أوْجُهِ صمود الإقتصاد الروسي، بعد ثمانية عشر شهرًا من بدء حرب أوكرانيا المرفوقة ب”عقوبات” تهدف خَنْق الإقتصاد الرّوسي، وفقرة عن بعض الجرائم الأمريكية التي بقيت بدون عقاب، وفقرة عن الإجراءات الحمائية الأوروبية لمنع الشركات الصينية من منافسة صناعة السيارات الكهربائية ببلدان الإتحاد الأوروبي، وفقرة عن بعض خلفيات “المَمَر الإقتصادي” الذي أعلنته الولايات المتحدة، بمناسبة قمة العشرين بنيو دلهي، وفقرة عن إضراب عمال مصانع السيارات بالولايات المتحدة، وأُخرى عن الفقر في أكبر اقتصاد رأسمالي عالمي
كوارث طبيعية:
لقي آلاف الأشخاص حتفهم وفقد ما يقرب من عشرة آلاف في ليبيا بعد العاصفة دانيال التي دمرت اليونان أيضًا، وفي درنة (100 ألف نسمة)، تسببت العاصفة في انهير سُدَّيْنِ، مما أدى إلى غرق المدينة وسكانها تحت المياه والطين، وفي المغرب، قُتل آلاف الأشخاص بسبب زلزال.
نشر المركز الوطني للبحث العلمي (فرنسا) دراسةً اهتمت بتحليل بيانات الفيضانات التي حدثت على مدى أَلْفَيْ سنة واستنتجت أن ظاهرة الاحتباس الحراري تزيد من وتيرة الفيضانات في البحر الأبيض المتوسط، فكلما كان الهواء أكثر دفئًا، زادت كمية بخار الماء التي يمكن أن يحملها، وزادت الرطوبة وزاد احتمال تحوّلها إلى أمطار غزيرة، وتعد العاصفة دانيال في اليونان، ثم في ليبيا، والتي تسببت في أمطار غزيرة وفيضانات، أو الزلزال في المغرب، حدثا نادرا، لكنها ستصبح أكثر تواترا، كما تشكل الحرائق وإزالة الغابات من أجل التوسع العمراني أو تطوير الزراعة، فضلا عن الأمطار الغزيرة، بعض أسباب تآكل وتدهور ضفاف الأنهار، لتصبح عاملاً من عوامل تفاقم الفيضانات، ويمكن أن يؤدي استمرار ظاهرة الاحتباس الحراري إلى زيادة خطر الفيضانات على طول سواحل البحر الأبيض المتوسط حيث السكان غير مجهزين للتعامل مع هذه الكوارث الطبيعية، خصوصًا مع الإهمال الذي تعاني منه قطاعات من سكان مناطق عديدة، همّشتها أشْكال تنظيم المجتمع، ومن المعروف إن الفئات الأكثر ضعفاً هي الأكثر هشاشة وأكثر عرضة للموت، بوجود الكوارث أو بدونها، لأن ظروف العيش وانعدام الرعاية الصحية يزيدان من خطورة التّهميش، فضلا عن البُعْد الإقتصادي والفوارق الطّبقية…
في ليبيا والمغرب، يتدهور النظام الصحي، بما في ذلك الرعاية في حالات الطوارئ والاستجابة السريعة للكوارث، كما يصعب الحصول على الرعاية بالنسبة لمعظم الناس، حيث لا تستطيع المستشفيات والأطباء التدخل بسرعة وبشكل صحيح.
في ليبيا، أدى العدوان الأطلسي منذ آذار/مارس 2011 إلى تدمير البلاد التي تقلّصت بها الفوارق الطبقية، بين 1970 و 2010، وكانت البلاد مجهزة جيدًا بالبنية التحتية، لكن ومنذ الإطاحة بالنظام السياسي وتفتيت البلاد وتدميرها، لم يعد هناك جهاز دولة مركزي، بل هناك ميليشيات تسلحها وتدربها الدول الإمبريالية مباشرة أو بالوكالة، وأصبح الوضع غير مستقر، والمؤسسات غائبة، وتوسّعت الفجوة الطّبقية، في ظل انعدام تنظيم جماعي مركزي، ولم يعد هناك أي خطّة لمقاومة المخاطر.
أصبحت الكوارث أكثر تواترا وشدة، مع تغيير المناخ، فقد تعرضت اليونان وليبيا لموجة حر شديدة أعقبتها العاصفة دانيال، وفي المغرب جاء الزلزال بعد سنوات الجفاف.
في المغرب واليونان، عانى السكان كثيرا من سلسلة “الإصلاحات الهيكلية” المفروضة من الخارج، من قبل صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والبنك العالمي، فالبنى التحتية في حالة سيئة ويجد المواطنون أنفسهم وحيدين، بدون موارد وعاجزين على مواجهة من المخاطر، ما يزيد من عدم المساواة ومن هشاشة أجزاء كبيرة من السّكّان.
في المغرب، تواصل حصيلة الضحايا البشرية ارتفاعها بعد الزلزال العنيف الذي هز وسط البلاد ليلة 8 إلى 9 أيلول/سبتمبر 2023، خصوصًا في المناطق الريفية الجبلية بالأطلس الكبير حيث تقام المباني التقليدية المصنوعة من الطّين والحجر، وهي غير مصممة لتحمل الزلازل، وخاصة عندما تكون قديمة أو عندما يُضيف السّكّان طابقًا علويا بدون ركائز صلبة.
