متابعات، نشرة أسبوعية – العدد التاسع والثلاثون /سبتمبر 2023 الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الأحد 1/10/2023 م …

 يتضمّن العدد التّاسع والثلاثون فقرة أولى ضمن سلسلة تبسيط وتعميم بعض مفاهيم الإقتصاد السياسي ومبادئ الإشتراكية وفقرة عن بعض كواليس أو خفايا العدوان على سوريا من حرب إعلامية وتضليل، وفقرة عن بعض الأثر الإقتصادي للزلزال الذي حصل بالمغرب، وفقرة عن التحولات في بعض المُستعمرات الفرنسية السابقة بإفريقيا، وفقرة عن العلاقات الحميمة بين الإتحاد الأوروبي والكيان الصهيوني، وفقرة عن دور الولايات المتحدة في إدارة الشؤون الدّاخلية بدولة باكستان، وفقرة عن خلفيات الأسبوع الثاني لإضراب عُمال صناعة السيارات بالولايات المتحدة وفقرة عن تأثيرات “الحرب التجارية” التي أطلقتها الولايات المتحدة والتي تضرّر منها الإقتصاد الأوروبي واقتصاد العديد من الدّول الأخرى، وفقرة عن السباق الصيني الأمريكي في مجالات التكنولوجيا المتطورة، وفقرة عن الأموال التي تضخها الولايات المتحدة وبريطانيا في أوكرانيا بهدف السيطرة على اقتصادها بعد الحرب، وفقرة عن تأثيرات ما يُسمَّى “الذكاء الإصطناعي” على هيكلة الطبقة العاملة والعمل. 




 

تبسيط مفاهيم الأدبيات الماركسية

الرأسمالية هي مجموعات من الأفراد والعائلات التي تربطها مصالح مشتركة لتشكل هذه المجموعات أو الأفراد طبقة اجتماعية تتقاسم الإقتصاد وتتكامل للسيطرة على جميع مجالات الحياة، وهذه المصالح المشتركة لا تمنع التنافس بين المجموعات أو الشركات لزيادة الحصص السوقية لكل مجموعة، لأن هدف الرأسماليين هو زيادة الأرباح والثروة بأي وسيلة، وفي مقدّمتها المضاربة واستغلال قوة عمل العمال الذين يعيشون في فقر، وهذا من طبيعة الرأسمالية، كنظام قائم على الاستغلال الذي يزيد من بؤس غالبية المواطنين داخل بلد ما أو على المستوى العالمي، لتستفيد أقلية من الأثرياء من ثمار الإستغلال والإضطهاد. لذا إن الرأسماليين هم طبقة مستغِلّة، ولا يمكن للعمال أن يتقدموا إلا إذا عملوا بشكل جماعي واعتبروا أنفسهم طبقة مُسْتَغَلَّة.

  يُشرف جهاز الدّولة على تنظيم المجتمع، وهو ليس مُحايدًا (كما يدّعي هيغل وأتباعُه على مر القرون)، بل إنه يمثل مصالح فئة أو تحالف من الفئات الاجتماعية، وسمحت القواعد والقوانين التي فرضتها الدولة وشَرْعَنَت الاستغلال والمضاربة بتركيز الثروة بين أيدي قِلّة من المواطنين أو الشركات أو المجموعات المصرفية والإقتصادية، وتطّورَ تركيز الثروة بالتوازي مع تركيز السلطة السياسية، لتتكفل أجهزة الدولة (الشرطة والجيش والإعلام والقضاء والبرلمان والسجون والمصحات النفسية) بقمع أي مُحاوَلَة لِتحدي للنظام القائم، وحتى النضالات السلمية والقانونية في إطار سياسي أو نقابي، والتي تهدف تحسين ظروف العمل والأجور أو اللحاق بمستوى ارتفاع الأسعار و التضخم.

من مصلحة العمال أن ينظروا إلى الرأسماليين كطبقة (وليس كأفراد) تستغل وتضطهد وتقمع الطبقة العاملة، وطنيا ودوليا، من أجل تعظيم الأرباح، ما يُساعد العاملين على النضال كطبقة عاملة موحدة، ولتحقيق ذلك من الضروري التسلح باستراتيجية سياسية وابتكار أدوات للتنظيم والدّعاية والتحريض والنضال لتغيير قواعد النظام القائم.

 

سوريا:

نشر موقع “المنطقة الرمادية” ( The Gray Zone) البريطاني ملخّصًا لوثائق مُسَرّبَة، يوم 19 أيلول/سبتمبر 2023، تُفيد إن المخابرات البريطانية تعمّدَت الكذب لما نشرت، على نطاق واسع، خبرًا زائفًا بشأن مسؤولية النّظام السوري عن الهجوم الكيميائي الذي وقع في الغوطة الشرقية شرق دمشق سنة 2013، وكانت الكذبة تهدف تبرير التّدخّل العسكري المُباشر لدول حلف شمال الأطلسي، وتبرير دَعم المنظمات الإرهابية، واحتلال أجزاء من سوريا، ودعمت الولايات المتحدة الرواية (وإعلامُها القوي)، بل كَذّبت كل الأخبار والوثائق التي تُثْبِتُ أن لجبهة النصرة، الفرع السوري لتنظيم القاعدة، خلية لإنتاج غاز السارين الذي تم استخدامه في الغوطة الشرقية، بمساعدة السعودية وتركيا وقَطَر، وأودى بحياة مئات السُّوريين…

نشر الصحفي الاستقصائي الأمريكي سيمور هيرش في حينها ( 13 أيلول/سبتمبر 2013) تسريبًا لدراسة أجْرَتْها وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية (DIA) عن ترسانة الأسلحة الكيميائية التي تمتلكها المليشيات الإرهابية السورية، ومنها “جبهة النصرة”، فرع “القاعدة” بسوريا، والتي غيّرت إسمها عديد المرات…

