هزيمة أمريكا من أوكرانيا إلى غزة.. من سيسقط أولاً زيلينسكي أم نتنياهو؟ / م. ميشيل كلاغاصي
م. ميشيل كلاغاصي ( سورية ) – الثلاثاء 07/11/2023 م …
في 21/أكتوبر الماضي, أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن أن “النظام العالمي الحالي استنفذ نفسه، وأن البشرية بحاجة إلى نظام عالمي جديد، وأن الولايات المتحدة مستعدة لبنائه, إذا تحلت بالجرأة والثقة لتوحيد العالم وفق شروط جديدة, الأمر الذي سيوسع آفاق السلام”.
مالذي دفع الولايات المتحدة في هذا التوقيت, للإعلان عن إنتهاء صلاحية النظام العالمي أحادي القطب، على الرغم من أنه بُني وصُنع وفق المشروع الأمريكي وتحت القيادة الأمريكية, وهيمنة الإيديولوجية الليبرالية والدولار ونجوم هوليوود, وتحت الرعاية والإشراف المباشر للقواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة حول العالم.
هل للأمر علاقة بتراجع وهزائم الولايات المتحدة, وعودة روسيا وصعود الصين, والتحدي الذي فرضته كوريا الشمالية, وقوة إيران وصمود سوريا والمقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية واليمنية, وعودة اليسار إلى دول أمريكا اللاتينية, وإنتقال حيادها بشكل تدريجي نحو الإنضمام إلى محور مُشيّعي النظام العالمي الأحادي, أم للأمرعلاقة بإنكشاف حقيقة وهشاشة الكيان الإسرائيلي, وعدم قدرته الدفاع عن نفسه وتأكيد فشله في “إختبار” 7/أكتوبر في غزة, ولجوئه إلى المجازر والوحشية لدعم غريزته للبقاء, وأصبح حاله كحال الناتو المفلس الذي أفرغ كل ما في جعبته العسكرية في أوكرانيا, بإنتظار الهجوم المضاد نسخةً تلو نسخة, ما بين الصيف والشتاء والثلوج وفرار الجنود الأوكران من المعارك, وسط حالة اليتم والفقر والعوز التي يشعر بها الأوروبيين فرادا ومجتمعين داخل دول الإتحاد الأوروبي.
لماذا يتنكّر الرئيس جو بايدن للنظام الأحادي الأمريكي الاّن, ويعترف بفشلٍ رهيب، ينزع عن بلاده لقب “الإمبراطورية”, ويكشف قباحة صنائعها وجرائمها والفوضى والحروب التي خاضتها ولا تزال ترتكبها للحفاظ على نظامها الأحادي “القائم على القواعد” !، والذي دفعها لتقديم أرواح مئات الاّلاف من الأوكرانيين بالمجان على مذبحها الأوروبي, ومثلهم على المذابح الاّسيوية والأفريقية, وعلى أهم مذابحها في الشرق الأوسط وتحديداً في فلسطين المحتلة وسوريا ولبنان والعراق وليبيا واليمن والسودان, وفي كل مكان تصل إليه حاملات طائراتها وصواريخها وجنودها وجنازير دباباتها, وحيث يكون السؤال لماذا نموت, ويُستشهد أولانا, وتُهدم بيوتنا, وتتطاير أشلاء أطفالنا, لماذا نُحاصر, ونُقصف باّلاف أطنان القذائف الحارقة والفوسفورية, وتُمنع عنا الإسعافات وتُدمر مشافينا, وتُغتال طواقمنا الطبية, نعم نتحدث عما جرى ولا يزال يجري في غزة وجباليا وبيت حانون وخان يونس وغيرها من مدن وقرى قطاع غزة بكامله.