يقتصر حضور الدّولة في بعض مناطق المغرب (أو مصر أو تونس أو الأردن أو غيرها) على أجهزة القمع وعلى الإجراءات الإدارية، وهي غير مجانية. أما عند الكوارث والشّدائد فإن أجهزة الإنقاد والإغاثة غائبة، ما يرفع عدد الضّحايا…
ظروف العمل والعمال
يشير التقرير السنوي بعنوان “مؤشر الحقوق العالمية لسنة 2023 ” الذي نشره الاتحاد الدولي لنقابات العمال إلى أن استمرار تدهور ظروف عمل العمال بسرعة مذهلة خلال العقد الماضي، حيث ارتفع عدد الحكومات التي تخرق أو تتراجع عن الحق في الإضراب أو حتى الانضمام إلى النقابات، وذلك في جميع أنحاء العالم، ولا توجد دولة واحدة في العالم تحمي حقوق العمال بشكل كامل، خصوصًا التي تتبنّى النيوليبرالية فهي تدوس على كافة القِيَم وتتميز بالفظاظة، وفقا للتقرير الذي يُشير إلى الإنحياز المفضوح لحكومات الدول الغنية والفقيرة على حدّ السّواء إلى صف الأثرياء، مما جعل الفقراء يتحملون وطأة الأزمة والتضخم، وتدعم الحكوماتُ أصحابَ العمل الذين يرفضون زيادة الأجور، رغم ارتفاع تكاليف المعيشة، وخصوصًا الطاقة والغذاء والدّواء وإيجار المَسْكن، ولذا ليس أمام العمال أي خيار سوى الإضراب لزيادة الأجور وتحسين ظروف العمل، غير أن معظم الحكومات قَمَعَتْ بوحشية العمال المضربين في أفريقيا (إيسواتيني)، وآسيا (ميانمار، وكوريا الجنوبية، وإيران، وغيرها)، وأمريكا الجنوبية (بيرو)، وأوروبا (فرنسا)، وما هذه سوى بعض النّماذج القليلة، ويخلص التقرير إلى أن 87% من الدول في جميع أنحاء العالم انتهكت الحق في الإضراب، بما في ذلك بلجيكا وكندا وإسبانيا وفرنسا وغيرها، حيث تعرض العمال للملاحقة الجنائية والفصل من العمل بعد قرار الإضراب، وفي كوريا الجنوبية، رفعت شركة دايو لبناء السفن والهندسة البحرية دعوى قضائية ضد قادة نقابة عمال المعادن الكورية بسبب الخسائر المالية المزعومة التي تكبدتها خلال فترة الإضراب، مطالبة بمبلغ 47 مليار وون (35,3 مليون دولار)، كما انتهكت ما يقرب من 80% من الحكومات الحق في المفاوضة الجماعية، حيث اشتكى العمال ونقاباتهم في هولندا ومقدونيا الشمالية والجبل الأسود وصربيا وغيرها، من تقليص حقوقهم في المفاوضة الجماعية، وأَقَرّت قرابة ثلاثة أرباع الحكومات (73%)، بما في ذلك العديد من الدول الغنية (مثل كندا) تغيير تشريعاتها لمنع، أو تعسير، تقنين تأسيس وتسجيل النقابات، وَوَرَدَ بالتقرير: “لقد تميزت السنوات العشر الأخيرة بزيادة مطردة في انتهاكات حقوق العمال في جميع قارات ومناطق العالم… ويشن الصناعيون والممولون والحكومات حرباً طبقية مُسْتَمِرّة ضد العمال. إن الولايات المتحدة وأوروبا وغيرهما هي شرطي النظام الرأسمالي العالمي، وقد فرضت خصخصة الخدمات العامة ونشرت الهشاشة في جميع أنحاء العالم، بدعم من المؤسسات التي أنشأتها لخدمة مصالحها (منظمة التجارة العالمية والبنك العالمي وصندوق النّقد الدّولي…) وَتُعَدُّ الولايات المتحدة وبريطانيا واليونان وبيرو وفيتنام من بين الدول التي تنتهك باستمرار حقوق العمال، كما لا توجد ضمانات لحقوق العمال في عدّة دول، منها أفغانستان والبرازيل والصين وكولومبيا والإكوادور والهند وميانمار والفلبين وكوريا الجنوبية وتركيا، بالإضافة إلى دول في حالة حرب مثل سوريا أو اليمن… أما مَشْيَخات النفط والغاز الخليجية فلم يتم تضمينها في التّصنيف، بسبب غياب قوانين العمل، ولأن غالبية العمال هم من المهاجرين الذين لا يستفيدون من أي حماية، ولا حق لهم في الرعاية الصحية أو التّقاعد، ويمكن ترحيلهم في أي وقت… كما لا يرد ذكر الكيان الصهيوني الذي كانت نقاباته تُمارس الإرهاب (قبل تأسيس الكين نفسه) ضد أي رب عمل يهودي يُشغّل فلسطينيين، ويُقْصِي اتحاده النقابي (هستدروت) العُمّال الفلسطينيين (من الأراضي المحتلة سنة 1967) من أي حقوق…
يشكل العمال والأُجَراء والكادحون الأغلبية الساحقة من سكان العالم (البالغين سن الرّشد)، وتستمر ظروف عمل هذه الأغلبية في التدهور، خاصة منذ أزمة عام 2008 عندما تم إنفاق حوالي 20 تريليون دولار لدعم الأسواق المالية، وقامت خمسة من أكبر البنوك المركزية في العالم – الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والمصرف المركزي الأوروبي، ومصرف اليابان، ومصرف إنجلترا، ومصرف كندا – بتوزيع حوالي 10 تريليونات دولارًا لدعم الأسواق المالية بشكل مصطنع خلال السنتَيْن الأولتين من انتشار وباء “كوفيد-19″، بعد إنفاق أكثر من 9360 مليار دولار لدعم الأسواق المالية خلال السنوات التي أعقبت أزمة 2008، مع رفض أي زيادة برواتب العاملين، بل عاني عشرات الملايين من التّسريع من العمل، بذريعة الأزمة التي أصبحت حالة قارة ومستمرة، أي انتفت عنها صفة “الأزمة” (وهي وضع استثنائي ومُؤَقَّت). أمّا حلول البنك العالمي وصندوق النقد الدولي (تمديد ساعات العمل الأسبوعية، مع انخفاض الأجور، وتأخير سن التقاعد، وغيرها) فتساهم في تدهور الأجور وظروف العمل.