كانت كذبة امتلاك العراق “أسلحة الدّمار الشامل” ذريعة لاحتلاله، وكانت المجزرة الوهمية في بنغازي ذريعة لتدمير وتفتيت ليبيا وتغيير نظامها بالقوة، وما محاصرة سوريا واحتلال أجزاء منها وتخريبها وتدميرها سوى جزء من مخطط سُمِّي “الشرق الأوسط الكبير”، كجزء من برنامج أوْسَعَ وأشْمَل يَضُمُّ آسيا والمحيطيْن الهادئ والهندي…  

 

المغرب العواقب الإقتصادية للزلزال

بلغت قوة الزلزال الذي وقع ليلة 8 إلى 9 أيلول/سبتمبر 2023 سبع درجات على مقياس ريختر الذي يتضمّن تسع درجات، وهو مستوى أعلى من الزلزال الذي دَمَّرَ أغادير سنة 1960، وهو كذلك أكبر كارثة طبيعية بالمغرب، وكانت الأضرار كبيرة بمنطقة الحوز ومدينة مراكش والمناطق الجبلية حيث دمرت بالكامل بعض القرى في المناطق الريفية الفقيرة، وأصبحت العديد من الطرقات غير صالحة للاستعمال، وتم تدمير أو إلحاق أضرار جسيمة بحوالي ثلاثين معلمًا تاريخيًا، وتقدر الأضرار المادّيّة المُباشرة بأكثر من 12 مليار دولار، أي نحو 8% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، بحسب وكالة الأنباء الرسمية.

 

إفريقيا، هل هي نهاية الإستعمار الفرنسي؟

أعلنت حكومات مالي وبوركينا فاسو والنيجر، يوم 16 أيلول/سبتمبر 2023، تحالفًا دفاعيًّا إقليميا ردًّا على التهديدات التي أطلقتها الأنظمة والتكتلات المُوالية لفرنسا، بعد الإنقلابات العسكرية التي حصلت في البلدان الثلاثة، حيث طالب القادة الجدد بالحدّ من الهيمنة الفرنسية.

تضرّرت البلدان الثلاثة ( وبلدان أُخْرى كذلك) من “التّأثيرات الجانبية” لعدوان حلف شمال الأطلسي على ليبيا وتدميرها وتقسيمها وفتح ثكناتها لتتزوَّدَ المنظمات الإرهابية بأسلحتها وتنتشر في البلدان المُحيطة بالصحراء الكبرى، والمجاورة لليبيا والجزائر، وواجهت العديد من البلدان المُتاخمة للصّحراء مشاكل، فضلا عن الجفاف، ناجمة عن الإرهاب منذ تدمير ليبيا سنة 2011، ومنذ التّدخّل العسكري الفرنسي في شمال مالي سنة 2013 – بدعم من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي – زادت حِدّة الغضب ضد فرنسا، في مالي كما في بلدان أخرى، وحدثت سبْع انقلابات في المُستعمرات الفرنسية السابقة التي لا تزال تستخدم اللغة الفرنسية كلغة رسمية والفرنك ( CFA ) وبعد انقلابات مالي وبوركينا فاسو والنيجر، انطلقت مظاهرات حاشدة تُطالب بطَرْد القوات العسكرية الفرنسية وخفض مرتبة اللغة الفرنسية، وأدّت عجرفة السلطات الفرنسية إلى ردود فعل شعبية مُعادية ومستاءة من السلوك الفرنسي في المنطقة، ليس في البلدان الثلاثة فحسب وإنما في بلدان أخرى مثل بنين والكونغو، وكان إعلان “تحالف دول الساحل” في 16 أيلول/سبتمبر 2023، بمثابة ردّ سُلطات بوركينا فاسو ومالي والنيجر على التهديد العسكري، ومحاولة  لإنشاء مؤسسات وأُطُر للدفاع الجماعي والتعاون الإقليمي، خارج إطار الهيمنة الفرنسية المعروفة باسم Françafrique – – حيث يحتفظ المصرف المركزي الفرنسي ب50% من احتياطي النقد الأجنبي لمستعمراتها السابقة، فضلا عن وجود القواعد العسكرية، وأعلن فيليب تويو نودغنوم، رئيس منظمة شعوب غرب إفريقيا: إن الاستعمار الفرنسي ظل قائما بعد العام 1960( سنة الإستقلال الشّكلي لمعظم مستعمرات فرنسا بإفريقيا)  وتدّخلت فرنسا عسكريا، ستين مرة، للإطاحة بالحكومات التي لا ترضى عنها، ومن بينها حكومة موديبو كيتا في مالي (1968)، أو لاغتيال القادة الوطنيين، مثل فيليكس رولاند مومييه (1960) وإرنست أوانديه (1971) في الكاميرون، وسيلفانوس أوليمبيو في توغو سنة 1963، وتوماس سانكارا في بوركينا فاسو سنة 1987 وغيرهم ، وكان الدّور الفرنسي الكبير في عدوان حلف شمال الأطلسي على ليبيا (آذار/مارس 2011 )، بالإضافة إلى إقالة رئيس ساحل العاج (نيسان/ابريل 2011)، القشة التي قصمت ظَهْرَ البعير، وزادت من المشاعر المعادية لفرنسا، وخاصة بين الشباب ومن كانوا يعملون في ليبيا، وبين الطّلاب الذين ترفض فرنسا ترسيمهم بجامعاتها، إلى أن انتشرت الاحتجاجات الجماهيرية ضد الوجود الفرنسي في جميع أنحاء المستعمرات الفرنسية السابقة في أفريقيا التي كانت (ولا تزال أحيانًا ) تحكمها الأنظمة الفاسدة المدعومة من فرنسا منذ عُقُود، والتي سحقت كافة أشكال المعارضة السياسية وأحزاب اليسار والنقابات العمالية ومنظمات الفلاحين ومنظمات الشباب والطُّلاّب، وبعد انقلاب مالي والنيجر أدركت دول حلف شمال الأطلسي مدى العداء الشعبي لها فحاولت شن حرب بالوكالة، تكون اللجنة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) واجهَتَها، غير إن ردود الفعل الشعبية وإنشاء لجان تضامن مع شعب النيجر، أدّت إلى اعتراض بعض القادة العسكريين الأفارقة على التدخل، وعبر شعب نيجيريا عن اعتراضه على محاربة الإخوة في النيجر، ورفضت أغلبية نواب نيجيريا مقترح التدخل الذي قدّمه الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو، فاضطر إلى التراجع…