ناهيك عن تمسك الولايات المتحدة ببقائها اللاقانوني واللاشرعي الإحتلالي في سوريا, على عكس ما تحدث عنه بايدن بنفسه ووزير خارجيته بلينكن, وبأنهم يبحثون عن “الحل السياسي في سوريا”, في وقتٍ تقوم بتعزيز قواتها وقواعدها وبنقل المزيد من جنودها وأسلحتها النوعية والقذائف والصواريخ نحو الداخل السوري, وتسعى مؤخراً إلى تكديس ودعم قواعدها في أضنة وقاعدة أنجرليك بأهم صنوف الأسلحة والقاذفات الإستراتيجية وغيرها.
هل تخلت الولايات المتحدة عن أوكرانيا, ونقلت حروبها نحو الشرق الأوسط كي تضع كتفها على كتف “إسرائيل” ويقاتلا سويةً, لعدم قدرتها على تحمل القتال على الجبهتين الأوكرانية والإسرائيلية, وهذا جوهر العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة, وتحت عنوان الرد على عملية طوفان الأقصى في 7/أكتوبر, والإستغلال الإسرائيلي من قوة وزخم المشاركة الأمريكية الميدانية المباشرة, لإطلاق العنان بإتجاه إنهاء وتصفية القضية الفلسطينية , والدفع بمخططات القضاء على المقاومة الفلسطينية وتدمير قطاع غزة وتسفير الغزاويين نحو سيناء والنقب.
وإذ تحاول إدارة بايدن إخفاء نياتها حيال أوكرانيا, بنقل الدعم المالي والعسكري نحو تل أبيب, وتتظاهر بالإستسلام للمعارك الداخلية بين الجمهوريين والديمقراطيين تجاه استمرار أو عرقلة خطط المساعدات المالية الإضافية والمتكررة لنظام كييف, في ظل دعم الأغلبية المؤيدة لتحويل الدعم المالي والعسكري نحو “إسرائيل”, في الوقت الذي يبدأ فيه رئيس مجلس النواب “مايك جونسون” المنتخب حديثًاً، بممارسة نوعاً من المناورات, وبتأييده دعم إوكرانيا و”إسرائيل” بشكل منفصل.. تبدو مهمة “مايك جونسون” لإقناع بعض الأوروبيين ورئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيب بوريل معقدة وصعبة للغاية, وليست بسهولة إقناع شولتز وماكرون وأورسولا فون دير لاين، لإستبدال الأجندة الأوكرانية بأجندة إسرائيلية , وها هم يهرولون من تلقاء أنفسهم.
تبدو محاولات بايدن للتظاهر برميه النظام الأحادي وراء ظهره مسرحية هزلية, لا ترضي روسيا والرئيس بوتين, الذين يواجهون الحصار ونسخ العقوبات اللا منتهية مع إعلان رئيسة الموضية الأوروبية عن الحزمة الثانية عشر, في ظل مشروع “تدمير الإقتصاد الروسي” والقوات الروسية, ووصول الناتو إلى الكرملين, لهزيمة بوتين وإقصائه, فالروس لا يسعون نحو حلول جزئية في أوكرانيا, بل يؤيدون بعد أكثر من 20 شهراً استمرار المواجهة الميدانية, وتحقيق الإنتصار الكامل, وسحق خصومهم وأعدائهم و”إعادة تصحيح التاريخ”, ولن يوقفهم سوى الإعتراف الصريح بهزيمة الولايات المتحدة ونظامها الأحادي.
