المحامي محمد احمد الروسان يكتب : الأمريكي هو القاتل والمقاتل ومن خلفه مستعمرته إسرائيل … حرق غزّة عبر اليانكي والإسرائيلي يشبه حرق دريسدن.
المحامي محمد احمد الروسان* ( الأردن ) – السبت 28/10/2023 م …
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية …
= = ازدواجية المعايير الغربية: من أوكرانيا الى غزّة…
= = المحاكم البرجوازية والسابقة القضائية والقيم الليبرالية…
انّ موضوعة الازدواجية في السياسات، والتي عادةً يمكن فهمها بلغة السياسة، الافتراق بين الفكر والممارسة، أو بلغة الابداع الانفصال بين الفكر والواقع، فانّ الولايات المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة، والتي هي الجزء الأساس في العدوان المعولم على منطقتنا وعلى فلسطين وما زالت، والأمم المتحدة التي دمّرت العراق وليبيا وسوريا، والأمم المتحدة عفواً المرتشية من بعض العرب، والأمم المتحدة التي خلقت الكيان الصهيوني وسلّحته نوويّاً، أما آن الأوان للتخلص من فيروسات التروتسك العربي المتصهين وغير العربي الصهيوني الآخر؟، نعم وهو الذي أسّس لدولة مع الصهيونية، حيث يجري التثقيف على قدم وساق لمسارات الدمج المختلفة والأسرلة لمنطقتنا، اذاً ثمة ماركسيّة ثقافوية في اطارات التصهين.
ففي أوكرانيا يعتبرها الغرب: مقاومة، وفي غزّة يعتبرها: إرهاب، وهذا واضح هنا، كيف يتعامل الغرب المتحضّر مع أوكرانيا، وكيف يتعامل مع ما يجري في غزّة، وإسرائيل وأوكرانيا، كلتيهما معقلان للإمبريالية الغربية، فحرب أوكرانيا والعدوان على غزّة كجيب فقير محاصر وشعب أعزل، كشف النقاب، بشكل جلي وبوضوح، عن ازدواجية المعايير الغربية القاتلة ذات الوقاحة المتفاقمة.
ومن ازدواجية المعايير الأمريكية، ذات الصفاقة السياسية أي الوقاحة في تجلياتها،: أنّ ما تقوم به كييف النازية، ضد العملية العسكرية الروسية المشروعة في عروق الجغرافيا الأوكرانية المتقيحة بالنازية والفاشية، تعتبره واشنطن دي سي وكلّ الغرب الأوروبي: مقاومة في أوكرانيا ضد الغازي الروسي، وما تقوم به المقاومة، وجلّ الفصائل الفلسطينية، ضد ما تسمى بإسرائيل، هو إرهاب في كلّ فلسطين المحتلة، ان في غزّة التي تقاوم الآلة العسكرية الأمريكية، ومن ورائها الإسرائيلية، وما يجري في غزّة العزّة، هو محرقة أمريكية إسرائيلية بحق شعب محاصر من المدنيين، وان في الضفة الغربية المحتلة والمرشحة للانفجار في أي لحظة، وان في الشمال الفلسطيني المحتل والذي يزداد توتراً.
واشنطن ومعها أوروبا، تساند إسرائيل عسكريًا وماديًا واستخباراتياً، وتتجاهل حق الفلسطينيين في كل شيء، دعم استخباراتي شامل لتل أبيب، وصمت تجاه تهجير سكان غزة وحصار القطاع.
وتنتهج الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، وجلّ الدول الأوروبية، الازدواجية وسياسة الكيل بمكيالين بشأن القضية الفلسطينية، فهي تساند وتدعم إسرائيل، رغم المجازر التي ترتكبها تل أبيب منذ السابع من أكتوبر 2023 م وما زالت، بحق الشعب الفلسطيني، وحصار قطاع غزة.
هذا وقد أدلى الرئيس الأمريكي جو بايدن بكل صفاقة سياسية أي وقاحة عزّ نظيرها، بتصريحات متكررة، تؤكد تعامل الولايات المتحدة الأمريكية، بهذه السياسة، حيث أكد جو بايدن استعداد بلاده التام، على تزويد سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بكل الإمكانيات العسكرية والاستخباراتية والمادية وارساله لفريق دلتا نخبة القوّات الخاصة الأمريكية المجولقة، وكذلك الذخائر والصواريخ والقنابل العنقودية والفسفورية لا بل أسلحة كيماوية، في حربها على قطاع غزة المحاصر من قبل الكيان الصهيوني.
وقد أعلن الرئيس الأمريكي، أنه سيطلب من الكونجرس تمويلاً “عاجلاً” لمساعدة إسرائيل، فتصريحات الإدارة الأمريكية، تمنح إسرائيل الضوء الأخضر، على مواصلة قصف قطاع غزة، بكل الأسلحة المحرمة دوليًا، دون الالتزام بالقانون الدولي أو الاعتبارات الإنسانية، بجانب أنّ الطلبات الأمريكية أيضا، تدعم أوكرانيا كوكيل للغرب، في حربها مع روسيا.
وتؤيد الخارجية الأمريكية نفس نهج الرئيس الأمريكي، ففي الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية أنطوني بلينكن إلى تل أبيب، قال في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: أنا ممتن لأن أكون هنا في إسرائيل، أتحدث بشكل شخصي، وأتيت كيهودي، ونتوقع أن تكون هناك طلبات إضافية من إسرائيل، ونسعى إلى أن يكون لديها كل ما تحتاجه، وسوف نؤكد على الرسالة القوية التي أوصلها الرئيس جو بايدن، إلى أي طرف يمكن أن يحاول استغلال الموقف، وهذه الرسالة هي: لا تفعلوا ذلك.
الأمر لم يقف على الخارجية الأمريكية في التصريحات التحريضية، على مواصلة الحرب ضد الشعب الفلسطيني، فوصل الأمر إلى وزارة الدفاع الأمريكية(البنتاجون الذي ينتج حبوب الكبتاغون ويتاجر فيها، وسنشرح ذلك في تحليل آخر قريبا لنا ان شاء الله الأسبوع القادم)التي أعلنت وبكل وقاحة أيضاً: أنّ وزير الدفاع لويد أوستن، أكد في اتصال هاتفي مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت، التزام واشنطن، بتسريع وصول قدرات الدفاع الجوي والذخائر التي طلبتها إسرائيل.