تعكس اتفاقية التعاون بين حكومات النيجر وبوركينا فاسو ومالي تغيير موازين القوى، وظهور توازنات جديدة، قد تقطع مع المرحلة السابقة لتُدَشِّن مرحلة جديدة من التعاون العسكري والإقتصادي، خارج إطار الهيمنة الفرنسية، ( القوة الإستعمارية السابقة) وتكثيف التعاون في مجالات تبادل الوقود والكهرباء، وبناء شبكات النقل، والتعاون في مبيعات الموارد المعدنية، وبناء مشروع تنمية زراعية إقليمية، وزيادة التبادل التجاري بين البلدان المتاخمة للصحراء وإحياء وتوسيع اتفاقية شباط/فبراير 2023 الذي أشار إلى الحد من عدم المساواة ومكافحة الفساد والفقر في دول غرب إفريقيا… 

 

الكيان الصهيوني جزء من أوروبا الإستعمارية

يستفيد الكيان الصّهيوني من مزايا العضوية في الإتحاد الأوروبي دون تحمّل الضّوابط وكثّف الإتحاد الأوروبي التعاون مع الكيان الصهيونين خلال العقدين الأخيريْن من خلال برامج تطوير أسلحة القَمع و”مكافحة الإرهاب”، ولم ينشر الإتحاد الأوروبي، منذ 2015 أي تفاصيل عن المباحثات التي وصفها ب”الناجحة لمكافحة الإرهاب”، كما رَفَضَ الإتحاد الأوروبي  الأوروبي الكشف عن الهيئات “الإسرائيلية” التي تشارك في المحادثات (منها وزارة الدّاخلية والحرب والإستخبارات الصّهيونِيّة)، ما دفع بعض هيئات المجتمع المدني إلى تقديم شكاوى، في بداية العام 2023، إلى “إدارة المظالم” بالإتحاد الأوروبي، بشأن السّرّيّة المُطلقة التي اتسمت بها هذه المحادثات و”الإفتقار إلى الشفافية، وصعوبة الوصول إلى المعلومات”، وصعوبة مُساءلة مؤسسات الإتحاد الأوروبي، وتُندّد هذه الهيئات بتوثيق التحالف مع الكيان الصهيوني الذي كثّف من ارتكاب المجازر (في الوقع نشأ الكيان على المجازر والإرهاب، قبل إعلان الدّولة) والجرائم واستهداف المدنيين ومن بينهم الأطفال والشّيُوخ، في انتهاك واضح لبنود اتفاق الشراكة بين الكيان الصهيوني والإتحاد الأوروبي التي تَنُصُّ على  وجوب احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية…

ساهم الإتحاد الأوروبي (وقبله دُول مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا…) في الترويج لكيان الإحتلال ككيان ديمقراطي وصديق للبيئة، لتبرير زيادة حجم التبادل التجاري والتعاون الإقتصادي والسياسي، وتجْرِيم الدّعوة إلى المُقاطعة ، واعتبر العديد من أعضاء حكومة ألمانيا (الحالية والسابقة) إن التعاون مع الكيان غير مشروط وإن أمْنَهُ خط أحمر (وكأن هناك من يُهدّد أمن دولة الإستيطان الإقتلاعي) وأعلن نائب رئيس المفوضية الأوروبية (شيناس)، خلال زيارة تل أبيب (حزيران/يونيو 2023) “إن إسرائيل صديق حقيقي وشريك قوي للاتحاد الأوروبي وحليف في القضايا الرئيسية التي تتراوح من الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا إلى التعاون القضائي وتغير المناخ…”، كما يشترط الإتحاد الأوروبي على المنظمات “غير الحكومية” التي يُساهم بتمويلها بجمع بيانات مُعَيّنة في القُدس والجولان وغزة ومناطق الضّفّة الغربية، يتم إطلاع الكيان الصهيوني عليها فيما بعد… 

في المجال الإقتصادي والمالي، وقّع بنك الاستثمار الأوروبي، خلال شهر أيلول/سبتمبر 2023  اتفاق شراكة وتعاون استراتيجي لتمويل مشاريع في المستوطنات التي يصفها الإتحاد الأوروبي أحيانا بأنها “غير شرعية” (هل ثَمّة مستوطنات شرعية؟) ليصبح الإتحاد الأوروبي – من خلال مؤسساته – شريكًا في جرائم الحرب الصهيونية، وتضم البعثة الدّبلوماسية الأوروبية التي يرأسها “ألكسندر ستوتزمان” في القدس مكتبا لبنك الاستثمار الأوروبي “أكبر بنك عام دولي في العالم”، كما يرد في دعايته، وهو هيئة رسمية تابعة للاتحاد الأوروبي، وأقْرَضَ (من 1995 إلى 2022) حوالي 760 مليون دولارا، لإنجاز مشاريع فلسطينية و2,6 مليار دولارا للمشاريع الصهيونية، وفق البيانات المنشورة على الموقع الإلكتروني للبنك، ومعظمها في مستوطنات الأراضي المحتلة سنة 1967 بالتعاون مع “بنك لئومي” الصهيوني الذي نشأ قبل 1948، لتمويل إنشاء وتوسيع المستوطنات، وهو مُدْرَج في قاعدة بيانات الأمم المتحدة للمؤسسات التي تساعد وتستفيد من الاستعمار الإستيطاني الصهيوني (تم الإطلاع على الموقع في الثالث والعشرين من أيلول/سبتمبر 2023)، ووقّع بنك الإستثمار الأوروبي مع بنك لئومي “اتفاقية تعاون استراتيجي” (حزيران/يونيو 2023) “للإستثمار في المشاريع الخضراء” وهي عادة قُرى مُهَدّمة ومناطق تم ترحيل أهلها الفلسطينيين لإقامة مناطق مُشجّرة مكانها لمنع أي محاولة لعودة أصحاب الوطن الشرعيين، وبلغ خط الإئتمان لهذا المشروع 635 مليون دولارا… 

