“كارثة إنسانية” في غزة / عماد فواز العربي

عماد فواز العربي (مصر) – السبت 21/10/2023 م …




 فجأة، أصبح الحديث عن “الممرات الإنسانية” نحو قطاع غزة يبدو كهدف سياسي رئيسي للعديد من دول العالم، وبغض النظر عن نوايا الأطراف المعنية، فإنه من المهم عدم الانجراف في الرؤية الأمريكية لهذه المسألة كمجرد تأخير. فإن هناك حاجة لربط أي تدخل إنساني عام بوقف عمليات القصف المتواصلة، والتي تُعتبر جرائم حرب تُرتكب في الأجواء. لا بد أن تلتزم القضية الإنسانية بوقف العدوان والقصف، ليس فقط لتمكين إدخال الأدوية والمواد الطبية والتموينية وغيرها، ولكن أيضًا لقطع الطريق أمام عمليات الغزو البري. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون من الممكن ربط “الممرات الإنسانية” بمبادرة وقف العدوان المقدمة من روسيا. في هذا السياق، يجب علينا ألا نوافق على الخدعة الإنسانية الأمريكية دون ربطها بهذه المبادرة والسعي للتحرُّك نحو المستقبل. فإذا لم نفعل ذلك، فسيتوجب علينا أن نواجه في المستقبل اتهامات بخيانة القضية الإنسانية والساهم في تسهيل الغزو العدواني ضد قطاع غزة.

مع فرض قرار إسرائيلي بفرض حصار تام على قطاع غزة تحت شعار: “لا كهرباء، لا طعام، لا وقود”، بهدف منع وصول الإمدادات الغذائية والطبية وحرمان سكان القطاع من وسائل العيش. مع تصاعد الحرب الإسرائيلية على القطاع، بدأت الدعوات لفتح ممر آمن أو “ممر إنساني”، ولكن الهدف من فتح هذا الممر لم يكن واحدًا.

الممرات الإنسانية هي أماكن يتم اتفاق عليها خلال النزاعات المسلحة، بحيث يتم فتح ممر آمن لإدخال المساعدات الإنسانية، أو إجلاء الجرحى والمرضى، أو تسهيل مغادرة المدنيين. يتم تطبيق هذه الممرات في مناطق خارجة عن نطاق النزاع، تحت إشراف طرف ثالث مثل الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية المعنية. هدف إنشاء هذه الممرات هو حماية المدنيين خلال النزاعات المسلحة وتأمين وصول المساعدات الإنسانية.

غالبًا ما تتولى منظمات إنسانية دولية مثل الصليب الأحمر الدولي مهمة إيصال المساعدات الإنسانية وإجلاء الجرحى والمرضى. تلزم المواد الخاصة باتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الدول بحرية مرور المساعدات الإنسانية بما في ذلك الأدوية والمستلزمات الطبية والغذاء والملابس للسكان المدنيين.

إقامة ممر إنساني تحتاج إلى مناقشات ومفاوضات بين الأطراف المتحاربة والدولة الثالثة التي ستمر من خلالها المساعدات والمنظمات الدولية التي ستشرف على الممر. وعادة ما تكون هيئات الأمم المتحدة شريكًا في هذه الاتفاقيات.

يجب أن يتوفر نطاق جغرافي محدد تحت إشراف طرفي النزاع في الممر الآمن وكذلك نطاق زمني محدد لتحقيق الهدف. ومع ذلك، قد لا يكون إنشاء هذه الممرات سهلاً، حيث يجب أن يتفق الطرفان المتحاربان على إنشاء الممر والدولة التي ستمر المساعدات عبرها. هذه الدولة قد تفرض قيودًا أو شروطًا تتعلق بهذا الممر.

تحدد البروتوكولات الإضافية الخاصة باتفاقيات جنيف لعام 1977 الأحكام الخاصة بتقديم المساعدات الإنسانية، بحيث لا تعتبر هذه المساعدات تدخلًا في النزاع ويجب أن تكون تحت مبدأ الحياد والتجرد.

يمكن للأمم المتحدة أن تفرض فتح ممرات إنسانية بناءً على الفصل السابع، ولكن في كثير من الأحيان يحد من استخدام حق النقض “الفيتو” التوصل إلى قرار بشأن هذا الممر. ومن الأمثلة على ذلك رفض روسيا وسوريا فتح ممر إنساني خلال الأزمة السورية.

وتم إنشاء ممرات إنسانية خلال الحرب بين روسيا وأوكرانيا بعد مفاوضات بين الأطراف المشتبكة. تم فتح 10 ممرات إنسانية لعبور المدنيين الأوكرانيين من مناطق النزاع إلى مناطق آمنة، لكن السماح بفتح الممر كان في بعض الأحيان يتوقف على الإرادة الروسية، واتهمت أوكرانيا السلطات الروسية بتعطيل هذه الممرات.

