الاردن … منتدون في مقر الحزب الشيوعي الاردني يتحدثون في الذكرى الـ67 لحكومة سليمان النابلسي / أ.د. جهاد حمدان
أ.د. جهاد حمدان ( الأردن ) – الثلاثاء 3/10/2023 م …
نظمت أكاديمية فؤاد نصار ندوة في مقر الحزب الشيوعي الأردني مساء الإثنين 2/10/2023، تحدّث فيها الأستاذ الدكتور علي محافظة أستاذ التاريخ في الجامعة الأردنية عن حكومة سليمان النابلسي (29/10/1956-10/4/1957) أوّل تجربة ديمقراطية أردنية في الحكم.
وأشار في البداية إلى أحوال الأردن في خمسينيات القرن الماضي حيث شهدت البلاد نهوضاً وطنياً عارماً إثر النكبة واغتصاب فلسطين وقيام دولة الكيان الصهيوني، ووحدة الضفتين سنة 1950 التي غيّرت البنية السكانية والاجتماعية للبلاد، ومن ذلك نمو طبقة وسطى تضم مهنيين من الأطباء والمهندسين والصيادلة والمحامين والمعلمين وضباط الجيش والأمن العام، وأضيفت إلى هذه الطبقة فنات من الحرفيين والعمال من اللاجئين الفلسطينيين الذين تکوّن لديهم، بسبب نكبة فلسطين وعي سياسي قوي، كما ازدادت أعداد طلبة المدارس الثانوية بعد سنة 1952 التي شهدت إلغاء الرسوم المدرسية الباهظة المفروضة عليهم.
في ذلك السياق نشأت أحزاب المعارضة السياسية الاردنية ومارست نشاطها علنّا وسرا لتنفيذ برامجها السياسية عبر النضال السلمي المستند إلى دعم الشعب الذي كان يشعر”بالإحباط واليأس والكراهية للغرب عموما ولبريطانيا والولايات المتحدة خصوصا، بسبب دعمهما للحركة الصهيونية والكيان الإسرائيلي الذي تأسس سنة 1948، والحقد على أنظمة الحكم العربية التي عجزت عن الدفاع عن شعب فلسطين وحمايته من الغزو الصهيوني، وأوصلته إلى حالة التشرد والشتات. وكان من الطبيعي أنْ تتجه كراهيتها إلى القيادات السياسية والتقليدية التي ربطت مصالحها ومصيرها بالمصالح البريطانية”.
وأكّد محافظة على دور التضامن الاجتماعي في رعاية المعتقلين وأسرهم من ناشطي المعارضة، حيث “کان المجتمع ينظر اليهم نظرة إعجاب وتَقدير بصفتهم ابطالاً وطنيين، وکانت قناعاتهم الفکریة تعزّز صمودهم وتَحدّيهم للسلطة، فيقبلون على السجن والاعتقال بنفس راضية وشموخ وطني. وعاشت أحزاب المعارضة السياسية (الحزب الشيوعي الاردني، وحزب البعث العربي الاشتراكي، وحركة القومين العرب، والحزب القومي السوري الاجتماعي، والحزب الوطني الاشتراكي، وحزب التحرير الإسلامي) آنذاك تنافساً شديدَاً حال دون تعاونها في وجه خصومها”.
لم تهبط حكومة النابلسي على الشعب بالبارشوت، بل جاءت نتاجاً طبيعيا لنضالاته التي أفشلت جميع الضغوط البريطانية والغربية لضم الأردن لحلف بغداد، وقال محافظة “كان ذلك نصراً كبيراً لأحزاب المعارضة تلاه نصرٌ كبيرٌ آخر بإعفاء الفريق جون كلوب وقادة الجيش الأردني البريطانيين من مهامهم في الأول من آذار 1956 بالاتفاق والتفاهم بين الملك حسين وتنظيم الضباط الأحرار في الجيش”.