 

باكستان، “مُقايضة”

أعدّت الولايات المتحدة، في بداية سنة 2022، مُخطّطًا مشتركا مع الإستخبارات والجيش الباكستانِيّيْن، تم تنفيذه في نيسان/أبريل 2022، تمثّل في تنظيم تصويت بحجب الثقة لإقالة رئيس الوزراء عمران خان، الذي أثار “موقفه المُحايد بشأن الحرب في أوكرانيا” غضب الحكومة الأمريكية، وفق تلميحات الدبلوماسيون الأمريكيين المتورطين مباشرة في الإشراف وفي توجيه وإدارة عملية التّخلّص منه عبر إقالته، ولكن الوضع لم يستَتِب، بل استمرت الإحتجاجات، منذ نيسان/ابريل 2022، غير أن الحكومة الحالية التي تُهيمن عليها عشيرة “آل شريف” (عائلة رجال أعمال أثرياء) بدعم من السعودية والولايات المتحدة أصبحت مُنحازة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا، ونشرت مواقع بريطانية وأمريكية وباكتانية، في بداية سنة 2023، وثائق تحدد صفقات الأسلحة ومبيعات الذخيرة الباكستانية الولايات المتحدة بين صيف 2022 وربيع 2023، وأصبحت باكستان مركزًا لتصنيع الذخائر الأساسية اللازمة لحرب الاستنزاف الأمريكية في أوكرانيا التي تحتاج كميات كبيرة من الذخيرة والمعدات، وأظهرت صُوَر الحرب وجود قذائف وذخائر باكستانية الصنع لدى جيش ومليشيات أوكرانيا…

 كافأت الولايات المتحدة حكومة باكستان بموافقة صندوق النقد الدّولي على قَرْضٍ طارئ يُمَكِّنُ من تأجيل كارثة اقتصادية وشيكة ومن تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمى، بموازاة شن هجوم ضد أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني وسجن عمران خان، وأثارت الإصلاحات الهيكلية الصارمة التي طالب بها صندوق النقد الدولي ( من بينها فرض خطط التقشف وخفض قيمة العُمْلَة وإلغاء دعم الطاقة، ما رفع أسعارها بنسبة 50% ) كشرط لخِطّة الإنقاذ الأخيرة، سلسلة من الاحتجاجات، شملت مظاهرات وإضرابات في أنحاء البلاد.

يهدف القرض إلى تخفيف الضغوط الاقتصادية، مما سمح للحكومة التي يدعمها الجيش بتأخير الانتخابات التي سوف تكون تجسيدًا للمواجهة مع أنصار عمران خان ومجمل أطراف المُعارَضَة، فيما التزمت الولاياتُ المتحدةُ ومنظماتُها الصمتَ إزاء انتهاكات حقوق الإنسان…

أظهرت البيانات التي نشرتها بعض وسائل الإعلام الأمريكية إثر لقاء سفير باكستان في واشنطن مع وكيل وزارة الخارجية الأمريكية “دونالد لو” يوم 23 أيار/مايو 2023، ولقاء بين السفير الأمريكي لدى باكستان، دونالد بلوم، ووزير المالية الباكستاني آنذاك إسحاق دار، يوم 26 أيار/مايو 2023، بعض تفاصيل المفاوضات حول دَوْر مبيعات الأسلحة الباكستانية إلى أوكرانيا، بقيمة 900 مليون دولارا، في “دعم سياسة باكستان ووضعها المالي” وتعهّدت الولايات المتحدة، خلال اجتماع 23/05/2023 بتسديد تكاليف إنتاج الذخائر الباكستانية، ما سيساعد في “مواجهة التّحدّيات الإقتصادية”، وفق السيناتور الديمقراطي عن ولاية ماريلاند، “كريس فان هولين” (عن ولاية ماريلاند، وهو مولود بباكستان حيث كان والداه دبلوماسيان أمريكيان هناك) الذي صرّح لمجموعة من الصحافيين الباكستانيين: “لقد لعبت الولايات المتحدة دورًا فعالًا في ضمان تقدم صندوق النقد الدولي بمساعداته الاقتصادية الطارئة”

في بداية الحرب في أوكرانيا، كان عمران خان رئيسًا للوزراء وشارك، خلال الأسبوع الأول من آذار/مارس 2023، بعد أسبوعَيْن من انطلاق الحرب، في اجتماع ثنائي بموسكو مع الرئيس الروسي، كان مُقَرّرًا منذ فترة طويلة، وأثارت الزيارة غضب المسؤولين الأمريكيين الذين خطّطوا وأشرفوا على الإطاحة به، وتعيين حكومة بإشراف أُسْرة “شريف” الفاسدة التي دعمت مواقف الولايات المتحدة وحكومة أوكرانيا، وأطلق الجيش الباكستاني حملةً اعتقالات وموجة من عمليات القتل الجماعي ضد أنصار عمران خان وحزبه وسجنه بتهمة اختلاس وثيقة سرية وحوالي 150 تهمة إضافية، وهي ذريعة لمنعه من المشاركة في الانتخابات المُقْبِلَة، وفق موقع “إنترسبت” الأمريكي بتاريخ 17 أيلول/سبتمبر 2023

