عن العرب .. وحكام العرب .. واثرياء العرب / د. كاظم ناصر

 

د.كاظم ناصر ( الأحد ) 2/10/2016 م …

نتصرف بغباء كحكّام وشعوب ونتّهم العالم باستهدافنا والتحيّز ضدّنا

* لسوء حظنا لقد غيّرت وسائل الاتصال العالم ، ولم يعد إخفاء فضائحنا نحن العربان ممكنا كما كان . فضائحنا السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية أصبحت … ماركة عربية مسجلة … لقد كشفت الستلايتس والتلفونات الذكية والفيسبوك وغيرعا … عوراتنا وما أكثرها … للعالم كله ، ولم يعد بإمكاننا إنكارها ، أو حتى محاولة الدفاع عن أنفسنا كما فعلنا في الماضي .

 * لقد دمرنا أوطاننا ، وافقرنا شعوبنا ، وشردنا الملايين من أبنائنا ، وحطمنا آثارنا التاريخية ، وقتلنا معارضينا بالحرق ، والنحر ، وقطع الرؤوس ، وسبينا واغتصبنا النساء البريئات ، ونهبنا ممتلكات الآخرين . لقد شاهد العالم معظم هذا بالصوت والصورة ومن المستحيل نفيه أو إنكاره .

 * وزيادة في تطورنا وسبقنا لعصرنا لقد أصبح عندنا مئآت العيادات ومحطات إلاذاعة والتلفزة التي يديرها … علماء كبار متخصصون في أحدث الاكتشافات العلمية … التي نستخدمها لنخرج .. الجنّ .. من أجسام البشر ، ونشفي الناس من العين الحاسدة ، ونعالج الأمراض المعدية والمستعصية بالأعشاب والتعاويذ ، ونفك الأسحار التي حضّرها لنا الأعداء والحساد ، ونحضّر .. الأحجبة .. لمن يريد أن يقي نفسه من جميع الأخطار .

 * ونضع خرزة زرقاء كبيرة على أبواب بيوتنا لتحفظها من الزلازل والكوارث الطبيعية ، مقلدين بذلك ما كان يفعله أجدادنا في ريف فلسطين حيث كانوا يضعون … لزقة من العجين … على صباح الحمار عندما يشترونه لتبارك الّلزقة ….الحمار… ، وتحفظه من كل الأخطار وأهمّها الاصابة بعين الحسود ، لأن العين عندنا تصيب حتى الحمير ، وإنها لا تفرق بين الحمير والغزلان لا بالشكل ولا بالمحتوى .

 * أنا لا أؤمن أن التاريخ يعيد نفسه ، ولكنني أؤمن أنه قد … يجدّد نفسه … ودليلي على هذا هو أن ما نفعله من تصرفات …غبيّة … الآن تشبه ما كان يفعله أسلافنا ولكنها أكثر تطورا وتكلفة . مثلا كان حكامنا في زمنهم يضيّعون مبالغ ضخمة على الجواري ، والراقصات ، والقصور ، والسكر والعربدة ، والشعراء المنافقين ، والولائم ، والهدايا التي كانوا يقدمونها لزوارهم من ساسة ومتنفذين من مناطق مختلفة من العالم .

 * الظاهر ان التاريخ فعلا جدّد نفسه حيث اننا الآن نتصرف بطريقة أكثر غباء وفخامة وبذخا . كل حاكم عندنا يملك طائرة خاصة من أكبر وأغلى الطائرات يحسده عليها باراك أوباما لأن عمر طائرة الرئاسة التي يستخدمها 36 سنه . الديكور الداخلي في طائرة أحد الحكام العرب ممن رحلوا 100 مليون دولار قبل أكثر من ثلاثين سنة كما ذكر الموسادي الاسرائيلي مؤلف كتاب ” عن طريق الخداع ” . حكامنا يهدون زوارهم سيوفا من الذهب الخالص مرصعة بالجواهر ، ومجوهرات أخرى بالملايين وفي المقابل يعطي الزائر لحاكمنا .. أبو السيوف والمجوهرات .. البوم فيه بعض الصور ثمنه عشر دولارات .

 * ونقيم حفلات زواج خيالية ، ونشتري الشعراء والكتاب الذين يسبحون بحمدنا ، ونشحن أفخم وأغلى السيارات بالطائرة الى أوروبا عندما نقضي إجازاتنا هناك ، ونزور أهم نوادي القمار في العالم لنظهر كرمنا العربي ، ونملك طائرات ويخوت خاصة باهظة الثمن . ونستورد راقصات من جميع أنحاء العالم ، ونتبرع بمئات الملايين لغير العرب … لأنه لا يوجد فقير واحد في أوطاننا … ! إننا شعب أصيل لن يتخلى عن قيم …هبله … النبيلة ، وقد زاد ذكائه الهبلي مع الزمن !

 * آخرأخبارنا تقول إن رجل أعمال عربي ( نفطي ) أهدى يختا لشخص أجنبي ثمنه 200 مليون دولار فقط . وإن ثريا ( عربيا نفطيا ) آخر إشترى حوض إستحمام مصنوع من حجر نادر بمبلغ 6 ملايين درهم ، وآخر دفع 77 ألف دولار ثمن حمامة قيمتها في السوق لا تتجاوز عشرة دولارات ، وإن أحد رجال الأعمال العرب قام بشراء ملابس داخلية للاعبة التنس كارنيكوفا بمبلغ 30000 دولار .