وذكرت وزارة الحرب الأمريكية في بيان، أنّ أوستن أجرى الاتصال بغالانت، لتجديد الدعم الأمريكي الثابت لإسرائيل، وقد أكدت القيادة المركزية الأمريكية، أنّ حاملة الطائرات جيرالد فورد، وصلت إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، لردع أي طرف كان، يسعى لتصعيد الوضع، أو توسيع منطقة الصراع.
وأكد قادة في البنتاجون – الكبتاغون: تأكيدهم، بإرسال مستشارين عسكريين أمريكيين إلى إسرائيل، وذلك استباقا وتزامناً، للعمليات البريّة الواسعة و\أو المحدودة، التي تخطط إسرائيل للقيام بها في قطاع غزة(وقد بدأ بعضها)موضحين أن من بين المستشارين الأمريكيين الموفدين، جنرال متخصص في قتال المدن، والاشتباك في المناطق المبنية والحضرية، وكذلك تم إيفاد مستشارون أمريكيون، لمساعدة إسرائيل في تسريع رفع كفاءة منظوماتها للدفاع الجوي، وذلك استباقا وتزامناً، للعملية البريّة الإسرائيلية.
إنّ من بين القادة القتلة الأمريكيين، الموفدين كمستشارين للقيادة العسكرية الإسرائيلية، الجنرال القاتل الإرهابي: جيمس جلين، الذي سبق له المساهمة في دعم قوة العملية القتالية الخاصة الأمريكية، التي قاتلت داعش – الطفل الأمريكي، في منطقة الفلّوجة العراقية المعروفة، وهذا الجنرال القاتل: يتمتع بخبرة طويلة، في الاشتباك مع العناصر الإرهابية، دونما إيقاع خسائر كبيرة في المدنيين، في مسارح العمليات الحضرية وذلك بحكم خبرته العملياتية في الفلوجة إبان مواجهة داعش، هكذا يزعم قادة البنتاغون – الكبتاغون.
البنتاجون – الكبتاغون، يستمر في ارسال المزيد، من شحنات من صواريخ الباتريوت، وكتائب للدفاع الجوي، للتصدي للهجمات الجوية المرتفعة، وذلك بإشراف كامل من القيادة العسكرية الوسطى للجيش الأمريكي.
ومن جهة أخرى، ستوفر واشنطن الخبرات اللازمة، في مسألة الرهائن، وأنّ الرئيس القاتل جو بايدن، وجّه فريق مجلس الامن القومي والمخابرات المركزية الأمريكية، لاتخاذ إجراءات فورية، لضمان حصول إسرائيل على ما تحتاجه للدفاع عن نفسها.
وندّدت القوى الحيّة وجلّ الشعب الأمريكي، بدعم الإدارة الأمريكية لإسرائيل، رافعين شعارات، تطالب بوقف دعم الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، ووصفوا الرئيس الأمريكي جو بايدن، بالكاذب والمضلل والمنتهك لحقوق الإنسان، وعدم احترام القانون الدولي، واستخدام حق الفيتو في غير محله.
واستخدمت الولايات المتحدة، حق النقض(الفيتو)في مجلس الأمن الدولي ضد قرار يدعو إلى هدنة إنسانية للصراع بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، للسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة، ودائما ما تحمي واشنطن حليفتها إسرائيل من أي إجراء ضدها في مجلس الأمن، وتعمل الإدارة الأمريكية على منع الضغط الدولي على تل أبيب أيضا، كما استخدمت حق النقض الفيتو ضد مشروع قرار روسي يدعو الى وقف اطلاق النار فوراً.
وفي الوقت الذي يحذر خبراء أمميون من تعرض الفلسطينيين في قطاع غزة لإبادة جماعية والتهجير، تتجاهل الولايات المتحدة الأمريكية كل ذلك، حيث أشار تقرير أممي، أن مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة، وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين(أونروا)ومخيمين للاجئين مكتظين بالسكان، تعرضوا للقصف، من قبل الطائرات الحربية الإسرائيلية وسط صمت واشنطن وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وباقي الامّعات الأوروبية، وجاء ذلك في تقرير أعده فريق خبراء حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، وصفوا فيه القصف الإسرائيلي للمدارس والمشافي في غزة بأنه جرائم ضد الإنسانية.
كما أن هناك محاولات أمريكية وأوروبية، لتصفية القضية الفلسطينية(خطة الاطار)المعروفة، بخطة كيري، والقائمة علي الفصل الجغرافي بين الضفة وقطاع غزة، وهي خطة قائمة علي تبادل الأراضي، مع اعتبار جدار الفصل العنصري هو حدود دولة فلسطين المستقبلية.
وتؤدي القيود التي تفرضها إسرائيل، على الانتقال من وإلى قطاع غزة، إلى الفصل بين أفراد العائلات، وهي تفرض على الأزواج الذين يسكن أحدهما في قطاع غزة والآخر(الأخرى) في الضفة الغربية أو إسرائيل، حياة خاضعة لسلسلة من القيود.
الازدواجية الأمريكية ظهرت واضحاً، عندما اندلعت الحرب بين روسيا وأوكرانيا، حيث تدعم واشنطن كييف بكل المساعدات المادية، والسياسية، والإعلامية، والدبلوماسية، والاستخباراتية، والعسكرية: من طائرات مسيّرة، ومقاتلات حربية، وصواريخ وأسلحة وعتاد عسكري متنوع ونوعي أحياناً، من أجل استعادة السيطرة على الأراضي التي تمكنت موسكو من السيطرة عليها، لكن الأمر مختلف حين تطالب فلسطين بحقها في أراضيها، والتصدي للاحتلال الإسرائيلي، فهنا في أوكرانيا تعتبرها مقاومة ضد روسيا، وفي فلسطين تعتبرها إرهاب ضد إسرائيل.