 

الولايات المتحدة – خلفيات إضراب عمال صناعة السيارات

بدأ يوم الجمعة 15 أيلول/سبتمبر 2023 إضراب غير مسبوق بشركات صناعة السيارات الأمريكية الثلاث الكبرى (فورد وجنرال موتورز وستيلانتس)، في وقت واحد، وهي إضرابات دَوْرِيّة محدودة وانتقائية تم ابتكارها كتكتيك استنزاف سنة 1936 في “فلينت” حيث أدّى الإعتصام آنذاك إلى تأسيس اتحاد عمال قطاع السيارات (UAW ) من قِبَل تحالف عُمّالي يضُمُّ الشيوعيين والإشتراكيين والمسيحيين التقدّميين، وانطلق الإضراب منتصف ليل الجمعة 15 أيلول/سبتمبر 2023، بمصنع جنرال موتورز في وينتزفيل بولاية ميسوري، ومصنع فورد في ميشيغان، ومصنع ستيلانتيس في توليدو بولاية أوهايو، من أجل زيادة الأجور بنسبة 40% للسنوات الأربعة القادمة وإلغاء هيكل الأجور المتدرج الذي أحدث فجوة كبيرة بين الموظفين الجدد والقدامى، وتحسين ظروف العمل والتأمين الإجتماعي، من رعاية صحية وتقاعد، وعرضت الشركات الثلاثة زيادات لا تتجاوز 20%، مُدّعية إن زيادة الرواتب تُؤَدِّي إلى إفلاس الشركات، بينما بلغ الراتب السنوي ل”جيم فارلي”، الرئيس التنفيذي لشركة فورد، حوالي 21 مليون دولار سنة 2022، وفق شبكة “سي إن إن” التلفزيونية الأمريكية، وعلّق رئيس نقابة العُمال (شون فاين) “يمكن مضاعفة رواتبنا دون رفع أسعار السيارات، لأن حصة العمل (أجور العُمّال) لا تتجاوز 5% من تكلفة صناعة كل سيارة”، وأظهرت بيانات الشركات الثلاث بين سَنَتَيْ 2013 و2022، إنها أرباحها بلغت 250 مليار دولار، بزيادة قدرها 92%، وحصل رؤساؤها على زيادة في الأجور بنسبة 40%، فضلا عن مكافأة أصحاب الأسهم بقيمة 66 مليار دولار، وإعادة شراء الأسهم، فيما انخفضت رواتب عمال صناعة السيارات بقرابة 20% منذ أزمة سنة 2008 ولا يكاد راتب العديد من عمال شركة فورد المضربين يسمح بتغطية النفقات الشهرية…

بعد أسبوع من إضراب حوالي 13 ألف عامل في مصانع ولايات ميزوري وأوهايو، أظهر استطلاع رأي لرويترز/إبسوس، يوم الخميس 21 أيلول/سبتمبر 2023، دعما كبيرا من المواطنين الأميركيين لعمال السيارات المضربين، كما ذكرت وكالة “رويترز” يوم الجمعة 22 أيلول/سبتمبر 2023 حصول تقدّم في المفاوضات بين نقابة اتحاد عمال السيارات ( UAW ) مع شركة “فورد” بشأن عقد العمل الجماعي، وبذلك تتفادى توسيع نطاق الإضراب إلى ست مصانع إضافية تُنتج الشاحنات الصغيرة المُرْبِحَة للغاية، لشركَتَيْ “جنرال موتورز” و “ستيلانتيس”، وسبق أن حذر رئيس النقابة، شون فاين، من انضمام المزيد من أعضاء النقابة البالغ عددهم 146 ألفا ( يدعمهم 600 ألف عضو من النقابيين المتقاعدين من قطاع السيارات)، الذين يعملون في الشركات الثلاثة في “ديترويت”، ما لم يتم التوصل إلى اتفاقات عقود عمل جديدة، بديلة للعقود الجماعية التي انتهت صلاحيتها يوم 15 أيلول/سبتمبر 2023، وأعلنت وكالة ستاندرد اند بورز الأمريكية للتصنيف الإئتماني “إن استمرار الإضرابات قد يؤدي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في الربع الثالث بنسبة 0,39% بالمئة وإلى اضطراب سلاسل توريد السيارات بالولايات المتحدة وبالعالم”

تُعَدُّ معركة عُمّال السيارات مُؤَشِّرًا لمعركة أوسَع من هذا القطاع الصناعي، وتتعدّاه لتشمل موضوع حماية العاملين في القطاعات الصناعية في ظل مخططات التّحول إلى الطاقة “النّظيفة” واستبدال السيارات الحالية بالسيارات الكهربائية، وقد يُؤَدِّي تطبيق هذا البرنامج إلى وقف التّوظيف وإلى خسارة حوالي 35 ألف وظيفة، وقد تطال تداعيات الإضراب قطاعات اقتصادية أخرى، لأن النقابات تمكّنت من شرح أبعاد الإضراب الذي يتجاوز زيادة الرواتب ليطرح مسألة التّحوّل إلى استخدام الطّاقة “النّظيفة”، في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية وركود الرواتب وهو موضوع قد يُؤثِّرُ على الحملة الإنتخابية لسنة 2024، وفق صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية ( 22/09/2023)