هوامش من قمة مجموعة السبع والسّبعين
نظام عالمي جديد، لكن من المستفيد؟
تضم مجموعة السبع والسبعين دولاً فقيرة ضعيفة ومتوسطة الدّخل، بهدف “إرساء نظام اقتصادي عالمي جديد”، وفق ما وَرَدَ بخطاب الرئيس الجزائري “هواري بومدين” بالأمم المتحدة، في نيسان/ابريل 1974، وتمثل المجموعة نحو 80% من سّكّان العالم ونحو 43% من الاقتصاد العالمي، إذا أُضِيفت لها الصّين التي تُشارك دون أن تكون عضوًا رسميا، وباشرت قمة مجموعة السبع والسبعين أعمالها في هافانا، عاصمة كوبا، يوم 15 أيلول/سبتمبر 2023، لمدة يومَيْن، تحت عنوان “دور العلم والتكنولوجيا والابتكار في عملية التنمية”، بحضور الصّين والأمين العام للأمم المتحدة وبمشاركة ممثلين عن حوالي مائة دولة من بينهم نحو ثلاثين رئيس دولة وحكومة من أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية، وأعلن الرئيس الكوبي ميغيل دياز-كانيل الذي تتولى بلاده منذ كانون الثاني/يناير 2023 الرئاسة الدورية للمجموعة في الخطاب الإفتتاحي ” أقامت بلدان الشّمال نظامًا عالميا يخدم مصالحها، وحان الوقت لِتُغَيِّرَ بلدان الجنوب قواعدَ اللُّعْبَة، وأن تُغَيِّرَ هذا النظام المُعادي للتقدم، والذي يعمل على استمرار التفاوتات (التي أدّت إلى ) الأزمة الحالية متعدّدة الأبعاد والتي كانت البلدان النامية ضحيتها الرئيسة وضحية الإضطرابات الدورية والتجارة غير المتكافئة “، فضلاً عن ظاهرة الاحتباس الحراري، فيما تعرّضَ البيان الختامي إلى ضرورة “إجراء إصلاح عميق للمنظومة المالية الدولية، في ظل المعاملة غير العادلة للديون الخارجية المتزايدة للبلدان النامية”.
تأسّست المجموعة سنة 1964، كصدى لمجموعة عدم الإنحياز، بهدف “الدفاع عن مصالحها الاقتصادية كمجموعة وتعزيز قدرتها المشتركة على التفاوض”، بحسب موقع المجموعة على الشبكة الإلكترونية، وارتفع عدد أعضائها إلى 134 دولة، فضلا عن مُشاركة الصّين ك”طرف فاعل خارجي”
انعقدت قمة “هافانا” بعد بضعة أسابيع من قمة مجموعة “بريكس” (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، والتي سيتم توسيعها قريباً لتشمل ستة أعضاء جدد) بجنوب إفريقيا وقمة مجموعة العشرين بنيودلهي (الهند)، وتعاني كوبا من الحصار الأمريكي منذ 1962، وتضرّر اقتصادها كثيرا بانهيار الإتحاد السوفييتي، وأدت جائحة كوفيد – 19 وتشديد الحصار الأمريكي وارتفاع أسعار المحروقات والغذاء إلى أزمة اقتصادية حادّة
نبذة عن مجموعة السبع والسبعين
تأسّست مجموعة السبع والسبعين، على هامش اجتماع اجتماع “أونكتاد” ( الأمم المتحدة) يوم الخامس عشر من حزيران 1964 كتحالف مجموعة من 77 عضو مؤسس من الدول النامية، بهدف خلق قوة تفاوضية مُشتركة، في إطار الأمم المتحدة ووكالاتها، وترقية المصالح الاقتصادية الجماعية لأعضاء المجموعة التي توسّعت لتضُمّ حاليا 134 دولة، أو نحو ثُلُثَيْ أعضاء الأمم المتحدة، وانعقد أول اجتماع بالجزائر سنة 1967 وصدر “إعلان الجزائر” وتم الإتفاق على هيكل تنظيمي يُؤَطِّرُ عمل المجموعة، بهدف الدّفاع عن مصالحها (كَكُتْلَة مُوَحَّدَة) في مختلف المنظمات الدّولية، منها منظمة الأغذية والزراعة (فاو) ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اونسكو) وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) وكذلك بصندوق النقد الدولي والبنك العالمي، بهدف العمل على إقامة نظام عالمي جديد، لم تتضح معالمه بسبب التباين الشديد الذي يُمَيِّزُ مواقف الدّول الأعضاء، واقتصرت المجموعة على الدعوة، خلال قمتها الخمسين سنة 2014، إلى “إصلاح هيئات ومؤسسات الأمم المتحدة وتوسيع مجلس الأمن الدّولي والإلتزام بمكافحة عدم المساواة، وبحماية البيئة، وسيادة الدول على ثرواتها الطبيعية، واستئصال الفقر في العالم بحلول سنة 2030 من أجل تحقيق تنمية مستدامة…”، وبقيت هذه الدّعوة حبرًا على ورق، لأن جُلّ الدّول الأعضاء مُرتبطة بالنظام الرّأسمالي العالمي الذي يُعَمِّق، بطبيعته، الفوارق بين الطبقات وبين الشعوب والبُلدان، ولن يتم تغيير الوضع دون “فك الإرتباط” وانتهاج طريق تنمية مُغاير للمنظومة الرأسمالية…
اتصالات
فرضت الرأسمالية علينا استخدام الشبكة الإلكترونية في علاقاتنا اليومية بالمصارف والإدارات العمومية والخدمات، وفي العمل عن بُعد، بهدف خَفْض الإنفاق الرأسمالي على الرواتب وتأجير المحلات ومصارف الهاتف وما إلى ذلك، فارتفع عدد الأشخاص المتصلين بالشبكة بنحو مائة مليون بين منتصف 2022 ومنتصف 2023، ليبلغ نحو 5,4 مليار شخص، منهم من لا يستخدمه سوى نادرًا وعند الضرورة القصوى، لكن لا يزال نحو 2,6 مليار شخصًا، أو حوالي ثلث سكان العالم محرومين من الوصول إلى الشبكة الإلكترونية (الإنترنت)، سنة 2023، وفق إحصاءات الإتحاد الدّولي للإتصالات التي نشرتها الأمم المتحدة يوم الثلاثاء 12 أيلول/سبتمبر 2023، وأظهرت نفس البيانات إن أقل من ثُلُث سكان البلدان “منخفضة الدخل”، يتمتعون بنفاذ إلى الإنترنت، فضلا عن انعدام التيار الكهربائي والاتصال الصعب والبطيء وغير المنتظم بالشبكة، والتمييز بين الجنسين…
روسيا، صمود غير مُتَوَقّع
يبدو أن روسيا استبقت العقوبات المالية الغربية، من خلال تنويع اقتصادها وتجارتها الخارجية التي تكثفت مع آسيا (الصين والهند وتركيا ثم إيران والخليج). وبالتالي، ورغم العقوبات الغربية، بقيَ الاقتصادُ الروسيُّ قويًّا نسبياً، فقد قام المصرف المركزي الروسي، منذ انقلاب شباط/فبراير 2014، في أوكرانيا، بتجميع احتياطيات العملات الأجنبية وتنويعها، فانخفضت حصة الدولار من 44% من الإحتياطيات الرّوسية من العملات الأجنبية سنة 2014، إلى 11% سنة 2022، وتم تحويل جزء كبير من الاحتياطيات إلى اليوان الصِّيني والذهب.