ومن مفاهيم: ازدواجية المعايير، أنّ الفعل الذي يكون جريمة بشعة في منطقة، يكون حقا مشروعا ودفاعا عن النفس في منطقة أخرى، كيف ذلك؟.
ومؤخراً: قدّم المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية جوش بول استقالته، بسبب تعامل إدارة الرئيس جو بايدن مع الحرب الدائرة في قطاع غزة، ووصف سلوك واشنطن بأنّه: رد فعل متهور، قائم على الإفلاس الفكري.
وقال: توم بورتيوس، نائب مدير البرامج في هيومان رايتس، إنّ على الدول الغربية، إذا كانت تريد إقناع بقية العالم بتصديق ما تقوله: حول القيم، وحقوق الإنسان، والقوانين الدولية التي تحكم الصراع المسلّح، أن تطبق المبادئ العالمية نفسها إزاء استهتار إسرائيل الوحشي بحياة المدنيين في غزة، على غرار ما تفعل مع روسيا، وحركة المقاومة الإسلامية(حماس).
وعليه: فإنّ الفعل الذي يكون جريمة بشعة في منطقة، يكون حقا مشروعا ودفاعا عن النفس في منطقة أخرى، والمسؤول الذي يتحدث بألم أمام قتل المدنيين في إحدى الدول، لا يحس بأدنى حرج يمنعه، من تأييد القاتل والتضامن معه في دولة أخرى.
والمسؤول الأمريكي والغربي، يمتلك في جوفه: لسانين، لكل واحد منهما، مناسبته الخاصة به: ففي 20 آب الماضي 2023 م، عبّر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، عن حزنه وألمه العميق، إزاء مقتل 7 أشخاص، في قصف شنته روسيّا، على تشيرني هيف شمالي أوكرانيا، وكتب بلينكن على منصة إكس توتر سابقاً: ندين بأشد العبارات هجوما مروعا آخر، بالقذائف على مدنيين أبرياء في تشيرني هيف، داعيا روسيا إلى: إنهاء حربها الوحشية الآن على حد زعمه وقوله.
وفي 12 أكتوبر 2023 م، أنتوني بلينكن نفسه، زار إسرائيل التي قتلت في عدوانها الحالي على غزة، نحو 8000 آلاف مدني، معظمهم من النساء والأطفال.
وهنا تحدث انتوني بينكن بلسانه الثاني وقال: إنّه يقف إلى جانب إسرائيل، وإنه يزورها بصفته يهوديا، وتعهد بتوفير كل ما تحتاجه من أسلحة وأموال، ولم يتحدث عن الجرائم البشعة والوحشية التي تقترفها بحق الأبرياء العزل.
وفي 13 نيسان 2022 م، دان الرئيس الأميركي ما سماها إبادة جماعية، ترتكبها القوّات الروسية في أوكرانيا، وقال القاتل جو بايدن: إنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يحاول القضاء على فكرة أن يكون المرء أوكرانيا، وقد دعم بايدن إصدار الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق بوتين، انطلاقا من كونه متهما بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا – على حد زعم وقول القاتل جو بايدن.
وعندما بدأت إسرائيل عدوانها الحالي والمستمر، على غزة، وصبت الجحيم على رؤوس الأطفال والنساء وجلّ المدنيين، لم يتذكر مصطلحات الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، وترويع المدنيين، لقد تحدث بلسانه الثاني، وقال: إنّ حركة حماس، قطعت رؤوس الأطفال الإسرائيليين، أثناء شنها عملية طوفان الأقصى، وهي العملية التي جاءت رداً، على جرائم الاحتلال بحق المدنيين، وتدنيسه المتكرر للمسجد الأقصى المبارك، ولاحقا تراجع البيت الأبيض، عن اتهام حركة حماس بقتل الأطفال.
وبعد أيام، تحدث بايدن أيضا بلسانه الثاني وقال: إنه لن يطلب من إسرائيل وقف إطلاق النار في غزة، بل ذهب أبعد من ذلك وقال: إن لديه معلومات، بأن المقاومة، هي التي ارتكبت مجزرة المستشفى المعمداني في غزة، ترديدا للرواية الإسرائيلية.
وفي نيسان 2022 م، بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون غاضبا جدا إزاء: قتل روسيا مدنيين، في بلدة بوتشا الأوكرانية، وقال الرئيس الفرنسي بلسانه الأول: إنّ ثمة أدلة واضحة جداً، تشير وبعمق، إلى أنّ القوات الروسية، مسؤولة عن جرائم حرب في أوكرانيا، ودعا لفريض المزيد من العقوبات على موسكو.
وفي أكتوبر 2023 م، أدلى ماكرون بعدة تصريحات حول الصراع العربي الإسرائيلي، ولكنه تحدث هذه المرة بلسانه الثاني: ففي الوقت الذي وصف فيه حركة حماس بأنها إرهابية، لم يدن قتل إسرائيل للمدنيين، وتدميرها للمنازل على رؤوس ساكنيها، ولم يتلفظ بمصطلحات ومفردات الوحشية والبربرية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب.
وفي الثالث من نيسان 2022 م، حثّ المستشار الألماني أولاف شولتس، على تسليط الضوء على الجرائم التي ارتكبها الجيش الروسي في بلدة بوتشا الأوكرانية – على حد زعمه الكاذب، وقد شدد المستشار الألماني على: وجوب محاسبة مرتبكي هذه الجرائم ومن خطط لها، مطالبا بإفساح المجال أمام منظمات دولية لدخول المنطقة لتوثيق هذه الفظائع – على حد كذبه.
وفي أكتوبر 2023 م، زار المستشار الألماني إسرائيل، وأدلى بتصريحات عديدة، حول عملية طوفان الأقصى، والحرب الإسرائيلية على غزة، ولكنه هذه المرة، كان يصرّح بلسانه الثاني، فقد أكد وقوفه إلى جانب إسرائيل في “الدفاع عن نفسها”، وحثّ أجهزة الأمن الألمانية، على عدم التسامح مع أي تظاهرة، تشهد تضامنا مع المقاومة الفلسطينية، التي تكافح الاحتلال الإسرائيلي.