اتّبع الإتحاد النقابي لعُمال السيارات تكتيك التّدرُّج في التّصعيد، فقد بدأ الإضراب في المصانع التي تنتج شاحنات متوسّطة الحجم، تجني منها الشركات أرباحًا كبيرة، لكن التوقف عن إنتاجها لمدة أسبوع أو أسبوعَيْن لا يلحق أضرارًا كبيرة بأرباح الشركات، وقد تصل الخسائر الأسبوعية للشركات الثلاثة إلى ستين مليون دولارا، بينما يكلف الأسبوع الواحد إنفاق نحو 6,5 ملايين دولارا، من قِبَل الإتحاد النقابي بين تسديد تعويضات للعمال المضربين وتنظيم الإعلام والتظاهرات، وقُدّرت ميزانية الطوارئ المُخصّصة للإضرابات بنقابة (UAW ) بنحو 850 مليون دولار، جمعها الإتحاد النقابي من اشتراكات الأعضاء، ما يُمكّنه من الصّمود وتسديد نحو خمسمائة دولارا أسبوعيا للمُضربين الذين سبقوا أن صمدوا سنة 2019 لفترة أربعين يومًا بمصانع شركة “جنرال موتورز” بمشاركة 34 ألف عامل، وغَيَّرت النقابة تكتيكها من استهداف واحدة من الشركات لاستخدام نتائج الإضراب كنموذج للشركات الأخرى، إلى اختيار عدد محدود، لكنه مُؤَثِّر، من مصانع الشركات الكُبْرى الثلاث، وتُواجه شركة “فورد” التي تفاوضت مع النقابة وتوصّلت إلى اتفاق مبدئي، تهديدًا بإضراب آخر بمشاركة 5700 عامل في مصانعها بكندا، بشأن تجديد عقد العمل الجماعي والمعاشات التقاعدية وزيادة الأجور.

الإضراب على خلفية اتساع الفجوة الطّبقية

ارتفع دخل أغنى 0,1% أسرع بعشر مرات من دخل 40% من البالغين العاملين من ذوي الدخل المتوسط في الولايات المتحدة، بين سنَتَيْ 1976 و2022، وفقا للاقتصاديين توماس بلانشيت، وإيمانويل سايز، وغابرييل زوكمان (Thomas Blanchet, Emmanuel Saez and Gabriel Zucman )، وارتفع الدخل الحقيقي للبالغين في سن العمل ضمن أغنى 0,01% بنسبة 856% ولم يزد دخل النصف الأفقر من البالغين العاملين في البلاد إلا بالكاد، على مدى نفس الفترة التي دامت 47 عاما. أما دخل النصف الآخر فقد ارتفع بنسبة 21% فقط في المتوسط، وكانت النتائج بالنسبة لعمال السيارات أسوأ، فقد انخفضت أجورهم الحقيقية في السنوات الأخيرة، وأفاد المُحلّلُون بمعهد السياسة الاقتصادية (Economic Policy Institute ) أن متوسط الأجر الحقيقي للساعة للعاملين في صناعة السيارات الأمريكية انخفض بين 2008 و 2023،  بنسبة 19,3%، في حين أن أرباح وتعويضات كبار المسؤولين التنفيذيين في صناعة السيارات (فورد وجنرال موتورز وستيلانتس، الشركة التي ابتلعت شركة كرايسلر) قفزت بنسبة 40% في السنوات الأربع الماضية، وحصل الرؤساء التنفيذيين الثلاثة العام الماضي ( 2022 ) على ما لا يقل عن 21 مليون دولار لكل واحد منهم، وحصل الرئيس التنفيذي الحالي لشركة جنرال موتورز على أكثر من 200 مليون دولار منذ سنة 2014، وحصل المساهمون في هذه الشركات الثلاثة العملاقة لصناعة السيارات على ما يقرب من 66 مليار دولار من الأرباح على مدار العقد الماضي، بالإضافة إلى 14 مليار دولار من الأرباح وعمليات إعادة شراء الأسهم، بين كانون الثاني/يناير وآب/أغسطس 2023، وقد تجاوزت أرباح شركات السيارات الأمريكية الثلاث الكبرى 250 مليار دولار منذ سنة 2013، ويمتلك الإتحاد النقابي لعمال السيارات مجموعة هامة من الوثائق والبيانات التي يستخدمها أثناء التّفاوض، وفي البيانات والتصريحات المُوجّهة لوسائل الإعلام والرّأي العام، ويتميز الإتحاد النقابي لعمال السيارات بحسن التنظيم منذ تأسيسه من قِبَل عُمّال شيوعيين واشتراكيين ومسيحيين تقدّميين، ونظّم المضربون عن العمل المنتمون ل (UAW ) سنة 1937 إضرابات واعتصامات جذبت انتباه العمال في جميع أنحاء البلاد الذين نسخوا هذه الطريقة للمطالبة بالمفاوضة الجماعية، كما قدم مناضلوه مقترحات جريئة للمساواة على جبهات رئيسية أخرى، بما في ذلك الضرائب، داعين إلى فرض معدلات ضريبية أعلى على الأثرياء والثّروات، وفقًا لما وَرَدَ بآخر كتاب لسام بيزيغاتي حول عدم المساواة لمعهد دراسات السياسات، بعنوان: قضية الحد الأقصى للأجور – طبعة Polity 2023

Sam Pizzigati – Institute for Policy Studies : The case for a maximum wage- Polity 2023

 

