مصر ، حال الإقتصاد بعد عشر سنوات من حُكْم السِّيسِي / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الخميس 27/9/2023 م …

 تندرج هذه الورقة ضمن متابعة مستمرة للوضع في تونس ومصر، حيث أسفرت الإنتفاضتان عن وضع حدّ لسلطة تدعمها الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، في بداية سنة 2011، لكن اختطفت القوى الرجعية بزعامة الإخوان المسلمين ثمار الإنتفاضتَيْن، ولم يتحسّن وضْع الكادحين والفُقراء بل ارتفع حجم الدّيُون الخارجية ونسبة البطالة والفقر…




نشرت قبل يومين ورقة عن الوضع في تونس، وهذه ورقة عن بعض الجوانب الإقتصادية للوضع في مصر، إثر إعلان تقديم موعد الإنتخابات إلى منتصف كانون الأول/ديسمبر 2023

*****

أعلن رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، خلال مؤتمر صحفي، يوم الإثنين 25 أيلول/سبتمبر 2023، تقديم موعد الانتخابات الرئاسية لتجرى من 10 الى 12 كانون الأول/ديسمبر 2023، اي قبل قرابة أربعة أشهر من انتهاء الولاية الحالية للرئيس عبد الفتاح السيسي مطلع نيسان/أبريل 2024، ويأتي تقديم موعد الإنتخابات (وهي صورِيّة على أية حال)، على خلفية أزمة اقتصادية خانقة، ويرتبط بقرارات اقتصادية قاسية وغير شعبية قد تعلنها السلطات المصرية بداية سنة 2024، أي بعد نحو أسبوعَيْن من الإنتخابات (الشّكْلِيّة)، تطبيقًا لشروط اتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي، سنة 2022، والتي لم تَفِ حكومة مصر ببعضها مثل تعويم الجنيه بشكل كامل، ما أدّى إلى تأجيل زيارتين لبعثة الصندوق الى مصر سنة 2023، وتَقَرَّرَ أخيرًا أن تتم الزيارة الي القاهرة بداية العام 2024، لتنفيذ “التحرير” الكامل للجنيه بعد الإنتخابات، ما قد يترك آثارًا سلبية عديدة إضافة لما يُعانيه الشعب المصري حاليا، حيث سجّلت نسبة التّضخّم ارتفاعًا قياسيا جديدا بنحو 40% خلال شهر أب/أغسطس 2023، بعد أن فقد الجنيه المصري 50% من قيمته مقابل العملات الأجنبية منذ آذار/مارس 2022، ويؤدّي انخفاض العملة المحلية إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، وحتى المحلية التي تستخدم مدخلات مستوردة، مثل الأسمدة وعلف الحيوانات أو الطاقة وغيرها…

ارتفعت دُيُون الدّولة كذلك بسبب المشاريع الضخمة التي يُعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي والتي تنفذها مؤسسات الجيش، إلى أن أصبحت مصر واحدة من بين خمس دول مُعرّضة لاحتمال التخلّف عن سداد الديونالخارجية، وفقاً لوكالة “موديز” (نقلا عن وكالة الصحافة الفرنسية أ.ف.ب. 25 أيلول/سبتمبر 2023)، حيث تضاعفت الديون الخارجية لمصر بأكثر من ثلاث مرات، خلال العقد الأخير، وبلغت 165,4 مليار دولارا، وحصلت مصر على أربعة قروض من صندوق النقد الدولي، منذ العام 2017، لمواجهة النقص في الدولار ودعم الموازنة، وفقا لبيانات وزارة التخطيط، وكان آخر هذه القروض من صندوق النقد الدّولي الذي وافق سنة 2022 على  قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وتعثّر صرف حصص القَرْض، منذ آذار/مارس 2023، بسبب عدم تطبيق كافة الشروط التي فَرَضَها الصندوق، في ظل انخفاض تحويلات المصريين العاملين بالخارج، بنسبة 26,1% بين تموز/يوليو 2022 و آذار/مارس 2023، وفق بيانات المصرف المركزي المصري، وهم أكبر مصدر للعملة الأجنبية في البلاد، وتمكن النظام المصري من رَفْع احتياطي النقد الأجنبي ليبلغ 34,9 مليار دولار بنهاية آب/أغسطس 2023، بفضل ودائع خليجية بقيمة 28 مليار دولار، وللتذكير فقد بلغ احتياطي النقد الأجنبي قرابة 42 مليار دولارا في بداية سنة 2022، وفق وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب 25/09/2023