وأما الجرائم البشعة في غزة، فلم يدنها ولم يطالب بتوثيقها ولم يتحدث عن هدنة إنسانية، ولا عن أي شيء يعكس، أنه شعر بالحزن والألم، اللذين أحس بهما إزاء المدنيين الأوكرانيين.
وفي 14 تشرين الثاني 2022م، وأثناء حضوره قمة العشرين في إندونيسيا، شنّ رئيس الوزراء البريطاني ذي الأصول الهندية، ريشي سوناك، هجوما لفظيا على روسيا، ووصفها بالدولة المنبوذة، نظرا لما(تقترفه من جرائم في أوكرانيا)، وقد كتب مقال في صحيفة ديلي تلغراف، قال سوناك: إنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “مسؤول عن الكثير من إراقة الدماء في أوكرانيا”.
وفي 19 أكتوبر 2023 م، وصل سوناك إلى إسرائيل، وهي تواصل قصف المستشفيات والمساجد والكنائس في غزة، ولكنه لم يدن هذه الهجمات، ولم يقل للمسؤولين إن قتل 7 آلاف مدني، تصرف همجي وإن عليهم التوقف، لقد تحدث هنا بلسانه الثاني وقال لهم: إني معكم وأقف إلى جانبكم… تباً له ما أوقحه.
بينما كانت عشراتُ الصواريخ الروسية تهطل على كييف و11 مدينة أوكرانية أخرى في احدى أيام الحرب الحالية، مُوقعة خسائر بشرية ومادية كبيرة، كان طفل فلسطيني، يسلم روحه إلى بارئها، بعد يومين من إصابته برصاصةٍ حيّة، أطلقها عليه جنديٌّ صهيوني مجرم خلال مظاهراتٍ في جنين في الضفة الغربية المحتلة.
ولأنّ الأوكرانيين أوربيون وذوُو بشرة شقراء، فقد أقام الغربُ كعادته الدنيا ولم يُقعدها على القصف الصاروخيِّ الروسي، وأدانه بأشدّ العبارات، ووصفه بيتر ستانو، المتحدِّث باسم الاتحاد الأوربي، بأنه: جريمةُ حرب، والتزم العديدُ من القادة الغربيين بمواصلة دعم أوكرانيا عسكريًّا إلى غاية هزم الروس، ووعدت الولاياتُ المتحدة بتقديم منظومة دفاعٍ جويٍّ متطوِّرة إلى كييف، أمّا الطفلُ الفلسطيني الذي لا يتجاوز 12 عاماً فقط من عمره، فلم يكترث باستشهاده رئيسٌ أوربيٌّ أو غربي واحد، ولم يُدن أحدٌ إطلاق جنود الاحتلال الرصاص الحيّ عليه، وعلى بقية المتظاهرين في جنين، وربّما اعتبروا ذلك(دفاعا عن النفس)كما قالوا بكل صلفٍ ووقاحة، إثر العدوان الحالي على غزة، الذي أودى بحياة 3000 طفلا وفتى فلسطينيًّا.
هو إذن الغربُ المنافق، الذي فضحته حربُ أوكرانيا تماما، فلم يتحرّج من الجهر بتطبيق سياسة الكيل بمكيالين بعد طول مواربة ومراوغة وتستّرٍ، وراء شعارات، حقوق الإنسان، والمساواة بين البشر جميعا، بغضِّ النظر عن أعراقهم وأديانهم ولون بشرتهم، اليوم سقطت كلّ الأقنعة، وأصبح الغربُ لا يجد حرجا في إبداء التعاطف فقط، مع من يحمل لون بشرته أو يؤمن بأيديولوجيته وقيمه، أما من عداهم، فلا يكترث بهم، ولو أفنُوا عن بكرة أبيهم – العدوان على غزّة حالياً نموذجاً حيّاً.
لذلك كلّه، طالما قلنا إنّ أيّ رهان على الغرب، وفي مقدّمته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول الكبرى، لن يحقق للفلسطينيين أدنى حقوقهم؛ فهذه الدول منحازةٌ بشكل سافر إلى الاحتلال، وتضمن استمرار تفوّقه العسكري على العرب والمسلمين جميعا، وتؤيد، علنا أو سرا، إجراءاته القمعية اليومية في حقّ الفلسطينيين، وتتستّر على جرائمه، وتبرّر انتهاكاته، ولا يمكن المراهنةُ عليها لتضغط على الاحتلال، وتُجبره على منح الفلسطينيين(دولة)على الأقل على أراضي 4 حزيران 1967 م، برغم أنها لا تمثل سوى 22 بالمائة فقط من فلسطين التاريخية، ألم تحذ بريطانيا حذو الولايات المتحدة، وتعلن نقلَ سفارتها من تل أبيب إلى القدس المحتلة، مع أنّ هذه الخطوة تخالف ما يُسمّى: الشرعية الدولية، التي تقسّم القدسَ: إلى غربيةٍ للاحتلال، وشرقية للدولة الفلسطينية الموعودة؟.
هذه الحقائقُ المريرة، التي لا يتعامى عنها إلاّ السياسيون العاجزون اللاهثون، وراء سراب السلام المزعوم، هي التي دفعت ثلّة من الشبان الفلسطينيين الأحرار: بجنين ونابلس بالضفة الغربية المحتلة، إلى تشكيل خلايا مسلحة، لا تتبع أيّ تنظيم، وأطلقوا عليها: عرين الأسود، وأخذوا يقارعون الاحتلال، ويقومون بعمليات شبه يومية ضدّه، هؤلاء الأبطال الأشاوس، وكذا فصائل المقاومة بغزة، هم الذين سيُعيدون لفلسطين عزَّها، وللأمة مجدَها، ويرفعوا رأسها عاليا.
ولو مُكّن هؤلاء الأسودُ، من عُشر الأسلحة النوعية الغربية التي تتدفّق بغزارة على أوكرانيا، عُشرها فقط، لكبّدوا الاحتلال هزائمَ مذلّة، تقود في النهاية إلى تحرير فلسطين، ولكن، لسوء حظهم، أنهم ليسوا أوربيين ولا يواجهون روسيا، كما أنهم يعيشون في محيطٍ عربيٍّ، منقسم بين، متخاذل ومسانِدٍ، كلاميٍّ ومطبّعٍ متآمرٍ، مع الاحتلال ضدّهم، ولا يحصلون من هذا المحيط على بندقيةٍ واحدة، لكم الله يا أسود فلسطين.