على مستوى المبادلات التجارية، تضاعف الفائض التجاري الروسي سنة 2022، مقارنة بعام 2019 (قبل وباء كوفيد وإغلاق الإقتصاد العالمي)، ووصل إلى 284 مليار دولار، بفضل تكثيف التبادل مع شركائها التجاريين الرئيسيين، بعدما نجحت روسيا في إعادة توجيه تجارتها نحو دول «عدم الانحياز»، أي تلك التي لم تصوت أو تطبق «العقوبات» الأميركية والأوروبية عقب الحرب الأوكرانية، مما أتاح لروسيا الحفاظ على إيرادات أعلى مما توقعه الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وفيما يتعلق بالواردات، فإن الانخفاض الكبير من 18 مليار دولار إلى 8.5 مليار دولار بين شباط/فبراير ونيسان/أبريل 2022 كان متبوعًا بانتعاش، في الربع الأخير من سنة 2022، وعاد النشاط التجاري إلى مستوى المتوسط الشهري للفترة 2019-2021، بفضل زيادة حجم التجارة مع الصين وارتفاع الواردات الروسية من الصين، من 26,7% من إجمالي الواردات الروسية خلال الفترة 2019-2021، إلى ما يقرب من 52% من الواردات الروسية في كانون الأول/ديسمبر 2022، وهو ما يعوض انخفاض واردات روسيا من الاتحاد الأوروبي بنسبة 50%، بسبب الحظر وإقصاء روسيا من نظام سويفت للتحويلات المالية الدّولية.
تمثل المنتجات النفطية 52% من الصادرات الروسية، وارتفعت عائدات صادراتها من النفط ومشتقاته إلى 238 مليار دولار سنة 2022، رغم الحظر الأميركي والأوروبي، ولكن بالنسبة للواردات، لا تستطيع الصين أو الهند أو الشركاء الآخرون تلبية الطلب الروسي على بعض التجهيزات، مثل معدات النقل التي كانت روسيا تستوردها من أوروبا.
يظهر استعداد المصرف المركزي الروسي لمجابهة القيود، قبل بدء الحرب الأوكرانية، من خلال “إزالة الدولار” (dedollarization ) من احتياطياته من النقد الأجنبي، مما سمح للروبل بالعودة بسرعة إلى مستواه لما قبل الحرب، ليصل في حزيران/يونيو 2022، إلى سعر 54,5 روبل لكل دولار، وهو مستوى قياسي غير مسبوق منذ 2015 وزادت عملية إلغاء الدولار في أيلول/سبتمبر 2022 مع الاتفاق الذي يسمح للصين بدفع ثمن مشترياتها من الغاز الروسي باليوان والروبل، وانخفضت حصة الدولار واليورو مجتمعين في تجارة روسيا إلى أقل من 50%، إلى جانب ارتفاع حصة اليوان وعملات الدول التي لم تصطف مع المواقف الأميركية والأوروبية.
أثرت العقوبات “الغربية” على الاقتصاد الروسي، لكنها لم تحقق هدف الانهيار الفوري للاقتصاد الروسي، ومن المؤكد أن الاقتصاد الروسي سيتأثر على المدى المتوسط والبعيد، بسبب ارتفاع الإنفاق على التّسلّح والمجهود الحربي والحصار الذي ستظهر لاحقًا آثاره السّلبية على المستويات الاقتصادية والمالية والتكنولوجية.
جرائم بدون عقاب
أعَدّت وزارة الحرب الأمريكية، منذ سنوات، دراسة تم تطبيقها في صناعة دبابات “أبرامز” التي أصبحت مُجَهَّزَة بقذائف اليورانيوم المنضّب التي يستخدمها الجيش الأميركي ( والجيش الصهيوني، وبعض جيوش حلف شمال الأطلسي) بانتظام ويتم إطلاقُها بسرعة عالية ومن مسافات بعيدة، ما يمكنها من اختراق دروع الدّبابات ومنها الدرع الأمامي للدبابات الروسية في أوكرانيا، بهدف إحراز تقدّم ملحوظ في ساحة المعركة، دون الإكتراث بحجم الأضرار البيئية التي تُبببها الذّخائر المُشِعّة على البشر والأراضي الخصبة والمناطق المنجمية والمياه الجوفية، فضلاً عن مخاطر الحجم الهائل من العبوات والقذائف العنقودية التي لم تنفجر والتي تودي بحياة المزارعين والأطفال، مثلما حصل ويحصل في فيتنام وأفغانستان وفلسطين والعراق وليبيا ولبنان وسوريا، وأعلنت الحكومة الأميركية، في بداية العام 2023، عن تزويد أوكرانيا ب 31 دبابة من طراز “أبرامز – M1A2 ” المُزودة بشحنات جديدة من قذائف اليورانيوم المنضب، لاستخدامها ضد الدروع الروسية، فضلا عن شحنات إضافية من القذائف العنقودية، ضمن “المساعدات” الأميركية لأوكرانيا
يمكن تعريف اليورانيوم المنضّب بأنه نفايات نووية مشعّة عالية الكثافة، وتعني عبارة “عالية الكثافة” إنه قادر على الإشتعال ذاتيا (لأنه يكتسب طاقة حركية عالية)، ما يُمكِّنُ من استخدامه في صنع الأسلحة الفتاكة، ويترافق اشتعال اليورانيوم المنضّب مع سحابة حارقة من المعادن ومن غبار أكسيد اليورانيوم المشع، الذي يبقى عالقاً في الجو، وينتقل مع الرياح إلى مسافات بعيدة، وتستمر أضراره على الإنسان والمحيط، من الجو إلى باطن الأرض، نحو 4,5 مليارات سنة، بحسب بيانات هيئة ضبط الطاقة النووية – Nuclear Regulation Commission الأميركية والوكالة الدولية للطاقة النووية.