 

خلفيات تقديم موعد الإنتخابات

تعاني مصر منذ عدة سنوات من أزمة اقتصادية فاقمها ارتفاع الدّيون، حيث تُقَدَّرُ قيمة دين مصر الداخلي سنة 2023 بنحو ستّ تريليونات جنيه، وقيمة الدين الخارجي بنحو 165,4 مليار دولار أو ما يُعادل 93% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد (كما ورد في الفقرة السابقة)، إثر حصول الحكومة المصرية على قرض إضافي بقيمة 13 مليار دولار من السعودية والإمارات (نيسان/ابريل 2023)، وإثر إصدار جديد من السندات الحكومية بسعر فائدة أعلى، لتغطية الإنفاق الحكومي العادي، وهي مبالغ مرتفعة تتمثّل خطورتها في عدم تحقيقها عائد أعلى من معدل الفائدة المدفوعة.  أما صندوق النقد الدولي فاشترط، تنفيذ بعض الشروط (خفض سعر الجنيه وخصخصة مؤسسات عمومية، من بينها مؤسسات الجيش)، لسداد الشريحة الثانية من قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار، يمتد على 46 شهرًا، تقوم خلالها بعثات الصندوق بثماني مراجعات، بمعدّل مراجعتين سنوياً حتى منتصف أيلول/ سبتمبر 2026،  (المراجعة هي مراقبة شاملة لكل كبيرة وصغيرة بالبلاد من قِبَل الدّائنين بذريعة مُعاينة ما تم تطبيقه من الشروط المُرافقة للقرض)، وأدّى ارتفاع الدّيون إلى ارتفاع قيمة خدمة الديون ( الأقساط التي تُسدّدها الدّولة، من أصل الدَّيْن والفائدة) وانخفاض ميزانيات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، ليُصبح حوالي 60% من الشعب المصري ( أي حوالي 62 مليون شخصًا) في حالة فقر أو يتهدّدهم الفقر المدقع، وفق تقرير البنك العالمي.

تزامن الإعلان عن تقديم موعد الإنتخابات بحوالي مائة يوم، مع إعلان الحكومة التوصّل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي على دمج المراجعتين الأولى والثانية اللتين سيجريهما الصندوق، قبل نهاية سنة 2023، لمُعاينة برنامج “الإصلاح الاقتصادي”، وذلك بعد تأجيل المراجعة الأولى التي كان مقررًا لها أن تتم في آذار/مارس 2023، ما جعل المُتابعين للشّأن المصري يربطون بين تقديم الإنتخابات والإجراءات الإقتصادية القاسية التي تنتظر الشعب المصري، وفق صحيفة “الشروق” المصرية، التي ذَكّرت بالضغوط المالية القوية، لأن تعثُّر المفاوضات مع صندوق النقد الدّولي يُؤَدِّي إلى إحجام المُقْرِضين الآخرين عن تسليف مصر، وإلى تراجع الإستثمارات الأجنبية، بينما كانت ميزانية الدّولة المصرية مَبْنِيّة على أساس توفير تمويل إضافي (زيادة عن قرض صندوق النقد الدّولي) بقيمة 14 مليار دولار “من الشركاء الدوليين”، ولا يتوقع أن تجني حكومة مصر هذا المبلغ بعد “التصالح” مع صندوق النقد الدّولي، لأن الأموال موجّهة حاليا نحو أوكرانيا…