 * وذكرت صحيفة القدس العربي الصادرة بتاريخ 1-9-2016 أن إحدى بنات العائلة الحاكمة في بلد نفطيّ أهدت طبيب اسنانها … ثلاث … ساعات رولكس وقالت سموّها ” إنها لا تعرف ذوق الطبيب ، لذا قرّرت أن تهديه الساعات الثلاثة علما أن قيمة أقل ساعة منها تبلغ حوالي 40 الف دولار . ” وذكرت الصحيفة أيضا أن إحدى قريباتها قد أعلنت قبل أيام ” عن حاجتها لمستشارة ملابس براتب 140 ألف دولارأمريكي سنويا ” طبعا زائد السكن ، والاجازة السنوية المدفوعة ، وتذاكر طائرة ذهاب وعودة بينما 25 % من تلك البلد أو ما يعادل 5 ملايين لم يسمعوا بالنفط حتى الآن ، ويعيشون تحت خط الفقر في واحدة من أغنى دول العالم .

 * أما عن السياسة فالمصيبة أعظم . ملايين الأبرياء من إخواننا قتلناهم نحن في حروبنا ، ودمرنا دولا بأكملها . فقد ذكرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي السيدة كريستين لاغارد في تصريح لها بتاريخ 15- 9 – 2016 ” أن إقتصادات دول منطقة الشرق الأوسط مدمّرة بسبب النزاعات والحروب وأزمات اللاجئين .” حيث أن هناك 20 مليون نازح عن ديارهم في مناطق الحروب والنزاعات ، وعشرة ملايين لاجىء في دول العالم ، وتم تدمير معظم وسائل الانتاج في مناطق النزاع ، والخسائر على مستوى الثروات والعائدات هائلة ، في حين يضعف رأس المال البشري بسبب نقص العمل والتعليم .

 * أضف إلى ما سبق ذكره أن الحريات العامة معدومة في الوطن العربي ، ولا يوجد دولة قانون ديموقراطية مستقرة واحدة في المنطقة ، وإن كل دولة عربية يحكمها ويتحكم بها وبثرواتها … شخص واحد … ، وإن وضع المرأة في أوطاننا يرثى له وإنها مسلوبة الارادة والحقوق .

 * أغلب الناس في دول العالم يسافرون خارج أوطانهم للراحة والآستمتاع ولزيادة معلوماتهم عن شعوب العالم وثقافاتهم . ولهذا فإن نسبة كبيرة منهم تهتم جدا بزيارة المعالم الأثرية التاريخية ، والمتاحف ، والأماكن التي تتميز بجمال طبيعي خلاب . إن معظمهم يتصرفون بأدب في الشارع والمطعم والمتجر ، وحتى في الأماكن السيئة كالبارات والنوادي الليلية ، وغالبا ما يعطون إنطباعات جيدة عن أنفسهم وعن أوطانهم .

 * أما نحن عندما نسافر ، فإن نسبة كبيرة منا وخاصة سواح دول النفظ ، وأبناء الأغنياء من كل أرجاء وطننا ، يتصورون أن كل شيء في هذه الدول معروض للبيع وفي انتظار العربان لدفع الثمن . ولهذا فإننا وبسبب جهلنا ،.. وكبتنا .. ، وفهمنا الخاطىء لشعوب هذه الدول وثقافاتهم ، وقيمهم ، نتصور أن كل شيء عندهم … مباح … ولا نفهم أن هذه المجتمعات وصلت إلى درجة عالية من التحضر والحرية والممارسات الأخلاقية .

 * ولهذا فإننا نبلي بلاء حسنا في الاساءة لأنفسنا وأوطاننا بتصرفاتنا الفظة ، وسلوكنا الذي ينقصه التهذيب واللباقة مع الناس عامة في الشارع ، والمنتزه ، والحديقة العامة ، وعلى الشواطىء ، وفي الاماكن السيئة السمعة التي يزورها عدد كبير من سياحنا ، ونعطي إنطباعا سيئا عنا وعن أوطاننا .

 * لا يحق لنا أن نتصرف هكذا ونتوقع من الناس إحترامنا . عندما ينتقدنا العالم فإنه ينتقدنا لفشلنا ، وحماقاتنا ، وممارساتنا الغير مقبولة في داخل أوطاننا وخارجها . لقد أصبح العالم قرية صغيرة ولم يعد هناك ما يمكن إخفاءه إلى الأبد . قد يقول قائل إن العالم متحيز ضدنا . هذا غير صحيح ! والسؤال هو لماذا لا يتحيز العالم ضد ماليزيا ، والنرويج ، واليابان وينتقد شعوبها كما ينتقدنا ؟ الشعوب تفرض إحترامها وهيبتها بإنجازاتها ، ونجاحها ، وأنظمتها الحديثة ، وتحضرها في التعامل وليس بالعنجهية ، والتخلف الحضاري ، وصرف الأموال بغباء

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.