“طوفان الأقصى” في الميزان العسكري والسياسي
الأردن العربي – الثلاثاء 24/10/2023 م …
نفس المنابر الاعلامية المُطبعة، نفس الشخصيات المنبطحة، في الحرب وغير الحرب، بدأت منذ اليوم الاول لانطلاق “طوفان الاقصى”، تعمل على تحميل المقاومة الاسلامية حماس، “مسؤولية”، ما اعتادت ان تطلق عليه صفة “المغامرة”، في محاولة يائسة ، للابقاء على الصورة النمطية المرسومة لـ”اسرائيل القوية التي لا تهزم”، وبـ”الفلسطينيين الضعفاء”، في وعي المهزومين من العرب، الذين إهتزت هذه الصورة لديهم وبعنف في يوم 7 اكتوبر.
الامر الذي فات هؤلاء المنظرين المنبطحين ، والمنابر الاعلامية المطبعة، ان عملية “طوفان الاقصى”، لم تكن وليدة الساعة، او انها ردة فعل عاطفية متسرعة ازاء جريمة او جريمتين لقوات الاحتلال وعصابات المستوطنين، بل هي نتاج طبيعي لظلم لا حدود له، مورس ضد الشعب الفلسطيني منذ اكثر من سبعة عقود، ونتاج حصار بري وبحري وجوي، لقطاع غزة منذ اكثر من 16 عاما، استهدف تجويع وتعطيش واذلال اكثر من مليوني انسان محصورين في قطعة ضيقة من الارض، تعتبر من اكثر مناطق العالم اكتظاظا بالسكان، وحرمانا من ابسط مقومات الحياة، والعالم الغربي الذي تقوده امريكا، لم يقف متفرجا على هذه المأساة الانسانية التي كانت تحصد يوميا ارواح الفلسطينيين فحسب، بل كان مشاركا ومتواطئا في الحصار وتنفيذ الجريمة، فكان لابد من المقاومة ان تتخذ قرارا لانهاء هذه الحالة والى الابد مهما كانت النتائج.
يمكن للانسان ان يجسد في مخيلته جانبا من الماساة الفلسطينية، التي يحاول المطبعين والمنبطحين، ان تبقى وتستمر الى ان تنتهي الى موت تدريجي للقضية الفلسطينية، وهي مأساة السجناء الفلسطينيين، الذين يقبعون في سجن كبير اسمه الاراضي الفلسطينية المحتلة، وقطاع غزة، وسجن آخر اقامة المحتل داخل هذين السجنين، تم تكديس اكثر من 6 الاف فلسطيني، بينهم المئات من النساء والاطفال، يقضي نحو الفين منهم احكاما بالسجن طويلة الامد الى اكثر من 30 و40 عاما، ونسبة كبيرة منهم يعانون من امراض قاتلة، ويعيشون في ظروف صعبة محرومين حتى من الدواء والعلاج، لا امل لهؤلاء للتحرر من اسر الصهاينة، الا من خلال فرض صفقة لتبادل الاسرى، مع عدو لا يفهم الا لغة القوة.
الاهم من كل ما تقدم، هو الصعود التدريجي والعنيف، لاكثر الاحزاب الصهيونية يمينية وتطرفا وعنصرية الى الكنيست ومن ثم الى الحكم في الكيان الاسرائيلي، رغم ان جميع الاحزاب الاسرائيلية تشترك بهذه الصفات دون استثناء، الا ان الحكومة الحالية، التي تضم وزراء مثل سموتريتش ، وبن غفير، تعمل وبشكل علني، على تنفيذ اهدافها المعلنة والتي تتعلق بتهويد القدس، والسيطرة عليه بشكل كامل، وهدم المسجد الاقصى، ولم تعد هذه الاهداف شعارات لاحزاب او شخصيات يمينية دينية قومية متطرفة معزولة في المجتمع، ولهذه الأحزاب برنامج أيديولوجي ديني يتعلق بتهويد القدس والسيطرة، بل أصبح برنامجا تتبناه الحكومة وتقرر له ميزانيات وأدوات لتحقيقه دون اي مراعاة للفلسطينيين والعرب والمسلمين، فكان لابد من وقف هؤلاء عند حدهم ومنعهم من تحقيق “حلمهم” في هدم المسجد الاقصى، دون الاخذ بالاعتبار بما سيقوله المطبعون والمنبطحون.