وقال أنتوني بلينكن – وزير خارجية الكيان الصهيوني – اليانكي الأمريكي، في إدارة جو بايدن الرئيس بلا ذاكرة والقاتل: إذا سمحنا لبلد كبير بالاستئساد على بلد أصغر منه، وغزوه ببساطة والاستيلاء على أراضيه، فستصير تلك ممارسة شائعة، ليس فقط في أوروبا، بل في جميع أنحاء العالم.
بهذه العبارات، أدان وزير الخارجية الإسرائيلي الأمريكي أنتوني بلينكن، الغزو الروسي لأوكرانيا من العام الماضي، ومع ذلك، فإنّه في 12 أكتوبر 2023 م، بينما كانت إسرائيل، الإمبريالية المسلّحة نوويا، تواصل تحويل جيب صغير فقير إلى أنقاض، وقف إلى جانب نتنياهو في مؤتمر صحفي مشترك وتعهد رسميا بقوله: قد تكونون أقوياء بما يكفي للدفاع عن أنفسكم بأنفسكم، لكن طالما أن أمريكا موجودة، فلن تضطروا إلى ذلك أبداً…. تبّاً لها من وقاحة عزّ نظيرها.
وفي أوكرانيا، يتظاهر الإمبرياليون الغربيون، بأنّهم المدافعون عن أمة صغيرة، واليوم، في فلسطين، يقوم نفس السيدات والسادة، بإرسال حاملات الطائرات لحراسة إسرائيل، وهي تذبح شعبا أعزلا في غزّة العزّة، وفي الضفة الغربية المحتلة.
وفي أوكرانيا، تتم إدانة كل صاروخ روسي يضرب البنية التحتية المدنية باعتباره: جريمة حرب، واليوم، يعتبر تدمير أحياء بأكملها في غزة، وتسويتها بالأرض، وقصف المدارس والمستشفيات بمثابة: دفاع مشروع عن النفس، فأي نذالة أمريكية أوروبية وغربية هذه؟… والنذالة درجة متقدمة من الوقاحة.
وقال السير كير ستارمر: خادم الطبقة السائدة البريطانية، إنّ كلّ شيء، يجب أن يتم في إطار القانون الدولي، لكنني لا أريد الابتعاد عن المبادئ الأساسية التي تقول: إنّ لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها – هذا السير كير ستارمر ديّوث و”عرص” كبير.
آه أجل: القانون الدولي!… النظام الدولي القائم على القواعد!… هذا ما يمثل الخط أو الخيط الرفيع، الذي يفصل بين الغرب المتحضّر، وبين أعدائنا الهمجيين، وهو الخط الذي، كما يقال لنا: تنتهكه روسيا بشكل صارخ، في كثير من الأحيان في أوكرانيا.
في تلك الحرب، قام السياسيون الغربيون بإحصاء كل انتهاك ارتكبه الروس: سواء كان حقيقيا أو وهميا، وجمعوه في لائحة اتهام، ليتم رفعها إلى المحكمة الجنائية الدولية، ووفقا للمدعي العام الأوكراني، فإنّ عدد تلك الجرائم يتجاوز 65 ألف جريمة.
تعمل المحاكم البرجوازية في كل مكان، على أساس ما يسمى بمبدأ: السابقة القضائية، حسناً، من المؤكد أنه لن يعترض علينا أي من مؤيدي القيم الليبرالية، إذا استخدمنا مبدأ السابقة القضائية، وورقة الاتهام الموجهة ضد بوتين، لمعرفة أين تقف إسرائيل فيما يتعلق بـالنظام الدولي القائم على القواعد، والقانون الدولي والقانون الإنساني، أو ربما سنجد، كما نعتقد، أن كل الكلام عن: القواعد والقانون الدولي والقيم الليبرالية وما إلى ذلك، هو مجرد واجهة منافقة لأبشع سياسات الإمبريالية وأكثرها افتراسا.
بمجرد ما اندلعت الحرب الأوكرانية، لم ينتظر الساسة والصحافة الغربية طويلا، حتى وصفوا بوتين بأنه مجرم حرب، وعلى رأس قائمة الاتهامات: إنّ الروس تعمدوا استهداف المدنيين، وهي ممارسة محظورة بموجب اتفاقية جنيف لعام 1949 م، وقد سرد وزير الخارجية الأمريكي قائمة الجرائم التالية: لقد دمّرت القوات الروسية المباني السكنية والمدارس، والمستشفيات والبنية التحتية الحيوية، والمركبات المدنية، ومراكز التسوق وسيارات الإسعاف، مما أسفر عن مقتل أو جرح الآلاف من المدنيين الأبرياء، العديد من المواقع التي ضربتها القوات الروسية، كان من الواضح أنها مواقع تستخدم من قبل المدنيين، وكان ذلك بعد مرور شهر واحد فقط، على اندلاع الحرب الأوكرانية.
لكن بالنسبة للحملة الإسرائيلية، فخلال بضعة ساعات فقط ،تمت تسوية ثاني أطول مبنى في مدينة غزة – وهو مبنى سكني – بالأرض، وكان هذا مجرد مقدمة لتسوية أحياء بأكملها بالأرض.
ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز، فإنه يوم 10 أكتوبر – أي بعد يومين فقط من القصف – دمرت الغارات الجوية الإسرائيلية المساجد، وأصابت مستشفيين على الأقل، ومركزين تديرهما جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، ومدرستين يتجمع فيهما اللاجئون.
وبعد ليلتين فقط من القصف، تم تهجير 187 ألف فلسطيني، أي ما يقرب من واحد من كل عشرة من سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة، يقيم 130 ألفا منهم في المدارس، والباقي مع الأصدقاء.
من المؤكد: أنّ أعداد النازحين كانت ستكون أعلى بكثير لو كان لدى سكان غزة مكان يذهبون إليه، نصح نتنياهو بشكل مقزز سكان غزة بالفرار، لكن الجيش الإسرائيلي كان قد فرض بالفعل إغلاقا كاملا على قطاع غزة، مانعا دخول أو خروج أي شيء، كما تم قطع إمدادات الوقود والغذاء والمياه، ولما كان بعض الناس يحاولون الفرار، عبر معبر رفح إلى مصر، رد الجيش الإسرائيلي بقصف المعبر.
