المحامي  محمد احمد الروسان يكتب: أمريكا وإسرائيل في مواجهة المجتمع المدني العالمي

 المحامي  محمد احمد الروسان* ( الأردن ) – السبت 11/11/2023 م …




*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية …

= = سياسة روسيّا الخارجية المتغيرة، تجعلها أقرب إلى حماس.

= = أسباب انقسام المشهد اليهودي البريطاني حول حرب غزة.

العدوان الأمريكي الإسرائيلي البربري الوحشي، ما زال مستمراً على غزّة وشعبها الأعزل، وتجاوز الشهر، ودخلنا في الأسبوع الثاني من الشهر الثاني، وحتى الآن، لا يبدو أن هناك حلاً وشيكاً يلوح في الأفق، إضافة إلى أنّ التعقيدات في المسرح العسكري الميداني، والتوغلات البرية المحدودة والمحسوبة للجيش الحربي الصهيوني، بين الخروج والدخول للقطعات العسكرية الإسرائيلية، أصبحت تنذر بالمزيد من المشاهد الدراماتيكية، والتعقيدات على المسرح الدبلوماسي والسياسي، أصبحت تنذر أيضاً، بالمزيد من القرارات الفارغة وجعجعة طواحين الهواء.

والسؤال هنا، لتحفيز العقل وحثّه على الاشتباك والتفكير: ما هو مسار هذا العدوان والصراع: حرب أمريكا وإسرائيل والغرب من جهة، وحماس وفصائل المقاومة من جهة أخرى، وإشكالية فقدان الاتجاه؟:-

وعلى غرار القول السائد، بأنّ النار الكبيرة تأتي من مستصغر الشر، فإنّ مواجهة الجيش الإسرائيلي وحركة حماس وفصائل المقاومة، تزايدت تداعياتها وعقابيلها، وأصبحت تنذر باحتمالات تحولها إلى حرب كبيرة مرتفعة الشدة.

تشير معطيات خبرة النزاعات والحروب، بأنّ الصفقات دائماً  هي المخرج الذي لا بدّ منه، عندما لا تكون هناك جدوى من استمرار القتال، سواء بالنسبة لأحد الأطراف أو بالنسبة للطرفين أو الثلاثة أطراف الحالية، فهل يمكن القول: بأنّ أحد الأطراف، قد أصبح ساخناً، بالقدر الكافي، الذي يتيح للطرف الآخر أو الطرفين، القيام بعملية تطويعه؟.

وبكلمات أخرى، هل أضعفت الضغوط العسكرية، حركة حماس وباقي الفصائل، بما أدّى إلى جعلها في حالة جاهزية للقبول بشروط الهدنة الأمريكية الإسرائيلية البعض عربية؟ أم أنّ الضغوط الدبلوماسية والسياسية، أضعفت إسرائيل، بما جعلها في حالة جاهزية واستعداد، للقبول بشروط حماس المتعلقة بالهدنة؟.

يطالب الإسرائيليون بالإفراج عن الرهائن، وبإيقاف التهريب القادم إلى غزة عبر الحدود المصرية، وبإيقاف الصواريخ نهائياً، وبقيد زمني مفتوح الى حين، وخروج قادة حماس، أمّا حماس – حماسنا: فتطالب بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في جلّ السجون الصهيونية، وبوقف العدوان، وإدخال المساعدات والوقود، وإنهاء الحصار وهدنة طويلة، وعلى هذه الخلفية، هل يستطيع الوسطاء إجراء المساومة بين حماس وإسرائيل و\أو بين حماس وأمريكا؟ بكلمات أخرى: إذا وضعنا منظور حماس في جانب، ومنظور أمريكا – إسرائيل في جانب آخر، فهل من الممكن العثور على نقطة وسط، تتيح الموازنة بين مصالح الطرفين أو الثلاثة أطراف، وتكون مقبولة، بحيث يخرج كل طرف، وهو مرفوع الرأس مثلاً؟.

انّ نتيجة رابح – خاسر: تتضمن انتصار حماس، وهزيمة القوات الإسرائيلية والطرف الأمريكي، الصفق سياسياً أي الوقح، والذي هو من يعارض وقف اطلاق النار ومن خلفه اسرائيل، وهي نتيجة يصعب التكهن بها، في ظل الوضع العسكري الميداني القائم حالياً، فحماس يمكن أن تلحق بالجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة – وقد أدمته وفعلت الكثير فيه، أمّا تحقيق الحسم العسكري الكامل، فهو أمر يتجاوز قدرة حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية المسلحة.

