وزيرة اسبانية تنتصر لفلسطين… وإماراتية تقاتل إلى جوار المستوطنين… والمسؤولون العرب يتجاهلون فلسطين

الأردن العربي –  الخميس 26/10/2023 م …




من بين ثمار “طوفان الأقصى” المبارك أنه أسقط ورقة التوت التي كان يستتر خلفها المهرولون لنيل الرضا العبري إذ كشفت الأيام الأخيرة عن أن الأنظمة التي زعمت حرصها على دعم القضية الفلسطينية، لا تقل صهيونية عن الرئيس الأمريكي بايدن وذيوله المنتشرين في أصقاع الأرض، فيما ضربت الحكومة الإسبانية مثالا على أن الوقوف في وجه الجرائم الإسرائيلية ليس مرتبطا بأن تكون تتحدث بلغة وديانة الضحية، فها هي وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية بالإنابة إيوني بيلارا، تطالب الدول الأوروبية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل”، واتخاذ عدة إجراءات عقابية بحقها، بسبب قصفها المدنيين في غزة. وقالت بيلارا في منشور على حسابها الرسمي في منصة “أكس”: “دعونا نتحرك، لا يزال من الممكن وقف الإبادة الجماعية”. ودعت بيلارا الدول الأوروبية إلى اتخاذ 4 إجراءات ضد “إسرائيل” وهي، “قطع العلاقات الدبلوماسية معها” و”فرض عقوبات اقتصادية شبيهة بالتي فرضها الغرب على روسيا”، كذلك طالبت بـ”حظر تصدير الأسلحة لـ”إسرائيل” و”تقديم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجميع القادة السياسيين الآخرين الذين قصفوا المدنيين في غزة إلى المحكمة الجنائية الدولية”. في المقابل وفي ما يعتبر دعما صريحا لإسرائيل، التي ترتكب جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني على مدار الساعة، قالت وزيرة الدولة للتعاون الدولي الإماراتية ريم الهاشمي، في كلمة خلال جلسة في مجلس الأمن بشأن الشرق الأوسط، بما في ذلك القضية الفلسطينية، إن هجمات حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول هجمات بربرية وشنيعة. وأشارت في البيان الذي نشره موقع البعثة الدائمة في الأمم المتحدة، “بينما نكرر أن الهجمات التي شنتها حماس في السابع من أكتوبر هي هجمات بربرية وشنيعة ونطالبها بالإطلاق الفوري وغير المشروط لسراح الرهائن، لحقن الدماء وتجنيب جميع المدنيين المزيد من الويلات، إلا أننا نؤكد في الوقت ذاته أن جرائم حماس بحق المدنيين لا يمكن أن تبرر إطلاقا سياسة العقاب الجماعي الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، حيث يجب أن تحترم إسرائيل التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني، وأن تضمن حماية المدنيين”. ودعت الإمارات في بيانها للتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة دون عوائق.
تساءل الدكتور أحمد خزيم المستشار الاقتصادي لحملة المرشح الرئاسي أحمد الطنطاوي المنسحب من خوض انتخابات الرئاسة: “مينفعش جنرالات الحرب العرب يأجروا 1% من أسلحتهم ايجار بس لمدة شهر للمقاومة ويخليهم هما بعيد”. وفي سياق الأحداث: استقبل الدكتور خالد عبد الغفار وزير الصحة والسكان، أوكاي ميميش محافظ ورئيس هيئة الكوارث والطوارئ التركي AFAD وصالح موطلو شن، السفير التركي في القاهرة، والدكتورة فاطمة يلماز رئيسة جمعية الهلال الأحمر التركي، والوفد المرافق لهم، في مقر الوزارة في العاصمة الإدارية الجديدة، لبحث سبل التعاون بين البلدين لإيصال المساعدات الطبية لأهالي غزة، ووسائل تقديم الدعم الطبي لهم. ومن أخبار التعليم: حذّرت وزارة التربية والتعليم المدارس الرسمية للغات والخاصة، والتى تطبق وتدرس المناهج المطورة للصفوف الدراسية في المرحلة الابتدائية، خاصة الرابع والخامس والسادس الابتدائي، من تطبيق أي مقررات دراسية بخلاف المناهج المقررة والمعتمدة من الوزارة.
نعم النساء

