العلاقات الإسرائيلية الروسية قبل وبعد الدخول الروسي إلى سوريا / أليف صباغ
أليف صباغ ( فلسطين ) السبت 1/10/2016 م …
تتسم طبيعة العلاقات الروسية الإسرائيلية ببحث كل طرف عن مصالحه، اقتصاديّاً، سياسيّاً وأمنيّاً. تلتقي هذه المصالح أحياناً وتتناقض أحياناً أخرى، وتتعرض لضغوط خارجية خاصة من جهة أوروبا وأميركا على إسرائيل. هذا قد يزعج القوى الحريصة على العلاقات الإسرائيلية الأميركية، لكن، “إسرائيل من جهتها تبحث عن مصالحها مع الجميع”، يقول نتانياهو. تحاول الاستفادة من كل فرصة، مدرسة لاٌنتهاز الفرص، حتّى لو كان مزعجاً لأصدقائها أو حلفائها، بِمن فيهم الولايات المتّحدة، بل تستخدم العلاقات مع روسيا لاٌبتزاز أميركا أحياناً، وليس للتخفيف من الضغط الأميركي والأوروبي فقط بما يخض قضية فلسطين. اقتصادياً، تضاعف الناتج القومي الإسرائيلي من 154 مليارد دولار عام 2006 إلى 299 مليار دولار في العام 2015، وإسرائيل تبحث عن أسواق جديدة لبضاعتها. تطمح إسرائيل من خلال علاقاتها الخارجية أن تُفتَح السّوق الأورو-آسيوية -الروسية الهندية والصينية – أمام بضاعتها.
تتوقع روسيا من إسرائيل أن تكون عاملًا مساعداً لها وجسراً بينها وبين الغرب، هكذا يرى أفيغدور ليبرمان الدور الإسرائيلي في برنامجه الحزبي منذ عام 2012. هذه القناعة عبر عنها القادة الروس على مدى عقدين سابقين كما يقول الدبلوماسيون الإسرائيليون، كما عبّر بوتين في رسالة التهنئة الى الرئيس رؤوفين ريفلين عام 2014 حين كتب له “أنا على ثقة أن العلاقة بين البلدين ستتطور في المجالات كافة، السياسية والاقتصادية والإنسانية وغيرها، وهي ستبقى في أعلى سلّم أولوياتنا”، ويؤكد ذلك تسفي مغين السفير الإسرائيلي السابق في روسيا والباحث اليوم في معهد الأمن القومي في هرتسليا. هي وهم في نظر القادة الإسرائيليين، ولكنهم يستغلون هذا الوهم لمصلحتهم، وعليه وقعت روسيا مع إسرائيل منذ عام 2008-2010 عقوداً تجارية عدة وتعاوناً في مجالات العلوم والتكنولوجية المتطورة التي تحتاجها روسيا، وكذلك في مجالات الزراعة والصحة والعلوم الطبية وغيرها، واستطاعت إسرائيل بالمقابل أن توقف تصدير الصواريخ الروسية “اس 300″ و”اس 400” إلى إيران، كما يعتقد الإسرائيليون.
سياسياً، تطمح إسرائيل من خلال علاقاتها مع روسيا، وغيرها، إلى “قَرص” الولايات المتحدة وأوروبا، وتهدف إلى التخفيف من الضغط الأوروبي والأميركي في مسألة الاستيطان والتسوية السياسية مع الشعب الفلسطيني. مثل هذا الطموح الإسرائيلي كان سابقاً وما يزال قائماً، بل يزداد نتنياهو إصراراً على الاستمرار في سياسته الخارجية، وتوثيق العلاقة مع الهند والصين ودول أفريقية وعربية في الخليج للهدف نفسه. دوري غولد، مدير عام وزارة الخارجية، قال لصحيفة “ذي ماركر” في 19 حزيران/ يونيو 2016 “إن العلاقات مع الصين والهند، وتحسّن العلاقات مع روسيا بشكل كبير، تشهد أن إسرائيل ليست في عزلة، كما يظن البعض، ولكنها لن تكون بديلاً للعلاقات الاستراتيجية مع أميركا”.