من مظاهر الحرب التجارية

اتخذت الدّول الأوروبية قرارات أضرّت باقتصادها، منها مُقاطعة الغاز الرّوسي ضمن الحرب الإقتصادية ضد روسيا ( والصين كذلك) والحَظْر الذي فَرَضَتْهُ الولايات المتحدة، ومنها إرسال مبالغ ضخمة من الدّعم المالي، فضلا عن الأسلحة إلى أوكرانيا، ولم تُؤَدِّ هذه “العقوبات” إلى تركيع روسيا أو إفلاسها، بل يُواجه الاتحاد الأوروبي أزمة اقتصادية واجتماعية تاريخية، ويُواجه نتائجَ تَدَهْوُر العلاقات التجارية مع الصين، ويتوقع تقرير نشرته وكالة رويترز (22 أيلول/سبتمبر 2023) أن يعتمد الإتحاد الأوروبي بشكل شبه كلي، سنة 2030، على توريد بطاريات الليثيوم من الصين كما كان يعتمد على روسيا في السابق لشراء البطاريات، لكي يتمكّن الإتحاد الأوروبي من تحقيق هدفه المتمثل في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى الصفر بحلول سنة 2050، لأن طاقة الرياح أو الشمس لا تُمكِّن دول الإتحاد الأوروبي منْ تخزين الحجم الضّروري للكهرباء التي يرتبط إنتاجها بدرجة سطوع الشّمس وهبوب الرياح، ويُقدِّرُ الإتحاد الأوروبي أن يرتفع الطلب على بطاريات الليثيوم أيون وخلايا الوقود والمحللات الكهربائية بمقدار 10 إلى 30 مرة، بحلول سنة 2050.

يستحوذ الإتحاد الأوروبي على نسبة تفوق 50% من السوق العالمية للمحلل الكهربائي ويعتمد إنتاج السيارات الكهربائية الأوروبية بشكل كبير على إمدادات خلايا الوقود وبطاريات أيونات الليثيوم القادمة من الصين، واعتبرت رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” (وهي مُغالية في الموالاة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي) إن ذلك يُشكّل اعتمادًا مُفرطًا على الصّين، وبعد أسبوع واحد من فَرْض تعريفات جمركية حمائية على السيارات الكهربائية الصينية، بذريعة “مكافحة الدعم الحكومي الصيني” ( رويترز 13 أيلول/سبتمبر 2023)، اعتبرتها منظمة التجارة العالمية خطر على المبادلات التجارية الدّولية التي قد تؤدّي إلى انخفاض الدّخل الحقيقي للمواطنين بنسبة 5% في الدّول الغنية وبنسبة 10% في الدّول الفقيرة ومتوسطة الدّخل، وطرحت رئيسة المفوضية الأوروبية مناقشة هذا الموضوع خلال اجتماع رؤساء دول الاتحاد الأوروبي في مدينة غرناطة بإسبانيا يوم الخامس من تشرين الأول/أكتوبر 2023، حول “الأمن الإقتصادي”، وتقترح رئيسة المُفَوّضِيّة خفض الإعتماد على الصين وزيادة حصة الإستيراد من أفريقيا وأمريكا الجنوبية، وفق وكالة رويترز، وسبق أن تضرّر اقتصاد الإتحاد الأوروبي جراء تنفيذ الحَظْر الأمريكي على إمدادات الطاقة من روسيا ما أدّى إلى ارتفاع حاد في أسعار الطاقة وإلى ارتفاع نسبة التضخم وإلى تباطؤ النمو الاقتصادي.

لم تُؤَدِّ الإجراءات الأمريكية والأوروبية إلى تركيع الصين أو روسيا أو إيران ( رغم الصعوبات) وفق وكالة بلومبرغ الأمريكية التي اعتبرت إن الصين قادرة على إلحاق الضّرر بالإقتصاد الأوروبي من خلال تدابير مُضادّة تتمثل في تقييد وصول سيارات طائرات الإتحاد الأوروبي إلى سوقها الداخلية الضخمة، وحظر سلع أخرى مثل الجلود ومستحضرات التجميل، وأظهرت السياسات العدوانية الأمريكية والأوروبية قُدْرَة تَكيّف اقتصاد الصين وروسيا وتحقيقهما معدلات نمو سنوية أعلى مما توقعته وكالات ومؤسسات أمريكا الشمالية وأوروبا… 

 

الحرب على جبهة التكنولوجيا

أطلقت الولايات المتحدة الحرب التجارية على الصين، قبل حوالي عشر سنوات، خلال رئاسة باراك أوباما، من خلال حَظْر استيراد لوحات الطاقة الشمسية الصينية، ومن خلال حظر تصدير قطع غيار الطائرات المدنية، لأن الصين بدأت تُنافس الشركات الأمريكية في مجال التكنولوجيا المتطورة، في السوق الأمريكية، وهو ما لم تقبل به الولايات المتحدة من شركات أهم حلفائها مثل ألمانيا واليابان وبعض الدول الأوروبية، وأقرّت الولايات المتحدة (وكذلك الإتحاد الأوروبي، كالعادة) حظرًا شاملا على تصدير الشرائح الإلكترونية نحو الصين، وحظر شركة “هواوي” الصينية للإتصالات، لأنها تمكّنت – قبل الشركات الأمريكية والأوروبية – من ابتكار وتطوير الجيل الخامس ( G5 ) للإتصالات، ورغم الحظر الذي كان هدفه إزالة شركة هواوي من قائمة شركات الإتصالات العالمية، تمكّنت هواوي سنة 2003، بعد قرابة خمس سنوات من الحظر، بفضل الدّعم الحكومي، وبفضل السوق الدّاخلية الصينية الكبيرة، من تحقيق اختراق تكنولوجي هام بتصنيعها ( في طي الكتمان) لشريحة إلكترونية متطورة جداً، ما شكّل مفاجأة للولايات المتحدة، وأعلنت شركة هواوي طرح سلسلة هواتف محمولة متطورة، وأحْدَثَ الخبر هَزّةً في أوساط التكنولوجيا الأمريكية المتقدّمة، وتم تصنيع الشريحة “الثّورية” من خلال تعاون الشركات الخاضعة للقيود الامريكية، وكانت الشركة الهولندية ( ASML  )  هي الوحيدة في العالم القادرة على تصنيع جهاز يُمكّن من إنتاج رقائق بدقّة عالية، وطبّقت هذه الشركة الحظر الشامل على الصين، لكن جرت الرياح الصينية بما لا تشتهي السُّفُن الأمريكية، وفتحت الولايات المتحدة تحقيقًا لمعرفة الطريقة التي تمكّنت بها شركتا ( SMIC )  و “هواوي” الصّينِيّتَيْن من تحقيق هذا الإنجاز التكنولوجي، دون الحصول على آلة الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية، من هولندا، وتمكّنت “هواوي”، خلال أسبوعَيْن، من بيع أكثر من 300 ألف وحدة من سلسلة هواتف Mate 60، المدعومة بالشريحة الجديدة، في السوق الصينية

