الهجمات الإرهابية: كيف يمكن لتركيا ان تحمي نفسها؟ / د.خيام الزعبي
د. خيام الزعبي ( سورية ) – الإثنين 2/10/2023 م …
اليوم تركيا تكتوي بنيران الإرهاب الذي وظفته ضد البلدان العربية، فأنقرة الداعمة للقوى المتطرفة وأدواتها في سورية أصبحت تتخبط في قراءة مستقبل التهديدات التي بدأت تنهش جسدها، وأهم مشاهد التخبط على الساحة التركية هو الانفجار الذي وقع قرب مقر المديرية العامة للأمن بوزارة الداخلية بأنقرة.
ووقع هذا التفجير في حي يضم مقار عدد من الوزارات إضافة إلى البرلمان الذي أفتتح دورته الجديدة بحضور الرئيس التركي أردوغان، ويأتي الهجوم، وهو الأول في أنقرة منذ عدة سنوات، بعد قرابة عام من مقتل ستة وإصابة 81 في تفجير بشارع تجاري مكتظ بوسط إسطنبول في 13 نوفمبر 2022.
في هذا السياق لن تكون سلسلة التفجيرات الإجرامية التي وقعت في العاصمة التركية أول أو آخر عمليات العنف والقتل بل أراها إحياء لأسلوب الإرهاب، لذلك من الطبيعي أن يعيش النظام التركي في هذه المرحلة بين مطرقة أخطائه وسندان دعمه للتنظيمات المتطرفة الذي ساهمت بتعزيز ارتباك دول المنطقة، وانعكاس ذلك على الداخل التركي، بذلك دخل عامل جديد إلى معادلات الداخل التركي وهو الإرهاب بكل أبعاده والذي بدء يضرب أنقرة.
في سياق متصل طرح الانفجار التي تعرضت له أسطنبول أسئلة مختلفة حول الأسباب التي تجعل أنقرة هدفاً مركزياً لهجمات الإرهاب، في ظل قلق تركي حقيقي يتعلق بأمنها القومي من هجمات إرهابية محتملة قد يشنها إرهابيون شاركوا التنظيمات المتطرفة القتال في سورية، حيث يرى الكثير من المحللين أن هذا التهديد الأمني المضطرد في تركيا، هو نتيجة لسياسة التخبط والتردد المتبعة في مواجهة وتوجيه الإرهاب من السلطة التركية، لكن تظهر التطورات الأخيرة بالإنتصارات التي حققها الجيش السوري على حساب هذه المجموعات الإرهابية إنقلب الإرهاب على داعمي الإرهاب، مما شكل تهديدا مباشرا لأمن تركيا الذي يستعد للتصدي لهم.
وبموازاة ذلك إن الكثير من التحليلات السياسية التي نُشرت خلال الفترة الماضية لخصت إحدى الصحف الأمريكية أفضل تلخیص فی مقال نشرته ، حيث كتبت تقول إن السلطات التركية وقعت في الفخ الذي نصبته في سورية ، فقد فقدت أنقرة كل المزايا في الساحة الدولية والإقليمية وباتت مجريات الوضع في سورية تسير لغير مصلحتها، فسياستها في سورية تبدو يائسة، فقد فشلت خطط وآمال أنقرة في الإطاحة بالحكومة السورية وفرض نظام المتطرفين في دمشق، بعد ان فقدت الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا مواقعها بالتدريج في المواجهات مع الجيش العربي السوري وحلفائه.
لذلك إن الدور السلبي لأردوغان في سورية، لم ولن يكون في صالح تركيا، فمن الخطأ تصور أن بإمكان تركيا أن تنعم بالأمن والإستقرار والطمأنينة، فيما ألسنة النيران تشتعل في سورية، فالتجربة أثبتت أن الأمن القومي لأي بلد من بلدان المنطقة يرتبط إرتباطاً عضوياً مع أمن الإقليم، وأن طريق تركيا نحو الازدهار الاقتصادي يمرّ بالضرورة على دمشق، وأنه في حال بقاء طريق دمشق مغلقاً في وجه تركيا، فلا يُستبعد أن ينهار الاقتصاد التركي وتعم الفوضى، لذلك فإن تركيا أمام مأزق خطير ومن صنع يدها، تتواضع أمامه كل المآزق الأخرى، بما في ذلك أخطار تنظيم القاعدة الأم، وبالتالي فإن الرئيس أردوغان لا يملك خياراً سوى الدخول في معركة لضرب الإرهاب وعليه أن يتعاون مع دمشق لضرب هذه المجموعات التي عملت سورية على ضربها منذ البداية، وتخطئ أنقرة إذا لم تتعاون مع القيادة السورية في القضاء على الإرهاب، لأنّ سورية هي بوابة التصفية لمشروع الإرهاب والتنظيمات المتطرفة في المنطقة.
مجملاً… تبرز الأحداث الأخيرة التي شهدتها تركيا إن الإرهاب والتطرف ما زالا يمثِّلان تحدياً جدياً، رغم التدابير المتخذة، والآن وعلى ضوء التطورات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة فإن تركيا أمام وضع من إثنين إما أن تقر بأن الإرهاب ليس سلاحاً يعتمد عليه وهو يرتد على من يحمله، وعند ذلك تنخرط في حرب عالمية حقيقية جدية ضد الإرهاب كما تفعل سورية وحلفاؤها، أو إنها تستمر في الازدواجية والتغطية وتبقى ضحية لهذا الإرهاب.
بإختصار شديد يمكن القول إنه من الحكمة على تركيا إعادة فتح قناة اتصال مع الحكومة السورية لمكافحة خطر التنظيمات المتطرفة، و أن تبتعد عن لغة التهديد والوعيد وشن الهجمات على سورية، وأن تجنح الى لغة العقل والمنطق والسلام التي تدعوا اليها الحكومة السورية بإستمرار والجلوس الى طاولة المفاوضات لإيجاد الحلول السياسية العادلة لكافة المشاكل عن طريق الحوار المباشر، الهادف والبناء الذي يخدم المصالح المشتركة لجميع الأطراف ويحفظ جميع حقوقهم في المنطقة.
وأختم مقالي بالقول، إن المنطقة تعيش اليوم مرحلة مفصلية وما سيحدد وجهتها هو قناعة الأطراف الدولية بخطورة الإرهاب على استقرار المنطقة والعالم وصولاً إلى تعاون دولي حقيقي وصادق في وجه هذه الآفة الخطيرة.
التعليقات مغلقة.