كان شيئا مبهرا ذلك الذي شد انتباه فاروق جويدة في “الأهرام”: نساء غزة يطاردون جنود الاحتلال الإسرائيلي ويتصدون للدبابات، ومئات الأطفال يسقطون شهداء أمام حشود الجيش الذي فقد كل القيم الإنسانية.. لم يكن غريبا أن تعترف صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، بأن الشعب الفلسطيني أعظم شعب يدافع عن أرضه. إذا كانت إسرائيل قد أبادت آلاف النساء والأطفال فقد قدمت صورا للوحشية من عهد النازي.. لقد خرجت حشود نساء غزة وأطفالها تواجه حشود الموت، وكانت صور الأمهات والأطفال تؤكد أن الشعب الفلسطيني لن يفرط في وطنه وأرضه ولو حارب مئات السنين.. هناك حكاية تروى عن المرأة الفلسطينية، أن أمهات الشهداء يحرصن على إنجاب عشرات الأبناء لتقديمهم للمقاومة، ولعل هذا هو السبب الذي يجعل إسرائيل تقتل الأطفال بوحشية.. إسرائيل تخاف من أطفال غزة وتتمادى في قتلهم، لأنها تدرك أنهم رجال المستقبل.. المرأة الفلسطينية تقود المقاومة على طريقتها، لأنها حريصة على أن تنجب أبطال الغد.. وإسرائيل تدرك هذه الحقيقة وتعلم أن الأطفال هم المستقبل ولهذا تتخلص من أكبر عدد منهم.. إنها تمارس عملية إبادة للأطفال الذين يشاهدهم العالم على الشاشات كل يوم، وسوف يكبر من بقي منهم وشاهد وحشية الاحتلال ويدرك أن تحرير الوطن مسؤولية جيل جديد.. إن الشعب الفلسطيني لن يخرج من أرضه ولن يتخلى عنها، وشهداء فلسطين تركوا خلفهم من يعيد الأرض، حتى لو تخلى العالم عنهم.. لقد عادت قضية فلسطين حديث العالم، ويبدو أنها لن تنتهي قريبا، وعلى جميع الأطراف أن تستعد لمواجهات جديدة.