انتقد السفير الأمريكي مايكل كاربنتر الهجوم قائلا: كم السفالة في كل ذلك تحير العقل: أولا: وافقوا على فتح ممر إنساني، لكنهم بعد ذلك، قصفوا طريق الخروج، بينما كان المدنيون في طريقهم للفرار من الجحيم، إنه شر خالص.
نعم: لقد اعترض على قصف ممر إنساني، لكن ذلك كان خارج ماريوبول العام الماضي، عندما كانت ماريوبول تحت الحصار، وعندما كانت موانئ أوكرانيا على البحر الأسود تحت الحصار، شكلت الإمبريالية الغربية جوقة واحدة من الإدانة، وقد أدان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، ومسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، والعديد من المسؤولين الآخرين، تلك الجرائم ووصفوها بأنها: جرائم حرب.
وأوضحت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في إحدى التغريدات إنّ: هجمات روسيا على البنية التحتية المدنية، وخاصة الكهرباء، هي جرائم حرب، لكن بعد يوم من نفاد الوقود من محطة الكهرباء الوحيدة في غزة بسبب الحصار، انطفأت الأضواء وبدأ الطعام يفسد، رئيسة المفوضية الأوروبية في رحلة تضامن مع الشعب الإسرائيلي ولم تغرد ولو بكلمة واحدة بعد عن محنة سكان غزّة، ألهذه الدرجة تحقدين على العرب؟ لأنّ الذي عشقتيه في صباك من أصول عربية لم يقترن بك زوجاً.
ولا يعني ذلك أنّها لم تجد الوقت الكافي لتسجيل الدخول إلى تويتر، إذ وجدت الوقت في 10 أكتوبر 2022 م، لتغرد لكي تدين بشدة أي عمل من أعمال تدمير البنية التحتية الحيوية، في إشارة إلى تسرب في خط أنابيب الغاز بين إستونيا وفنلندا!.
ويمكن للمرء والباحث الحر، أن ينقب في تويتر والصحف عبثاً لإيجاد، ولو إدانة واحدة للجرائم الشنيعة ضد الفلسطينيين، من جانب وزراء خارجية الولايات المتحدة والسفراء ورؤساء المفوضية الأوروبية، وذلك رغم أنّه، من الناحية القانونية، ينبغي أن تكون مهمة المدعي العام، أسهل بكثير في حالة إسرائيل.
ويكون من الصعب دائما تثبيت التهم، عندما ينكر المتهم الاتهامات الموجهة إليه، لقد نفى الروس دائما أن يكونوا قد تعمدوا ضرب أهداف مدنية أو قاموا بتجويع المدنيين، وعلى العكس من ذلك، كانت الحكومة الإسرائيلية واضحة تماما بشأن هذه الحقيقة: فهي تستهدف جميع سكان غزة، ولا تقدم أي اعتذار عن القيام بذلك! صرح وزير الطاقة الإسرائيلي: المساعدات الإنسانية لغزة؟ لن يتم تشغيل أي مفتاح كهربائي، أو فتح صنبور مياه، أو دخول أي شاحنة وقود، حتى عودة المختطفين الإسرائيليين إلى منازلهم، الإنسانية للإنسانيين. ولن يعظنا أحد بالأخلاق.
هذا واضح تماما، أليس كذلك؟ غزة تحت الحصار، وجميع سكانها البالغ عددهم مليوني نسمة رهائن، لقد ضاعت حياتهم، وما هي إلا فترة حتى يشرعون، في الموت جوعا(إذا لم يقتلوا أولا بالصواريخ)، حتى يتم إطلاق سراح جميع الإسرائيليين الـ 250 المختطفين وأكثر.
وقد طرح رئيس الوزراء السابق، نفتالي بينيت، الأمر بعبارات وقحة للغاية في مقابلته المتوترة إلى حد ما مع مذيع قناة سكاي نيوز، ففي إشارة إلى قطع الكهرباء عن غزة، سأل المحاور: ماذا عن الأطفال في الحضانات في غزة، الذين انقطعت أجهزة دعم الحياة عنهم، لأن الإسرائيليين قطعوا الكهرباء؟.
رد بينيت قائلا: هل تسأل بجدية عن المدنيين الفلسطينيين؟ ما هي مشكلتك؟.
صاح بينيت في وجه المحاور، الذي تجرأ على طرح السؤال عما إذا كان ينبغي علينا التفكير في إنقاذ حياة الفلسطينيين الأبرياء، وقارن الحملة الإسرائيلية بالقصف الحارق سيء السمعة لمدينة دريسدن، عندما استخدم سلاح الجو الملكي عمداً الأجهزة الحارقة، لخلق عاصفة نارية التهمت المدينة وأودت بحياة 25 ألف مدني.
وفي سياق الحديث عن الأسلحة الحارقة، استخدمت إسرائيل خلال العدوان الحالي الفوسفور الأبيض، على مناطق مكتظة بالسكان، والتي، هي أيضا جريمة حرب، وأسلحة جديدة بيولوجية وكيماوية، لم يعهدها سكّان قطاع غزّة في الحروب السابقة.
وفي وقت لاحق، أوضح الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ موقفه تجاه الفلسطينيين في غزة بشكل واضح للغاية، إنهم يتحملون اللوم بشكل جماعي، وبالتالي سيواجهون عقابا جماعيا: ليس صحيحا هذا الخطاب حول عدم وعي المدنيين أو عدم تورطهم، هذا ليس صحيحا على الإطلاق، كان بإمكانهم أن ينتفضوا، كان بإمكانهم القتال ضد النظام الشرير الذي استولى على غزة بواسطة انقلاب، إسحاق هرتسوغ أزعر حي متفاقم.
