موسم “قِطاف الزيتون”.. موروث عائلي وحراك اقتصادي في فلسطين والأردن
الأردن العربي – السبت 23/9/2023 م …
“الأمر بالنسبة لنا، أعمق من كونه موسم قطاف للثمار، إنه تعبير عن ارتباط الفلسطيني بموروثه الشعبي والثقافي”، بهذا الوصف عبّر راشد، وهو صاحب مزرعة زيتون، عن المكنون الدافئ الذي يحمله موسم قطف الزيتون في فلسطين.
يبدأ تجهيز العتاد والعدة لموسم قطف الزيتون في فلسطين والأردن، بالتزامن مع نهاية سبتمبر (أيلول)، مُمتداً لنهاية أكتوبر (تشرين الأول)، بعد “الشتوة الأولى”، أي هطول المطر على أشجار الزيتون للمرة الأولى في موسم الشتاء.
بابتسامة ملأتها البهجة باشر راشد في وصف أجواء القِطاف لـ 24 قائلاً: “كافة القرى الجبلية أو السهلية المزروعة بأشجار الزيتون، تعبقُ برائحة الأرض، والزيت والزيتون”.
البعد التاريخي لموسم القطاف
ويكمل “بإمكانك التمتع بلوحة فنية يسودها اللون الأخضر، من خلال رؤية الأجداد والجدات والأقارب وأهالي الحي، مُتجمهرين حول شجرة الزيتون، يهزون أغصانها لضمان حصولهم على أكبر عدد ممكن من الحبات”.
ويضيف راشد “نكرس هذا الوقت من العام لقطف الزيتون، نأخذ إجازات من أشغالنا، ونجعل من ظلال أشجار الزيتون بيتنا ومستقرنا لحين انتهاء موسم القطاف”.
يُعيدُ قِطاف الزيتون الإنسان الفلسطيني كما يرى راشد إلى طفولته، إذ “إن هذه العملية من بداية القِطاف حتى يصير فيها الزيتون زيتاً، ترسمُ أبهى صور التقارب العائلي”.
تهلل النساء أثناء القِطاف، وتطلقُ أجمل الأهازيج الفلسطينية الشعبية والثقافية، التي تحمل عبارات حب الأرض والوطنية، ما يعتبره راشد إحياء ثقافياً يترسخ في ذهن الأبناء والأحفاد.
جزء من الموروث الثقافي
يشير راشد إلى أن الاهتمام بشجرة الزيتون “لاتصالهم بها تاريخياً كمورد رزق، بعيداً عن كونها جزءاً من مؤنة البيت، ويستفيدون أيضاً من عمل بقايا الزيت وتحويله إلى صابون”.
ومن الجوانب الاقتصادية التي يستفيد منها مُلاك الأراضي الفلسطينية، بحسب راشد “البقايا التي تخرج من حبة الزيتون الصلبة، يُعمل بها ما يدعى (الجفت)، وهو مادة تستخدم في التدفئة لفصل الشتاء، بديلاً عن الخشب”.
على أهازيج المجوز، “وهي أغانٍ شعبية تقليدية تُشبه إيقاع الدبكة، تشتهر بتأديتها بلاد الشام، في المحافل والمناسبات”، وعلى وقع الهُتافات التي ترسخ معنى الأرض في الوجدان، يقطف الأجداد والكبار والصغار الزيتون من أغصانه، كما تتحدث العمري لـ 24.
تستذكر هالة العمري تجربتها في قطاف الزيتون برفقة عائلتها، في أرضهم الواقعة في شمال الأردن، قائلة: “طقوس الموسم، وتجمع العائلة، هي ما تجعلني سنوياً أنضم للمشاركة في قطف الزيتون”.
وتسرد العمري طقوس الأردنيين في موسم القِطاف قائلة: “يحتاج الموسم لملابس عشوائية، وخاصة التي تُدعى بملابس الزيت، وتُخصص لهذه المناسبة بالتحديد”.
وعادة ما يقص كبار السن في هذه الأثناء الأساطير والقصص المتعلقة بموسم القطاف، ويقرنون سنوياً فوارق المدخول مع السنوات الماضية.