الأبن غير الشرعي

في زيارته الأخيرة لإسرائيل كشف الرئيس الأمريكي بصورة سيميائية، كما عبر بذلك الدكتور أكرم السيسي في “الشروق”، عن شكل العلاقة التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل؛ ظهر الرئيس بايدن على شاشات التلفزيون عند استقباله وهو يضع ذراعه اليسرى على كتِفَي رئيس وزرائها نتنياهو، وضمه للناحية اليسرى (موقع القلب)، تماما كما يحتضن الأب ابنه، هي الطريقة نفسها التي استقبل بها بايدن الرئيس الأوكراني زيلينسكي في أول زيارة له للولايات المتحدة، بعد اشتعال الحرب ضد روسيا، ولكن بايدن مع زيلينسكي نراه يضمه إليه من الناحية اليمنى. تعكس الصورتان الدعم المعنوى المطلق للمسؤولين، وفي الوقت نفسه، تكشف بشكل واضح لا لبس فيه «ازدواجية المعايير» للرئيس الأمريكي وللنظام السياسى لبلاده؛ حيث أن زيلينسكي رئيس دولة مُعتدى عليها، احتلت جارتها روسيا جزءا من أراضي بلاده، بينما نتنياهو مُعتدٍ على شعب أعزل؛ احتلت دولته أراضي فلسطين واغتصبتها، وشرَّدت أهلها، وحاصرت جزءا منها (غزة) برّا وبحرا وجوا لمدة ثمانية عشر عاما، إلا أن الاثنين ـ نتنياهو وزيلينسكي ـ وعلى الرغم من تعارض وضعهما (الأول مُعتدٍ والثاني مُعتدَى عليه) نالا من الرئيس الأمريكي العناية والرعاية المعنوية، وبالطبع المادية من عتاد وأموال ومواقف سياسية داعمة في الهيئات الدولية. وتوضح الصورتان وضع كل منهما بالنسبة للرئيس الأمريكي الذي يضم نتنياهو ناحية قلبه، فتبدو أوكرانيا ليست كإسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة، هذا من ناحية لغة الجسد (body language)، أما من ناحية اللغة الطبيعية، فقد عبّر الرئيس بايدن بقوله: «لو لم تكن هناك إسرائيل لكان على أمريكا خلق إسرائيل لحماية مصالحها»، ويضيف: «ينبغي أن لا تكون يهوديا حتى تكون صهيونيا»، وقول ريشي سوناك رئيس وزراء بريطانيا: «لا يمكن معاملة الفلسطيني مثل الإسرائيلي»، تصريحات تؤكد العلاقة العضوية الخاصة بين الولايات المتحدة والغرب من جانب، وإسرائيل من الجانب الآخر. من المعلوم أن إسرائيل أنشأتها بريطانيا عندما كانت عُظمى بوعد من رئيس وزرائها بلفور (1917)، فكان وعدا مِمَّن لا يملك لمن لا يستحق، وصارت هذه العلاقة العضوية كعلاقة بين أب وابنه ـ رغم أن الابن غير شرعي. بالبحث عن مواصفات الطفل المدلل الذي غالبا ما يكون وحيدا أو جاء إلى الدنيا بصعوبة أو بطريقة غير طبيعية، نجدها تنطبق بالحرف الواحد على إسرائيل وتصرفاتها، فأول ما يُميز هذا الطفل أنه لا يقبل شريكا له، ولا يساوم في متطلّباته ويضعها في المقدّمة، فهو أنانى بامتياز، ولا يظهر تعاطفا مع الآخرين، كما لا يقبل كلمة «لا» من أحد، ويرفض اتباع القواعد، وإذا لم تُلبَ طلباته أو أُصيب بانكسار تنتابه نوبات غضب جنونية، ولا يهدأ إلا بالانتقام، والسعى لتدمير الآخر، فضلا عن أنه يعتاد مخالفة القواعد العامة، دون معارضة من والديه، ويتسبب ذلك في أنّه «يأمَن العقاب»، وعليه «يُسيء الأدب» مع الجميع، إذ عندما يعتاد التساهل معه يستطيع مخالفة التعليمات والقواعد ببساطة، وهكذا يصبح طفلا عدوانيا وضعيفا لا يستطيع الاعتماد على نفسه، ويسبب حرجا لوالديه. أليست هذه مواصفات إسرائيل؟ فقد نشأت بعملية قيصرية، وبطريقة غير شرعية، جعلتها تشعر بأنها متفردة، فأصبحت مُدللة لا تقبل أي تعاون مع الآخر، فكرها نابع من «الغيتو»، أنانية لا ترى سوى مصالحها، فهى دولة مارقة لا تلتزم بالقوانين، أُدينت عشرات المرات من المنظمات الدولية، على رأسها الأمم المتحدة والجمعية العامة، وترفض تنفيذ أي قرار أُمَمي، لا تخضع لأي سيطرة من أي ما كان، وإذا أصابتها أي هزيمة انتابتها نوبات غضب عارمة، لا تهدأ إلا بالانتقام المدمر الذي لا يتناسب مع ما أصابها، وتُقيم العالم وتقعده، فتطلب المعونة والدعم من الآخرين، هي في الحقيقة دولة ضعيفة للغاية تنهار بسرعة البرق، تعتمد على فرض نفسها بالقوة في محاولة لتحقيق أمنها، ولا تعترف بأن العدل والتعاون والمشاركة مع الآخرين أساس السلم والأمن والأمان الذي ستظل فاقدة له طالما هي مدللة لا تسعى إلا لمصالحها فقط.

نطق بالحق

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش» الذي يتابع تصريحاته محمد بركات في “الأخبار”، أصبح هدفا للهجوم ومحلا للانتقادات الحادة من كل المسؤولين الإسرائيليين، لمجرد مخالفته الادعاءات الإسرائيلية الخاصة بشرعية عدوانها الغاشم على الشعب الفلسطيني في غزة. تجرأ غوتيريش وقال كلمة الحق وخالف ما تدعيه دولة الاحتلال، وأدان المجازر والمذابح الجارية في غزة، وقال إنها غير مبررة ومخالفة للقانون الدولي، فأصبح محلا للهجوم ومستحقا للعقاب، ومطالبا بالاستقالة من منصب الأمين العام للأمم المتحدة. حدث ذلك خلال اجتماع مجلس الأمن الدولى لمناقشة الأزمة المشتعلة والأوضاع المأساوية الجارية في قطاع غزة، حيث دعا الأمين العام في كلمته إلى ضرورة وقف إطلاق نار إنساني فورا في القطاع لوقف المأساة. وقال إن الشعب الفلسطيني يتعرض لاحتلال مستمر منذ أكثر من «56 عاما»، ومن المهم أن ندرك أن هجوم حماس ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لم يحدث من فراغ، وأن تلك الهجمات لا تبرر القتل الجماعي الذي تشهده غزة، خاصة أن الشعب الفلسطيني يعيش تحت احتلال خانق منذ 1967. وذكر الأمين العام للأمم المتحدة، أن حماية المدنيين أمر بالغ الأهمية، وأن هذه الحماية لا تعني إصدار الأمر بإجلاء أكثر من مليون مواطن فلسطيني إلى الجنوب، حيث لا مأوى ولا غذاء ولا ماء ولا دواء ولا وقود، ثم الاستمرار في قصف الجنوب الذي يتوجهون إليه، ثم أكد الأمين العام غوتيريش أنه لا يوجد طرف في أي نزاع مسلح فوق القانون الإنساني الدولي. وما أن قال هذه الأقوال، حتى توجه إيلي كوهين وزير الخارجية الإسرائيلي إليه غاضبا وهو يقول متسائلا، في أي عالم تعيش؟ بينما أعلن المندوب الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان أن خطاب غوتيريش «صادم»، وأن تصريحاته الخاصة بأن هجمات حماس لم تحدث من فراغ، تعبر عن تفهم للإرهاب. وفي الوقت ذاته أعلن بيتي غانتس عضو حكومة الطوارئ الإسرائيلية، «أن الأيام التي يدعم فيها الأمين العام للأمم المتحدة الإرهاب، هي أيام مظلمة»، «وأن من يعطي تبريرا للإرهاب لا يستحق أن يتحدث باسم العالم» وهو ما يعني أنه لا يستحق أن يبقى في منصبه أمينا عاما للأمم المتحدة. وعلى الوتيرة نفسها أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية إلغاء اجتماع كان مقررا انعقاده بين كوهين وغوتيريش.