أمّا نتيجة خاسر – رابح: تتضمن انتصار القوّات الإسرائيلية والطرف الأمريكي – وهزيمة حماس، وهي نتيجة يصعب التكهن بها، في ظل الوضع القائم حالياً، فالجيش الإسرائيلي لن يستطيع القضاء على حركة حماس، عن طريق الحسم العسكري، وذلك بسبب: أن حركة حماس تستند على المذهبية أكثر منه إلى العتاد، وهذا معناه: أنّ عامل تأييد السكان المحليين – الشرط الموضوعي لنجاح حرب المقاومة قد جعل من حركة حماس، تيّاراً اجتماعياً، من المستحيل استئصاله في ظل الوجود الإسرائيلي، رغم عدد الشهداء الكبير والمصابين، والدمار الهائل في حاضنة حماس والمقاومة في عزّة العزّة – غزّة هاشم بن عبد مناف.

وأمّا نتيجة خاسر – خاسر: تتضمن استمرار المواجهة العسكرية المفتوحة، بما يؤدي إلى تزايد الخسائر المدمرة على الجانبين، مع ملاحظة أنّه أيضا استمرت المواجهة بهذه الوتيرة، فإنّ القوات الإسرائيلية والطرف الأمريكي، ستجد نفسها مضطرة، إلى خوض المواجهة في الضفة الغربية المحتلة، وهي المواجهة التي ستتضمن حسابات أخرى في معادلة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وأثر ذلك على الأمن القومي الأردني.

انّ نتيجة رابح – رابح: تتضمن قبول كل من حماس وإسرائيل والطرف الأمريكي، بالحد الأدنى الممكن من المكاسب، وهو أمر يتطلب معايرة مطالب الطرفين أو الثلاثة أطراف، بحيث يقدم كل طرف بعض التنازلات للطرف الآخر، وحالياً ترفض حماس تقديم أي تنازلات، وترفض إسرائيل وامريكا تقديم التنازلات أيضاً.

فهل يكون الحل، عبر حرب إقليمية متوسعة، تخسر فيها كافة الأطراف الحالية والجديدة، والتي ستنضم كرهاً وحبّاً الكثير والكثير – والسياسة استمرار للحرب والعكس صحيح – ثم الذهاب الى الجلوس، على طاولة التفاوض والتباحث، لإنتاج تسوية سياسية مختلفة، قد تكون في مساراتها: إسرائيل ضعيفة، والطرف الأمريكي يخسر نوعاً وكمّاً، لصالح الطرف الروسي، والطرف الصيني، والطرف البعض العربي غير المطبّع، والطرف الفلسطيني المقاوم، وليس الطرف الفلسطيني التسووي؟.

عندّ معايرة المعطيات الجارية، نلاحظ من جانب: أنّ الصراع العسكري الجاري حالياً في غزة، يمضي باتجاه سيناريو خاسر – خاسر، ولكنه على المدى الطويل، يتميز بقابلية التحول إلى سيناريو رابح – خاسر، لجهة خسارة إسرائيل، ولكن بشرط اشتعال جبهة الضفة الغربية المحتلة، وتوسع اشتباكات الجبهة الشمالية من جهة لبنان – حزب الله، ومن الجانب الآخر نلاحظ: أنّ الصراع الدبلوماسي الجاري حالياً في المسرحين الإقليمي والدولي، يحاول المضي قدماً باتجاه سيناريو رابح – رابح، وعلى خلفية المساندة والمشاركة الأمريكية والأوروبية لإسرائيل، والتي تمثل عامل القوّة الدبلوماسي الإسرائيلي، في مواجهة الانقسام والتفكك، ووجود الطابور الخامس والسادس، الذي يمثل عامل الضعف الدبلوماسي العربي، فإنّه من الصعب الوصول إلى سيناريو رابح – رابح، إلاّ إذا ألهمت المعطيات العسكرية الميدانية الدامية الجانب العربي الرسمي، المزيد من القوّة والشجاعة، بما يؤدي إلى صعود الدبلوماسية العربية في المسرحين الإقليمي والدولي.