أظْهَر هذا الإنجاز قدرة الشركات الصينية على ابتكار الحلول، رغم القيود، مادام المال متوفِّرً، فقد أنفقت شركة “هواوي”، خلال عشر سنوات، أكثر من 140 مليار دولار أميركي على عمليات البحث والتطوير، وهذا ما مكنها من ابتكار تكنولوجيات جديدة، بتكتّم شديد، وتجاوز بذلك التكنولوجيا الامريكية ، سواء في صناعة أشباه المواصلات والرقائق أو في مجالات أخرى كثيرة، وتجدر الإشارة إلى أهمية الرقائق في صناعة الهواتف وأجهزة الحاسوب والسيارات والطائرات وأنظمة الصواريخ وفي صناعة الفضاء…

 

كرم رأسمالي استثنائي؟

ترفض الدّول الرأسمالية المتقدّمة مُساعدة فقراء بلدانها وترفض ودعم الرعاية الصحية والطاقة والسّكن ( في حين تدعم الشركات الكُبْرى والمصارف)، ولكن بعض أعضاء حلف شمال الأطلسي يُنفقون “بلا حساب” في أوكرانيا، ليس حُبًّا في شعبها، وإنما لتقديم فاتورة “المُساعدات” عند انتهاء الحرب والهيمنة على اقتصاد أوكرانيا، من خلال الإستيلاء على الأراضي الخصبة للبلاد والمناجم والصناعات، وبهذا الصّدد، أعلنت السفارة الأميركية بكييف عاصمة أوكرانيا، يوم الأحد 24 أيلول/سبتمبر 2023، توقيع حكومتَيْ الولايات المتحدة وأوكرانيا مذكرة تفاهم ستحصل أوكرانيا بموجبها على نحو 522 مليون دولار لتعزيز قوة نظام الطاقة الأوكرانية، ويُسدّد هذا المبلغ على دفعات، تُسدّد إثر التّثبّت من تطبيق أوكرانيا “الإصلاحات المطلوبة”، أي الشروط الأمريكية (تمامًا مثل صندوق النّقد الدّولي) “لكي تُنْجِزَ أوكرانيا بنية تحتية حيوية بعد هجمات جوية روسية على محطات ومحولات الكهرباء التي أسفرت عن انقطاع التيار عن الملايين في بعض الفترات أثناء شتاء 2023″، وفق بيان السفارة الأمريكية، وفي الواقع تريد الولايات المتحدة أن تستفيد شركاتها التي بدأت تستحوذ على اقتصاد أوكرانيا، من بُنية تحتية مُلائمة لاستثماراتها وطموحاتها في أوكرانيا، في إطار “اقتصاد تنافسي في قطاع الطاقة ذات انبعاثات الكربون المنخفضة بما يتكامل مع الاتحاد الأوروبي”

أما حكومة بريطانيا التي تُجابه أزمات على مختلف الجبهات فقد قررت تحويل مبلغ مائة مليون دولارا، عبر صندوق ائتماني للبنك العالمي، وسيتم استخدام الأموال للتعويض عن مدفوعات المعاشات التقاعدية، وفق بيان وزارة مالية أوكرانيا، وفي الواقع سوف تستحوذ صناديق استثمار بريطانية على مؤسسات التقاعد والحيطة الإجتماعية بأوكرانيا، بعد خصخصتها، إثر انتهاء الحرب.

 

من تأثيرات استخدام “الذكاء الإصطناعي” على الطبقة العاملة

يُتوقَّعُ أن يؤدي الذكاء الاصطناعي التوليدي ( مثل ChatGPT ) إلى خفض القوى العاملة وكذلك إلى تغيير تركيبة الطبقة العاملة من خلال استبدال العمل البسيط الذي لا يتطلب مؤهلات وخبرات كبيرة، بالعمل المعقد الذي يتطلب اكتساب مهارات خاصة، وبذلك ينخفض عدد وظائف العمل اليدوي البسيط، ليرتفع عدد الوظائف التي تتطلب استخدام أحدث تقنيات الكمبيوتر، وفق دراسة أجراها المصرف المركزي الأوروبي لتحليل سوق العمل في 16 دولة أوروبية بين سَنَتَيْ 2011 و2019، التي شهدت ارتفاع حجم استخدام “الذكاء الاصطناعي” واستنتجت الدّراسة إن “الذكاء الإصطناعي” لا يُخفّض عدد الوظائف البسيطة فحسب، بل يُهدّد ما بين 25% و 30% من وظائف أخرى مثل تحليل الصور والنصوص وحتى علماء الرياضيات أو المحللين الماليين أو حتى مطوري البرامج، وهي وظائف ذات مؤهلات عالية.

خلصت دراسة أجراها باحثان في جامعة أكسفورد، سنة 2013، إلى أن 47% من الوظائف الأمريكية مهددة بالزوال بسبب ظهور تقنيات الكمبيوتر الجديدة التي تتطلب مهارات أعلى ترفع  إنتاجية رأس المال، لتحل القيمة الزائدة النسبية محل القيمة الزائدة المطلقة، وبالنسبة لرأس المال، لا ترتفع فاتورة الأجور في مجملها، حيث تَنْخَفِضُ رواتب العُمّال في أسْفَل ووسَط السّلّم، لترتفع رواتب العمال المهرة… عن وكالتَيْ بلومبرغ 16 أيلول و”رويترز” 17 أيلول/سبتمبر 2023

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.