“إسرائيل” في أفريقيا: تجارة الألماس الدموية
الأردن العربي – الإثنين 2/10/2023 م …
كان لا بد من أن يكون واقع أفريقيا مغايراً جذرياً عن واقعها الحالي، بسبب ما تمتلكه من موارد طبيعية وبشرية، تؤهل دولها لمكانة أعلى بين دول العالم. لكن القارة، التي تؤمّن أكثر من 65% من الإنتاج العالمي من الألماس، عانت تاريخياً، منذ أواخر القرن التاسع عشر، استعماراً غربياً، منعها من الاستثمار في ثرواتها. ولم تكتفِ القارة السمراء بالمعاناة من الغرب، بل على مدى عقود ماضية، وضمن مخطط ممنهج، تسلّل الكيان الإسرائيلي أيضاً إلى القارة، حاملاً استثماراً من نوع آخر.
أفريقيا: مصدر الألماس
اكتُشفت “أكبر ألماسة على الإطلاق”، ووزنها 3106 قراريط، في “كولينان، شمالي جنوبي أفريقيا، عام 1905. وبعد اكتشافها صُنع من الحجر 9 ماسات، استُخدِمَت، للمفارقة، بعيداً عن ملوك القارة السمراء، بل زُيِّن بها التاج البريطاني!
التقرير الصادر عن “عملية كيمبرلي”، وهي خطة دولية لإصدار شهادات الألماس الخام، بيّن أنّ بين أكبر 10 دول منتجة للألماس، 7 منها أفريقية، وهي: بوتسوانا، جنوب أفريقيا، أنغولا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، ناميبيا، ليسوتو وتنزانيا.
وتحتل بوتسوانا قمة دول أفريقيا فى إنتاج الألماس، بفضل جودة أحجارها. وتصنّف الثانية في العالم، إذ استُخرج منها 22.74 مليون قيراط في عام 2021، أي ما قارب 19.11% من السوق العالمية.
وتأتي جمهورية الكونغو الديمقراطية رابع منتج عالمي بعد كندا، بإنتاج 13.01 مليون قيراط، أو 10.93% من الإنتاج العالمي. كما تختزن أكثر من 30% من احتياطي الألماس. أمّا جنوب أفريقيا، فتنتج مليون قيراط، أو 8.18% من السوق العالمية.
التركيز الإسرائيلي على القارة الأفريقية
إذا ما تم تجاوز فترة “المؤتمرات الصهيونية” لتأسيس كيان الاحتلال الإسرائيلي، في الفترة الممتدة من عام 1897 إلى 1972، وتحديداً المؤتمر السادس عام 1903، حين طُرح ما عرف بـ “مشروع أوغندا”، وهو مشروع احتلال البلاد وسط أفريقيا، واستيطان اليهود فيها، قبل فلسطين المحتلّة، فإنّ التركيز الإسرائيلي على أفريقيا بدأ في فترة الخمسينيات من القرن الماضي.
في تلك الحقبة، انعقد مؤتمر “بادندونغ”، أو “المؤتمر الآسيوي الأفريقي” لدول “عدم الإنحياز” (لا للشرق ولا للغرب خلال فترة الحرب الباردة). وشاركت فيه 29 دولة أفريقية، في العاصمة الإندونيسية جاكرتا، في نيسان/أبريل 1955، وانبثق منه بيان داعم للقضية الفلسطينية.
منتصف الخمسينيات، وخلال الستينيات والسبعينيات، حصلت الدول الأفريقية على استقلالها من الاستعمار الأوروبي. لكنّ دول الاستعمار خلّفت سلطات “استقلال أفريقية”، بقيت تندرج تحت عباءة المستعمِرين أنفسهم، الأمر الذي سهّل الاختراق الإسرائيلي للقارة، وساعد على نسج العلاقات بها، وتعزيز النفوذ داخل الدولة العميقة لكل كيان فيها، على حدة.