إنّ العقاب الجماعي ضد الشعب الفلسطيني يتصاعد بشكل سريع، واليوم: منحت الحكومة الإسرائيلية جميع سكان شمال غزة، البالغ عددهم مليون نسمة -أي 50% من إجمالي سكان القطاع- موعدا نهائيا: إمّا الإخلاء إلى الجنوب خلال 24 ساعة أو المخاطرة بحياتكم، لقد أعطت الولايات المتحدة الأمريكية المجرمة القاتلة، دعمها الكامل للإسرائيليين الذين، كما ترون، يقومون بتهجير شعب بأكمله فقط من أجل إنقاذ الأرواح، ومن الصعب العثور حتى على سابقة لمثل هذه الجرائم في ومن التاريخ.
لكن: إذا كنتم تريدون لغة تجرد الإنسان من إنسانيته، لكنها بالألوان، فإننا نحيل قرائنا إلى تصريح وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت(الكلب المسعور ابن بئته)، الذي أعلن في اليوم الأول من القصف الإسرائيلي على غزة: إننا نقاتل ضد حيوانات بشرية.
ومرة أخرى، بطبيعة الحال، لم يتم إبداء أدنى اعتراض في الغرب، حيث أكدت الطبقات السائدة هناك، على دعمها الكامل وغير المحدود لجنون إسرائيل عند كل منعطف، ولكن دعونا نترك الكلمات القاسية جانبا وننظر إلى النيّة، التي تمثل في المحاكم الجنائية، الخط الفاصل بين القتل غير العمد، والقتل العمد، وبين القتل الجماعي والإبادة الجماعية.
لقد أوضح النظام الإسرائيلي تماما ما يهدف إليه، الأمر يتعلق بالانتقام: الانتقام الجماعي من الشعب الفلسطيني بأكمله، أوضح متحدث رسمي باسم الجيش الإسرائيلي للقناة 13 الإسرائيلية ما قد يبدو عليه الأمر: ستصبح غزة مدينة خيام، ونقول له: بل اسرائيلكم هي التي ستصبح مدن خيام لكم، لحين رحيلكم.
وفي الوقت نفسه، اقترحت عضو الكنيست عن حزب الليكود، ريفيتال غوتليف، استخدام الأسلحة النووية لتسوية غزة بالأرض، أين هو ضجيج السيدات والسادة الديمقراطيين في الغرب؟ أين هو الاهتمام بالإنسانية الذي أعربوا عنه بكل وضوح بخصوص أوكرانيا، عندما يقترح مشرعو الحزب الحاكم القضاء على ملايين البشر بالقنابل النووية؟.
دعونا نستمع إلى خطط الإبادة الجماعية الباردة والمدروسة بعناية أكبر من قبل وزير المالية الإسرائيلي الحالي، بتسلئيل سموتريتش، ففي عام 2017 م، اقترح هذا السيد الأنيق المثلي جنسيّاً، خطة حاسمة للتعامل مع المشكلة الفلسطينية، وهي الخطة التي تشبه من جميع النواحي سياسة الحكومة الحالية في العام الماضي: أولا، تقديم الدعم الكامل لسياسة الاستيطان العدوانية في الضفة الغربية المحتلة، ثانيا، فرض هذه السياسة بالعنف، وفي هذا السياق طرح سموتريش توقعا بأنّ قوى الإرهاب العربي ستزداد، لكن تلك القوى سيكون مرحبا بها، لأن إسرائيل سوف تسحق الفلسطينيين بلا رحمة، وسوف يعم اليأس، وهذا ما يجري في محرقة غزّة العزّة، غزّة هاشم، والتي تضم رفات الجد الثاني للرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم(هاشم بن عبد مناف)الذي يستصرخ العرب والمسلمين من قبره.
وقال هذا الانفتالي بكل صفاقة ووقاحة: إنّ القول بأنّه لا يمكن قمع الرغبة العربية، في امتلاك وطن على أرض إسرائيل غير صحيح، وأوغل في الوضوح، أن حل الدولتين قد فشل، لأنه: لا يوجد في أرض إسرائيل، مكان لحركتين قوميتين متعارضتين.
إنّ التطلعات الوطنية للشعب الفلسطيني(مزدوجتي التحفظ لسموتريش)يمكن، بل ويجب، أن يتم سحقها، وهذه، بكل المقاييس، دعوة إلى الإبادة الجماعية، أكثر وقاحة بكثير من أي دعوة خرجت من فم بوتين، وهي تشكل جوهر الأيديولوجية المتطرفة لليمين والعناصر الفاشية التي تدعم حكومة نتنياهو، فأين هي إدانة الإبادة الجماعية من الغرب المتحضر؟ لا شيء.
ومع كلّ ذلك، فإننا نتفق مع سموتريش على شيء واحد وهو أنه: على أساس الرأسمالية، لا يمكن أن يكون هناك حل للقضية الإسرائيلية الفلسطينية، لا ينطوي على التطهير الاثني والدمار لشعب فلسطين، ومن الواضح إن قسما كبيرا من الطبقة السائدة الصهيونية، يريد نكبة جديدة، ويعمل على تحقيق هذه الغاية.
فقط ثورة وانتفاضة متفاقمة، تمتد إلى ما هو أبعد من فلسطين، ثورة اشتراكية، لإنشاء فيدرالية اشتراكية للشرق الأوسط، والإطاحة بالدولة الصهيونية وحلفائها الإقليميين وداعميها الإمبرياليين، هي وحدها القادرة على ضمان الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
وينبغي للأحداث التي تتكشف في غزة أن توضح للجميع، باستثناء من يتعمدون التغاضي عن الواقع، أن الإمبرياليين الغربيين، غير مهتمين على الإطلاق، بانتهاك حقوق الأمم الصغيرة، وذبح المدنيين الأبرياء، وكل ادعاءاتهم حول العدالة، هي مجرد أوراق تين لستر مصالحهم الإمبريالية.
إنّ غضبهم المبرر تجاه بوتين حديث نسبيا، لقد مر وقت من الزمن، اعتقد فيه الإمبرياليون الغربيون، أنهم قادرون على التحكم في رجل الكرملين، كما تلاعبوا بسلفه، يلتسين، لكن جريمة بوتين الكبرى، كانت هي دفاعه عن مصالح الطبقة السائدة الروسية، ضد مصالح الإمبريالية الغربية: في جورجيا وسوريا وأوكرانيا.
