“سوق التنابل” التي تستفزّ السوريين: منفذ للعيش وللدلال أيضاً

الأردن العربي – الأربعاء 4/10/2023 م …




تكثر الروايات الطريفة عن سبب تسمية سوق التنابل بهذا الاسم، الذي يعترض عليه بعض الباعة والنسوة من زبائن السوق. وسبب الاعتراض أن ليس كل زبائن السوق من النساء “التنابل”.

تتنوّع أسواق دمشق وتشتهر بتخصصها، إذ أخذت كل سوق اسمها بحسب إنتاجها وما تشتهر به. لكن هل سبق أن رحّب بك أحد الدمشقيين في “سوق التنابل”؟ 

خصوصيّة هذه السّوق تأتي بمجرد أن تسمع اسمها أول مرة. فعندما تدخل سوق التنابل ستجذبك أنواع الخضروات الطازجة، اللافتة في ألوانها وترتيبها، والمغلّفة في أكياس شفافة. فالبطاطا مقطعة، والبقدونس مفرومة، والبازلاء والفول والثوم مقشرة، والكوسا والباذنجان محفورة، والأرضي شوكي معبّأة ومغلفة بطريقة تحفظها فترة طويلة، والحصرم معصور، وليس انتهاءً بالبامية المقمّعة. كل شيء جاهز ومعروض، ولزائري السوق الاختيار، ناهيك بالرائحة الفواحة، التي تحرك لدى الناس لذّة تذوق هذه الأطعمة. 

“التنبلة” كلمة متداولة بين عامّة السوريين، وتعني الكسل. من هنا جاءت تسمية “سوق التنابل”، التي يطلق عليها البعض سوق “المدلّلات”، بينما يفضّل البعض الآخر تسميتها سوق النشيطات، نظراً إلى تغير ظروف الحياة، ومنها عمل المرأة السورية، التي لا تجد وقتاً لتجهيز الطعام، فتلجأ مضطرة إلى شراء حاجتها من هذا السوق. 

سوق التنابل لها رمزية خاصة في دمشق 

تكثر الروايات الطريفة عن سبب تسمية سوق التنابل بهذا الاسم، الذي يعترض عليه بعض الباعة والنسوة من زبائن السوق. وسبب الاعتراض رفض عدّ كل زبائن السوق من النساء التنابل. ويُحكى أن فكرة هذه السوق بدأت منذ عام 1982، فكان بائع خضار في منطقة المزة متزوجاً بـ 4 نساء، وبدأ تشغليهن في حفر الكوسا وفصفصة الفول والبازيلاء، وبيع الخضروات جاهزةً للطبخ، حتى انتشرت الفكرة لتصبح سوقاً متخصصة، كما هي الآن. 

“دوا للمجنون يا ليمون/ دوا لأبو كعب يا ليمون”، بهذه العبارات ينادي أحمد الشاغوري (60 عاماً)، من أمام محله في سوق التنابل، ويقول للميادين نت إن “ما يميز هذه السوق أنها لافتة للنظر بسبب جودة المنتوجات. فأول من بدأ فكرة هذا العمل زياد الحادث عام 1982، وكان بائعاً للخضروات والفواكه، وبدأ من محله فصفصة الفول والبازلاء وتقطيع الفاصولياء. وتطور واستمر عمله، وأصبح سوقاً تأخذ هذه الهوية عبر العمل”. 

وأضاف الشاغوري أن “وضع السوق في الوقت الحالي قاسٍ بسبب الغلاء وضعف القوة الشرائية، وأصبحت الناس تقتصر مشترياتها على الاحتياجات الضرورية، خلافاً لما كانت عليه سابقاً، فكانت السوق أنشط بسبب الــمُونة، لكن منذ 4 أعوام تقريباً امتنعت أُسر كثيرة عن حفظ المونة، وأنا منهم، بسبب تلفها وعدم وجود كهرباء لحفظها في المنازل”. 

ولفت إلى أنّ المونة كانت تؤخذ من هذه السوق، وتُحفَظ وتكون عوناً للأسرة في مصروف فصل الشتاء. أمّا في الوقت الحالي فتراجعت نسبة الناس التي تحفظ المونة إلى 20%. ففي العام الماضي حفظت مونة بقيمة مليوني ليرة سورية، وكلّها أُتلفت بسبب انعدام الكهرباء. 

تأسست سوق التنابل منذ 41 عاماً، وهي سوق كبيرة وسط العاصمة السورية دمشق. وكانت هذه السوق تُعَدّ في الماضي رفاهية، وتقتصر على زبائن محدودين من العائلات الثرية، لكنها تحولت اليوم إلى حاجة بالنسبة إلى كثيرين، وخصوصاً مع ارتفاع أعداد النساء العاملات. وجاءت شهرتها من تخصصها الفريد والمتميز ببيع كل أنواع الخضروات في كل المواسم المحلية الجاهزة للطبخ، والفواكه الاستوائية المستوردة بعد تحضيرها مغلفة بصورة لافتة للنظر، بحيث لا تحتاج المرأة إلا إلى فتح كيس الخضار وتحضيره للطبخ أو للمقبلات.

