“تيتي تيتي .. زي ما رحتي جيتي” / د.عبدالفتاح طوقان
د.عبدالفتاح طوقان ( الأردن ) الخميس 29/9/2016 م …
ليس بديهيا ابدا سقوط الحكومة الاردنية ورئيسها الدكتور هاني الملقي التي اقسمت اليمين اليوم، امام البرلمان الجديد، او علي اقل تقدير ان تحصد ثقة ضعيفة بمساعدة مضنية وحاضنة خداجية، حيث يرجح المحللون أن يحجب الثقة عن الحكومة الجديدة ما يناهز ٥٨ نائباً وأن يتحفظ البقية، وهي نسب غير مستقرة وغير مستبعدة، وان يطرح بها اكثر من مرة سحب للثقة المهلهلة التي قد تحظى بها خلال فترتها القادمة ان هي نجحت اصلا بالحصول على الثقة مع تدخلات.
وايضا من علم البديهيات في السياسة الاردنية أن ترفض المعارضة التقليدية في مجلس النواب التركيبة الجديدة للحكومة، بل وايضا يرفضها المستقلون وكل نائب يعي دوره ويعلم عن المديونية ولديه مقدرة على تدارس وفهم الكفاءات والمرجعيات والخبرات المطلوبة في هذه المرحلة الحساسة من عمر المملكة الاردنية الفتية التي ارهقتها عمليات اجهاض وزارية لخطط التنمية ونزفت دماءها في مداوات اقتصادية فاشلة ابتدعها البعض من سنوات والتي ادت الى نمو أنسجة غير طبيعية تُعرف باسم الورم الاقتصادي رافعة قيمة الدين الى ما يقارب الاربعين مليار دولار.
كان من البديهيات ايضا أن يعلن بعض من زعماء العشائر وقادة واحزاب وكتاب وتكتلات ومواطنون بسطاء ونقابات مهنية عن عدم رضاهم عن اول ١٢٠ يوما من حكومة الاشراف على الانتخابات، التي وصفها الراحل المغدور “ناهض حتر” بأنها لجنة وليست حكومة .
واعتقد بعض من العامة ان الرسالة وصلت، وان الملل من سيناريوهات مكررة وساقطة واختيارات وزراء قائمة على المصالح قد انتهت مع بداية عهد جديد وانتخابات نيابية شفافة ونزيهه بمقدار كبير، وان الحكومة مختلفة وان رئيس الحكومة سيهتم بالمملكة ومستقبلها والمديونية وعلاجها والفقر والبطالة وحل مشاكل النقل وتخفيف العبء الضريبي، ونشر الثقافة الحقيقية الملكية التي غيبتها المناهج والوزراء غير المؤهلين المنتمين الى افكار لا تعرف ولم تتشرب من الثقافة الملكية، ولا غيرها من الامور الحياتية اليومية والاستراتيجية طويلة المدى.. وزراء وحكومة بلا برامج او خطط قابلة لانقاذ ما يمكن انقاذه.
وقدر الشعب، الذي تحمل كل شيء، ورضي بكل شيء، وعانى من كل شيء، انطلاقا من ايمان لا ينقطع ولا يذبل او ينتهي بالملك الهاشمي والدولة الاردنية، ان تأتي الحكومة الجديدة بشكل ونوع متطور ومختلف يستحق لقب “حكومة“ بما تعني تلك الكلمة، لكن البعض، وان لم تكن اكثرية من الشعب الذي تململ وجد الحكومة اتت تجر اذيالها، وان التعديل لا يخاطب مطالب الامة ولذا يجب فورا مراجعته، ورأى الكثير من المحللين السياسيين والاقتصاديين في التشكيل إشارة إلى ضعف مناعة الحاضن السياسي الرئيسي للحكومة، وان موجات البحر التي كانت تمسح رمال الشاطيء لتؤمن ثقة ناعمة غير قادرة على استيعاب الرمال المتحركة والوعود الكاذبة.
الايام القادمة للحكومة وحضورها لنيل الثقة من البرلمان، سهلة الاصطياد والسقوط، والمجلس النيابي الموقر حفيظه المعارضة وان تتمسك بما وعدت ناخبيها، والمطالب الشعبية هي أن يعرض الوزراء الجدد مباشرة وعلى الهواء برامجهم وتصوراتهم لحقائبهم. وان يتقدم رئيس الطاقم الاقتصادي ببرنامج أو استراتيجية لمعالجة المديونية، ويتقدم الوزراء بخبراتهم وكفاءتهم وانجازاتهم السابقة، وماذا لديهم للمستقبل، فإن لم يحدث ذلك فان المجلس سيرفض منح الثقة لهذه الحكومة الضعيفة.
الشعب يبحث عن حكومة قوية تؤسس للاجيال القادمة، تحترم مؤسسي المملكة وتاريخهم وتحافظ على الدستور، حكومة شجاعة بلا مصالح شخصية للتوزير، تؤطر بصراحة مشاكل الاردن الحقيقية وتقدم منتسبيها لمحاكمة علنية، حكومة تقدم ملفات وزرائها وماذا لديهم من اموال عامة وسيارات وقصور وكيف حصلوا عليها ومتى، وان يفصحوا عن جنسياتهم الاخرى وما تلقوه من انعام وهبات واسبابها، حكومة لا تكذب على الشعب ولا تجمل التشوهات الاقنصادية والسياسية التي تمت من خلال بعض من اعضائها عبر السنوات، حكومة لديها برامج ليس فقط اساسية وانما قابلة للتطبيق.
الشعب عندما اغلق جفونه مائة وعشرين يوما عن حكومة ضعيفة مؤقتة، توقع ان يفتحها على حكومة بتوجهات على ارض الواقع وبوصلتها مجتمع اردني قادر على مواجهة كل انواع الارهاب سواء الفكري او الاجتماعي او الاقتصادي او الديني المتطرف.
حكومة بشكلها الحالي لا تلبي الحد الادني من طموحات الملك الذي يحبه شعبه ويثق به، وايضا لا تلبي طموحات الشعب، بل يرى البعض انها اتت لتلبية المصالح وهي هلامية ضعيفة تثور منها رائحة المصالح، ويغيب عنها ترتيب بيتها الداخلي، وبها اسماء لا يمكن القبول بها، حكومة تحمل مؤشراتها وتوحي بمزيد من الفقر والبطالة وارتفاع الاسعار وغياب الكفاءات، حكومة ضاربة عرض الحائط بامال الشعب وبكل اعتراضاته علي بعض من الوزراء وكثير من القرارات.
ويري اخرون ان نفس الحكومة، باستثناء بعض من وزراء مخلصين واقوياء وطنيين شرفاء، معتقداتها هي معاقبة الشعب وكل من الذين عبروا عن نفس إصلاحي حقيقي وتغييرات للافضل.
وهنالك من يري ان الحكومة المكلفة حاليا لحين الحصول علي الثقة البرلمانية واعتمادها من عدمه وهو القرار الاكثر احتمالا بتركيبتها الحالية، انها لن تحصل علي ثقة عالية، لانها حكومة كما يقول المثل “ تيتي تيتي زي ما رحتي زي ما جيتي “.
عبد الفتاح طوقان
التعليقات مغلقة.