هناك أمثلة أخرى للممرات الإنسانية مثل “كيندر ترانسبورت” الذي تم إنشاؤه لنقل الأطفال اليهود من المناطق الخاضعة للنازية إلى المملكة المتحدة، وممرات أخرى أنشئت خلال حصار سراييفو في البوسنة.

تهدف الدعوات لإنشاء ممر إنساني في قطاع غزة إلى إيصال المساعدات الإنسانية وتلبية احتياجات السكان. ومع ذلك، تباينت التصريحات حول هدف فتح هذا الممر، مما يثير قلق الفلسطينيين بشأن مخاطر تهجير السكان وتغيير التوازن الديموغرافي في المنطقة

كان من المتوقع أن يكون المختطفون الغربيون والإسرائيليون ورقة رئيسية في هذه الحرب، إلا أن ما حدث هو أن حوالي مليون فلسطيني أصبحوا في حالة معاناة ويُستخدمون كورقة قوية في يد إسرائيل.

خلال هذه الأزمة، قامت إسرائيل، التي هددت بغزو كبير، بتنفيذ ضربات جوية تسببت في كوارث كبيرة بين المدنيين، مما أدى إلى تقليل خسائرها العسكرية. إذا استمرت هذه الضربات الجوية، فستزداد الكوارث وعدد الضحايا المدنيين. ومن المرجح أن استهداف المستشفيات جاء من إسرائيل نفسها، والتي سبق وأن هددت بقصفها بزعم وجود قادة من “حماس” فيها. ومن الجدير بالذكر أن خسائر “حماس” كانت محدودة نسبيًا، حيث أن الضربات الجوية لها تأثير أقل في حروبها ضد الميليشيات مقارنة بالجيوش التقليدية مثل “حماس” و”الجهاد”، كما حدث في المواجهات في لبنان والعراق سابقًا.

أخطر جانب نشأ عن هذه الأزمة هو التهجير الذي تعرض له حوالي مليون شخص من شمال القطاع إلى جنوبه، وربما تتجه أعينهم إلى إقليم سيناء المصري. وقد يكون هذا التهجير الأكبر للفلسطينيين منذ حرب عام 1967! هل من الممكن أن يتم نقل ثلث سكان القطاع إلى مصر؟

يمكن اعتبار تهجير الفلسطينيين من شمال غزة إلى جنوبها جزءًا من المعركة مع “حماس”، ومن المحتمل أن يصبح جنوب القطاع منطقة عازلة كبيرة وواسعة تحمي حدودها. في حين أن نقل المليون الفلسطيني إلى مصر قضية تهم جميع دول المنطقة. ومن الواضح أن مثل هذا النقل غير واقعي في الظروف الحالية لعدة أسباب، أبرزها أن مصر ترفض بشكل قاطع ذلك بناءً على مصالحها السياسية والأمنية. إذ إن مصر تعد دولة حليفة للولايات المتحدة، ولن تتنازل إسرائيل عن العلاقات الدبلوماسية معها. وبالتالي، لن يتم تهجير الفلسطينيين دون موافقة مصر، ومن المؤكد أن مصر ستعارض ذلك. ومع ذلك، تتغير الأوضاع في حالة نشوب اشتباكات مع سوريا أو لبنان، حيث يمكن أن تدفع إسرائيل سكان المناطق المتاخمة، إن وجدوا، نحو الحدود.

أما بالنسبة لملايين السوريين، فقد هربوا من المعارك إلى تركيا، وهذه قضية مختلفة وظروف مختلفة. فقد اتهمت دمشق تركيا بدعم المعارضة، ولم تكن لدى تركيا القدرة على التدخل العسكري المباشر، لذلك قررت فتح حدودها للاجئين السوريين بأعداد غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية. وفي الوقت الحاضر، تواجه تركيا تحديات كبيرة جراء الأعداد الضخمة للاجئين وعواقبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

من اللافت أن إسرائيل تتحدث عن تهجير سكان غزة إلى مصر وكأنها ترغب في معاقبة مصر بسبب ما ترونه تقصيرًا في التعامل مع المعابر والأنفاق والحدود. إن نزوح المئات آلاف الفلسطينيين سواءً داخليًا أو خارجيًا سيكون تصعيدًا لكل من إسرائيل وإيران. إذ ستتمكن إسرائيل في هذه الحالة من التخلص من عدد كبير من الفلسطينيين على حدودها، وستكون إيران قد نجحت في تهديد الأمن المصري وتقوية موقفها التفاوضي ومعه “حزب الله” وسوريا

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.