نماذج من الشراكة الفلسطينية الإسرائيلية / حمادة فراعنة
حمادة فراعنة ( الأردن ) الجمعة 7/10/2016 م …
أخفقت الحركة الوطنية الفلسطينية في منع إقامة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي على أرض وطنها فلسطين ، وهذا يعود لعدة أسباب يقف في طليعتها ضعف الأمكانات التي توفرت لها مقارنة مع ما حصلت عليه الحركة الإستعمارية الصهيونية ، إضافة إلى عوامل إقليمية تواطأت مع الصهيونية إستجابة إلى القرار الدولي الذي سار لمصلحة إقامة ” الوطن القومي لليهود في فلسطين ” ولو كان ذلك وتم على حساب الشعب العربي الفلسطيني ، وحقوقه الوطنية ، وعلى أرض بلاده رغم أنه لا يملك بلاداً ووطناً غيره ، مثلما تتحمل قيادات الحركة السياسية الفلسطينية مسؤولية إخفاقها وعدم قدرتها على تحديد الأولويات وكيفية توسيع معسكر الصديق وتضييق معسكر العدو وتقليصه .
ومقابل إخفاق الحركة الوطنية الفلسطينية حققت الحركة الصهيونية نجاحات متتالية لإقامة مشروعها الإستعماري التوسعي على أرض فلسطين ، بدءاً من وعد بلفور مروراً بسياسات الأنتداب البريطاني ، وإعلان الدولة في 15/5/1948 على جزء من أرض فلسطين وأكملت برنامجها وإستولت على كاملها عام 1967 ، ولكن رغم نجاحات الصهيونية الفاقع فقد أخفقت في طرد كل الشعب الفلسطيني عن أرضه ، وهكذا سجلت أول وأهم عوامل فشلها ببقاء نصف الشعب الفلسطيني على كامل أرض فلسطين سواء في مناطق الإحتلال الأولى عام 1948 ، أو مناطق الإحتلال الثانية عام 1967 .
وبعد عشرات السنين من النضال والصراع والعنف والعنف المتبادل فشل كل من طرفي الصراع في تحقيق كامل أهدافه ، لا الثورة الفلسطينية رغم التضحيات والتراكمات الأيجابية في إستعادة الهوية الفلسطينية ، والأعتراف بمنظمة التحرير ، والأقرار بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني ، وولادة السلطة الوطنية كمقدمة لقيام الدولة المنشودة ، رغم ذلك أخفقت الثورة الفلسطينية في إنجاز مهامها في إستعادة كامل حقوق شعبها الفلسطيني ووصلت لطريق مسدود ، مثلما أن المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي على الرغم من تفوقه البشري والأقتصادي والعسكري والسياسي والتكنولوجي والأستخباري فقد فشل في لجم الشعب الفلسطيني وترويضه ، وتقويض تطلعاته ، ومنع تمسكه بأرضه والصمود فيها وعليها ، وعلى الرغم من كل محاولاته لجعل الأرض الفلسطينية طاردة لأهلها وأصحابها ، وهكذا نجد أن المشروع الإسرائيلي الصهيوني أخفق أيضاً في إستكمال حلقاته وتكامل برنامجه ، فقد إحتل كل الأرض ، ولكنه فشل في طرد كل الشعب الفلسطيني عن أرضه ، وهكذا تحولت فلسطين بسبب الأخفاقات المتبادلة إلى وطن لشعبين متصارعين ، كل منهما له روايته وثقافته وتطلعاته المعادية والمتصادمة مع الرؤية النقيضة المناوئة الأخرى .
ومع ذلك ورغم ديموية الصراع ، والفجوة الواسعة العميقة بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي فثمة مظاهر للشراكة والتعاون والأقتراب في منتصف الطريق من بعضهما البعض ، مرغمين على ذلك ، بعيداً عن الود أو الأحترام ، أو الأقرار بحقوق ، فالواقع أقوى من كل الرغبات والأمنيات والتاريخ ، وثمة ثلاثة مظاهر متباينة ، متداخلة تحمل إزدواجية الموقف ، الموقف ونقيضه في نفس الوقت :
والمظهر الأول يتمثل بتبعية بعض الشخصيات الفلسطينية للأحزاب الصهيونية وإندماجها بشكل أو بأخر ، بعضها بطريقة خجولة ، والأخر بطريقة نافرة تُلغي الذات لمصلحة إنخراطها في المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي وتوظيف نفسها لصالحه رغم تعارض مصالح شعب هؤلاء من الفلسطينيين مع المصالح الإسرائيلية ، وإن كان بعضهم يسعى للحصول على خدمات معيشية حيوية من قلب المؤسسة الإسرائيلية لصالح قطاعات من شعبه على أمل الوصول إلى المساواة وتجاوز مظاهر التمييز الفاقعة ضد الفلسطينيين من قبل المؤسسة الإسرائيلية .
أعضاء الكنيست العرب من الفسطينيين في قوائم الليكود والعمل وميرتس تنطبق عليهم معايير الألحاق وتزويق مكانة الأحزاب الصهيونية بوجودهم في صفوف هذه الأحزاب وهم أدوات لديها ، وهو الصنف الأول من التعاون غير العادل والتبادل غير المتكافيء بين الفلسطينيين والإسرائيليين عبر إنخراط هذا القطاع من الفلسطينيين داخل الأحزاب الصهيونية والعمل ضمن برامجها ومؤسساتها ، وهؤلاء هم :
1- أيوب قرا – حزب الليكود .