لا يمكن لـ جو بايدن الحديث عن نظام عالمي جديد تقوده الولايات المتحدة, وأنّى لها أن تمتلك “الجرأة” على حساب الجنون, و”الثقة” على حساب وقاحة أكاذيب بايدن وبلينكن وجون كيربي, والهزائم والضربات التي تُمنى بها في قواعدها في العراق وسوريا, والشكوك حول قدرتها على تحقيق إنتصار أمريكي – إسرائيلي في قطاع غزة.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية, وإحتمالية عودة الرئيس ترامب , تزداد صعوبة الأيام التي يقضيها بايدن في البيت الأبيض, مع وعد ترامب “بإنهاء الحرب الأوكرانية خلال 24 ساعة”, وعلاقاته مع روسيا والرئيس بوتين, ودخول روسيا على خط التحرك السياسي بشأن غزة, واستقبالها وفد حماس, وتصريحات بوتين في 30 أكتوبر التي حمّل فيها الولايات المتحدة مسؤولية ما يحصل في فلسطين والعراق وأفغانستان وأوكرانيا, وأكد محاولاتها لإستغلال ما يحصل في الشرق الأوسط بهدف “العدوان والتقسيم”, مشيراً إلى عدم كفاية التعاطف مع ضحايا غزة, وبأن السبيل الوحيد لمساعدة الفلسطينين هو”قتال من يقفون وراء الصراع, ونحن نقاتلهم في أوكرانيا”, في إشارة مباشرة إلى الولايات المتحدة والتحالف النازي الأوروبي – الإسرائيلي, إن دعوة بوتين تبدو بمثابة منحه الضوء الأخضر – لمن يعنيهم الأمر في الشرق الأوسط – لقتال الولايات المتحدة .
أمام صلابة وثبات المقاومة الفلسطينية, وتتالي الهزائم الأمريكية – الإسرائيلية للإجتياح البري “التجريبي” على أبواب غزة وبيت حانون وجباليا, لا بد للولايات المتحدة الرضوخ إلى المناشدات الدولية, ودعوات شعوب الأرض قاطبةً, للجم نتنياهو ووزير “التراث” الإسرائيلي, ومنعهم من تحويل إحتلال فلسطين إلى قضية حروبٍ دينية قذرة, مع دعوة الأول لقتال “عماليق” وإبادة كل طفل وإمرأة وحجر( بحسب التوراة – سفر التثنية – صاموئيل ), ودعوة الثاني لضرب غزة بقتبلة نووية.
لا بد للولايات المتحدة من وقف العدوان الهمجي على قطاع غزة بكامله وبشكلٍ فوري, وأن تقرأ ما يخبئه لها الرئيس بشار الأسد والجيش والشعب العربي السوري, وبدعمٍ مطلق من محور المقاومة مجتمعاً, وبأن قواتها العسكرية لن تشعر بالأمان في قواعدها الإحتلالية في سوريا والعراق, ولن يكون مسموحاً لها بالبقاء والسكينة, واستغلال وجودها لإستمرار للعدوان والتقسيم, وتهديد المنطقة بكاملها بحروبٍ وبمشاريع خبيثة.
انتهى زمن التفرد الأمريكي بحكم وقيادة العالم, وبات عليها قبول ما أجمعت عليه القوى الكبرى, ومئات الدول حول العالم, وخصوصاً تلك التي عانت من ويلات “النظام العالمي الأحادي”, وأصبح من المهم لها وللشعب الأمريكي من قبول كلام الفيلسوف فريدريك هيغل عن “الروح العالمية” التي “تهاجر من أمة إلى أخرى”, واّن لها بعد حوالي قرن أن تغادرها, وتمنحها فرصة التفكير في شعبها وشروخ الداخل الأمريكي, وأزماتها البنيوية من التضخم إلى البطالة والكراهية والتمييز العنصري, قبل ارتطامها والإتحاد الأوروبي والكيان الإسرائيلي بقاع المستنقع, فالحقيقة الناصعة وعملية تصحيح التاريخ بات حقيقةً تصنعها اليوم إرادة الأبطال والمقاومين على وقع هزيمة الولايات المتحدة من أوكرانيا إلى غزة, والتي باتت بحاجة إلى “الجرأة والثقة” التي تحدث عنها جو بايدن, ليس للبحث نصر وسط المجازر التي ترتكبها وحلفائها الغربيين وإسرائيل, بل لقبول الهزيمة, والإعلان عمن سيسقط أولاً زيلينسكي أم نتنياهو؟
التعليقات مغلقة.