عندما نقول ان برنامج حكومة نتنياهو لتهويد القدس وهدم المسجد الاقصى، وتوطين اكثر من مليوني مستوطن في الضفة الغربية، عبر احتلال وابتلاع المزيد من اراضي الفلسطينيين، وتهجير مئات الالاف من الفلسطينيين، فاننا هنا لا نتهم ولا نرفع شعارات، بل هذه معلومات وحقائق نشاهدها على الارض، كما يشاهدها غيرنا، حتى انه ومن اجل تحقيق هذه الاهداف التي باتت قريبة من التحقق، تم تاسيس ميليشيات من المستوطنين في الضفة الغربية مثل ميليشيات “فتيان التلال” وغيرهم، بقيادة وزير المالية، بهدف السيطرة على الضفة ومضاعفة عدد المستوطنين فيها وطرد الفلسطينيين من أراضيهم. وفي ذات السياق، اسس وزير الامن الداخلي إيتمار بن غفير جهازا عسكريا يتبعه مباشرة، اطلق عليه اسم “الحرس الوطني”، هدفه طرد فلسطينيي شرق القدس من بيوتهم والسيطرة عليها بالكامل.
تزامنت كل هذه الاجراءات المتسارعة، والمدعومة من الغرب وعلى راسه امريكا، لتصفية القضية الفلسطينية، مع قضية في غاية الخطورة تمثلت، بمحاولات امريكا بالضغط على السعودية من اجل تطبيع علاقاتها مع الكيان الاسرائيلي، حيث يرى اغلب المراقبين ، انه في حال نجحت امريكا في محاولتها هذه، كانت ستوجه ضربة قوية للقضية الفلسطينية، لما للسعودية من ثقل ديني في العالم العربي والاسلامي.
“طوفان الاقصى” كان ردا ضروريا، على هذه المخططات، التي كانت ستنهي القضية الفلسطينية والى الابد في حال، لم تواجه برد غير مسبوق من قبل المقاومة والشعب الفلسطيني، فكان للمقاومة ان تثبت للعالم ان القدس خط احمر، وان مسارات التطبيع لن تنتهي كما تشتهي امريكا، ولن تكون لاي قوة على الارض، القدرة على تصفية القضية الفلسطينية وتجاوز الفلسطينيين، عبر مسارات التطبيع والتهويد والتهجير والارهاب والارعاب.
صحيح ان الثمن الذي دفعه ويدفعه اهالي غزة غال وغال جدا، الا ان المجاوز التي ترتكبها قوات الاحتلال الاسرائيلي في غزة، مثل مجزرة مستشفى المعمداني وغيرها، اكدت ان “طوفان الاقصى” قصم ظهر “اسرائيل”، وانها لن تعود الى ما كانت عليه قبل “طوفان الاقصى”، وما هذه المجازر التي تجاوز عدد شهدائها اكثر من 5 الاف شهيد، نصفهم من الاطفال، الا دليل صارخ على ان “اسرائيل” واسيادها اصيبوا في مقتل، اعاد جميع مخططاتهم ومؤامراتهم الى المربع الاول، لذلك لم يجدوا سوى الاطفال والنساء والبيوت الامنة، اهدافا للانتقام لضباطه وجنوده الذين اخرجتهم المقاومة من مواقعهم العسكرية المحصنة ومن داخل دباباتهم وأخذتهم اسرى اذلاء دون ادنى مقاومة، ونقلتهم معها الى غزة.
التعليقات مغلقة.