اليسار يعود لحكم غواتيمالا ويطرد اليمين بعد 12 عامًا من الفقر والفساد

الأردن العربي – الأحد 1/10/2023 م …




بعد حملاتٍ شرسة اتّسمت بمحاولاتٍ محمومة لإقصائه بعد أن طرح برنامجًا تقدميًا ووعد بإنقاذ بلاده الغارقة في الفقر والعنف والفساد، فاز المرشّح اليساري برناردو أريفالو (64 عامًا)، في الانتخابات الرئاسيّة في غواتيمالا يوم العشرين من آب/ أغسطس الماضي، بأكثر من 60% من مجموع أصوات الشعب الغواتيمالي متقدمًا على منافسته التي تفشل للمرّة الرابعة في اعتلاء سدة الحكم “ساندرا توريس” زوجة الرئيس الأسبق ألفارو كولوم، والتي ينظر إليها كثير من الغواتيماليين على أنّها شخصية فاسدة، فيما سيتولّى أريفالو منصبه كرئيسٍ للبلاد في 14 كانون الثاني/ يناير المقبل، خلفًا للرئيس أليخاندرو خياماتي الذي اتّسم عهده بالقمع والفساد.

فوز أريفالو، نجل أول رئيس منتخب ديمقراطيًا للبلاد، هو خوان خوسيه أريفالو (1945-1951)، برئاسة غواتيمالا، شكّل مفاجئة مدويّة للجميع، إذ يضع بفوزه هذا حدًا لـ12 عامًا من حكم اليمين في البلاد، ومنذ ذلك الإعلان فاحت رائحة “مخطّط انقلابي” في البلاد، ليخرج أريفالو على الإعلام ويؤكّد أنّ “ثمّة مجموعة من السياسيّين والموظّفين الفاسدين يرفضون نتيجة الانتخابات، ووضعوا خطّة لكسر النظام الدستوري وانتهاك الديمقراطيّة.. هذه الأعمال تُشكّل انقلابًا تُروّج له المؤسّسات التي يجب أن تضمن العدالة في بلدنا. نعتقد أنّ قوّة هذا الانتصار ستوضّح أنّه لا مكان لمحاولات إخراج العملية الانتخابية عن مسارها.. لقد تحدث الشعب الغواتيمالي بقوّة”.

عقب ذلك، وبتحريضٍ مباشرٍ من أحد القضاة، علّقت المحكمة الانتخابيّة العليا، عمل حزب “سيميلا” بزعامة الرئيس أريفالو، وذلك بحجّة “مخالفات مفترضة أثناء تأسيس الحزب في العام 2017″، إلّا أنّ أريفالو عالم الاجتماع والدبلوماسي السابق وصف القرار بأنّه “غير قانوني على الإطلاق.. هذا اضطهاد سياسي ضدّي وضدّ الحزب، وهذه الهجمات ينسّقها كلّ من المدّعية العامة كونسيولو بورّاس، والمدّعي رافايل كوروتشيتشي، والقاضي فريدي أوريانا، المعروفين بأنّهم فاسدون”.

وتجدر الإشارة هنا، إلى أنّ تعليق نشاط حزب “سيميلا” -أكبر الأحزاب في غواتيمالا-، لن يكون له أي أثر على تولّي أريفالو منصبه الرئاسي، لكنّ هذا القرار قد يؤثّر في أعضاء الحزب داخل الكونغرس ويمنعهم من رئاسة اللجان البرلمانيّة.

لولا دا سيلفا يحذّر من الانقلاب

وقبل أيّام، حذَّر الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا من انقلابٍ محتمل في غواتيمالا لمنع الرئيس اليساري المنتخب من تولي السلطة، فيما أكَّد تقرير أمريكي أنّ الحكومة الحالية كانت على الدوام مؤيدةً لواشنطن، بينما انتخاب حكومة يساريّة بقيادة “أريفالو” سيُغيّر الواقع بصورةٍ دراماتيكيّة.

ذات التقرير، تحدّث عن خسارة الولايات المتحدة لغواتيمالا كحليفٍ قوي، وأنّ تأثير هذا التغيير قد يكون بالغًا على الأمن القومي الأميركي، بحسب الصحيفة.