ومن المفارقة أنّ حكومة النابلسي تشكّلت في 29 تشرين أول 1956 وهو يوم شنّ العدوان الثلاثي (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل) على مصر. ومنذ يومها الأول “انشغلت الحكومة بالعدوان والاستعداد للمشاركة في القتال، واستدعاء قوات عسكرية من سورية والعربية السعودية والعراق إلى الأردن للمشاركة في حمايته” وعملت على تشكيل لجان التوجيه الوطني لتنظيم مقاومة شعبية في حال توسّع العدوان ليشمل الأردن. وكان لها “دورٌ مهمٌ في عقد مؤتمر الملوك والرؤساء العرب في بيروت في 8 تشرين الثاني 1956، لدعم مصر وتأييدها أثناء العدوان”.
وفي مجال حرص الحكومة على إشاعة الحريات العامة وحمايتها وإحترام الدستور، وحق الحكومة في التمتع بالولاية العامة وممارسة السلطة التنفيذية كاملة، جاء في المحاضرة: “أعلن النابلسي منذ بداية توليه رناسة الحكومة أنّ سیاسة وزارته تقوم علی إيمانها العميق بإرساء قواعد الحياة الدستورية الديمقراطية والتمکين لها، وذلك باحترام الدستور وأحكامه نصاً وروحاً، وبضمان سيادة القانون، وبإطلاق حریات المواطنين وتمکينهم من ممارستها بصورة فعلية ومسؤولة. وسعت حکومته إلى إلغاء القوانين التي تحدّ من حريات المواطنين وتعيق نمو الحياة الديمقراطية، فقد منحت حكومته الحزب الشيوعي الأردني تصريحا باصدار جريدة “الجماهير” علی الرغم من وجود قانون يحظر النشاط الشيوعي ويعاقب عليه. وفي 31 کانون الأول 1956 قررت حکومة النابلسي منح التراخيص لإصدار الصحف الأتية: “الكفاح الإسلامي” ليوسف العظم (إخوان مسلمون)، و”الجبهة” لحسن سعود النابلسي (يسار)، و”الميثاق” لسليمان النابلسي (حزب وطني اشتراكي)، و”اليقظة” لعبدالله نعواس (حزب البعث العربي الاشتراكي)، و”الجماهير” لبشير البرغوثي (الحزب الشيوعي). واستمرت في الصدور حتى 4 أيار 1957 حينما قررت حکومة ابراهيم هاشم إلغاء ترخيصها ما عدا الكفاح الإسلامي”.
ويروي محافظة القصة الآتية ذات الدلالات العميقة: كلف الملك حسين رئيس الديوان الملكي بهجت التلهوني بحمل رسالة منه إلى الرئيس جمال عبد الناصر، وعلم النابلسي بذلك فأوققه واتصل بالملك وقال له إِنّ الشؤون الخارجية الأردنية هي من اختصاص حکومتي. وإذا اردت أنْ تطلب أمرّا فبالتشاور معي وسوف يحمل وزير الخارجية الرسالة. استجاب الملك للنابلسي الذي آراد أن يثبّت مبداً ديمقراطيّا مهمّاً في الحكم.
ولم تعحب حكومة النابلسي، التي نالت ثقة (39) من (40) نائبّا هم مجموع نواب المجلس إذ عارضها نائب وحيد هو أحمد الداعور، ممثل حزب التحرير الإسلامي، الولايات المتحدة وحلفءها في الخارج والداخل فاشتد التآمر عليها فاضطرت إلى تقديم استقالتها في العاشر من نيسان 1957 بعد أنْ حكمت لمدة خمسة أشهر واثني عشر يوماً. حدد سليمان النابلسي في مذكراته التي أدلى بها إلي الدكتور محافظة سنة 1976 في حديث مسجّل أسباب الانقلاب على حكومته بالآتي:
أولا عقبات نجمت من علاقة الحكومة بالقصر الملكي. كان للدسائس المحلية والعمل الأجنبي دور كبير في إقناع الملك حسين بأنّ الحكومة تستهدف عرشه، وبأنّ أمريكا قادرة على حماية عرشه وتوفير المال اللازم الذي يعوض فقدان المعونتين البريطانية والعربية.