انّ المعطيات العسكرية الميدانية الدامية في غزّة، ألهمت الشعوب العربية، وهذه قوّة للنظام الرسمي العربي، اذا أراد أن يكون على قدر مسؤولياته ويخرج من جبنه(نراقب نتائج وفعل ومفاعيل القمة العربية الإسلامية المشتركة الطارئة وغير العادية في الرياض، وتظهيرها لتلك القرارات في وعلى الميدان، وليس على الهواء، والقمة الإسلامية الاستثنائية أيضاً)فهل تستطيعان اجبار الأمريكي، على وقف اطلاق النار، وإدخال المساعدات؟ آمل ذلك: ولكن واقع الأمور والخبرة والتجربة يقول: فقط معاركهم هؤلاء، معارك وهمية مع طواحين الهواء.

التحركات الدبلوماسية العربية المعلنة المكثفة، إقليمياً ودولياً، سبقتها تحركات عربية – إسرائيلية – أمريكية غير معلنة مكثفة، وبكلمات أخرى: فإنّ التفاهم الذي تم إنجازه على خط القاهرة – تل أبيب – واشنطن – رام الله خلال الفترة التي سبقت السابع من أكتوبر الماضي – انتهاء هدنة حماس – إسرائيل، هو تفاهم سيظل يمارس تأثيره على الحراك الدبلوماسي العربي، وبكلمات أخرى، من الصعب على الدبلوماسية العربية، أن تتوصل إلى موقف موحد، طالما أنّ بعض الأطراف العربية، قد سبق وأن وحدت موقفها، وأصبحت تشكل تكتلاً داخل التكتل العربي الرئيسي.

والانتقاد الرسمي العربي، للسيد حسن نصر الله زعيم حزب الله، وما زالت بعض أجهزة الإعلام العربية الرسمية، تشن حملاتها ضد حركتي حماس وحزب الله، وبعض الكتاب من البعض العربي يكتب تحليلات، تتميز بالنزعة الليكودية، مما أثار إعجاب الإسرائيليين، وكل من يقرأها: يظن أن كاتبها بنيامين نتينياهو، أو رئيس الأركان الإسرائيلي، أو رئيس الشاباك، أو الموساد، أو الشين بيت.

لقد أصبح الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومعه التيار المتأسرل في فتح، والسلطة الفلسطينية غير الوطنية، أكثر انتقاداً لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية، وتصدت قوّات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، لمظاهرات واحتجاجات الفلسطينيين، من سكان الضفة الغربية المحتلة، وقد شكره وزير خارجية إسرائيل أمريكا أنتوني بلينكين على ذلك.

واستطاعت واشنطن دي سي، أن تمنع قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي، بوقف إطلاق النار في غزّة عبر الفيتو، تم تقديمه من الجانب الروسي بقوّة وحماسة، والروسي هو الذي يحمي غزّة وشعبها الأعزل، من قرارات جائرة في مجلس الأمن الدولي، من تغولات  الأمريكي والغربي.

وقد استخدمت موسكو حق النقض الفيتو مرتين لصالح حماس، احقاقاً للعدل والحق، وسحق الظلم الأمريكي والغربي والإسرائيلي.

وعلى خلفية هذه المعطيات، فانّه بالجمع بين هذه التصريحات والتحركات، يفيد لجهة، أنّ إسرائيل ما تزال تعتمد على مثلث القاهرة – رام الله – واشنطن، لجهة القيام بالتحركات في المسرح الدبلوماسي، من أجل إكمال ما تبقى من جدول أعمال  العدوان الأمريكي الإسرائيلي، والعملية العسكرية الإسرائيلية بجلّها على غزّة.

والقراءة في محتوى ومضمون التصريحات والتحركات الإسرائيلية والأمريكية يشير إلى الآتي:

سعى الطرف الأمريكي، وعبر وليام بيرنز وأنتوني بلينكين: إلى تهديد الأطراف العربية – الفلسطينية، لجهة ضرورة الموافقة على الشروط الإسرائيلية، كإطار وحيد، لاستباق دخول العملية العسكرية مرحلتها الثالثة، لجهة تفاقم الدخول البري، وتوسع الحرب في المنطقة.

سعى بنيامين نتنياهو وحكومته الفاشية، إلى إبراز عضلات إسرائيل لجهة، أنّها ستستمر في استخدام قوتها العسكرية وقوتها الدبلوماسية جنباً إلى جنب، بما يجعل من الهجوم الإسرائيلي، يتم بشكل مزدوج “عسكري – دبلوماسي”.