الكاتب في مجلة الهدف، والمتخصّص في شؤون أمريكا اللاتينيّة الرفيق إسحق أبو الوليد، شارك الرئيس البرازيلي تحذيره من هذا المخطط الانقلابي على شرعية الرئيس أريفالو، وخلال حديثٍ مع “بوابة الهدف الإخباريّة”، أكَّد أبو الوليد: “أنا لست فقط أشارك الرئيس لولا في هذا التحذير وهذا الموقف، لأنّه هو أيضًا كان ضحية للتآمر من قِبل ممثلي أكثر فئات الطبقة البرجوازيّة التابعة مرجعيةً وارتباطًا بالإمبرياليّة الأمريكيّة، وأيضًا الرئيس التقدمي المنتخب برناندو زعيم حركة “البذور أو سيميلا” حذّر من احتمال القيام بانقلابٍ “دستوري” عليه بحجّة أنّ هنالك “تواقيع مزوّرة ضمن التواقيع التي جُمعت من أجل تسجيل الحركة الانتخابيّة للرئيس برناندو”.

ورأى أبو الوليد، أنّ “جذر أزمة الديموقراطيّة في أمريكا اللاتينية هو أنّ الولايات المتحدة التي تدّعي أنّها تريد “ديموقراطية وتحترم حقوق الانسان ورؤساء منتخبين من شعوبهم” نجدها تعترف وترحّب بنتائج الانتخابات التي تأتي بمرشحيها إلى الحكم أو الذين يؤيّدونها، أمّا إذا كانت النتيجة الانتخابيّة على عكس ما تريد وترغب، فإنّها تحرّض عملاءها للادّعاء بعدم نزاهة الانتخابات، وأنّها نتائج مزوّرة وترفض الاعتراف بالرئيس المنتخب، لهذا فإنّ المرشحة الغواتيماليّة التي خسرت الانتخابات أمام أريفالو -حصلت على 37٪- ما زالت ترفض الاعتراف بنتائج الانتخابات الأخيرة”.

انقلابات دمويّة.. من سلفادور الليندي حتى أريفالو

يُطرح سؤال هنا، إلى أي مدى ترتبط الحكومة الحالية في غواتيمالا بالولايات المتحدة، وما تأثير تولي سلطةٍ جديدة بنكهةٍ يسارية للحكم في البلاد على العلاقة مع واشنطن؟، يُجيب أبو الوليد في هذا الجانب: “في الواقع؛ تعتبر الولايات المتحدة منذ عقود أنّ كل أمريكا اللاتينيّة، من المكسيك حتى الأرجنتين في أقصى الجنوب “كحديقتها الخلفية”، وهذا يعني أنّها ترفض وتُحارب أي وجود لقوى عالميّة تنافسها على النفوذ والمكانة العسكريّة والاقتصاديّة، سواء بشكلٍ عسكري مباشر عن طريق القواعد العسكريّة، أو عن طريق الانقلابات الدمويّة وإقامة الديكتاتوريات التي تدافع عن مصالحها وتنفذ مخططاتها، وهناك مثال على دولة تشيلي والانقلاب على الرئيس المنتخب سلفادور الليندي في 11 سبتمبر 1973، وقبل أشهر الانقلاب الذي حصل في البيرو على الرئيس المنتخب بيذرو كاستييو والتهديدات الحالية للرئيس المنتخب في غواتيمالا”.

ويُشير أبو الوليد، إلى أنّ “الانقلابات تأتي بعد نفاذ كل محاولات البيت الأبيض لتدجين أي فائزٍ ينتمي لمعسكر اليسار، وفي معظم الحالات ينجح الانقلاب؛ لأن جيوش القارة معدّة ومدرّبة ومجهّزة من قِبل الجيش الأمريكي وأجهزته الاستخباريّة الأمنيّة، واليوم تعد غواتيمالا ذات موقع استراتيجي للتحكّم بأمريكا الوسطى والمكسيك، وإذا ما تمكّن اليسار من مقاومة الضغوطات وأفشل مخططات الولايات المتحدة ستنضم غواتيمالا إلى نيكاراغوا وكوبا وسيشكّلان معًا قوّة مواجهة لا ترغبها أي من الإدارات الأمريكيّة”.

الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا عندما حذّر من انقلابٍ محتمل في غواتيمالا، استشعر الخطر لا سيما وأنّه تعرّض لأشكالٍ عديدةٍ من التحريض والشيطنة السياسيّة، وخاصّة بعد أن أعاد اليسار لرئاسة البرازيل.