حذّر تقرير صادر عن وزارة الحرب الأمريكية (بنتاغون) سنة 1993 من ارتفاع حالات إصابة الجنود بالسرطان حين تعرّضهم لغبار اليورانيوم المنضّب، وأكّدت دراسة صادرة عن إدارة شؤون المحاربين، بعد عدوان 2003 واحتلال العراق أن 67% من أطفال الجنود الذين ولدوا بعد الحرب يعانون من تشوّهات خلقية، بسبب تعرضهم لليورانيوم المنضب والأسلحة الكيماوية الأخرى، ومع ذلك، أكّدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التابعة للأمم المتحدة، سنة 2009 أن الدراسات التي تم إنجازها في المناطق التي تعرّضت إلى عدوان أمريكي/أطلسي، مثل يوغوسلافيا السابقة والكويت والعراق ولبنان وسوريا وليبيا “أثبتت خُلُوَّ اليورانيوم المنضب من أي خَطَرٍ إشعاعي، ومن أي مخاطر على السكان ومُحيطهم الطبيعي في تلك المناطق”، وأكّدت منظمة الصّحّة العالمية (التي فقدت صداقيتها كمرجع علمي وطبي “محايد” ) في بعض تقاريرها – التي تُناقِضُ أخرى – عدم تسجيل ارتفاع حالات السّرطان بعد تَعَرُّض السّكّان إلى اليورانيوم المُنَضّب، وتسلّحت وزارة الحرب الأمريكية بتقارير الوكالة الدّولية للطاقة الذّرّيّة ومنظمة الصّحّة العالمية لتُعْلن الناطقة باسمها ” لا يوجد أي علاقة بين اليورانيوم المنضّب والسّرطان”، وأكّدت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها – Centers for Disease Control – هذا التّجَنِّي على العلم، أي إنها “حُرُوب نظيفة” رغم آلاف الأطنان من القنابل والمواد السّامّة التي قَضَتْ على الإنسان والحيوان والنبات، ورغم الدراسات العلمية التي تؤكد الأضْرار الصّحّيّة – ومنها السّرطان والتّشوّهات الخلقية والإعاقة الدّائمة منذ الولادة – بفعل استنشاق غبار اليورانيوم المنضّب، وتهدف هذه التصريحات الكاذبة إلى استبعاد اليورانيوم المنضب والأسلحة الكيماوية الأمريكية من مجال الاتفاقية الدولية الخاصة بحظر استعمال بعض الأسلحة التقليدية، لسنة 1980، التي نصّت على حَظْر استخدام أساليب أو وسائل حربية قد “تسبب أضراراً واسعة النطاق وطويلة الأمد وشديدة الأثر للبيئة الطبيعية”
تُخزّن الولايات المتحدة أسلحة الدّمار الشامل في منطقة “النّقب”، جنوب فلسطين المحتلّة، ويمكن لجيش الإحتلال الصهيوني استخدام ما يحتاجه من أسلحة وذخائر، وفي أوروبا وفي مختلف القواعد الأمريكية، ومنها اليورانيوم المُنضّب الذي يعْسُرُ حصْر حجم المخزون الأمريكي منه، بفعل “تلاعب الأجهزة الرسمية، من وزارة الطاقة وهيئاتها المختلفة التي تتعمّد إخفاء الحقائق وعدم الكشف عن حجم المخزون المتزايد واستخداماته”، بحسب تقرير لجامعة هارفارد بعنوان “اليورانيوم المنضب دَمَّرَ القطاع الصحي: العمليات العسكرية وتلوّث البيئة في الشرق الأوسط 22 أيلول/سبتمبر 2021″.
قبل أكثر من عشرين سنة، بلغ مخزون الولايات المتحدة من اليورانيوم المنضب 480 ألف طن سنة 2002 (بحسب بيانات وزارة الطاقة الأميركية) وهو أكبر مخزون عالمي، واستخدمه الجيش الأمريكي في حربه العدوانية على العراق منذ سنة 1991، بإطلاق ما لا يقل عن 300 طن متري في أنحاء العراق كافة، وفق صحيفة “غارديان” البريطانية، نقلا عن منظمة السّلام العالمي ( 19 حزيران/يونيو 2014) وعند احتلال العراق، سنة 2003، نشر الجيش الأمريكي وحلفاء الولايات المتحدة ما يصل إلى 1700 طن من اليورانيوم المشعّ ( بقيت البيانات ضبابية ومتضاربة ) كما أطلقت الطائرات الحربية والدّبابات الأمريكية آلاف الطلقات من اليورانيوم المشعّ، في سوريا، منذ سنة 2015، وفق برنامج الأمم المتحدة للبيئة الذي اعتمد على الدراسات والبيانات التي تنشرها وزارة الحرب الأمريكية.
كانت مدينة الفلوجة العراقية هدفاً مستمراً للقوات الأميركية التي أنشأت مخازن للذخائر المشعة التي تم تجربتها وتفجيرها في أراضيها لقياس مدى الأضرار التي تلحق الإنسان والمُحيط، جراء انفجار المكوّنات النووية والكيميائية والنفايات السّامة، وذلك بين سنتَيْ 2003 و 2011، كما تُشير الوثائق الأمريكية إلى حَرْقِ نحو 90 ألف عبوة بلاستيكية يوميا، خلال نفس الفترة، تنتج سحابات دخان كيميائية ضارّة انطلاقًا من القاعدة الجوية الأمريكية في منطقة “بلد” العراقية وفق “نيوزويك” بتاريخ 4 نيسان/إبريل 2016.
تخضع منظمات وبرامج الأمم المتحدة لموازين القوى الدّولية، ولذلك لم يتم تخصيص الميزانيات والخبرات المطلوبة لحَظْر تلويث البيئة ولمقاومة التلوث الحاصل ومعاقبة الفاعلين، ألمتسببين به، لأن المنظمات الدّولية خاضعة – في معظمها – للهيمنة الأميركية بالكامل، ما يجعل من العسير معاقبة الكيان الصهيوني الذي سَمَّمَ جنوب لبنان وفلسطين – خصوصًا قطاع غزّة – ومعاقبة الولايات المتحدة وحلفائها، ويؤدّي هذا الخضوع للهيمنة الأمريكية إلى عدم حظر أو تقييد استخدام الأسلحة الفَتّاكة، وعدم المساءلة ولكن الولايات المتحدة تتدخّل مباشرة لمَنْعِ الدّوَل غير الحليفة من تصنيع أو شراء تلك الأسلحة، بل تحاول مَنْعَ اكتساب تقنية تخصيب اليورانيوم لاستخدامها في مجالات إنتاج الطاقة أو غيرها من الأهداف غير الحربية، بينما يتمتع الضّبّاط والمسؤولون السياسيون الأمريكيون بحرية إخفاء الحقائق العلمية الموثقة وبحرية استخدام “أسلحة الدّمار الشّامل” التي تُخلّف أضرارًا لا تُحْصَى وأثارًا سلبية على سلامة لإنسان والحيوان والتربة والمياه الجوفية لقرون ات طويلة.