معالم الصفقة التي تسعى إليها أمريكا، ومن خلفها إسرائيل واضحة: وهي اجتثاث المقاومة الفلسطينية في غزّة، وخاصة حماس نوعياً وكمياً، ضمن هذا العدوان المستمر، مع عمليات عسكرية برية – دبلوماسية خاطفة، خلال ما تبقى من زمن لا لإدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن، وما أغرى أمريكا وإسرائيل أكثر فأكثر، على خوض هذه الحرب بهذا الشكل الإرهابي البربري، هو وجود الطابور الخامس العربي من بعض العرب لا جلّهم، المستعد دوماً وبالمطلق، للقيام بدور دبلوماسية الوكالة في المنطقة.

روسيا استفادت من الحرب، بين الأمريكي ومن خلفه إسرائيل من جهة، وبين وحماس وباقي فصائل المقاومة(القاتل والمقاتل في غزّة هو الأمريكي، وهذه معركة الأمريكي والإسرائيلي من خلفه)من جهة ثانية، حيث عزّز بوتين مكانتها لروسيا كلاعب عالمي، وحوّل انتباه العالم بعيداً عن المسألة الأوكرانية، واستخدم حق النقض مرتين بالاشتراك مع الصين لحماية حماس، والمقاومة في غزّة، واستقبل قادة حماس.

والحرب في غزة، والمستمرة منذ أكثر شهر حتّى الان، أدت إلى تأجيج التوترات، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل شملت القوى العالمية أيضاً، وبينما برزت الولايات المتحدة، كواحدة من أكبر الداعمين لإسرائيل، سارعت روسيّا إلى إدانة الهجوم على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

ويأتي التدخل الروسي في الحرب، بين أمريكا ومن خلفها إسرائيل، وحماس والمقاومة، على عدة مستويات: معارضة روسيا للغرب وحلفائه، بما في ذلك إسرائيل، وقرب موسكو من إيران، التي تهاجم الجماعات الموالية لها، مثل حزب الله اللبناني وحماس والجهاد الإسلامي: إسرائيل.

وسياسة روسيا الخارجية المتغيرة، تجعلها أقرب إلى حماس، وقد استقبلت موسكو في بدايات هذه الحرب وفداً، من حركة حماس – المكتب السياسي، وما زال التواصل مستمر معها ويتعاظم، لا بل حوّلت موسكو علاقاتها الخارجية إلى جانب حماس المدعومة من إيران، وحتى الآن، تستفيد روسيا من الحرب، حيث عزز بوتين مكانتها كلاعب عالمي، وصرف انتباه العالم بعيداً عن أوكرانيا، وأيضاً تستفيد الصين، فقد خفّفت الحرب والعدوان على غزة، بشكل او بآخر من النفوذ الأمريكي في بحر الصين الجنوبي، وانتقل الاضطراب والتوترات الى الشرق الأوسط.

وكانت روسيا، تتمتع بعلاقات جيدة مع “إسرائيل”، حيث اعتاد بنيامين نتنياهو، أن يطلق على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقب “صديقه العزيز”، كما زار نتنياهو روسيا عدة مرات متتالية، ومع ذلك، فقد فترت العلاقة بين روسيا و”إسرائيل” بعد المواجهة الروسية الأطلسية –  حرب أوكرانيا في عام 2022 م، حيث قامت وما زالت الدول الغربية بتسليح كييف.

واستضافت موسكو، كما أسلفنا أنفاً، مجموعة من كبار عناصر حماس في موسكو، ورغم أن بيان وزارة الخارجية الروسية قال: إنّ الاجتماعات كانت جزءً من جهود روسيا، لتأمين إطلاق سراح “الرهائن” من غزة، إلاّ أنّ الاجتماعات أظهرت كيف تحاول روسيا، إلى جانب دعم حماس، الاحتفاظ بدور وسيط قوي ونزيه، مهم في الشرق الأوسط.

ودافعت روسيا، عن قرارها باستضافة عناصر من حماس، قائلة: إنّه من المهم الحفاظ على العلاقات مع طرفي الصراع، وزادت زيارة الجماعات الفلسطينية المسلّحة المقاومة لموسكو من المخاوف الإسرائيلية، من أنّ روسيا تعيد ترتيب سياستها الخارجية، للتقرب من حماس وباقي فصائل المقاومة.