استراتيجيّة لولا دا سيلفا في القارة

يؤكّد أبو الوليد في هذا الإطار، أنّ “عودة الرئيس لولا إلى الحكم شكّلت ضربة لفئات الطبقة البرجوازيّة “الريعو بنكية” واللا إنتاجية التي ترتبط مصالحها تاريخيًا بالرأسمال الإمبريالي الأمريكي، لكنّ هذه العودة لم تشكّل ضربةً للنظام الرأسمالي، لأن حزب العمّال لم يطرح خلال فترات حكمه تغيير النظام؛ بل تحسين شروط الحياة وتوفير السعادة للشعب والقضاء على الفوارق الطبقيّة، والرئيس لولا لم يعمل كالرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز، أو الزعيم الكوبي فيدل كاسترو من أجل تعميق الثورة والتحوّلات الثوريّة باتجاه الاشتراكيّة، إنما يطمح لنفوذٍ برازيلي في القارة كقوّةٍ برازيليّةٍ عظمى في القارة، ومن هنا تنظر له الولايات المتحدة بعين الشك والريبة كمنافسٍ لها في القارة لا كتهديدٍ أيديولوجي كما تنظر إلى كوبا أو كما كانت تنظر إلى الرئيس شافيز، لذلك نرى اليوم التحالفات الدوليّة للبرازيل كونها أحد مؤسّسي مجموعة “البريكس” يجعلها تتخذ مواقف متقدّمة من القضايا والصراعات الدوليّة وخاصّة قضيتنا الفلسطينيّة”.

بالشكل العام، كيف يرى أبو الوليد تراجع نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها من الغرب في أميركا اللاتينيّة والوسطى، وهل يأتي ذلك لحساب نفوذ دول أخرى كروسيا والصين على الساحة الدوليّة مثلاً؟، يُشدّد أبو الوليد: “فيما يتعلّق بالأمن القومي الأمريكي، فإنّ الحقيقة أنّ الولايات المتحدة تعتبر أهم مناطق أمنها القومي هي أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وخاصّة منطقة الخليج العربي، وبالنسبة لأمريكا اللاتينية والوسطى فإنّ كل دولة من دولها لها أهميّة أمنيّة استراتيجيّة، لهذا ستفعل كل ما بوسعها وبكافة الوسائل لوقف عملية التغيير السياسي تحسبًا من أن تشكّل هذه العملية جسر العبور الصيني للقارة، وهي أهم معقل للإمبرياليّة الأمريكيّة والتي تتمثّل ضرورته الاستراتيجيّة ليس فقط اقتصاديًا بل من أجل أن تفرض هيمنتها وسيطرتها على العالم”.

خسائر جيوسياسيّة في كولومبيا والبرازيل وغواتيمالا

ويُشير أبو الوليد في ختام حديثه مع “بوابة الهدف”، إلى أنّ “الولايات المتحدة تكبّدت خسائر جيوسياسيّة في كولومبيا والبرازيل وغواتيمالا، وشكّل صمود كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا وعودة اليسار إلى بوليفيا أحد مؤشرات انزياحها عن قمّة الهرم الدولي، مما يفتح الأفق لعالمٍ جديدٍ متعدّد الأقطاب فكريًا وسياسيًا واقتصاديًا وليس فقط عسكريًا”.

ويُشار إلى أنّ غواتيمالا هي دولة في أمريكا الوسطى تحدّها المكسيك من الشمال والغرب والمحيط الهادئ إلى الجنوب الغربي، وبليز من الشمال الشرقي والكاريبي والهندوراس إلى الشرق والسلفادور إلى الجنوب الشرقي.

فوز أريفالو عبَّر عن إرادة الشعب الغواتيمالي

عند الحديث عن تجربة غواتيمالا مع الديمقراطيّة وصندوق الانتخاب، عاد الناشط الفلسطيني المُطّلع على الشؤون البرازيليّة جاد الله صفا، إلى الحديث عن تجربة البرازيل بعد تولّي لولا دا سيلفا مقاليد الحكم، إذ أكَّد خلال مقابلةٍ مع “بوابة الهدف الإخباريّة”، أنّ “لولا دا سيلفا ليس من أصحاب فكرة العمل الثوري المسلّح، وإنّما الاعتماد على العملية الديمقراطيّة وصناديق الاقتراع لتحديد طبيعة الحكم لهذه الدولة أو تلك، مع دعمه لقوى اليسار بدول القارة، فهو يرى أن اليسار في تشيلي وكولومبيا ودولاً أخرى وصل إلى سدّة الحكم من خلال صناديق الاقتراع، وتجربة بوليفيا والبرازيل أثناء اتهامه وسجنه كانت تجربة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، وأنّ اليسار عاد للحكم من خلال صناديق الاقتراع، وفشل الانقلابيون في هذه الدول دون أن تسال أي نقطة دم، وفي غواتيمالا كذلك تمت العملية الديمقراطيّة من خلال العملية الانتخابيّة التي أوصلت برناردو أريفالو من يسار الوسط إلى الفوز في جولة الإعادة  بنسبة 60%، وهذه النتيجة يجب احترامها لأنّها عبّرت عن إرادة الشعب الغواتيمالي من خلال صناديق الاقتراع”.

