عمليات التطبيع مع العدو الصهيوني ورمزية المقاطعة
الأردن العربي – الأحد 1/10/2023 م …
استقبلت السلطات السعودية وزيرًا صهيونيًا علنًا وعشرةً سرًا، هل الخبر ذو أهمية؟ هل اخبار المعلوم ذو أهمية حقًا؟ الجميع يعلم منذ سنوات بعيدة أن هناك علاقات تجمع الكيان الصهيوني بالسعودية، وأكثر من ذلك أن سياسة البلاد، قدمت خدمات صافية للكيان الصهيوني منذ عقود مضت، بل وأن تموضع السعودية في الحلف الأمريكي لا يبعد كثيرًا عن تموضع القاعدة الصهيونية ضمن ذات الحلف، هذه حقائق مؤسفة، لكنها معلومة، فما الذي سيربحه أي من الطرفين من إعلان التطبيع أو توقيع اتفاق ينص على ما هو قائم فعليًا.
صحيح أن هذا الإعلان هو إجراء موجه ضدك تحديدًا عزيزي القارئ، وأن المطلوب من الإعلان هو كسر أي حدود متخيلة أو قائمة بالفعل لدى الجماهير والشعوب العربية، أي إجراء سياسي آخر تنتجه هذه العلاقة ويتم توجيهه تحديدًا ضد المعسكر المعادي للصهيونية والهيمنة الأمريكية.
باختصار، شعوب المنطقة وضحايا هذه المنظومات الاستعمارية والاستبدادية الطاغية والمهيمنة، ولكن في هذه المرحلة من الصراع بين الغزاة الصهاينة وقوى المقاومة، فهذه الترتيبات تعني فتح الباب أمام طور جديد، يستفيد فيه الكيان الصهيوني بشكل واضح من هذا التحالف المعلن مع قوة مركزية عربية في تجنيد المواقف والأدوات والموارد ضد من يقاومه.
من المثير حقًا النظر لكل أولئك الذين عملوا أبواق دعاية طائفية، دافعت بضراوة عن حكام السعودية، وهاجمت كل من قاتل الغزو الصهيوني والأمريكي إنفاذًا لسياسة هؤلاء الحكام، ولكننا هنا لسنا في ترف تسجيل المواقف، فالتطور الذي تعنيه هذه العلاقات المعلنة ليس شيئًا “رمزيًا” يتعلق بالكبرياء العربي المنتهك، ولكن بالأساس بخلق أرضية وقواعد قانونية وسياسية تسمح بنقل المال وتحويل الموازنات وتجنيد الموارد وإنشاء القواعد لمصلحة الكيان الصهيوني، بل وضخ الاستثمارات في شركاته لإنتاج أدوات العدوان، نحن نتكلم عن مليارات، بل مئات المليارات من الدولارات لمصلحة الكيان الصهيوني، وامكانيات حركة واستخدام وتموضع في مساحات هائلة من الأراضي ذات الأهمية الاستراتيجية، وعن تجربة تطويع واخضاع لملايين من العرب الذين يعيشون في “المملكة” ويرفضون أي علاقة مع الغزاة الصهاينة.
قد يكون من المريح توجيه السباب تجاه السعودية وحكامها، ولكن ما نحن بحاجة له اليوم هو الوقوف عند حجم الخسائر المترتبة، وأكثر من ذلك تطوير فهمنا لمعنى المقاطعة ومناهضة التطبيع، حيث يجتاح الصهاينة نصف الوطن العربي باتفاقيات التطبيع التي تفتح أبواب كل مرفق فيه أمامهم وتجند لهم ثروات هائلة، فيما قد يكتفي البعض بالاحتفال بإصدار بيان مقاطعة من اتحاد طلبة إنجليزي في أقاصي شمال إنجلترا أو نظيره في جامعة بلدة كندية مختفية. دون التقليل من أي جهد يبذل في ميدان المواجهة والتصدي، لكن معنى العمل في الحيز الدولي، معنى العمل السياسي في حالة الحرب يتلخص في الجوهر بأسئلة من نوع: كم بندقية وطلقة ودولار سيجلب للميدان؟ وكم من مثيلاتها سيتم حرمان العدو منها؟ إلا إذا كنا نطمح أن نهزم منظومة الغزو الصهيوني المسلحة نوويًا والمدججة بكل أداة حرب عرفتها البشرية بواسطة الخجل والإحراج الأخلاقي.
التعليقات مغلقة.