وقد عزّزت المواجهة الروسية الأطلسية – حرب أوكرانيا، العلاقات العسكرية بين روسيا وإيران، حيث تزود إيران موسكو بطائرات بدون طيار ومعدات عسكرية أخرى، هذا وقد أدت حرب روسيا في أوكرانيا، إلى توثيق العلاقات العسكرية مع إيران ومع الصين، وقد زار مسؤولو حماس موسكو ثلاث مرات على الأقل منذ الحرب الروسية في أوكرانيا، وفي الصراع الأخير في غزة، وضعت روسيا نفسها كصانع سلام محتمل بدعم من إيران والصين.

لقد نظر بوتين دائماً إلى الصراعات الدولية، باعتبارها امتداداً للصراع بين الدول الغربية وبقية العالم، حيث تتصدر روسيا ذلك، وترى فيها اضعاف للغرب، وبينما ألقى بوتين باللوم علناً على واشنطن في الاضطرابات في الشرق الأوسط، فإنّ موسكو ستميل نحو حليفتها إيران، وبالتأكيد ستدعم الجماعتين اللتين تدعمهما، حزب الله وحماس، وإنّ الحرب في غزّة، تساعد في تأجيج الاتجاهات المعادية للغرب، من خلال ارجاع عدم الاستقرار العالمي العام، وإعادة فتح النزاعات التاريخية أمام الغرب، الى تداعيات وعقابيل هذه الحرب.

إضافة إلى ذلك، يريد بوتين تشكيل نظام عالمي جديد بالتعاون مع الصين، وكذلك حلفاء موسكو في إيران وكوريا الشمالية وسوريا، ومؤخراً، التقى بوتين بالرئيس الصيني شي جين بينغ، وأكد من جديد على علاقاته القوية مع بكين.

لقد نجحت الحرب على غزة، التي أعقبت النزاع بين “إسرائيل” وحماس، في تحويل الاهتمام الدولي عن أوكرانيا الى غزّة، وتساعد الحرب على غزّة روسيا: على تشتيت وتخفيف تركيز الغرب على أوكرانيا، وتحويل أموالهم نحو “إسرائيل”.

ومعظم كبار المسؤولين الامريكان، مثل: وليام بيرنز مدير السي أي ايه، ووزير الحرب الأمريكي أوستن، وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، يقضون معظم وقتهم في أزمات الشرق الأوسط، التي تحدثها الحرب والعدوان على غزة، وبلا أدنى شك، فانّ الاضطرابات في الشرق الأوسط سوف تقود لا بل قادت، إلى تحويل الدعم الغربي عن كييف، مما يسهّل على موسكو تعزيز سيطرتها الإقليمية على أجزاء من أوكرانيا.

تشير المعطيات والوقائع الجارية، إلى أنّ إسرائيل لم تتورط في مواجهة عسكرية، ومواجهة دبلوماسية وحسب، وإنما تورطت في مواجهة مع المجتمع المدني العالمي، وهي المواجهة التي بدأت مؤشراتها وتأثيراتها ليس على الرأي العام العالمي، وإنما على المجتمع اليهودي نفسه، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد انقسم يهود بريطانيا ضمن مجموعتين: الأولى ترفع الشعارات الليكودية المتطرفة المؤيدة للعدوان الإسرائيلي، والثانية تندد بالمجازر الوحشية التي ارتكبتها إسرائيل في حق سكّان غزة.

تجاوزت إدانة العدوان الإسرائيلي على غزة، وتداعيات العملية العسكرية الإسرائيلية ضد غزة، حدود السطح الإعلامي، وتغلغلت عميقاً ضمن المؤسسات المدنية الأوروبية الغربية، وعلى هذه الخلفية نشير إلى النقاط الآتية:

تزايد إجماع المنظمات الدولية والإقليمية غير الحكومية والسياسيين ووسائل الإعلام والمؤسسات الدينية وغيرها، إزاء إدانة إسرائيل، ووصل الأمر إلى ما يشبه الإجماع الدولي الكامل لإدانة ورفض الأداء السلوكي العدواني الإسرائيلي.

برغم جهود محور واشنطن – تل أبيب في التسويق لأجندة الحرب ضد الإرهاب، وتنميط الحركات المسلّحة مثل حزب الله، وحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينيان، باعتبارهما حركات إرهابية، فقد تخلى الرأي العام العالمي على وجه السرعة عن إسرائيل، ووقف إلى جانب حزب الله في حرب صيف العام 2006م، ونفس السيناريو تكرر الآن لجهة تحول الرأي العام العالمي ووقوفه إلى جانب حماس والجهاد متخلياً عن تأييد إسرائيل.