صناديق الاقتراع تعيد اليسار لإنقاذ الدول 

ويتابع جاد الله: “القضاء البرازيلي ميوله يمينيّة، وقطاعات واسعة من اليمين ووسط اليمين رأت أنّ لولا دا سيلفا هو المرشّح الوحيد القادر على هزيمة اليمين الفاشي الذي كان يمثّله الرئيس السابق جايير بولسونارو ، وفي حملته الانتخابية وبعد فوزه، لاقى دعمًا من خلال تحالفاته مع العديد من قوى اليمين ووسط اليمين، فالصراع الطبقي قائم ولولا دا سيلفا له تجربه وترافقه تجربة بوليفيا السابقة، وهو الاعتماد على صناديق الاقتراع، وتجنيب اليسار أي محاولة قد تجر البلاد إلى العنف، فهو لم يمارسها في البرازيل حتى أثناء فترة الحكم العسكري، لذلك كانت عودة لولا دا سيلفا إلى سدّة الحكم، تشكّل أملاً لكافة قوى اليسار في دول القارة، لما للبرازيل من تأثيرٍ كبير، وسواء وصل اليسار أو اليمين إلى الحكم؛ فإنّ ذلك سيكون له انعكاسات ايجابيّة أو سلبية على كافة دول القارة وحكوماتها وكافة القوى بدون استثناء في تلك الدول”.

وحول مكانة ونفوذ الولايات المتحدة في القارة بعد نتائج الانتخابات في غواتيمالا، رأى الناشط صفا، أنّه “لا يجوز أن نجزم بأنّ دور الولايات المتحدة في تراجع في قارة أمريكا اللاتينيّة، فما زال لها دور تخريبي، لكنّ تراجعها هو تراجع عالمي، وذلك نتيجة صعود وعودة دول في قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبيّة إلى لعب دور أساسي وإقامة تحالفات للحفاظ على سيادتها واستقلالها، فمثلاً لولا دا سيلفا وتتفق معه كل قوى اليسار في القارة؛ اعتمد على العملية الديمقراطيّة من خلال صناديق الاقتراع، واليمين مرشّح للعودة كما حصل في عام 2018 مع وصول مرشّح اليمين الفاشي إلى الحكم في البرازيل، وفوز مرشّح اليمين بالأرجنتين في الانتخابات الأخيرة، باعتبار أنّ البرجوازيّة المحليّة لن تسمح لليمين بالتحكّم في البلاد ومصيرها، فالبرجوازية المحليّة في هذه الدول هي جزء من النظام الرأسمالي العالمي، ونائب الرئيس البرازيلي هو ممثلاً لهذه البرجوازية، ونأخذ أيضًا على سبيل المثال، عندما تم عزل الرئيسة البرازيليّة السابقة استلم نائبها وهو ميشيل تامر البرجوازي من أصولٍ لبنانيّة والذي تآمر على إسقاطها وعزلها رغم أنه كان نائبها”.”.

النفوذ الأمريكي لا يتراجع إلّا بهذا المقدار

وفي ختام حديثه، أكَّد الناشط صفا لـ”بوابة الهدف”، أنّه “عندما تسود العدالة والمساواة الاجتماعيّة؛ ندرك أنّ التسلّط والظلم قد ولى، في ظل أنّ البرجوازيّة والرأسمالية لن تتوقّفا عن محاولاتهما المستمرة باستمرار الاستغلال والاضطهاد للطبقات الدنيا والاعتداء على الشعوب وحريّتها واستقلال الدول وسيادتها، فالصين وروسيا لهما توجّهات أخرى تختلف عن فكر البرجوازيّة والرأسماليّة والإمبرياليّة، والنفوذ الأمريكي يتراجع بمقدار ما تساهم هذه الدول في دعم دول وشعوب العالم في مساعدتها للحفاظ على سيادتها واستقلالها وحريّتها والمساواة والعدالة الاجتماعيّة”.

وفي يوم صدور نتائج الانتخابات الغواتيماليّة؛ عمَّت الاحتفالات شوارع العاصمة، لكنّ على ما يبدو أنّ الطريق لن يكون ممهدًا أمام الرئيس أريفالو؛ كأوّل رئيسي يساري للبلاد منذ أكثر من عقد، وفي تحوّلٍ كبيرٍ فاجأ بفوزه اليمين وداعميه داخل غواتيمالا وخارجها، وذلك بعد ثلاث رئاساتٍ متتالية لليمين تولاها الرئيس أوتو بيريز (2012-2015)، وخلفه الرئيس جيمي موراليس (2016-2020)، والرئيس المنتهية ولايته أليخاندرو جياماتي.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.