ماذا يترتب على القول بالدولة المدنية؟ / رحيل الغرايبة

 

رحيل الغرايبة ( الأردن ) الجمعة 14/10/2016 م …

من الجيد أن تتوافق الآراء والاتجاهات الفكرية والأحزاب والقوى السياسية على مقولة ((الدولة المدنية))، ومن الجيد أيضاً أن تتمخض الحوارات الطويلة خلال السنوات الخمس الماضية حول مفهوم الدولة المدنية لتصل إلى نتيجة متقاربة، لكن ما ينبغي قوله في هذا السياق أن إعلان الموافقة والقبول من بعض الجماعات يصبح عديم الجدوى وبلا فائدة إذا اقتصر على مجرد كسب وصف المرونة السياسية، أو كان من باب الانحناء للعاصفة، أو أنه جاء في سياق الشعور بالضعف، ومن أجل البحث عن مخرج، لأن الموافقة على مفهوم الدولة المدنية يترتب عليه آثار كبيرة، ويترتب على الإيمان بهذا المفهوم القيام بخطوات جذرية والبدء بتحولات عميقة.

أول هذه الخطوات المترتبة على الإيمان بمفهوم الدولة المدنية الذهاب إلى القول: إن الأحزاب السياسية يجب أن تكون مدنية أيضاً، لأن نفي الصفة الدينية عن الدولة ونفي وجود الدولة الدينية في الإسلام يعني بشكل تلقائي تغييراً كبيراً في ذهنية القائمين على العمل الحزبي الإسلامي، كما أن رفع شعار الدولة المدنية يجب أن يتبعه القول بعدم وجود أحزاب دينية بشكل حاسم، وبغير ذلك يكون الوقوع في التناقض الحكمي بين الشعار والواقع، وهذا يرتب تغييراً فورياً في طريقة التفكير وفي منهجية العمل وفي الخطاب السياسي على الجملة.

وإذا أردنا توضيح هذه الفكرة بشكل علمي قابل للتطبيق؛ لا بد من القول إن الأحزاب السياسية يجب أن تتشكل على أسس سياسية وبرامج عملية، بعيداً عن التجميع والحشد والتجييش على استثارة العواطف الدينية، وينبغي الاستسلام لمقولة أن الدين يشكل مرجعية عليا للأمة جميعاً، ويشكل سجلاً حضارياً وهوية ثقافية للشعب بكل مكوناته وفئاته، وهذا يحتم عدم وجود فئة تحتكر هذا الاسم وهذا المسمّى، ويجب أن تعترف بمبدأ المساواة الشعبية التامة أمام هذا الخطاب الجمعي، والخضوع لمبدأ التنافس الحصري على البرامج السياسية والاقتصادية والتربوية والتعليمية على سبيل التفصيل المحدد والواضح في كل مجال من هذه المجالات، وهذا يرتب زوال ميزة التأييد العاطفي لبعض القوى الإسلامية التي لا يمكن التضحية بها.

إذا بقي كل شيء على حاله، وبقيت الأحزاب كما هي من حيث طريقة التحزب والتكتل البشري القائم على الفرز الديني والآيدولوجي، وعلى خطاب الانقسام المجتمعي، والطريقة التقليدية السابقة التي بنيت على أسس قومية وجهوية وعرقية طائفية حيث أنها ما زالت قائمة في أغلب الأقطار العربية، والأردن جزء منها، ولا تخرج عن هذا النسق الذي يكاد أن يكون عاماً على امتداد الساحات العربية، فلا شيء جديد إذن، وإعلان الموافقة المتأخر على مصطلح الدولة المدنية لا يضيف شيئاً جديداً سوى ممارسة الثرثرة السياسية التي تحقق التلميع المتبادل بين سدنة الأطر السياسية التقليدية القديمة التي تقتات على إثارة الانقسام والتعصب، والبحث عن الأضواء في ظل الإفلاس والشعور بالهزيمة.

نحن في هذا الوقت بحاجة إلى إعلان التخلّي التام عن الأطر الحزبية التقليدية القديمة التي أصبحت جزءاً من الماضي، وجزءاً من مرحلة سابقة تلفظ أنفاسها، ويجب التوجه نحو بناء مرحلة سياسية جديدة مختلفة، وضرورة التوجه نحو بناء مرحلة سياسية جديدة مختلفة، وإيجاد طرق جديدة للتحزب مختلفة، مع إزجاء كل عبارات الشكر والثناء لكل من بذل جهداً مخلصاً في المرحلة السابقة، ولكل أصحاب التضحيات والمواقف الإيجابية في ساحة النضال الحزبي الايدولوجي، مع ضرورة التأكيد على أن التغيير المطلوب هو في الوسائل والأدوات، وليس في المبادىء والقيم والمرجعيات الفكرية.

 

ما يجب الصدع به على وجه اليقين والحسم هو الإيمان بضرورة التوافق على إيجاد أحزاب وطنية خالصة، تعتمد برامج سياسية عملية، ويكون الاختلاف بين الأحزاب قائماً على اختلاف البرنامج، ويكون التنافس بينها قائماً على حل مشاكل مجتمعاتها وأوطانها، ويكون الاختيار والفرز والانتخاب قائماً على أساس الكفاءة والقوة والأمانة، والتخلي مطلقاً عن الشعارات الدينية والقومية والثورية والتخلي مطلقاً عن كل ما يثير الانقسام بين مكونات الأمة الواحدة، وعن كل ما يثير التعصب بكل أشكاله وألوانه.

 

ومن المفيد أن نعلن أنه ليس من الحكمة العودة بالمجتمع إلى حوارات ما قبل سبع أو خمس سنوات سابقة، فهذا لون من ألوان الإفلاس والتخلف والرجوع بالحوار إلى الخلف دون ملاحظة سرعة الزمن وحجم التغيرات الهائلة التي تجتاح المنطقة، ومع ذلك فإننا نجد من يصفق لهذا الرجوع وهذه الحكمة المتأخرة بعد فوات الأوان.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.