وانتقلت فكرة هذا السوق بعد انتشارها في دمشق إلى عدد من الدول العربية، منها مصر ولبنان (سوق قب لياس في منطقة شتورا)، وانتقل كثيرون ممن كانوا يعملون في سوق الشعلان، وفتحوا فيه محالَّ خارج سوريا. وظهرت هذه الفكرة في دبي مؤخراً مع عبارة مكتوب فيها “هذه منتوجات سوريا بلدي الحبيب”.

نذير زيتون (30 عاماً)، تاجر في سوق التنابل، يقول للميادين نت إن “لدينا ورشاً تابعة للمحل، يتقاضى العاملون فيها رواتب شهرية، فالخضروات يتم انتقاؤها يومياً بعناية وتُعَقَّم، ثم تُغَلَّف في الأكياس لتصبح جاهزة للعرض والبيع. أمّا الخضروات التي لا تباع فتوزَّع في نهاية اليوم على أصحاب النصيب”. 

ويوضح أن “جدّي هو من فتح هذا المحل منذ عام 1940. ومع تطور السوق تماشينا مع التغيير، ومعظم زبائننا من السيدات والعجائز، وهناك زبائن من الرجال أيضاً، والجميع يأتي إلى هنا ويأخذ حاجاته، بينما يرتفع سعر السلعة عن سعرها الحقيقي مايقارب 30%، ولدينا زبائن قدماء منذ أن تأسست هذه السوق”.

مورد رزق لعدد من الأسر السورية 

تعتمد فكرة السوق على شريحتين متباينتين من الزبائن. الشريحة الأولى هي النساء اللواتي لا يملكن الوقت أو الرغبة في إمضاء أوقاتهن في المطبخ، أو يستثمرن يومهن في عمل منتج، فيلجأن إلى الشريحة الثانية من النساء، اللواتي يجدن في ذلك فرصة عمل، بعد أن يتعاقدن مع أصحاب المحال لقاء أجر معين يقدّمه إليهن التاجر، الذي يؤدي دور الوسيط في حركة اقتصادية ذات جدوى لجميع الأطراف. 

تتعامل هذا السوق مع ورش فردية في المنازل، وتقوم بالعمل سيدات ليس لديهن عمل، فهي فرصة ملائمة في تأمين دخل لهن في أثناء عملهن في منازلهن، فيجهزن الخضراوات وغيرها، في دورة عمل تشبه الورش، بحيث تشترك معهن بناتهن وحتى أزواجهن في فرمها وحفرها وتحضيرها لتصبح جاهزة للعرض. 

ميساء موصلي (37 عاماً) تعمل منذ عشرة أعوام في تلبية حاجة “سوق التنابل”، وتقول إنّ هذه السوق لها أهمية في إيجاد فرص لعائلتها، ومورد رزق مهم وأساسي، وخصوصاً خلال الظروف الحالية، فـ”أنا أعمل، وتعينني أسرتي وبناتي، ونستطيع سد جزء من حاجاتنا من مدخولي، فلقد اعتدت على العمل على الرغم من أنه متعب، لكن يبقى نعمة علينا”، بحسب تعبيرها.

لا يزال هناك خلاف بين السوريين بشأن فكرة هذه السوق، فهناك سيدات لا يحبّذن منتوجات السوق، ويفضلن عمل كل مراحل تحضير الأطباق لأسرهن بصورة شخصية، من دون مساعدة أحد.

عائدة الرفاعي (55 عاماً) قالت للميادين نت: “على الرغم من أنّ السوق أصبحت سوقاً شعبية واسعة للخضار العادية والفواكه، وهناك بعض البزوريات والبقاليات والمطاعم والمخابز وسوق للمأكولات، لكنني لم أستسغ عادة تقطيع الخضار وتجهيزها بأيادٍ لا أعرفها، وأن أطعم عائلتي من جهد أناس غيري وبصورة يومية! لكن، يمكنني الاستعانة بهذه المنتوجات للمونة فقط. في المقابل، هماك نساء أعرفهن يبالغن ويشترين كل شيء جاهز، لكن هناك البعض منهن موسوسات بالنظافة، لا يرغبن أبداً في الشراء من البضاعة الجاهزة ولا يقبلنها. ولا ننكر أن هذه السوق هي حل مهم لي ولغيري في الأوقات الضيقة والمناسبات الكبيرة من أجل تأمين الطعام في وقت قياسي”. 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.