2- حمد عمار – حزب إسرائيل بيتنا .
3- زهير بهلول – تحالف المعسكر الصهيوني .
4- عيساوي فريج – حركة ميرتس .
أما المظهر الثاني فهو نقيضه تماماً يمثله الشيوعيون حيث ينخرط شخصيات إسرائيلية في صفوف الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة وهما فصيلان مكملان لبعضهما البعض كل منهما يرفض الصهيونية ، ويعمل ضد مشروعها الإحتلالي التوسعي والأحلالي ، وهم فئة قليلة محدودة من الإسرائيليين في صفوفهما ، وهما يضمان أغلبية عربية ويقعان في قلب وفي قيادة الحركة السياسية الفلسطينية في مناطق 48 ، ولذلك على الرغم من غياب التكافؤ التعددي بين الفلسطينيين والإسرائيليين في صفوف الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ، ولكنهما يقدمان نموذجاً للتكافؤ والندية والأحترام المتبادل بين الشعبين داخل صفوفهما .
لقد أصر الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي شكل إمتداداً بولادته بعد عام 1948 لعصبة التحرر الوطني الفلسطينية قبل عام 1948 ، أصر أن يبقى حزباً موحداً يضم في صفوفه وقياداته من الفلسطينيين الذين بقوا على أرض بلادهم عام 1948 مع إسرائيليين ، ونجح في تقديم نموذج راق من العلاقات والشراكة ، على خلاف مجمل الأحزاب العربية التي ولدت في مناطق 48 ولكنها فشلت في ضم ولو إسرائيلي واحد لصفوفها إما لإسباب مبدئية غير معلنة أو لأنها لم تجد في الإسرائيليين بعد شركاء يستحقون الشراكة ، وغالباً ما رفعوا شعاراً قومياً أخاذاً في معارك إنتخابات البرلمان منذ عام 1996 بقولهم ” الصوت العربي للنائب العربي ” و ” الصوت الإسلامي للحركة الإسلامية ” ، ولكن هذه القاعدة القومية تم تجاوزها في معركة إنتخابات الكنيست الأخيرة التي جرت يوم 17/3/2015 ، بعد أن تم الأتفاق يوم 22/1/2015 ، بجعل النائب الشيوعي الإسرائيلي دوف حنين في الموقع الثامن من قائمة الترشح لعضوية البرلمان على عضوية القائمة العربية المشتركة التي ضمت تحالف التيارات السياسية الثلاثة اليساري والقومي والإسلامي ، وهي المرة الأولى التي تصل فيها الأحزاب الفاعلة لدى الوسط العربي الفلسطيني في مناطق 48 إلى الأتفاق والشراكة والتحالف وخوض الأنتخابات البرلمانية بقائمة واحدة حققت من خلالها فوزاً غير مسبوق ونجح لها ثلاثة عشر نائباً في البرلمان منهم النائب الإسرائيلي دوف حنين .
وبذلك وعبر المظهرين الأول إندماج شخصيات عربية فلسطينية في عضوية الأحزاب الصهيونية والثاني إندماج شخصيات إسرائيلية لدى الأحزاب العربية الفلسطينية إنما يشكلان مظهراً نقيضاً للاحادية القومية والتطرف وتقديم رؤى تعتمد على هذه الشراكة وتطويرها .
أما المظهر الثالث فيتمثل بجهود حركة فتح ومحاولاتها بناء علاقات وفتح حوار مع أوساط إسرائيلية مختلفة تقوم على الندية والتكافؤ بين المشروعين الفلسطيني والإسرائيلي ، وهي محاولات يسودها النجاح حيناً والتخبط حيناً ، لأنها لا تشكل سياسة منهجية متفق عليها معتمدة على تحالف فصائل العمل الوطني في إطار منظمة التحرير ، ولا تسعى لتوسيعها كي تكون سياسة فلسطينية منهجية معلنة ، تخدم النضال الوطني الديمقراطي الفلسطيني وتسعى لإختراق المجتمع الإسرائيلي المتفوق وكسب إنحيازات من بين صفوفه لصالح عدالة الحقوق الفلسطينية ومشروعية مطالبها .
والحقيقة السياسية ، والكفاحية التي يقفز عنها اليسار الفلسطيني وفصائل التيار القومي التقدمي ، أن نضال الجزائريين ضد الفرنسيين ، والفتناميين ضد الأميركيين لم يقتصر على النضال على الأرض ضد العدو ، بل ترافق هذا النضال في المساعي الحثيثة لكسب الرأي العام الفرنسي لصالح الجزائريين والرأي العام الأميركي لصالح الفيتناميين كنماذج صارخة من نضال الشعوب ضد محتليها ، ومن باب أولى أن يتعلم الشعب العربي الفلسطيني من تلك التجارب ويستفيد منها في نضاله من أجل دحر الأحتلال وهزيمة مشروعه الأستعماري وهذا لن يتم بدون كسب إنحيازات من طرف الرأي العام الإسرائيلي لصالح النضال الفلسطيني ومشروعية مطالبه وعدالة حقوقه الوطنية .
التعليقات مغلقة.