عرب هند بنت النعمان بالأمس وعرب (غزة) اليوم! / د. كمال البعداني
د. كمال البعداني – الخميس 19/10/2023 م …
كان النعمان ابن المنذر هو آخر ملوك مملكة الحيرة في ارض العراق ، والتي كانت تخضع للفُرس ، مثلما كانت مملكة الغساسنة في الشام تخضع للروم ، كان للنعمان بنت اسمها ( هند ) وكانت احسن نساء زمانها خلقاً وخُلقاً ، وادباً ولطفا وفصاحة ، وقد وصل خبرها الى ( كسرى الفُرس ) فطلب من الملك النعمان ان يزوجه إياها ، والواقع ان النعمان حتى ولو كان ملكا فهو منصّب في مملكته من قبل كسرى الفرس وتحت حمايته ولا يستطيع ان يعصي له امرا ، لكن النعمان أنف ان يزوج بنته من أعجمي كما هي عادةالعرب ، حتى ولو كان كسرى الفُرس ملك ثاني قوة في العالم بعد الروم في ذلك الوقت ، فاخذ يماطل ويسوق الاعذار لكسرى ، بينما كان هناك من العرب في البلاط الكسروي من يحملون الحقد على المنذر لاسباب مختلفة ، فأخذوا يوغرون صدر كسرى ، الذي اشتد غضبه واخذ في طلب الملك النعمان للحضور ومعه ابنته ( هند ) تحت التهديد والوعيد ، ولما ايقن النعمان ان لا مناص من الذهاب الى عاصمة ( الفُرس )، لجأ الى هانئ بن مسعود الشيباني زعيم قبيلة بني شيبان ، فاستودعه أهله وفي مقدمتهم ابنته ( هند ) كما استودعه ماله وسلاحه ، ثم توجه الى كسرى الذي فوجئ بقدوم النعمان من دون ( هند ) فأمر بسجنه وتعذيبه حتى لفظ انفاسه تحت اقدام الفيله ، ثم ارسل الى هاني الشيباني يطلب منه تسليم وديعة النعمان ، ولكن الشيباني رفض ذلك ، فعرض عليه كسرى تسليم ( هند ) مقابل ان تكون بقية الوديعة من مال وسلاح من نصيبه فلم يستجيب لذلك ، وادرك هانئ الشيباني ان كسرى لن يتركه ، فاخذ يتجول بين قبائل العرب يشرح لهم الامر ويطلب منهم النُصرة للدفاع عن العرض والشرف العربي ، فاستجابة له قبائل بني بكر بن وائل والعديد من القبائل العربية من جنوب العراق وشمال الجزيرة العربية ، وتواعدوا الى مكان معلوم لتدارس الموقف ، وكان اللقاء في المكان المحدد ، فلم يقل احدهم يا معشر العرب لاطاقة لنا بالفُرس ! ولم يقل ثاني ليس هناك اي تكافؤ بالقوة فالفُرس امبراطورية عظيمة ولديها ثاني اقوى جيش في العالم ، ولم يقل اخر : يا قومنا لا داعي لاي بطولات فالانسب لنا تسليم ( هند ) بنت النعمان وكل ما يطلبه كسرى حتى نحافظ على نسائنا وبناتنا من السبي وديارنا من الخراب فالنصر حليف الفُرس لا محالة ، لم يقل احدا منهم ذلك ، بل قالوا بصوت واحد : ان هند ليست بنت النعمان وحسب بل بنت العرب جميعا فمن يطمع بهند اليوم سيطمع بغيرها من بنات العرب في الغد ، فاتخذوا قرار المواجهة وليكن ما يكون ، كسرى الفُرس بدوره طار صوابه ولسان حاله يقول : كيف لهؤلاء الاعراب الاجلاف بدو الصحراء ان يقفوا في وجهي ويقررو مواجهتي ، وانا من هزمت الروم اكثر من مرة ؟ فقرر استئصال بني شيبان ليكونوا عبرة لغيرهم ، فجهز لهم جيشاً ضخما لم تعرفة العرب من قبل ويقوده اكفاء قادة الفرس ومعهم من قبائل العرب الموالية ، وقبل توجه الجيش كان كسرى قد ارسل رسله لتطوف بين قبائل العرب ، لتحذرهم من مساندة ( بني شيبان ) وان من تفعل ذلك من قبائل العرب سيكون عقابها شديد ،
وتواجه الطرفان عند بطحاء ذي قار ، وهو المكان الذي اختاره العرب ، وهناك دارت معركة ضارية لم تعرف العرب مثيلاً لها من قبل . كان العقل والمنطق يقولان ان الفُرس سيدفنون العرب تحت بطحاء ذي قار ، فهم جيش نظامي واكثر منهم عددا وعدة ، لكن الفُرس فوجئوا بعرب يقاتلون قتالاً لم يعهدوه عليهم من قبل ، حتى العرب الذين خرجوا للقتال مع الفرس تحركت فيهم النخوة العربية والدم العربي فتواصلوا سرا قبل المعركة مع اخوانهم العرب ، واتفقوا على ان يمثلوا دور المنهزم اثناء القتال فينسحبوا من المعركة حتى يفت ذلك في عضد جيش الفرس وهو ما كان ، انتهت المعركة بهزيمة مدوية للفُرس ونصر ساحق للعرب ، نصرُ ترك دوياً هائلا في انحاء الجزيرة العربية وخارجها ، حمل اخباره الركبان ، ونقله معه الزمان ، انتصر الحق امام العقل والمنطق ، انتصر الايمان بالقضية امام البطش والجبروت ، حتى قال الشاعر الأعشى والملقب بصناجة العرب واصفا المعركة .
لَمّا اِلتَقَينا كَشَفنا عَن جَماجِمِنا
لِيَعلَموا أَنَّنا بَكرٌ فَيَنصَرِفوا
التعليقات مغلقة.