سوريا الحدث يربك الجميع…وخاصة أمريكا / د. عادل سمارة

 

د. عادل سمارة ( فلسطين ) الخميس 13/10/2016 م …

أما والحرب على سوريا في عامها السادس، فلم يعد هناك من شك أن سوريا هي الوجود وهي الحدث والممسكة بتلابيب كل ما يحدث رغم أن ما يحدث كتلة نار يذكيها المولعون بشرب الدم. فقط وراء سوريا يكون كل دور وليس أمامها.

الحدث السوري هو الوجود الحضاري العميق والعتيق وغير العابر لسوريا، وكون البنية السورية الحالية امتدادا لهذا الوجود سواء منذ آراميتها وسريانيتها وزنوبيا إلى الدولة الأموية إلى الوحدة مع مصر إلى الشعب والجيش والقيادة في سوريا. هذا هو الحدث الذي تقاتل سوريا به اليوم ، إنه الوجود العميق.

لن أدخل في نقد هنا أو هناك، وهناك ما يمكن نقده وهو ما يفتح شهايا عديدة، بل ولكي لا يفتح شهايا منها:

• شهية الاستسلام بالطبع والفطرة، شهية من رأوا أن زنوبيا لو كانت واقعية، لفعلت مثل كليوبترا وعاشقت الروماني، أو مثل بلقيس وسليمان، لا لشيء إلا كي تبقى على العرش، بل منتقلة إلى الفراش دون أن يدركوا الفارق بين العرش وبين المحمول أو الحمولة الفكرية المواقفية ل “ملكة” في الفهم غير المعاصر الشكلاني التابع ل “ملك أو ملكة”، فالعرش مكان والملوكية القديمة أنفة وشموخ. لا يعرفون ما معنى أن تكون ملكة وما محمول هذه الكلمة لدى امرأة أصبح موقفها ووجهها غلاف كتاب التاريخ. هذا هو الوجود العميق.

• شهية ورغبة الذين يرفضون ويقتلون ويُقتلون باسم علي ومعاوية وليس باسم الوطن والسيادة والمستقبل. ترى هل يضحك الرجلين أم يبكيان؟ ومن بوسعه القطع أن هؤلاء المقتتلين يصبون طائفيا في خدمة الثورة المضادة ، منهم من يعي ومنهم سادر في فقره الفكري.

• وشهية من لون آخر، شهية رأوا أن الوحدة المصرية السورية كانت متسرعة وبأن سوريا قومية ومصر أخرى، دون أن يدرك هؤلاء وخاصة الفلسطينيين منهم أن أقل نسبة وعدد مستوطنين تم استجلابهم إلى فلسطين منذ بدء الاستيطان اليهودي في فلسطين أي ستينات القرن التاسع عشر وحتى ظهور “دولة” الدواعش باسم الإسلام بل وحتى مشاركة العرب والفلسطينيين في عزاء بيرس، كانت في فترة الوحدة المصرية السورية. فقط حصول الوحدة أثر إلى هذا الحد.

دعك من الشهايا وأهلها إذن. فما أن بدأ العدوان، وقياسا على هروب بن علي من تونس، ونزول مبارك عن عنق مصر، توقع الجميع أن سقوط سوريا أكثر تأكيدية من المؤكد. وكاتب هذه السطور أيضاً، كتب بأنني مع سوريا حتى لو سقطت.

ما أود توضيحه هو ربما اقرب إلى الفلسفة منه إلى السياسة. ذلك بعد أن كتبت بإيجاز قبل بضعة أيام، قراءة الاقتصاد السياسي لموقف كل من روسيا وأمريكا تجاه سوريا، فهذه المرة قراءة فلسفية (مع الاعتذار) لأهل الفلسفة.

وهنا أتوجه لأصحاب الفكر المادي وليس الخبط في الغيب، بأن الحدث هو سابق مادي على وعينا. وهو الذي يستفز هذا الوعي، يتحداه وبفظاظة. وحينها يكون السؤال: يكون عمق وعيك بقدر عمق فهمك وإحاطتك بالحدث كحدث في الواقع (كما يقول ماركس) وليس كنقاش محصور في الفكر (كما يقول هيجل).

على أرضية العلاقة أو التقاطع مع الحدث، الذي في هذه المحاورة هو الوجود الممتد لسوريا، رأينا المواقف كما يلي:

• حكام الخليج العربي أخذوا يجهزون طائراتهم الخاصة ليبدأ الاحتفال باحتلالهم دمشق من المطار

• 14 آذار ربط عودة رئيسه إلى بيروت عبر دخوله فاتحا دمشق

• الاستعمار العثماني قرر رأسه الإخواني الصلاة في الجامع الأموي، ناسيا أن الأموي إسلام عربي وأن العثماني إسلام استعماري صهيوني ناتوي. تذكرت في هذا المعرض قول شوقي: (مررت بالمسجد المحزون أسأله…هل بالمصلى أو المحراب مروانُ)

• الكيان الصهيوني بدأ بتحويل تنظيرات جابوتنسكي وبن غوريون عن وجوب تدمير سوريا إلى الصفحة الأولى من التلمود.

• الطابور السادس الثقافي بدأ يُجند آلاف المثقفين لكتابة “براميل” مقالاتية ضد سوريا.

• معظم الحكام العرب ارتاحوا من بلد شقي، وبعضهم خاف وصمت أو احتج خجلا.

• الإخوان المسلمين استنفروا مختلف فصائلهم للقتال ضد سوريا وليس في فلسطين والأقصى الذي أقصاه العرب والمسلمين.

• أمريكا تذبذبت بين التراخي معتقدة أن سوريا (غلوة أو غلوتين) وتنتهي وبين محاولة العدوان المباشر 2013.

• روسيا تذبذبت بين تكرار تخاذلها قبل بوتين في العراق 1991 و 2003، وانخداعها في تجربة ليبيا 2011 وبين إمكانية مقارعة أمريكا في سوريا.

كل هذه المواقف هي على هامش مركز الحدث، الوجود العميق لسوريا، وإن كان أهمها القراءة الروسية لمقولة القيصرة كاترين بأن أمن روسيا يبدأ من سوريا. ولم تكن تلك القراءة طائفية أرثوذكسية كي يطرب لها الطائفيون من قوى وأنظمة الدين السياسي.

واليوم، تعود أمريكا لقراءة غلط للحدث. ليس عن جهل هذه المرة ولكن عن موقف وهدف هو وجوب تدمير سوريا طالما لن تسقط. لأن بقاء سوريا هو ممات معسكر الثورة المضادة في الوطن العربي.

وبالمقابل، استمر موقف سوريا وحزب الله والقومي السوري والحرس العربي والجمهورية الإيرانية ومختلف المتطوعين العرب والمؤيدين من خارج سوريا بأن المطلوب فهم الحدث وتطوير الحدث إلى انتصار. فلا خيارا غير هذا.

 

هذا ما رأته روسيا التي رأت أمنها يبدأ من حلب. روسيا التقطت الحدث السوري، ولم تصنعه. لكنها التقطته بقدرة واقتدار ليتطابق الحدث السوري والتقاط الحدث من روسيا، بل كذلك حزب الله والقومي السوري والحرس العربي وإيران وبدرجة تتزايد الصين.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.