الحرب الامريكية

تحت عنوان الحرب الأمريكية على الفلسطينيين يرى الدكتورمصطفى عبد الرازق في “الوفد” أننا يجب أن نتعامل مع المجازر الجارية في غزة حتى لو تجاوزنا ووصفناها بأنها حرب، فهي ليست حربا إسرائيلية بأي معنى من المعاني، وإلا لكانت انتهت بين يوم وليلة (مبالغة مقصودة) وأي متابع يمكن له أن يدرك حجم الإنهاك الإسرائيلي، الذي تكشف معه زيف المفهوم الأسطوري الخيالي عن القوة التي لا تقهر. هي حرب تعيد إلى الأذهان وإن كانت على شكل مختلف، العدوان الثلاثي على مصر في 1956 حين تكاتفت ثلاث دول هي بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر، بشكل يمكن معه أن يكون مبررا وصف ما نراه بأنه العدوان الثنائي (الأمريكي – الإسرائيلي) على غزة. لكن الفرق بين الحالتين هو أن الثلاثي كان ضد دولة، هي مصر، صحيح أنها لم تكن قد لملمت نفسها بعد أثر ثورة 52 ولكنها دولة، في حين أن العدوان الثنائي ضد تنظيم مهما امتلك من أسباب القوة فلن يتجاوز حدا معينا يرتقي به لمواجهة سلاح أقوى دولة في العالم هي الولايات المتحدة. أعادني ما أشاهده إلى خمسة عقود مضت، وكنت وقتها صبيا لم يتجاوز 11 عاما، حين راح السادات، إثر مبادرته بشن الحرب على إسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 1973 يعلن وصوته ما زال يرن في أذنى كأنه بالأمس القريب، أنه لن يستطيع أن يحارب أمريكا، بعد الانتصارات التي حققتها القوات المصرية في الأيام الأولى للحرب. حتى فترة غير بعيدة كان يدور في ذهني أن السادات كان يبالغ بعض الشيء لكي يهيئ المصريين لما جرى بعدها من تطورات على الجبهة ليس هنا مجال التفصيل فيها.

دون خجل

واصل الدكتور مصطفى عبد الرازق رصد الجرائم الاسرائيلية بدعم أمريكي ضخم وصمت دولي مخز: واقع الحرب الجارية يثبت أن الزعيم الراحل ـ اتفقت معه أو اختلفت ـ كان على حق. لو أن هناك مؤشرات على مفهوم المشاركة في الحرب، لأيقنت أن ما تقوم به الولايات المتحدة يمثل هذه المشاركة ويتجاوز فكرة الدعم المعنوي لإسرائيل، أو حتى تقديم معونات عسكرية، وإنما هو انخراط كامل وبكل اللغات والمعاني. بدأ أولا بما يمكن وصفه جسرا عسكريا من الإمدادات اللازمة للمعارك، وتواصل إلى حد إرسال عسكريين لمساعدة نظرائهم من الإسرائيليين في العمليات ضد غزة، مع فرق جاهزة للمشاركة في العمليات البرية (تذكر واشنطن أن هدفهم هو تقليل الخسائر بين المدنيين على نحو تتمنى لو كنت تملك معه «قلة أدب» باسم يوسف مع مضيفه في البرنامج الأخير بشأن تطورات الوضع في غزة).من الغريب أن واشنطن تمارس ذلك دون خجل، حتى أنك تشعر وكأنها بائعة هوى تمارس مهنتها على قارعة الطريق، فتعلن أنها طلبت من إسرائيل تأجيل الهجوم البري لحين وصول القوات الأمريكية إلى المنطقة. ووصل التنسيق لحد إطلاع بايدن لنتنياهو على الجهود الأمريكية المستمرة للردع الإقليمي، وعمليات الانتشار العسكري الأمريكي الجديدة، في تأكيد عملي لمقولة أن إسرائيل ليست سوى الولاية الأمريكية رقم «51».. اللهم انصر إخواننا في فلسطين.

