تحليل سياسي هام … مصر على اعتاب الدخول في اللعبة السورية
الأربعاء 5/10/2016 م …
الأردن العربي – كتب عبد المنعم علي عيسى …
قرأ الكثير من المحللين العسكريين أداء الجيش السوري في العملية التي أطلقها يوم 23/9/2016 لتحرير حلب على أنه سيكون ممكناً الوصول إلى الأهداف التي انطلق لتحقيقها في غضون أسابيع قليلة ما لم تحدث تطورات أو مفاجآت، فهو استطاع السيطرة في بحر الأسبوع الأول على حي الفرافرة (شمال غرب قلعة حلب) ثم على مشفى الكندي وتأمين محيطه وبات اليوم على أعتاب حي الشيخ سعيد الذي يعتبر ساقطاً من الناحية العسكرية في خلال الساعات الأخرى المقبلة، كل ذلك انعكس في الخارج مطالبة بهدنة سريعة واللافت دخول أنجيلا ميركل على هذا الخط حيث طالبت الرئيس الأميركي في اتصال هاتفي أجرته معه 30/9/2016 بفعل شيء ما، أيضاً أعلن إيرولوت وزير الخارجية الفرنسي 30/9/2016 عن مشروع قرار ستتقدم به بلاده إلى مجلس الأمن ويقضي بفرض هدنة عاجلة في حلب، الوزير الفرنسي يدرك بالتأكيد أن ذلك المشروع لن يرى النور إلا أن المقصود هنا هو إحراج موسكو وإظهارها بمظهر من يريد تصاعد العنف وإراقة الدماء بعدما استطاعت هذه الأخيرة كسب جولة مهمة في هذا السياق إثرتدني حظوظ 9/9/2016 وربما تلاشيها.
سرت بالتزامن مع هذه الأجواء تسريبات مفادها أن (واشنطن) قد تذهب وسط هذا التصعيد إلى رفع الحظر (الافتراضي) عن تزويد المعارضة السورية بصواريخ مضادة للطيران من الممكن أن تكون من نوع ستينغر (مثلاً) كما ألمحت تلك التسريبات إلى أن الطرف المرشح للقيام بتلك المهمة هي دول الخليج، وهو الأمر الذي يزيد من الشكوك في جدية تلك التسريبات فهذه الأخيرة (دول الخليج) ليست بحاجة إلى مزيد من التصعيد في علاقتها مع موسكو التي تملك الكثير مما يمكن أن توجع به أيدي الرياض بدءاً من الجبهة اليمنية مروراً برسالة طائرات (التوبوليف) التي أقلعت يوم 16/8/2016 من مطار همدان الإيراني لتنفيذ مهام في حلب قبل أن يعلن عن انتهاء مهامها بعد ثلاثة أيام من هذا التاريخ الأخير، كانت تلك الرسالة موجهة بالدرجة الأولى إلى السعوديين وهي تريد أن تقول: إن الحلم الروسي بالمياه الدافئة يمكن له إذا ما اقتضت الضرورة أن يتطور ليصبح حلماً بالمياه الحارة (الخليج العربي) وهو أمر من شأنه أن يقلب موازين القوى فيه رأساً على عقب، وصولاً إلى بوادر أزمة أميركية- سعودية لا أحد يمكن له أن يتنبأ إلى أين يمكن أن تصل وهي في مؤشراتها الأولى ستؤدي مع الإشارة الأولى لانطلاقتها (تلقت المحاكم الأميركية أول دعوة ضد السعودية يوم 1/10/2016) إلى حالة شلل مالي وسياسي سيكون من الصعب فيها على المملكة أن تقدم على مغامرة من هذا النوع إلا إذا كان اليأس قد أوصل صناع القرار فيها إلى مرحلة عليّ وعلى أعدائي، وتلك حالة أخرى ولو أرادت واشنطن الإيحاء بأن تلك التسريبات جدية 100% (قد تكون جدية لكن بدرجة أقل من ذلك بمعنى أن القرار فيها لم يتخذ بعد) لكانت قد تركت الطرف القائم بالمهمة مبهماً فهي إذا ما أرادت تزويد المعارضة السورية بتلك الصواريخ لن تعدم الوسيلة لأن تفعل وهناك مئات تجار السلاح الذين ينتظرون إشارة منها بعيداً عن إحراج الدول، أما لماذا صواريخ ستينغر فللأمر رمزيته إذ إن تلك الصواريخ التي تم تزويد المقاتلين الأفغان بها بداية العام 1986 قد استطاعت إحداث منعطف مهم في الحرب الأفغانية ولربما كانت إحدى أهم الأسباب التي أدت إلى تفكير السوفييت بالانسحاب من أفغانستان الذي بدؤوه في تموز من العام 1987، على الرغم من أن المقارنة هنا تبدو غير دقيقة بمعنى أن تزويد المعارضة بتلك الصواريخ لن يكون له شأن يذكر في إحداث تحول في ميزان القوى أقله في معارك حلب المستعرة نظراً لأن تلك الصواريخ موجهة أصلاً ضد الطائرات الهابطة وفعاليتها تزداد في حالات الطبيعة الجبلية والصعبة مما لا توفره الجغرافيا الحلبية ناهيك عن وجود الطائرات من دون طيار التي تستطيع اقتناص الرماة بمجرد القيام بعملية الإطلاق وهو أمر له تأثير كبير بالتأكيد.