أمنيّاً، تطمح إسرائيل من خلال علاقاتها مع روسيا، للتأثير على إيران كما فعلت حتى التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، وعلى سوريا في أي تسوية مستقبلية لمصلحة إسرائيل، وهذا الهدف فشل نتنياهو في تحقيقه لغاية الآن ولكنه يطمح إليه في المستقبل.
في السياسة الداخلية استطاع نتنياهو الاستفادة من العلاقات الثقافية التي تنسجها الجالية الروسية في إسرائيل مع الوطن الأم لتقريب المهاجرين الروس من حكومته.
ماذا تغير بعد الدخول الروسي؟
كانت التفاهمات الأمنية الروسية – الإسرائيلية، بعد التدخل الروسي في سوريا مفاجئة للجميع بما في ذلك للإسرائيليين، لكنها كانت تعبر عن مصالح متبادلة، وقد تكون تكتيكية، للطرفين.
أولاً: روسيا تريد من إسرائيل موقفاً حيادياً، وهذا ما أكده السفير الإسرائيلي السابق في روسيا، في مقابلة تلفزيونية يوم 19 تموز/ يوليو 2016، لأنها تعلم، وفق التصور الاسرائيلي، أن إسرائيل قادرة، بقدراتها العسكرية والتكنولوجية، على تخريب المسار الروسي في سوريا وفي الشرق الأوسط بشكل عام، وتعلم، أيضاً، أنها قادرة على تسهيل هذا المسار، إن أرادت، لكنها لا تريد.
ثانيا: روسيا تريد الاستفادة من منظومة المعلومات الاستخبارية الموجودة لدى إسرائيل في ما يخص التنظيمات الإرهابية في سوريا.
ثالثاً: روسيا تريد تركيز حملتها العسكرية بتوجيه طائراتها وصواريخها لضرب “داعش” و”النصرة”، على الحدود الشمالية أولاً، وتطمح أن يسود الهدوء على الحدود الجنوبية لسوريا، وهذا يتطلب تفكيك غرفة العمليات شمال عمّان، واستبدالها بتنسيق أمني جوي مع إسرائيل، بهدف منع أي تصادم في الجو، وهذا مصلحة إسرائيلية أيضاً.
رابعاً: بالمقابل لا تنكر إسرائيل أن روسيا دولة عظمى وهي تعود إلى الشرق الأوسط بقوة وبالتالي لا يجوز إهمال العلاقة والتنسيق معها بنظرة آنية ومستقبلية. في الوقت ذاته، تريد أن تحافظ على حرية العمل في الأجواء السورية، في منطقة الجنوب والساحل، وفوق لبنان. وقد حصلت على ذلك.
خامساً: إسرائيل تريد من روسيا منع وصول الأسلحة الروسية المصدّرة إلى سوريا من الوصول إلى حزب الله وهذا صعب إن لم يكن مستحيلاً، وبالتالي تحتفظ إسرائيل بحرية العمل في الأجواء السورية واللبنانية لمنع ذلك بنفسها، أو على الأقل تتخذ من ذلك ذريعة للتدخل في الشأن السوري لصالح حلفائها من الجماعات الإرهابية المتواجدة شرق وشمال هضبة الجولان المحتل.
سادساً: إسرائيل تريد من روسيا الامتناع عن بيع منظومات الصواريخ المتطورة “أس 300″ و”أس 400” إلى إيران وسوريا، لكنها فشلت في ذلك، بعد أن تم الاتفاق النووي مع إيران، وأصبح الدخول الروسي إلى سوريا يفرض نقل منظومات الصواريخ إليها للدفاع عن القوات الروسية، وكذلك إلى إيران.
سابعاً: تخشى إسرائيل من تحول استراتيجي في سوريا لصالح النظام، بفضل المساعدة العسكرية الروسية، ولذلك تقوم بكل شيء من أجل استمرار الاستنزاف السوري والروسي.
مع كل ذلك، يقول الكاتب أمير تبعون، المتخصص بالعلاقات الخارجية لإسرائيل،( موقع واللا 16 آذار/ مارس 2016) “رغم التنسيق القائم والأجواء الإيجابية بين بوتين ونتنياهو، إلا أن بوتين “لا يحسب حساب إسرائيل”، عندما تتعلق الأمور بالمصلحة الروسية العليا، وقد أثبت ذلك خلال السنة الأخيرة أكثر من مرة.
التعليقات مغلقة.