عديمو إنسانية

يرى أشرف البربري في “الشروق” أنه منذ بداية المعركة الحالية بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، تخلى قادة الدول الغربية عن الحد الأدنى من الإنسانية، وتحلوا بأكبر قدر من البجاحة والغطرسة فأعطوا إسرائيل تصريحا مفتوحا بقتل أي فلسطيني لا فارق في ذلك بين الفدائي المسلح والمدني الأعزل والمرأة والطفل، فكانت النتيجة أكثر من 6500 شهيد بينهم 2360 طفلا، و1292 سيدة، و295 مسنا إلى جانب أكثر من 18 ألف مصاب، حسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية قبل أيام، مقابل مقتل 1400 إسرائيلي أغلبهم من العسكريين والمستوطنين، حسب بيانات تل أبيب. إذا كان نجاح المقاومة الفلسطينية في توجيه ضربة عسكرية غير مسبوقة للاحتلال الإسرائيلي في مستوطناته غير الشرعية، وقواعده العسكرية في غلاف غزة المحتل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، وقتل وأسر مئات الإسرائيليين، قد أفقد الإسرائيليين صوابهم فقرروا شن حرب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، فإنه أيضا كشف عن الوجه الاستعمارى القبيح للدول الغربية التي لم تتقبل فكرة أن توجه مقاومة شعبية محدودة التسليح ضربة بهذه القدرة والإتقان لقوة الاحتلال، فكان القرار هو ضرورة القضاء على هذه المقاومة، مهما كانت التكلفة البشرية والاقتصادية، التي سيتحملها المدنيون الفلسطينيون. ومنذ انطلاق عملية «طوفان الأقصى» الفلسطينية، أطلقت أمريكا جسرا جويا لمد آلة القتل الإسرائيلية بكل ما تحتاجه من أسلحة وذخائر، وكأن الجيش الإسرائيلي يواجه جيشا حقيقيا وليس مجموعة من المقاتلين الذين لا يملكون سوى إرادتهم الوطنية القوية وأسلحة محدودة، كما تسابق قادة الدول الغربية في إعلان الدعم المطلق لإسرائيل واعتبار المقاومة الفلسطينية المسلحة إرهابا يجب القضاء عليه، رغم أنه، وعلى مدى عشرات السنين، لم يتورط أي فصيل فلسطيني مسلح في أي عملية عسكرية خارج فلسطين المحتلة وتمارس المقاومة الكفاح الذي تكفله القوانين والمواثيق الدولية.

خجل العرب

يبلغ تبجح قادة الغرب مداه، كما أوضح أشرف البربري، عندما يصرون على أن قتل أكثر من 6000 فلسطيني هو حق مشروع لإسرائيل تحت شعار الدفاع عن النفس، دون أن يرد عليهم أحد بأن ما تفعله قوات الاحتلال ليس دفاعا عن النفس، وإنما دفاع عن الاغتصاب والاحتلال لأراضي الشعب الفلسطيني، وأن آلة القتل الإسرائيلية التي قضت على أكثر من 6000 روح في قطاع غزة، بدعوى وجود مقاومة مسلحة فيها، هي التي قتلت أيضا نحو 100 فلسطيني في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، دون أن تكون هناك عمليات مقاومة مسلحة في الضفة، وإنما احتجاجات شعبية على قتل إخوانهم في غزة. في الوقت نفسه تحدث ويتحدث القادة العرب عن ضرورة توصيل المساعدات الغذائية والدوائية للشعب الفلسطيني، وربما تحلى بالشجاعة فطالبوا بوقف إطلاق النار وحماية أرواح المدنيين «من الجانبين» مساوين بين الفلسطينيين الذين يفقدون في كل يوم مئات الشهداء والجرحى، الذين لا يجدون حتى رباط شاش لتضميد جراحهم، والإسرائيليين الذين لم يفقدوا سوى عدد قليل للغاية من القتلى بعد انتهاء الأيام الأولى من عملية «طوفان الأقصى». المؤسف أننا لم نجد أي مسؤول عربؤ ولا حتى من السلطة الفلسطينية من يتحدث عن حق الفلسطينيين في المقاومة المشروعة، خاصة أن غالبية هؤلاء المستوطنين هم جزء من آلة الاحتلال التي يحق للفلسطينيين مقاومتها. أخيرا يجب على الدول العربية مهما كانت خلافاتها مع المقاومة الفلسطينية، أن لا تسمح بشيطنة فصائل المقاومة ووصفها بالإرهاب، لأن هذه المقاومة هي خط الدفاع الأخير ضد مشروع الهيمنة الصهيوني على المنطقة، الذي قد لا ترى فيه بعض الأنظمة العربية خطرا حقيقيا على وجودها، بل ربما ترحب به بدعوى التصدي لهيمنة أخطر من جانب دول أخرى. فما بين تبجح قادة الغرب واستهانتهم بأرواح الفلسطينيين، واستحياء قادة العرب في الحديث عن الصراع، تغلي في قلوب وعقول الشعوب العربية مشاعر السخط وتتزايد مشاعر القهر التي تهدد بانفجار بركان غضب يهدد الجميع.