تزايد الرأي العام المعادي لإسرائيل، في الدول ذات التوجهات الليبرالية الرأسمالية، وعلى وجه الخصوص دول الاتحاد الأوروبي الكبرى، فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والنرويج – والمملكة المتحدة، ولم يعد الخطاب الثقافي والإعلامي الإسرائيلي، الذي ظل يركز على التنميط الثنائي لإسرائيل، باعتبارها الضحية في مواجهة الجلاد المتمثل بالأطراف العربية المعادية له.

لم تفلح معاهدة سلام كامب ديفيد ووادي عربة في دفع الرأي العام المصري والأردني للوقوف بجانب إسرائيل ولا حتى الوقوف موقف الحياد، وكان الواضح أنّ العداء لإسرائيل قد تزايد في أوساط الرأي العام المصري والأردني، بما يفوق العداء لإسرائيل في البلدان التي لم توقع معاهدات سلام مع إسرائيل أو دول الاتفاقيات الابراهيمية، لا بل ان الموقف الرسمي الأردني تحديداً، تماهى وتساوق مع الموقف الشعبي، وكانت تصريحات الملك وولي عهده، ورئيس حكومته والملكة رانيا، تصريحات ومواقف سياسية وطنية قومية مغرقة بالراديكالية، إزاء الاجرام الإسرائيلي ومن خلفه الاجرام الأمريكي.

يقول خبراء الرأي العام الأوروبي، بأنّه قد بدأ يشهد تحول واسع لجهة الوقوف ضد إسرائيل، وتختلف التفسيرات إزاء هذه الظاهرة ومن أبرز ذلك: التفسير القائل، بأنّ هذا التحول سببه تزايد العداء للسامية المتأصلة، في الشعوب الأوروبية الغربية، وتعتمد مراكز الدراسات الإسرائيلية هذه النظرة، وهناك التفسير الآخر القائل، بأنّ هذا التحول سببه تخلي هذه الشعوب عن النزعة الدينية، والتأثيرات التوراتية والتلمودية، وتزايد النزعة العلمانية – الواقعية، بما أدى بها إلى الإدراك بحقيقة الممارسات الإسرائيلية.

انّ مشهد الانقسام اليهودي البريطاني سببه، الانقسام بين النزعة العلمانية، والنزعة الدينية، بحيث وقف العلمانيون مع مبادئ نظرية الحق، التي تعتمد مفاهيم الحرية والليبرالية والعلم ووقف المتدينون، مع مبادئ نظرية التاريخ التي تقوم على الإسناد الديني – الأسطوري، مع ملاحظة أن تأثيرات العلم ونظرية الحق الطبقي، قد تغلغلت إلى رجال الدين اليهودي أنفسهم.

وخلال فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، كان تمركز اليهود بكثافة في دول القارة الأوروبية، ولكن بعد الحرب العالمية الثانية، تحول تمركزهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ويقول الخبراء  اليهود، بأن سبب الهجرة اليهودية إلى الولايات المتحدة، هو معاناة الاضطهاد والعداء للسامية، مما أدى إلى ظاهرة محرقة الهولوكوست، ولكن بعض الخبراء من غير اليهود يقول: بأنّ هذا العداء، وإن كان موجوداً، فإنّ قوانين مكافحة العداء للسامية في أوروبا، ردعت بما فيه الكفاية وبرغم ذلك، فقد تزايدت الهجرة اليهودية الأمريكية، وقد تبين أن السبب كان يكمن في فرصة الاستحواذ الاقتصادي المالي، التي لاحت للجماعات اليهودية، والتي تعاضد وتعاون أفرادها لتسريع الهجرة اليهودية لأمريكا، واستغلال الفرصة قبل أن ينتبه الآخرون، وتشير الدراسات والتحليلات، إلى اهتمام الإسرائيليين المتزايد، بمجريات التحول الجاري ضد إسرائيل في المجتمعات الأوروبية.