عن مركز الدراسات الأميركية والعربية (بتصرف)، واشنطن 15 أيلول/سبتمبر 2023
أوروبا تتهم الصين بالمنافسة “غير النزيهة”
من عادة الولايات المتحدة (وكذلك أوروبا) إقرار غرامات كبيرة و”عقوبات” وحظر وحصار ضد أي شركة أو دولة تستبقها في ابتكار دواء أو تقنية متطورة أو تنافس شركاتها في “مجالها الحيوي” وكذا فعلت أوروبا والولايات المتحدة مع الصين في مسائل عديدة منها الألواح الشمسية والإتصالات (قضية هواتف شركة هواوي والجيل الخامس) وتتكرر نفس القضية بخصوص السيارات الكهربائية، إذ أعلن الاتحاد الأوروبي إطلاق تحقيق بشأن “الدعم الذي تقدمه الصين لمصنعي السيارات الكهربائية”، مع تزايد المخاوف من “إن المساعدات تضر بالشركات الأوروبية” التي يجب أن تكون جاهزة عند تنفيذ القرار الأوروبي الذي يَحْظرُ السيارات التقليدية، وحتى الهجينة، سنة 2035.
في واقع الأمر، تشير الأخبار إلى عدم قُدْرَة أي شركة أوروبية ( بما فيها الشركات الألمانية) أو أي بلد أوروبي على إنجاز مشاريع إنتاج سيارات كهربائية أوروبية الصنع بالكامل وبأسعار مقبولة، واستفادت الشركات الصينية من نقاط ضُعْف صناعة السيارات الأوروبية، لتُنْتِجَ سيارات كهربائية عالية الجودة وأقلّ ثمنًا من السيارات الأوروبية، وأظْهَر معرض ميونيخ – الذي دشّنه المستشار الألماني “أولاف شولتس” يوم الثلاثاء 05 أيلول/سبتمبر 2023 الحضور القوي والتّطور التكنولوجي الذي حققته الصين طيلة العقد الماضي، بفضل الإستثمارات الضخمة في صناعة المَرْكَبَاتِ الكهربائية.
تُباع السيارات الكهربائية في الصين بأسعار أقل بنسبة تصل إلى 60% من تلك المعتمدة في ألمانيا، ويتوقّع أن تَقِلَّ أسعار السيارات الكهربائية الصينية في الأسواق الأوروبية بنسبة 25% عن أسعار سيارات الشركات الأوروبية، ولذلك تمكنت العلامات التجارية الصينية من الإستحواذ – خلال النصف الأول من سنة 2023 – على 8% من سوق المركبات الكهربائية في أوروبا الغربية، وكانت حصتها صفرًا سنة 2019، ولذلك حاولت الشركات الأوروبية ( بما فيها “مرسيدس” التي اشتهرت بالفخامة) خفض تكاليف الإنتاج وتقديم نماذج أرخص، لتتمكن من منافسة الشركات الصينية، غير إنها فشلت. أما الشركات الصينية فبدأت بالإستحواذ على حصص هامة من أسواق أوروبا الشمالية، واستحوذت شركة صينية واحدة على نحو 25% من سوق السيارات الكهربائية بالسُّويد، خلال النصف الأول من سنة 2023، بعد أن أصبحت شركة “جيلي” الصينية تمتلك شركة فولفو للسيارات السويدية وعلامتها التجارية الفاخرة الكهربائية بالكامل “بوليستار”.
تدرس حكومتا فرنسا وألمانيا إجراءات تقدم إعانات الدعم للسيارات الكهربائية بهدف الحد من الواردات الصينية، ثم تتهم رئيسة الإتحاد الأوروبي حكومةَ الصّين بتقديم الدّعم لشركاتها “بهدف إغراق أسواق أوروبا” !!! وصرحت رئيسة مفوضية الإتحاد الأوروبي، يوم الأربعاء 13 أيلول/سبتمبر 2023: “سوف يُطلق الاتحاد الأوروبي تحقيقا بشأن الدعم الذي تقدمه الصين لمُصَنِّعِي السيارات الكهربائية، لأن هذه المساعدات تضر الشركات الأوروبية… فالأسواق العالمية مغمورة بالسيارات الكهربائية الصينية الرخيصة، ويتم الحفاظ على أسعارها منخفضة بشكل مصطنع من خلال إعانات الدعم الحكومية الضخمة … هذا يشوه سوقنا”، وأعلن المتحدث باسم وزارة التجارة الصّينية، في مؤتمر صحفي يوم الخميس 14 أيلول/سبتمبر 2023، إن “السلوك الحمائي” للاتحاد الأوروبي من شأنه أن “يعطل ويشوه بشكل خطير سلسلة صناعة السيارات العالمية… ما سوف يُخلّف أَثَرًا سلبيًّا على العلاقات التجارية بين الإتحاد الأوروبي والصّين، فالإتحاد الأوروبي يُقِرُّ إجراءات لحماية صناعته باسم المنافسة العادلة”.
صراع الكواسر – معارك الجبهة الإقتصادية
أعلن الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، خلال اجتماع مجموعة السّبع ( الدّول الصناعية – G7 ) في بريطانيا (حزيران/يونيو 2021) مبادرة تحت عنوان ” إعادة بناء عالم أفضل” ( Build Back Better World – B3W) بهدف ” الإستثمار في البنى التحتية التي تحتاجها البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط “، ووُلِدت هذه المبادرة مَيِّتَة، بينما يتواصل إنجاز المشروع الصيني “الحزام والطّريق”، ثم عاد الرئيس الأمريكي إلى طرح مشروع ثاني منافس لمشروع الصّين، ويُعْتَبَرُ إعلان اتفاق إنشاء ممر اقتصادي عابر للقارات، على هامش قمة العشرين التي التأمت بالهند، من أهم نجاحات الولايات المتحدة التي تبحث منذ 2012 عن أنجع الوسائل لخنق اقتصاد الصّين، ويشمل الممر الذي وقّعته الولايات المتحدة والهند والسعودية والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي، خطوط سكك حديدية وخطوط أنابيب لنقل المحروقات والهيدروجين عبر الموانئ وخطوط نقل الكهرباء ومختلف البيانات، عبر شبكات الإتصالات، ولم يُشارك الرئيس الصيني والرئيس الرُّوسي في هذه القمة.