فتحت اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان الاسرائيلي عام 1979 أبواب أفريقيا أمام التغلغل الاسرائيلي فيها. وهذا ما فسّر إعادة العلاقات الدبلوماسية بين دول أفريقية كثيرة. وبعدها، أدّت الحروب الأهلية، التي نشبت في القارة الأفريقية في فترة التسعينيات، دوراً مهماً في تغلغل “الموساد” الإسرائيلي. وهذا ما حدث، على سبيل المثال لا الحصر، في الصومال عام 1991. وقتها، دخل الكيان الإسرائيلي القارة السمراء، تحت عناوين التنمية والمساعدة في عدد من المجالات، بالإضافة إلى مساعدات عسكرية وتدريب للجيوش الأفريقية.
بدأ التغلغل الإسرائيلي في القارة السمراء مع ديفيد مورس، اليهودي الأسترالي، المقرب جداً إلى “الموساد”، والذي أطلق نشاطه مع دخول القوات الدولية للصومال عام 1992، بحيث اندمج في الأوساط السياسية والاقتصادية تحت غطاء الأمم المتحدة. ومورس كان مفتاحاً لعناوين تشكّلت تباعاً على أرضية باتت ملائمة لرجال الأعمال اليهود، وهم يخطون من أجل السيطرة على مصادر الألماس، وغيره من الثروات الطبيعية.
الكونغو، التي شهدت أيضاً حرباً أهلية في تسعينيات القرن الماضي، دخلها رجلُ الأعمال اليهودي، دان غريتلر، وعمل على تأمين صفقات أسلحة للسلطة في البلاد آنذاك، في مقابل أن يحصل على حق استغلال المناجم المعدنية. وبالتالي، عمل غريتلر على صفقات غير مشروعة لتصدير الألماس، بالإضافة إلى الذهب والنفط وعدد من المعادن النادرة.
وفي عام 2017، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات عليه، وذكرت أنّه “جمع ثروته من خلال صفقات تعدين ونفط غامضة وفاسدة، تقدَّر بمئات الملايين من الدولارات”، واستخدام “صداقته الوثيقة مع الرئيس جوزيف كابيلا للعمل وسيطاً لمبيعات أصول التعدين”.
“تجارة الألماس الدموية”
يمكن الحديث عن نوع من المقايضة بين كيان الاحتلال وسلطات بعض الدول الأفريقية. تحصل الأخيرة على صفقات الأسلحة، التي تحتاج إليها من الأولى، في مقابل أن تسمح هذه السلطات لـ” إسرائيل” بالحصول على الألماس والمعادن النادرة بأزهد الأسعار، مقارنةً بالسوق. كما حرم كيان الاحتلال الدول الأفريقية من الاستفادة الكبيرة من عائدات ألماسها.
استحوذت شركة IDI-Congo الإسرائيلية على 70% من أرباح استخراج الألماس، بينما بقيت نسبة 30% فقط لحكومة الكونغو. وهذه الشركة – التابعة لحزب “شاس” اليهودي المتطرِّف – حصلت على حق احتكار استخراج الألماس وبيعه “في الكونغو”، في مقابل 18 مليون دولار شهريّاً، وهو مبلغ وُصف بأنه غير كافٍ لاستخراج ثلاثة أو أربعة أحجار.
شكّل الألماس نحو 25 % من إجمالي صادرات “اسرائيل”، وفق مخرجات مؤتمر “إنترناشونال دايمن وييك”، الذي انعقد في آذار/مارس 2023. وفي عام 2020، صدّر الكيان الإسرائيلي ما قيمته 7.5 مليارات دولار من الألماس، الأمر الذي جعله “سادس أكبر مصدّر للألماس في العالم”.
وذكر المؤتمر أن “اسرائيل” تحصل على أكبر نسبة من الألماس، الذي تعمل على تقطيعه وتلميعه، من الدولة الأفريقية بوتسوانا (إلى جانب روسيا وكندا)، بحيث تعمل 6 شركات إسرائيلية في مجال إنتاج الألماس.