ثانيا: العقبات والعراقيل التي وضعها قادة الجيش الأردني أمام الحكومة. حاول رئيس هيئة أركان الجيش علي أبو نوار وكبار قادة تنظيم الضباط الأردنيين الأحرار أنْ يقوموا بدور كلوب السابق في التدخل بشؤون الحكم والعمل السياسي، بينما حرص رئيس الحكومة على أنْ يبتعد الجيش عن العمل السياسي وتقتصر مهمته على الدفاع عن البلاد.
ثالثا: عقبات الأحزاب السياسية. اعتقدت أحزاب المعارضة أنها انتصرت وأصبح انتصارها ثابتا ومكرسًا ونسيت أنّ هناك استعمارًا وإمبريالية وقوى عميلة ورجعية في البلاد أقوى من هذه الأحزاب مجتمعة.
رابعًا: عقبات ناجمة عن علاقة الوزارة بالبرلمان. كانت الوزارة متأكدة من ولاء (26) نائبا لها، أما باقي النواب من إسلاميين ومستقلين فكان من السهل على خصوم الوزارة كسب ولائهم.
خامسًا: الانسجام بين أعضاء الحكومة. كانت تصرفات بعض الوزراء الفردية تضايق رئيسهم مثل عبد القادر الصالح في تقرّبه من الملك، وعبدالله الريماوي الذي كان يتصرف وكأنه رئيس الوزراء.
سادسا: العقبات التي وضعتها الإمبريالية في طريق الوزارة. جاء السفير الأمريكي في عمان ليستر مالوري Lister Mallory إلى الرئيس النابلسي وعرض عليه تقديم مئة مليون دولار للخزينة الأردنية لقاء قبول حكومته بمبدأ أيزنهاور فقال له النابلسي يا مستر مالوري: “لو كان هذا الاستقلال الذي حصلنا عليه كبير السن ومديد العمر لقلنا أنه قادر على الصمود بعد بيعه. ولكنه استقلال وليد عمره شهران لم نشمّه بعد ولم نضمه ونقبله، فنحن لا نبيع هذا الرضيع لك”. وذهب مالوري إلى الملك حسين وقدّم له العرض نفسه. والتقى الملك بالنابلسي وسأله عن رأيه في العرض، فأجاب النابلسي “إننا لن نحارب الشيوعية لمصلحة أمريكا. لو كانت مكافحة الشيوعية لمصلحتنا لفعلنا، ولكن مبدأ أيزنهاور ليس لصالح أمتنا، وقد أجبت مالوري أننا نرفض مبدأ أيزنهاور ولو دفعتم مال الدنيا”.
سابعا: العمل على كسب ولاء الجيش وهو ركيزة الحكومة النابلسية التي كانت تعتقد بأنه لن ينزل إلى الشارع ليضرب الحركة الوطنية والشعب الأردني إذا أبديا استنكارهما واحتجاجهما على التصرفات الأمريكية. وكان لقيام علي أبي نوار، كقائد للجيش بإحالة العديد من الضباط البدو على التقاعد بدلا من كسب ولائهم وتقديم الأعطيات لهم دور في إغضاب شيوخ القبائل البدوية مما حملهم على الشعور أنّ الحكومة النابلسية تنوي القضاء عليهم، ولذا وقفوا ضدها.
وكان مدير الندوة محمد صالح ملحس قد رحّب بالمحاضر باعتباره ذاكرة الأردن الحية حكومات ومعارضة منوها إلى مكانته الأكاديمية وإنجازاته البحثية والعلمية. واستقبل الدكتور محافظة مداخلات الحضور وأسئلتهم وردّ عليها ومن ذلك هل ستظل حكومة النابلسي أوّل وآخر حكومة حزبية في البلاد؟ وأجاب بأنّ شعبنا يستحق الحرية والديمقراطية كباقي شعوب العالم ولا بدّ أنّ يعرف كيف يوفر الظروف لتصبح الحكومات البرلمانية جزءا من تراثه الراسخ.
وفي نهاية الفعالية قدّم سعود قبيلات الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني، درع الأكاديمية للدكتور محافظة تقديراً لجهوده في صناعة المعرفة وتعميمها.
التعليقات مغلقة.