ينطلق المَمَرُّ الإقتصادي من أجل التنمية (IMEC) من الهند عبر بحر العرب، إلى الإمارات والسعودية والأردن وإلى ميناء حيفا بفلسطين المحتلة، في محاولة واضحة لمنافسة الصين التي أطلقت، منذ سنة 2013، ردّا على الحصار الأمريكي، ” مبادرة الحزام والطريق ” التي شكّلت فُرصة للصين لاستثمار أكثر من تريليون دولارا، خلال 15 سنة (من 2013 إلى 2027) في البنى التحتية وإنشاء شبكات الإتصالات (الجيل الخامس) والسكك الحديدية والجسور والموانىء ومحطات توليد الكهرباء، ويربط المشروع الصيني قارة آسيا بأوروبا مُرُورًا بمنطقة شرقي البحر الأبيض المتوسّط،
أظْهَرت هذه الحرب التي تشنها الولايات المتحدة ضد المبادرة الصينية تَقَدُّمَ الصين على الولايات المتحدة وأوروبا في مجال الْبُنَى التحتية، حيث توجد 14 شركة صينية ضمن تصنيف أكبر 20 مؤسسة مقاولات بناء حول العالم، وتوجد 6 في أوروبا، وصِفْر في الولايات المتحدة، وتفوز الشركات الصينية بأكبر قدر من العروض الدّولية ومن عقود بناء البنية التحتية التي يُمَوِّلها البنك العالمي، وعلى سبيل المثال لم تحصل الشركات الأمريكية سوى على عقود بقيمة 27 مليون دولارا، فيما بلغت قيمة عقود الشركات الصينية (التي يُمَوِّلُهَا البنك العالمي ويخضع تنفيذها لإشرافه) 2,3 مليار دولارا، سنة 2020. كما أظْهَرت هذه الحرب الإقتصادية والتّجارية رَفْضَ أي حوار مع الصين ورفض التنسيق مع المبادرة الصينية ” الحزام والطريق ” أو التكامل، “خدمَةً لبرامج وأهداف التنمية في البلدان منخفضة أو متوسطة الدخل”، وهي الأهداف التي ادّعت الولايات المتحدة اعتمادَها عند تقديم مشروع “المَمضرّ الإقتصادي”، لأن الاقتصاد لم يكن من اهتمامات الولايات المتحدة التي تجاهل مشروعها باكستان، جارة الهند، وتركيا (عضو حلف شمال الأطلسي) ومصر التي كان نظامها رائد التّطبيع مع الكيان الصّهيوني وإيران، وجميع هذه البلدان تتميز بالكثافة السّكّانية (أي سوق استهلاكية كبيرة) ما يُؤشِّرُ إلى صعوبة منافسة المبادرة الصينية التي رَكّزت على البلدان ذات الأهمية الإستراتيجية وذات الموارد والأسواق الكبيرة، ويرمي المشروع الأمريكي إلى خلق حلف يضم الهند والامارات والسعودية والكيان الصّهيوني، وربط هذه الدّول بأوروبا، مركز ثقل حلف شمال الأطلسي، وتجدر الإشارة إلى إعداد الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي مَمَرَّا إفريقيا يربط البلدان الثرية بمعادنها (أنغولا والكونغو وزامبيا…) بالمحيط الهندي، وبأوروبا…
أظهرت الولايات المتحدة قُدْرَتها على التّضحية بحلفائها وعُملائها من أجل تحقيق مصالحها (ومصالح الكيان الصهيوني)، ولذلك يُضحِّي مشروعها بمصر وبقناة السويس، حيث تمر نسبة 12% من حجم التجارة البَحْرِية الدّولية، مقابل تضخيم دور الكيان الصهيوني كشريك إقْلِيمي مُهَيْمِن عربيا، إلى جانب الهند التي تأمل الولايات المتحدة أن تكون شريكًا مُهيْمِنًا على جنوب وشرق آسيا، وتعزيز مشروع الولايات المتحدة الهادف عرقلة تسق تطور الصّين التي تُهدّد نظام القُطب الواحد، وتستند المخاوف الأمريكية إلى تَحَوّل الصّين إلى مصنع العالم، وارتفاع حجم صادراتها إلى 3,5 تريليون دولارا، منها حوالي 1,5 تريليون دولارا نحو أوروبا والولايات المتحدة، وسُرعة نمو الناتج الاجمالي الصيني من 1,66 تريليون سنة 2003 إلى 14,72 تريليون دولار سنة 2020 وارتفاع عدد براءات الإختراع المُقدّمة من قِبَل الصّين من 32 ألف سنة 2007 إلى 361 ألف سنة 2019، وارتفاع الإنفاق العسكري من 33 مليار دولارا سنة 2003 الى 252 مليار دولار سنة 2020…
تأمل الولايات المتحدة أن تُصبح الهند مُنافسًا قويًّا للصين، في غضون عشرة أو 15 سنة، وتأمل حكومة اليمين المتطرف بالهند أن يُساعدها الممر الإقتصادي على مُنافسة الخصم التقليدي الصّيني في المناطق التي تعبرها مبادرة الحزام والطريق، وأن يساعدها المَمَرُّ كذلك على الوصول إلى أوروبا من ناحية وعلى تأمين وصول المحروقات من الجزيرة العربية، بأقل ثمن ممكن، خصوصًا بعد التّطبيع الكامل للعلاقات السّعوديّة الصّهيونية، مع الإشارة أن نسبة المُهاجرين الهنود تفوق نسبة السّكّان العرب في بعض مشيخات الخليج، ويُشرف العديد منهم على شركات ومصارف وخدمات دُوَيْلات الخليج، ما يُعزّز الموقع المُهَيْمن للهند على عرب النّفط والغاز.