ليس النظام الأوكراني، في ذلك الصراع، سوى دمية، وليس الشعب الأوكراني سوى وقود للمدافع، كما صرح الإمبرياليون الغربيون أنفسهم بوضوح، على حد تعبير المرشح الرئاسي الجمهوري السابق ميت رومني: إن دعم أوكرانيا يضعف الخصم، ويعزز أمننا القومي، ولا يتطلب إراقة الدماء الأميركية.
كما أننا سنسقط الحديث، عن أي مقارنة بين حرب أوكرانيا وما يجري في غزة، لا يوجد أي وجه للمقارنة، على الرغم من أن زيلينسكي ألقى مزحة سخيفة من جانبه في اجتماع لحلف شمال الأطلسي(الناتو)قال: إن هناك تشابها بين أوكرانيا وإسرائيل، وبين روسيا وحماس: الجوهر هو نفسه.
وفي هذه القصة الخيالية، تنخرط أوكرانيا وإسرائيل في صراع بين الخير والشر، الشيء الوحيد المشترك بين أوكرانيا وإسرائيل، هو أن كلتيهما معقلان للإمبريالية الغربية: فكلتاهما مسلحتان حتى الأسنان، من قبل الولايات المتحدة والناتو، ولكن في حين أن أحدهما منخرط في حرب نظامية مع منافس قوي للإمبريالية الغربية، فإن الآخر في حرب انتقامية، من جانب واحد، ضد شعب أعزل وفقير لا يمتلك جيشا أو بحرية أو قوة جوية، ودون اقتصاد يمكن الحديث عنه، ولا يمتلك سوى وسائل الدفاع عن النفس الأكثر بدائية.
تتمتع إسرائيل بأهمية بالنسبة للغرب، باعتبارها معقلا آمنا لمصالح الإمبريالية الأمريكية في منطقة ذات أهمية استراتيجية تاريخيا، لم يتوقف الإمبرياليون قط عن التدخل في المنطقة، حيث استمرت الولايات المتحدة تكافح من أجل إقامة قلعة حصينة، الأمر الذي أدى إلى خلق جحيم حقيقي للملايين من البشر، مع ذلك، وعلى الرغم من جهودها الدموية، فقد عانت من انتكاسة تلو الأخرى خلال السنوات الأخيرة، وكل انتكاسة تجبرها على الاعتماد أكثر فأكثر على حليفتها: إسرائيل.
لذلك فإن جماهير المنطقة، تنظر إلى نضال الشعب الفلسطيني من أجل التحرر، على أنه امتداد لنضالها ضد الإمبريالية، ولهذا السبب تحظى القضية الفلسطينية بمثل هذا التعاطف الساحق بين الشعوب المضطهَدة في الشرق الأوسط وفي كل مكان، إن انتصار الفلسطينيين، سيكون بمثابة انتصار لجميع أولئك الذين عانوا، على مدى أجيال، من القمع والموت والدمار على أيدي القوة الأكثر رجعية على هذا الكوكب: الإمبريالية الأمريكية وحلفائها الإقليميين.
نادرا ما عرف تاريخ البشرية مثل هذه الهمجية غير المتكافئة التي نشهدها الآن، عندما شن الجيش الروسي هجومه الأولي في شباط 2022 م، فعل ذلك عبر 200 ألف جندي منتشرين على جبهة طولها 1000 كيلومتر، في إسرائيل، تم استدعاء 380 ألف جندي احتياطي، بالإضافة إلى 200 ألف جندي منتشرين بالفعل، لشن الحرب ضد جيب صغير وفقير اسمه قطاع غزّة.
يواجه هذا الجيش الضخم، الذي هو من أكثر الجيوش تقدما في العالم، 40 ألف رجل أو يزيد، مسلحين بأسلحة خفيفة وأجهزة بدائية الصنع، في ستة أيام فقط، ألقت إسرائيل 7000 قنبلة على غزة، وهذا هو نفس عدد القنابل التي أسقطتها الولايات المتحدة على أفغانستان خلال عام كامل، ونحن الان نقارب الشهر على هذا العدوان البربري، فكم هي عدد القنابل التي القتها إسرائيل الصهيونية اذاً؟ سنعرف ذلك لاحقاً عندما تهدأ الجبهات.
ويمكن لآلة الدعاية الغربية، أن تحاول بكل ما في وسعها، لتحويل هذا الأمر إلى حرب ما تسمى بالدفاع عن النفس، لكنها غير قادرة على تحقيق المعجزات، الملايين يرون بالفعل ما يحدث، وسيتمكن ملايين آخرون من رؤية الحقيقة مع تصاعد همجية الجيش الإسرائيلي في فلسطين.
قبل هذا الغزو على غزّة، كان بإمكان أي شخص ساذج، لكن ربما حسن النية، أن يتحدث عن الحاجة إلى الدبلوماسية، لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وعن الحاجة إلى ما يسمى بالمجتمع الدولي، لممارسة الضغط، على إسرائيل لاحترام القانون الدولي.
لكن الآن، فإنّ النفاق والكذب المحيط بالكلمات نفسها، يترك طعما مرّاً في الفم، أمّا بالنسبة لما يسمّى بالمجتمع الدولي للحكومات الإمبريالية الغربية: فيجب أن يكون من الواضح الآن، أنّهم يتحملون نفس القدر من المسؤولية، التي تتحملها دولة إسرائيل نفسها، عن المذابح الحالية، إن لم يكن أكثر.
أمّا بالنسبة لمؤيدي قضية التحرر الفلسطيني في الغرب، فإنّ النضال الثوري ضد الطبقة السائدة، يمثل الوسيلة الوحيدة التي يمكن، أن يقدم بها أي مساعدة لنضال الشعب الفلسطيني، إن الأمر متروك للطبقة العاملة، لإصدار الحكم على الطبقات السائدة الإجرامية هناك.
- عنوان قناتي على اليوتيوب البث عبرها أسبوعيا:
https://www.youtube.com/channel/UCq_0WD18Y5SH-HZywLfAy-A
خلوي:- 0795615721
منزل – عمّان : 5674111
التعليقات مغلقة.