حل شيطاني

قررت إلهام عبد العال في “المشهد”، مخاطبة صاحب المقام السامي بعد أن بلغ بها الخوف مبلغه: السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي تحية طيبة وبعد… نظرا للظروف العصيبة، التي يمر بها الوطن والمنطقة من حوله والتهديدات الخطيرة التي تتعرض لها أرض سيناء المصرية، والمخططات التي شارك فيها الصديق والعدو لتهجير أهالي غزة إلى سيناء، فيضعون قدما في سيناء ويقضون على حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على أرضه. هذا الحل الشيطاني الذي تفتق ذهن أعداء الوطن عنه وساعدهم في التبجح بطلبه أصدقاء أو من ظنناهم إخوة وأصدقاء. سيناء أرض مصر الغالية التي ارتوت بدماء الأبناء والأجداد على حد سواء. سيناء قلب مصر النابض وخزانة كنوزها ومستقبل شعبها، التي يصورها الغرب بأنها قطعة من الصحراء الخالية من السكان ويروجون لخرائط جديدة تضع اسم مصر بعيدا عن سيناء وكأنها ليست جزءا منها ويلتفون حولها يريدون اقتطاعها من مصر وإذا اقتطعت سيناء سوف تضيع مصر كلها وهو ما تفضلتم برفضه وأكدتم على هذا الرفض عدة مرات. لذلك وبعد ما تقدم، فإنني ألتمس من سيادتكم الآتي: أولا- إعادة أهالي سيناء المهجرين إلى أراضيهم، فهم أولى بها من أي أناس آخرين مع توفير الحماية لهم والموارد اللازمة للحياة. ثانيا- إقامة معسكرات للمواطنين المصريين الراغبين في التطوع كمعتصمين على أرضهم، مع النشر بكل وسائل الإعلام والاتصال والتواصل ليعلم العالم أن أرض سيناء لها وفيها أهلها. ثالثا – سرعة الإعلان عن تمليك أراضي شمال سيناء للمصريين من سكان الصعيد والدلتا على أن يكون التمليك بحق الانتفاع لمدة 99 سنة، مع توفير تمويل لزراعة تلك الأراضي واستثمارها.. لا حل لمصر إلا بزراعة أراضيها بأيدي أبنائها الأشداء. الظرف عصيب ونحن الشعب معكم ووراءكم ويدنا بيدكم، فسلامة الوطن واستقلال أراضيه هي غاية المراد من رب العباد.