لكن هذه “التّجارة” غير المشروعة كانت لافتة، على الصعيد الدولي، إذ أطلقت عليها الأمم المتحدة اسم “تجارة الألماس الدموية”، واتهمت لجنة الخبراء، التابعة للأمم المتحدة، عام 2009، “إسرائيل”، رسمياً، بالتورّط في تصدير الألماس بطريقة غير قانونية من أفريقيا.
وقبل أيام، في 3 أيلول/سبتمبر 2023، ألقت السلطات القبرصية القبض على مَن يُوصف بـ “قطب التعدين الإسرائيلي”، بني شتاينميتز، المتورط في تجارة الألماس وغيره من المعادن في أفريقيا، بموجب أمر احتجاز أصدرته رومانيا.
وقبل ذلك، في عام 2021، أصدرت سويسرا حكماً بحق شتاينميتز، بالسَّجن خمسة أعوام، وبغرامة بقيمة 52 مليون دولار، بحجّة أنّه دفع رِشىً بلغت 8.5 ملايين دولار، بين عامي 2006 و2012، إلى إحدى زوجات رئيس غينيا السابق، لانسانا كونتي، من أجل الحصول على تصاريح للتنقيب والتعدين في البلاد.
وبحسب صحيفة “أفريكان ريبورت”، فإنّ شتاينميتز “وضع يده على بعض مناجم الألماس في القارة الأفريقية، وبينها مناجم موجودة في بوتسوانا وأنغولا وسيراليون، ليدير ما يقدّر بـ 130 شركة في مختلف القطاعات.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ للرّجل شبكة علاقات “واسعة” مع عدد من السياسيين الأفارقة، بينهم رئيس ساحل العاج، الحسن وتارا، ورئيس جمهورية غينيا، موسى داديس.
مخطط جديد عرّابه نتنياهو
كشفت صحيفة “يسرائيل هيوم” الإسرائيلية، في أيلول/سبتمبر 2023، خطة وضعها رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لإقامة “تحالف” بين الكيان الإسرائلي ودول أفريقية، بينها إثيوبيا، أوغندا، كينيا ورواندا. وأشارت الصحيفة إلى “نشاط أمني سرّي”، في هذه الفترة، بين كيان الاحتلال و إريتريا، التي طبّعت علاقاتها به منذ عام 1993.
هذه التحالفات كان هدفها العلني الحصول على دعم أفريقي لـ”إسرائيل” في المحافل الدولية، في مقابل الحصول على الإفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية في مجالي الزراعة والمياه.
لكنّ أهدافاً غير معلنة، تحدّث عنها الإعلام الإسرائيلي، تهدف إلى ما سمّاه “بيع الأمن” وصفقات أسلحة، وفوق ذلك، تمرير صفقات ألماس ومواد خام، مثل اليورانيوم والكوبالت.
في عام 2017، أطلق نتنياهو حملةً بعنوان “إسرائيل تعود إلى أفريقيا، وأفريقيا تعود إلى إسرائيل”. وقتها، حاول نتنياهو إقامة مؤتمر قمّة بين أفريقيا و”إسرائيل”، في دولة توغو، لكنها أُلغيت بسبب ضغوط أفريقية وعربية، كانت ضد التغلغل الإسرائيلي في القارة.
وعلى الرغم من مشاركته في العام نفسه في قمة المجموعة الاقتصادية لدول غربي أفريقيا، “إيكواس”، وتمكّنه من التوصّل إلى تطبيع العلاقات بدول أفريقية في الأعوام الماضية (مثل السودان في عام 2020، وتشاد في عام 2019)، فإنّ الاتحاد الأفريقي، نتيجة ضغوط من الجزائر وجنوب أفريقيا، علّق، في شباط/فبراير الماضي، “صفة المراقب”، التي كان منحها للكيان الإسرائيلي في عام 2021.
وفي ظل ما تشهده الساحة الأفريقية من انقلابات و”رياح تغيير” تعصف بها، من المنتظر أن تشهد المرحلة المقبلة “مخاضاً” يثبّت مسار القارة السمراء في العلاقة بكيان الاحتلال. مسارٌ من المؤمّل أن يضع حداً لمخططات نهب ثرواتها، وخصوصاً الألماس؟
التعليقات مغلقة.