الجانب الاقتصادي
من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي حسام عايش، أن “قطاف الزيتون” في بلاد الشام، موسم في غاية الأهمية من الناحية الاقتصادية، وهو أحد روافد الأسر الشعبية في الأرياف، وسبيل لتحسين مصادر دخلها.
ويوضح الأهمية الاقتصادية، مشيراً إلى أن “مواسم قطاف الزيتون سنوياً، تعتبر مصدراً للاكتفاء الذاتي لدى الشعوب العربية، وقيمة اقتصادية كبيرة بالنسبة للمزارعين، ومعاصر الزيت”.
العديد من الشبان يعملون في موسم القِطاف، ما يساهم بتخفيض نسبة البطالة، ويحرك القطاعات الاقتصادية وقِطاع الخدمات.
يعتبر عايش موسم الزيتون بمثابة “محرك اقتصادي”، وإن كان على درجة بسيطة، إذ إن زيت الزيتون يعتبر جزءاً من الصادرات الأردنية الموسمية، لذلك يوليه الجميع اهتماماً كبيراً.
توقعات بارتفاع منسوب الزيت لهذا العام
ويتوقع إنتاج 250 ألف طن، من ثمار الزيتون لهذا العام في الأردن، والإجمالي سيذهب منه حوالي 200 ألف طن، لإنتاج حوالي 33 ألف طن زيت.
وبالمقارنة مع السنة الماضية، نتج عن المحصول الإجمالي 24 ألف طن من الزيت، ما ينذر بارتفاع المنسوب العائد في إنتاج زيت الزيتون.
وينصح عايش الدول المصدرة للزيت، أن تعيد إنتاج زيت الزيتون، من خلال تكريره واستخدامه وتعبئته، ومحاولة تطوير مدخلاته الكيميائية لمضاعفة كميات إنتاجه سنوياً، والعمل على ضبط معدل حموضة المياه في الزيت، أو زراعته في أنحاء أخرى من المملكة.
تجسيد العادات العربية في موسم القِطاف
يبدو الأمر مختلفاً وأبعد من كونه تقليداً وعادة اجتماعية للخبير الاجتماعي حسين الخزاعي، إذ عبّر عن فرحه بهذا الموسم قائلاً: “تسمو سلوكيات الكرم والتعاون والإيثار والأخلاق، وتتجسد سلوكيات الأخوّة العربية في جميع القرى والأرياف بهذا الموسم”.
ما يحدث سنوياً في هذه الفترة، بحسب الخزاعي، هو توثيق لكل من أوفى لأرضه على مدار السنة، ويكمل “نشهد في موسم القِطاف، تعاوناً من جميع أبناء القرية، إذ يساند أهالي الحي بعضهم بعضاً، لحين الانتهاء من جميع أشجار القرية”.
ويعبّر قطف الزيتون، عن الأصالة التي زرعها الأجداد في أبنائهم وأحفادهم، إذ يتوافد الأحفاد القاطنون في المدينة، في هذا الموسم إلى الأرياف مساندة لعائلاتهم، مُنسحبين من ضبابية المدينة، للاستلقاء تحت ظلال أشجارهم.
أجواء أسرية يشهدها موسم القِطاف
ووفقاً للخزاعي “لا تكتمل طقوس قِطاف الزيتون إلا بوجود المرأة، والتي تحظى بمركزية موسم القِطاف، فالمرأة تقدم دور المساندة للرجل، إضافة إلى تقديم الوجبات الغذائية التراثية، التي تتناسب مع هذا التوقيت من العام”.
ويشير الخزاعي إلى دور المرأة في موسم القِطاف “تعبئة الزيتون بأكياس خاصة، وتنظيف المكان من مخلفات الزيتون الموجودة على الأرض”، مشيراً إلى أن المرأة الريفية حاضرة دائماً في عملية الزراعة وتربية الأغنام، والمشاركة الإيجابية، إلى جانب الرجل.
أشجار الزيتون أعمق من كونها شجرة، وتحظى بوقع خاص في نفس الإنسان العربي وسكان القرى، إذ يجلسون بجوارها ويستظلون بها، ويأكلون من خيرها، ويحافظون عليها كما لو أنها أحد أبنائهم.
التعليقات مغلقة.