كلاهما يرفض

ما كان يمكن تصديق أن أصحاب هذه الهلوسة في إسرائيل يسمونها (خطة) ويرون أنه من السهل إخلاء قطاع غزة من أكثر من مليوني نسمة، في سابقة ليس لها مثيل في الحروب الحديثة، خاصة كما يشير أحمد عبد التواب في “الأهرام: مع وسائل الإعلام التي لا تكتم أسرارا، حتى لو كان من الممكن السيطرة على بعضها بعض الوقت. ويتحامى أصحاب الخطة المزعومة بمساعدات كونية من المساءلة والعقاب، رغم أن خطتهم وسيلة إيضاح لجرائم رهيبة محددة بنصوص القانون، بإجبار السكان المدنيين، وفيهم أطفال ونساء وشيوخ، على الفرار تحت وابل متواصل من القصف الرهيب الذي يوقع القتلى والجرحى بالآلاف، ويهدم فوق رؤوسهم المنازل والمستشفيات والمدارس، ويلوث عليهم الهواء، ويمنع إمدادهم بالمياه والكهرباء والطعام والدواء، وقد أحسن موقع (روسيا اليوم) بنشر هذه الهلوسة في تقرير معلومات عن مشروع إسرائيلي يفيد في معرفة كيف يفكرون؟ كشف التقرير، الذي أعدّه معهد (ميسجاف) الإسرائيلي لبحوث الأمن القومي وللاستراتيجية الصهيونية، أدق التفاصيل للخطة الإسرائيلية المرتقبة لتهجير جميع سكان قطاع غزة إلى مصر تقوم الفكرة الأساسية على أن هناك نحو 10 ملايين شقة في مدينتي 6 أكتوبر والعاشر من رمضان، نصفها على الأقل جاهزة وخالية، وأن تكلفة الوحدة الكافية لأسرة فلسطينية نحو 19 ألف دولار، أي أن إيواء كل الأسر الغزاوية يتكلف ما بين 5 إلى 8 مليارات دولار (ملحوظة خارج التقرير تَذَكَّر أن الإخوان كانوا وافقوا على مشروع توطين أهل غزة في سيناء مقابل مبلغ مقارب). ثم يضيف التقرير فوائد جمة تعود على إسرائيل بضم القطاع إلخ. ولا تعرف كيف أتى التقرير بكل هذه الثقة بأن توافق مصر سريعا على هذه الصفقة لأنها، كما يقول التقرير، في حاجة شديدة لهذه الأموال واستمرارا لتبسيط الموضوع يقول التقرير إن إجمالي عدد سكان غزة حوالي 2 مليون نسمة، أي أقل من 2 في المئة من إجمالي سكان مصر، حيث يعيش فيها بالفعل اليوم نحو 9 ملايين لاجئ من عدة جنسيات عربية أخرى. واضح أن عباقرة التقرير لا يَعتَدُّون بآراء أهم عنصرين في القضية، وهما الشعبان الفلسطيني والمصري، ولم يشيروا قط إلى أخبار الرفض المطلق من الشعبين وقادة البلدين، ولم يذكروا أن الفكرة لم تنل أي تأييد في البلدين.

كل الاحتمالات واردة

يعتقد كثير من المسؤولين والمخططين في أمريكا وإسرائيل حاليا أن لديهم تصورا شبه واضح عما سيحدث خلال الفترة القليلة المقبلة.. إلا أن الباحث الأمريكي البارز في شؤون الشرق الأوسط ناثان براون، الذي اهتم برأيه عبد الله عبد السلام في “المصري اليوم” يقول: «في الواقع، لا يبدو أن أحدا يتولى قيادة دفة الأحداث في الوقت الراهن لديه أدنى فكرة إلى أين يتجهون. غالب الظن أن الكثير من القرارات ستُتخذ على عجَلٍ من جهات تجد نفسها في وضع لا تفهمه تماما». في أحيان كثيرة، يكون الهدف من التهديدات منع الخصم أو ردعه عن القيام بأفعال معينة. ولأنه ليس هناك في الغالب معلومات دقيقة عما يعتزم هذا الخصم عمله بالضبط، فإن الطرف الآخر، وهو واشنطن في هذه الحالة، قد يبالغ في طريقة رده، لتخرج الأمور بالتدريج أو بشكل مفاجئ عن المرسوم لها. ربطت أمريكا تدخلها المباشر بتحرك أحد اللاعبين، سواء كان منظمة مثل حزب الله أو جماعة الحوثي اليمنية أو منظمة بدر العراقية، أو دولة مثل إيران.. فما هو شكل التحرك وما حجمه؟ قبل أيام، اعترضت سفينة حربية أمريكية في البحر الأحمر صواريخ أطلقها الحوثيون كانت متجهة لإسرائيل، كما تعرضت قاعدتان أمريكيتان في العراق لإطلاق نار وطائرات من دون طيار، فهل إذا تكررت هذه العمليات ستعلن أمريكا الحرب، أم سترد فقط على مصادر الهجمات؟ وإذا حدث التدخل، هل سيكون ضد حماس، أم ضد الأطراف الأخرى المشاركة أم ضد الجميع؟ ثم إن إسرائيل خلال الأيام القليلة الماضية تواصل استفزاز حزب الله بتدمير قواعد له في الجنوب اللبناني، فهل إذا رد الحزب، ستعتبر أمريكا ذلك كسرا للقواعد يبيح لها دخول الحرب؟ لقد بعثت زيارة بايدن لإسرائيل رسائل عديدة، أبلغ الرئيس الأمريكي قادة إسرائيل تقريبا بأنه معهم، ظالمين ومظلومين. أعطاهم «شيكا على بياض» بعمل ما يتراءى لهم للاجتثاث.. لكن أخطر الرسائل أنه قال لهم إن معركتهم هي معركة أمريكا، وبالتالي قد يكون من مصلحة إسرائيل إشراك أمريكا في الحرب، وهي لن تعدم وسيلة لتحقيق ذلك من خلال توريط أطراف أخرى، خاصة حزب الله، ربما اعتقادا منها بأنه آن أوان القضاء على ما يسمى «جبهات المقاومة».