كان السعر الرسمي للدولار يُعادل سبع جنيهات مصرية، بنهاية سنة 2010، ثم تتالت الإنخفاضات ولئن ظَلَّ السعر الرسمي للجُنَيْه المصري ثابتًا، دون تغيير منذ آذار/ مارس 2023 حيث يُعادل الدّولار الواحد 30,90 جنيهًا، فإن الدولار يُساوي أربعين جنيها في السوق الموازية، ويشترط صندوق النقد الدّولي تخفيضات جديدة بعنوان “تعويم” أو “تحرير” سعر الجنيه في السوق المالية، ويُتوقّع أن يحصل ذلك بعد الانتخابات الرئاسية، ضمن سلسلة من الإجراءات الأخرى الضَّرّة بالإقتصاد وبالشعب المصري مثل رفع الدعم وعدم تدخّل الدّولة في الإقتصاد وفي تحديد سعر الصرف وأسعار الطاقة والغذاء والأدوية، وخدمات النّقل والرعاية الصّحّيّة، وفق موقع مجموعة الأزمات الدولية الذي نَشَرَ تقريرا، في حزيران/ يونيو 2023، يتوقّع تعرّض الإقتصاد المصري لمخاطر عديدة بفعل الأزمة الإقتصادية وارتفاع حجم الدّيون في ظل اقتصاد ريعي وغير منتج للسلع الأساسية، ولذلك تتوقع وكالة “بلومبرغ” إن الإقتصاد المصري عرضة لخطر أزمة الديون، بفعل ارتفاع حجم الدَّيْن العام، وارتفاع تكاليف الفائدة وكذلك العائد على السندات الدولارية، وتعتبر الوكالة إن هذه الأزمة تهدد الإستقرار في أكبر بلد عربي، من حيث الكثافة السّكّانية، واعتمد تقرير “بلومبرغ” على تصريحات مسؤولين حكوميين وخبراء مصريين اعتبروا إن تطبيق شروط صندوق النقد الدولي للحصول على قروض جديدة أو لجدولة ديون قديمة يتطلب اتخاذ إجراءات قاسية تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وزيادة حدّة الفقر التي قد تؤدي بدورها إلى انفجار الغضب ضد النظام المصري، كما حدث في كانون الثاني/يناير 1977، أو خلال عقد ثمانيات القرن العشرين، لنفس الأسباب…

أشار تقرير نشرته وكالة رويترز بداية شهر حزيران/يونيو 2023، إلى ارتفاع الديون الخارجية، أربعة أضعاف، خلال ثماني سنوات، ومع ذلك تواجه الحكومة المصرية شحّ العملات الأجنبية لتتمكن بين آذار/مارس 2023 و آذار/مارس 2024، من تسديد مبلغ 55,2 مليار دولارا، من بينها ودائع وأقساط ديون، وفق بيانات البنك العالمي، كما أعلنت وزارة المالية (يوم 9 أيلول/سبتمبر 2023 ) إن الحكومة سددت نحو 25,5 مليار دولارا، من الإلتزامات الخارجية المتمثلة في الفوائد وأقساط الديون، خلال النصف الأول من العام 2023، ولا يُبشِّر الوضع نظرًا لارتفاع الدَّيْن الخارجي (بالعملات الأجنبية)  من 157,801 مليار دولارا بنهاية شهر آذار/مارس 2022 إلى 165,361 مليار دولارًا، بنهاية آذار/ مارس 2023، بزيادة 7,560 مليار دولارا، وأعلن وزير المالية إن مصر سددت نحو 52 مليار دولار من أقساط وفوائد التمويلات المستحقة عليها، خلال العامين الماليين الأخيرين (2021 – 2022) و(2022 – 2023)، فضلا عن 22 أو 23 مليار دولار من الاستثمارات قصيرة الأجل التي خرجت من مصر خلال السنتَيْن الماضيتَيْن، وهي ما تُسمى “الأموال الساخنة” التي ورد ذكرها في فقرة سابقة، ما يرفع المبالغ التي سدّدتها الدّولة بالعملات الأجنبية، إلى حوالي 75 مليار دولار، خلال السنتيْن الماليّتَيْن الماضيتَيْن، ويُقَدّر الحدّ الأدنى لقيمة الواردات بنحو ثمانين مليار دولارا سنويا (كحدّ أدنى) فيما لا تزيد احتياطيات المصرف المركزي من العملات الأجنبية عن قرابة 35 مليار دولارا، والحصيلة خفض إنفاق الدّولة على الصحة والتعليم والخدمات المُقدّمة للمواطن، وعلى الحد من البطالة والفقر…

 

الفقر:

يُعَرّف الجهاز المركزي للإحصاء (حكومي) خط الفقر بأنه الحد الذي يكفي الإنسان لحصل على الأكل واللباس والنقل والعلاج، أما خط الفقر المدقع فهو توفير الأساسيات من الطعام فقط، وأظهرت بيانات المَسْح التي يُجريها جهاز الإحصاء الحكومي ارتفاع معدّلات الفقر إلى 32,5% خلال السنة المالية 2017/2018، وتراجعها إلى 29,7% خلال السنة المالية 2019/2020 وكان الجهاز الحكومي يُحَدّد خط الفقر بدخل شهري قدره 857 جنيهًا للفرد شهريا، سنة 2021،  غير أن البنك العالمي قَدّر في أيار/مايو 2019 إن نحو 60% من سكان مصر إما فقراء أو عرضة للفقر، وإن الفرد بحاجة إلى حوالي 65 دولارا شهريا، (  نحو ألفي جنيه مصري ) ليتمكّن من الحصول على الحدّ الأدنى من الحاجيات الضّرورية، واعتبر البنك العالمي “إن ارتفاع معدّلات الفقر يُشكل عائقًا للتنمية وخطرا على استقرار المجتمع وخطرا على الأمن والسلم الاجتماعي”، وأعلن نائب وزير التخطيط، خلال مؤتمر التنمية المستدامة الذى عقدته وزارة التخطيط يوم الإثنين 11 أيلول/سبتمبر 2023 “إن خط الفقر في بحث الدخل والإنفاق للسنة المالية 2021/ 2022 (مسح إحصائي تجريه الحكومة كل عامين)، سيكون أعلى من 1400 جنيه، بارتفاع نحو 63% عن خط الفقر السابق للسنة المالية 2019/2020″، وكتبت جريدة البورصة إن معدل الفقر في التقديرات الأولية التي تتم كل عامين عبر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تتراوح بين 30% و35% من السكان البالغ عددهم الإجمالي نحو 106 مليون نسمة (فضلا عن حوالي 13 مليون مهاجر خارج البلاد)، في ظل ارتفاع تاريخي لمعدلات التضخم السنوي إلى 39,7% في آب/أغسطس 2023، وهو قياسي خلال أربعة عقود، فيما ارتفعت معدلات تضخم المواد الغذائية بنسبة 71,9% ، وفق جهاز التعبئة والإحصاء، وفي ظل تراجع غير مسبوق لقيمة الجنيه المصري مقابل الدولار في بلد يُعَدُّ أكبر مستورد عالمي للقمح، بالعملات الأجنبية، وفي بلد يعاني من الركود والديون، وخروج  نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة من البلاد في الربع الأول من 2022 (الأموال الساخنة هي أموال يضخها المُضاربون في البورصات أو المصارف المركزية بالدّول متوسطة الدّخل، لما تنخفض نسبة الفائدة في الدّول الرأسمالية المتطورة، وخرجت هذه الأموال لتعود إلى الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، حالما ارتفعت نسبة الفائدة هناك)، في حين ارتفعت الديون الخارجية الحكومية لتزيد عن 165 مليار دولار، أو نحو 93% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يؤثر على الإنفاق على الخدمات والصحة والتعليم ومختلف الخدمات العمومية الضرورية، ويُساهم ذلك في زيادة نسبة الفقر…

يقدّر بعض المُعارضين للنظام في مصر إن خط الفقر الذي تم الإعلان عنه غير واقعي، وإن خط الفقر الحقيقي يعادل ضعف ما أعلنته الحكومة، وتزيد عن نسبة الستين بالمائة التي أعلنها البنك العالمي، سنة 2019، ويُفْتَرَضُ إن يترتب عن ارتفاع خط الفقر زيادة الحد الأدنى للأجور وزيادة معاشات التضامن وزيادة قيمة المواد التموينية التي تمنحها الدولة وزيادة الحد الأدنى للإعفاءات الضريبية، وهو ما تُحاول الحكومة تلافيه، كما يلومون النظام على إقامة مشروعات ضخمة بلا جدوى، بدل الإنفاق على مشروعات إنتاجية تخلق وظائف وتنتج ما يحتاجه المواطنون، بدل تصدير ما تحتاجه الأسواق الخارجية، وينتقدون بيع ممتلكات الشعب والفساد المنشر في مؤسسات الدّولة والإستدانة وسيطرة الجيش على مفاصل الإقتصاد، بينما لا يستطيع المواطن متوسط الدّخل من شراء الإنتاج المحلي من الخضروات والفواكه واللحوم أو الأسماك بفعل ارتفاع أسعار جميع السلع الغذائية والاستهلاكية…

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.