لم يتطرّق المشروع ( الذي اقتصر على توقيع “مُذَكِّرة تفاهم”) إلى بعض المسائل الأساسية، أهمُّها التمويل، حيث أعلن البيان الصّحفي للبيت الأبيض عن “استثمارات في الشحن والنقل بالسكك الحديدية، لتسهيل التبادل التجاري وتوليد ونقل الطاقة النظيفة وشبكات الإتصال… من أجل شرق أوسط مزدهر ومستقر ومتكامل”، دون ذكر حجم الإنفاق والأطراف المُستثمرة في هذه المشاريع، واكتفى البيان بالإشارة إلى “إن الهند والسعودية والإمارات والأردن وإسرائيل والاتحاد الأوروبي تخطط للمشاركة في المشروع” الذي لم يتم نَشْرُ أي تفاصيل عن تكلفته المالية والجدول الزمني لتنفيذه، ما يجعل منه مشروعًا جيوسياسيًّا وربما تجاريًّا، مُوجَّهًا ضد الصين ومنافسًا لمبادرة “حزام واحد، طريق واحد”، واستخدام الهند ( العضو المُؤسّس لمجموعة بريكس، مع الصّين) لتنفيذ المشاريع الأمريكية بالوكالة، ولمواجهة الصّين على حدودها، ما يُهدّد بتفجير مجموعة بريكس من الدّاخل، بعد أن أصبحت جاذبة للعديد من دول “الجنوب”…
الولايات المتحدة – إضراب
انطلقت موجة إضرابات في الولايات المتحدة، شملت قطاعات مختلفة (التعليم والصحة والصناعة والخدمات وتجارة التجزئة…) بسبب الأضرار التي لحقت العُمّال خلال فترة وباء كوفيد-19، ولا تزال هذه الموجة مستمرة، وإن بوتيرة مختلفة، وأعلنت نقابة العاملين ( الإتحاد النقابي لعُمّال السيارات – UAW ) الإضراب في أكبر ثلاث شركات لتصنيع السيارات الأمريكية، بغرض التوصّل إلى اتفاق بشأن عقود العمل الجماعية الجديدة التي انتهى أجل صلاحيتها يوم 14 أيلول/سبتمبر 2023 (تمتد فترة صلاحيتها أربع سنوات)، وذلك بعد فشل المفاوضات التي استمرت أكثر من شَهْرَيْن، وبدأ الإضراب في ثلاثة مصانع كبرى، يعمل بها 13 ألف عامل منتسب للنقابة ( من أصل 146 ألف عامل عضو في الإتحاد النقابي لعمال السيارات – UAW )، بواقع مصنع من كلّ مجموعة، (جنرال موتورز وستيلانتس وفورد)، مع استعداد العمّال في بقية المصانع للانضمام إلى هذا الإضراب وتوسيع نطاق الإحتجاج إذا لم تستجب الشركات لمطالب النقابة، خصوصًا بعد نشر استطلاعات تؤكد أن نحو 80% من المواطنين يؤيّدون قرار الإضراب، ويتميز تاريخ عمّال قطاع صناعة السيارات بأنه تاريخ حافل بالإضرابات، كان آخرها في “جنرال موتورز” سنة 2019…
أعلن شون فاين، رئيس الإتحاد النقابي لعُمّال السيارات ( UAW) يوم الأربعاء 13 أيلول/سبتمبر 2023، قبل الإضراب: “هذه معركة الطبقة العاملة ضد الأغنياء، ومعركة من يملكون ضد من لا يملكون، ومعركة طبقة المليارديرات ضد الجميع… معركة مكتنزي كل الثروة ضد الجميع الذين يعانون ويتضورون جوعًا () معركة الذين يعملون سبعة أيام في الأسبوع، اثنتي عشرة ساعة يوميًا لعدة أشهر، لكنهم مجبرون على الاختيار بين الدواء والإيجار، إنها معركة أولئك الذين أجبروا على العمل خلال جائحة كوفيد-19، معرضين لخطر المرض والموت أو نقل المرض إلى عائلاتهم، هذه هي معركة أولئك الذين عاشوا هذا الجحيم لسنوات عديدة… كفى ! لقد حان الوقت لنقرر في أي عالم نريد أن نعيش، ولنقرر ما نحن على استعداد للقيام به للوصول إلى تحقيق هدفنا في إنجاز عالم أَفْضَل…”
أمريكا- فقر
زادت معدلات الفقر في الولايات المتحدة، سنة 2022، بأعلى نسبة زيادة سنوية على الإطلاق، وفقاً لأرقام مكتب الإحصاء الأميركي الصادرة يوم الثلاثاء 13 أيلول/سبتمبر 2023، التي أظْهرت ارتفاع نسبة الفقر بين الأطفال سنة 2022 وارتفاع نسبة الفقر بين الأمريكيين عموما من من 7,8% سنة 2021 إلى 12,4% سنة 2022، بسبب ارتفاع الأسعار وإيجار المسكن والمحروقات والنقل والغذاء والأدوية، بالتوازي مع توقف برامج المساعدات الحكومية التي أُطْلِقَتْ للتخفيف من نتائج أزمة وباء كورونا، فضلا عن تراجع قيمة الدخل الحقيقي لأغلب الأسر الأميركية، بفعل ارتفاع الأسعار وركود الرواتب، بينما استفاد الأثرياء من الحوافز وخفض الضّرائب أو الإعفاء منها، بذريعة تحفيز الاقتصاد، مع التّذكير بحصول الأثرياء والمصارف والشركات الكبرى على مبالغ كبيرة من المال العام، بفائدة ضعيفة أو “صِفْرِيّة”، وأدت المُساعدات الحكومية للأُسَر وبرامج تحفيز الإقتصاد لسنة 2020 و 2021، إلى خفض معدل الفقر بين الأطفال بنحو خمسة ملايين طفل، ولم يتم تمديد تلك المساعدات، ما ساهمَ في زيادة معدلات الفقر سنة 2022، خصوصاً بين الأطفال الذين تضرروا من ارتفاع نسبة التّضخّم وتراجع متوسط دَخْل الأُسَر وتَقَلُّص مظلة التأمين الصحي، إذ بلغ عدد غير المؤمن عليهم صحياً نحو 26 مليون شخص، وارتفع عددهم بنحو مليون شخص، ويتوقع أن ترتفع أعداد الأميركيين الذين لا يتمتعون بالتأمين الصحي، من الأسر الفقيرة ومحدودة الدخل، وهي الأُسَر الأكْثَرَ تضرّرًا من الوضع الاقتصادي ومن ارتفاع معدلات التضخم.
التعليقات مغلقة.