ليس على حسابنا

مهما كانت ظروف مصر الاقتصادية، ومهما كانت الإغراءات والعروض، ومهما كانت الضغوط، فإن موقف مصر سيبقى كما وصفه الدكتور هاني سري الدين في “الوفد” شامخا في رفض تصفية القضية الفلسطينية، وتهجير سكان غزة إلى سيناء تحت مبرر أي دعوى. صحيح أن مصر كانت وما زالت أكبر قوة عربية داعمة لحقوق الشعب الفلسطيني، وحاربت وناضلت، وقدمت الشهداء والدماء والجهود من أجل فلسطين على مدى أكثر من سبعة عقود، لكن جوهر الدعم الحقيقي كان وما زال هو الإيمان بعدم التفريط في الأرض السليبة، وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. لقد تصور بعض ذوي العقول الساذجة أن الانكماش الاقتصادي وتفاقم الأزمة المالية يجعل مصر في وضع حرج، ويدفعها للتسليم بما تطرحه إسرائيل وبعض القوى الدولية الكبرى تحت مسمى صفقة القرن، أو غيرها من المسميات. لكن هؤلاء لا يعون كيف تقف مصر الحضارة، والتاريخ، والمجد، والفخر، والكبرياء تهدر بعزة وكرامة أمام التحديات كافة، لتكرر أمام العالم كله أنها لا تبيع مواقفها ولا تتاجر بقضايا الأمة العربية، وفي القلب منها قضية فلسطين مهما كانت الظروف. لقد أثلج الموقف التاريخي للقيادة المصرية قلوب الجميع، بمختلف توجهاتهم السياسية، وأسعد حتى أولئك الذين اختلفوا في بعض الرؤى والسياسات مع النظام الحاكم، ففي وقت الشدائد يتوحد الضمير الوطني تحت راية واحدة من أجل الوطن.

طريق وحيد

يرى الدكتور هاني سري الدين، إن قمة السلام التي احتضنتها القاهرة في الحادى والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الحالى، كانت بمثابة علامة فارقة لتأكيد فاعلية الدور السياسى لمصر في المنطقة، الذىي يبقى رائدا ومؤثرا وحيويا في إقرار أي سلام حقيقي. وشدد الكاتب على أن إعلان موقف مصر بشأن رفض توطين الفلسطينيين في سيناء رفضا قاطعا، والتأكيد على كون ذلك أمرا غير قابل للنقاش، أو البحث في حضور قادة وساسة دول العالم يمثل خطوة استباقية عظيمة سيكتب عنها المؤرخون مستقبلا. وعلى الرغم من عدم اتفاق القمة على قرار ختامي موحد، فإن مصر نجحت في حشد ممثلي واحد وثلاثين دولة على مستوى القادة والزعماء ورؤساء الحكومات ووزراء الخارجية لتدين العنف واستهداف المدنيين، وتحث على وقف جرائم الحرب، وإغاثة المدنيين المحاصرين، والعودة لاستئناف مفاوضات السلام، وهو نجاح يُحسب للدبلوماسية المصرية، ويؤكد ما سبق وقلته قبل أسبوعين في هذا المكان من أن الحرب الدائرة في فلسطين ستثبت للعالم كله أن مصر هي الطرف الأقدر على لعب دور قوي في الوساطة لتهدئة الأوضاع وعدم التصعيد حقنا للدماء. وعلى الرغم من المذابح التي يشهدها قطاع غزة على مدار الساعة ما زال الكاتب يتمسك بالتفاؤل: رغم المشاهد المحزنة والأنباء المفجعة التي تتوالى من غزة، أن فرص السلام ما زالت ممكنة، وأن العقلاء، وعلى رأسهم مصر قيادة ونخبة وكوادر دبلوماسية يمكن أن يلعبوا دورا عظيما في التهدئة، سعيا لحل الدولتين.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.