منح النساء ثلث مقاعد برلمان الصومال.. تمسك حكومي ورفض مجتمعي

 

الأربعاء 12/10/2016 م …

الأردن العربي …

واجه قرار الحكومة الصومالية منح المرأة حصة 30 بالمائة في البرلمان المقبل بغرفتيه معارضة شديدة من هيئة علماء البلاد وشيوخ القبائل النافذين، وسط إصرار الرئيس على تنفيذه بتشجيع من الأمم المتحدة.

وتجري انتخابات مجلسي الشعب (275 نائبا) والشيوخ (54 عضوا) في الفترة ما بين 23 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري و10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، على أن ينتخب النواب رئيس الجمهورية في اقتراع سري في 30 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، أكد في أكثر من مناسبة أن الحكومة ملتزمة بتحقيق نسبة 30 % لتمثيل المرأة في البرلمان القادم، وفق الدستور المؤقت (اعتمد في 2012) والمعمول به حاليا.

وأكد شيخ محمود أن منح المرأة حصة 30% من مقاعد البرلمان يهدف إلى زيادة نسبتها التي لا تتجاوز حاليا 14 % فقط (38 مقعد).

وأعادت لجنة الانتخابات غير المباشرة (المسؤولة عن التأكد على حصة المرأة في البرلمان)، أول أمس، قائمة المرشحين إلى الولايات المحلية التي قدمت إلى اللجنة لعدم تضمنها النسب المخصصة للمرأة.

وطالبت اللجنة الولايات المحلية المكلفة بتقديم قائمة المرشحين في مجلس الشيوخ بإعادة النظر في قوائم المرشحين مع إعطاء المرأة نسبة 30% المتفقة عليها.

التوجه الحكومي لتعزيز دورة المرأة في المؤسسة التشريعية لقي ترحيبا أمميا، حيث أشاد مؤخرا المبعوث الأممي للصومال “مايكل كيتينغ”، بجهود الحكومة بعد منحها نسبة 30 بالمئة للمرأة في البرلمان المقبل.

وأوضح “كيتينغ”، أن الانتخابات المقبلة (آخر انتخابات تجري بصيغة المحاصصة القبلية) ستمهد الطريق إلى انتخابات شعبية في 2020.

وفيما لقي التوجه الحكومي لتعزيز دورة المرأة في المؤسسة التشريعية ترحيبا أمميا، قوبل بالرفض من قبل شيوخ القبائل النافذين في البلاد ومجمع علماء الصومال.

وينظر المجتمع الصومالي إلى المرأة التي تود الترشح لمنصب سياسي بنظرة سلبية، فالنظام العشائري الذي على أساسه يتقاسم الصوماليون المناصب السياسة في البلاد رافض للمشاركة السياسية لها، ويختصر دورها فقط على رعاية المنزل والأولاد، حسبما يريده شيوخ القبائل، الذين يمثلون المرجع الأهم في اختيار أعضاء البرلمان ومجلس الشيوخ.

وفي هذا الصدد، قال محمد مؤمن نور، أحد أبرز شيوخ القبائل في جنوب غربي البلاد، للأناضول، إن “لكل مجتمع تقاليده وأعرافه الخاصة، والشعب الصومالي يحق له الحفاظ على تقاليده”.

وأضاف أن “الذين يروجون لإشراك المرأة في الحياة السياسية ينتهكون حرمة المرأة وكرامتها بقدر ما يسعون إلى تكريمها”، داعيا النساء “إلى لزوم البيوت بدلا من مزاحمة الرجال في المعترك السياسي”.

ويشاطره الرأي محمود أحمد علي، أحد شيوخ القبائل، الذي يعتقد أن “خوص المرأة للحياة السياسية وبنسبة معينة من شأنه تفكيك الأسرة التي تلعب المرأة دورا كبيرا في بنائها، ما يؤثر سلبا على الأجيال القادمة”.

وأضاف علي، للأناضول أن “هذه النسبة تثير اهتمام المرأة بخوض تجربة الحياة السياسية، وهو ما سيؤدي إلى ضياع كثير من الأسر”.

ورأى أن “أياد خارجية تسعى إلى إجبارنا على أجندات خارجية لا تليق بمجتمعنا”، دون توضيح ماهية تلك الأجندات ومن يقف وراءها.

ولا يختلف موقف هيئة علماء الصومال، التي تأسست في 2009 وتضم كبار علماء الصومال، كثيرا عن رأي شيوخ القبائل، حيث اعترضت الهيئة على حصة المرأة في مجلسي الشعب والشيوخ، معتبرة إياها “انتهاكا صارخًا لتقاليد وأعراف الصوماليين”.