فيما بعد جرى الحديث عن إمكان اللجوء من جديد إلى الخطة «ب» التي كان قد جرى الحديث عنها قبل أشهر والتي قيل إنها ستكون قيد التنفيذ إذا ما فشلت جهود وقف إطلاق النار وفرض الهدنة، والخطة «ب» كما ذهبت بعض التحليلات تقوم على مرحلتين اثنتين: الأولى فرض حظر طيران تمهيداً لقيام مناطق آمنة، أما الثانية فهي القيام بدعم الفصائل المسلحة السورية إقليمياً (أي خليجياً وتركياً) على أن تلحق واشنطن بالركب في مرحلة لاحقة، والمشكلة هنا هي في هذه المرحلة الأخيرة (اللاحقة)، فحالة فقدان الثقة بين واشنطن وحلفائها الإقليميين لا تدع هؤلاء قادرين على القيام بمهام يكون فيها الدور الأميركي مؤجلاً، ومن الناحية العملية فإنه سيكون من الصعب على إدارة أوباما أن تقوم بتقديم هدايا مجانية للمرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي بدا في مناظرته الأخيرة 26/9/2016 وكأنه يعاني من نقص شديد في الخبرة وفي القدرة على الإمساك بأعصابه بعكس كلينتون التي بدت مدربة بشكل كبير وهي تتحدث كما الروبوت الآلي.
اللحظة السياسية الراهنة تشير إلى توافق ظروف الميدان مع نظيرتها الإقليمية والدولية لإنجاز معركة حلب وهذه الأخيرة يمكن اختصارها ببضعة عوامل في الذروة منها انشغال الولايات المتحدة بالمعركة الانتخابية في الداخل أو دخولها مرحلة الشلل الانتخابي الذي يحصل عادة قبل أربعة شهور من مغادرة الرئيس الأميركي لمنصبه، وكذلك تغيير أنقرة لأولوياتها فقد باتت اليوم معنية أكثر بتدمير المشروع الانفصالي الكردي، أما السعودية فهي اليوم تمر في مرحلة هي الأوهن في تاريخها منذ تأسيسها العام 1932 ومن الجائز القول إن هذا الوهن قد اخترق عمق الأنسجة السياسية والمالية للكيان السعودي ومنذ الآن سوف تبدأ الأزمات المحيطة بهذا الأخير بلعب دور تفاعلي- تشاركي بمعنى أنها سوف تقوى آثارها بتضافر تداعيات بعضها مع بعض، فالجبهة اليمنية ستندفع إلى تطورات مفاجئة وإذا كان الاختراق اليمني للداخل السعودي في السابق والوصول إلى جيزان ونجران قد بقي في حدود لا تبدو شديدة التأثير فإن الاختراقات القادمة المرشحة ستكون بالتأكيد أشد إيلاماً، أما الجبهة الأميركية فهي الأكثر سخونة وهي تهدد بذرو كل ما جمعته رياح السبعين عاماً من التحالف الماضية، هناك أيضاً جبهة أخرى مرشحة لازدياد سخونتها وهي ليست بأقل تأثير من سابقتيها هي الجبهة المصرية وفيها تبدو الرياض مهددة بفقدان حليف لطالما استندت إليه وكان ضرورياً في احتدام صراعها مع طهران، والجبهة المصرية- السعودية تبدو ذاهبة إلى فك ارتباط حتمي ومؤشراته عديدة لكن يمكن إيجازها عبر مؤشرين مهمين الأول: هو المشاركة المصرية الفعالة في قمة «غروزني» الإسلامية في 7/9/2016 والتي خرجت باستبعاد الوهابية كمرجعية إسلامية يمكن العودة إليها والثاني لقاء سامح شكري وزير الخارجية المصري مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف على هامش الدورة 71 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 24/9/2016، ولربما أدركت الرياض فحوى المسعى المصري الذي يرمي إلى استقراض 13 مليار دولار من صندوق النقد الدولي وهو مسعى يشير إلى أن القاهرة تتحضر لانقطاع سيل المساعدات السعودية عنها.
أرادت الرياض استعباد 90 مليون مصري ووضعهم في خدمتها وقد ظنت أنها قادرة عبر ملياراتها على جعل كل هؤلاء جنوداً مخلصين يحاربون من أجلها أنى ومتى أرادت ولو أدى ذلك إلى إمكان تضرر أمنهم الوطني، ومن المؤكد أن انتشار الفوضى في سورية يشكل خطراً يتهدد الأمن القومي المصري أكثر بكثير من انتشارها في الجوارين الليبي والسوداني مجتمعين معاً.
مصر اليوم هي على العتبة السورية ومن المرحب بها الدخول إلى عمق القلب السوري، صحيح أن القرار يبقى رهين لحظة سياسية معينة إلا أن الصحيح أيضاً أنه يحتاج إلى صبّ تجارب التاريخ القديم والحديث والمعاصر في المنطقة، فعندما استطاع السلطان قطز الانتصار على المغول بقيادة هولاكو أصر على مطاردتهم حتى طردهم من بلاد الشام ولذا كانت معركة عين جالوت 1260م، وعندما تعاظم الخطر الخارجي على محمد علي باشا أدرك أن تحصين دولته لا يكون إلا عبر بلاد الشام فقام بحملة في العام 1831 للسيطرة عليها، ووحدها بلاد الشام كانت وجهة عبد الناصر في العام 1958 لاحتواء الهجمة الغربية الشرسة على المنطقة قبل أن تستطيع السعودية عبر تفكيك التقارب المصري- السوري الدفع بالمنطقة إلى مزيد من التفكك والانهيار الذي شكلت حرب حزيران 1967 بداية له.
التعليقات مغلقة.