وقالت إن هذه الحصة “من شأنها أن تغير ثقافة وهوية البلاد، وذلك من خلال فرض إملاءات خارجية لا تتوافق مع التقاليد والقيم الصومالية”.

ودعا بيان هيئة العلماء، شيوخ القبائل “إلى عدم الإنجرار وراء الدعاوي الجارية لإسناد المرأة نحو 30 % من حصص البرلمان بغرفتيه، لأنها تشكل انتهاكا صارخا لأعراف المجتمع، وبعيدة عن الديمقراطية، التي يتغنى بها من يدعي صون الحقوق السياسية للمرأة”.

وتحدثت هيئة العلماء أن تخصيص نسبة 30 % للمرأة “تنتزع حرية اختيار المرشحين للمجالس التشريعية من الآخرين”، داعية الجميع للتنافس على مقاعد المجلسين بدلا من تفضيل جنس على آخر.

ومحذرا من “خلق صراع بين المرأة والعلماء، قالت رئيس الهيئة شيخ يوسف علي عينتي، خلال ندوة حول دور المرأة في السياسة والتي نظمت في العاصمة مقديشو مؤخرا: “لا داعي لخوض هذا الصراع في الوقت الحالي، ونحترم دور المرأة داخل المجتمع”.

وثمة اختلاف واضح بين شيوخ القبائل وهيئة العلماء، فالأخيرة لا ترى مشكلة في تمثيل المرأة في البرلمان، لأن الجميع متساوون في الحقوق السياسية، وهو ما لا يحبذه شيوخ القبائل، لكنهما يتفقان على رفض “الكوتة” (حصة 30 % للمرأة في البرلمان).

النائبة عائشة محمود، قالت للأناضول إن “المرأة الصومالية حققت نجاحات ملموسة طيلة السنوات الماضية في مختلف المجالات، وأن المجتمع يعترف بدور المرأة في الحياة السياسية يوم بعد آخر”.

وأكدت عائشة أنه رغم العادات والتقاليد التي تشكل حجر عثرة أمام المرأة إلا أنها تسعى مع زميلاتها في البرلمان الحالي إلى التغلب على كل هذه العادات وإثبات دور المرأة في الحياة السياسية بعد سنوات من التهميش.

بدورها، رأت آمنة عرالي، الناشطة والحقوقية الصومالية أن المرأة في بلادها “تحملت ما يكفيها من التهميش السياسي، ولن تقبل تكرار ذلك في هذه المرة”.

وحول العادات والتقاليد التي تمنع المرأة من المشاركة السياسية، قالت آمنة، إن “المرأة تشارك الرجال في قرارات الأسرة ولا ضرر في أن تشاركهم في القرارات السياسية”.

وأوضحت أن “تقاليدنا تتنكر لدور المرأة في الحياة السياسية، وتعطي الأولوية لرجال ربما أقل كفاءة من المرأة”. وشددت آمنة على “أهمية التغلب على العادات والتقاليد التي تمنع المرأة من نيل حقوقها في التمثيل السياسي، لأن الإسلام لم يفرق بين المرأة والرجل في ممارسة الحقوق فهما على قدم المساواة في هذا المجال”.

عائق آخر يقف أمام تحقيق “كوتة” المرأة في البرلمان الصومالي، وهو المحاصصة القبلية التي تعد هي الأخرى عائقا لتطبيق نسبة 30% للمرأة عمليا حيث تفضل كل قبيلة اختيار الرجل لتمثيلها في السياسة.

وترى بعض القبائل نفسها ضعيفة أو دنيئة أمام القبائل الأخرى بمجرد ترشيحها امرأة في المؤسسات الحكومية.

وكان من المفترض أن تنطلق الانتخابات البرلمانية في 24 سبتمبر/أيلول 2016، وتستمر حتى 10 أكتوبر/تشرين الثاني الجاري، على أن ينتخب رئيس البرلمان في 25 أكتوبر، قبل أن ينتخب البرلمان رئيس البلاد في الـ 30 من الشهر نفسه، بنظام الاقتراع السري، قبل أن يتم تأجيل المواعيد السابقة 30 يوما.

وأعلن رئيس لجنة الانتخابات في الصومال، عمر عبدلي طغي، في 26 سبتمبر/أيلول الماضي، تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد، لـ “عدم حصول اللجنة على الأموال الكافية لتسيير الانتخابات، إلى جانب مشاكل حول اختيار مجلسي الشيوخ والبرلمان (لم يوضحها)”.

وبين الشد والجذب يبقى دور المرأة في الحياة السياسية محل نقاش لحين اختيار الأعضاء الممثلين في البرلمان، حيث من المتوقع تضاعف مقاعد النساء في البرلمان، إذا التزمت الأطراف السياسية بالوفاء بوعودهم في هذا الخصوص.

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.