وفي التقييم لأخر خطابين للسيد حسن نصرالله، وجبهة لبنان تتصاعد كجبهة اسناد لغزة، أرى التالي:

ظاهر الخطابين الأخيرين لحسن نصر الله، تعليقاً على العدوان الأمريكي الاسرائيلي المستمر على غزّة هاشم، ظاهرههما عقلاني ومنطقي، ويختلف تماما عن رسائلهما التهديدية المبطّنة والخطيرة جدا والتي تضمنها الخطابين، و الموجّهة مباشرة لأمريكا، مع تهميش لأهمية الإسرائيلي، المبني على ادراك سياسي، بأن خدعه السيد حسن للطرف الإسرائيلي، كون مسألة أنّ اسرائيل هي التي تسيطر على القرار في أمريكا، هذه فكرة غير صحيحة،  ولا يمكن تسويقها على المقاومة، لذلك خاطب السيد حسن نصر الله الأصيل وهو أمريكا، وأهمل الوكيل وهو إسرائيل.

وأنّ القاتل والمقاتل هو أمريكا، ومن خلفها إسرائيل بشكل ثانوي – معركة غزّة معركة الأمريكي أولاً والإسرائيلي ثانياً، ومن يرفض وقف اطلاق النار، هو الطرف المعتدي القاتل الأمريكي: وهذه المسألة في الحقيقة هي لب الخطابين، وفشل لقاء الأردن بين بلينكين وباقي الأطراف العربية وزراء الخارجية، وفشل لقاء بغداد بين السوداني وبلينكين، وفشل لقاء أنقرة بين فيدان وبلينكين.

كعرب: اعتدنا على خطب حماسية بمضمون فارغ، لكن السيد حسن نصر الله، قدّم مضموناً خطير جدّاً، بأسلوب مبطن رصين، ومن استمع للخطابين، و يهمه التهديد وإعلان الحرب على اسرائيل والمصارحة، أصيب بخيبة أمل،  أمّا من يهمه المضمون، فسيجد أنّه، قد تم تمرير رسائل خطيرة للغاية، تخص المرحلة المقبلة.

من السذاجة أن نتوقع من السيد حسن نصر الله، أن يقول في الخطاب الأول والثاني، ما يورّط ايران أو حتى حزب الله، ويفصح ويكشف عن التخطيط والتنسيق بين محور المقاومة، ويعطي قاده اسرائيل وأمريكا ذرائع أمام مواطنيهم، بل لقد تعمّد التبسيط لمخاطبة الجمهور الإسرائيلي، ليتم تحميل حكومة نتانياهو المتطرفة مسؤولية ما جرى، دون باقي القيادات الإسرائيلية، لزياده الضغط على نتانياهو وفريق حكومته، وتوسيع الانشقاق الاسرائيلي الداخلي.

اشارته للسيد حسن نصر الله المباشرة في الخطاب الأول الجمعة الماضية، الى فتح جبهه القوات الأمريكية بالعراق وسوريا الان، والى مقتل الجنود الامريكيين بلبنان سابقا، والى امكانيه ضرب البوارج الأمريكية، هو رساله مباشره للقيادة الأمريكية،  عليها أن تضبط حماقتها، وكذلك عليها، ضبط حماقه وغطرسه الكيان الصهيوني، والاّ سيتم توريط الامريكيين.

 التوريط والتورط عسكرياً في المنطقة، وايقاع قتلى في صفوفهم، وهذا ليس ما سيتسبب في ذعر القيادة الأمريكية وحدها، بل أيضا في رعب أكثر لدى قاده الامريكيين اليهود: الذين سيخشون مقتل جنود أمريكيين، بسبب الدفاع عن إسرائيل، وهذا يختلف عن مقتل الأمريكيين في أفغانستان أو العراق أو فيتنام، لأنّ تلك الحروب كانت: ( ظاهريا على الأقل)دفاعا عن مصالح أمريكا وليس عن مصالح إسرائيل، ومقتل جنود أمريكيين دفاعا عن إسرائيل، سيزيد الى حد كبير من معاداة السامية، واستهداف اليهود في أمريكا، لذلك سيضغط يهود أمريكا على القيادتين الأمريكية والإسرائيلية للتوقف عن التصعيد والسعي لحل .

بقيت نقطة هام جدّاً جدّاً: في الخطاب الأول له الجمعة الماضية، لقد نسب السيد حسن نصر الله الانجاز كله للمقاومة الفلسطينية، وفي ذلك أصاب عدة عصافير بحجر واحد، أولهم أنّه لم يسعى لنسب النصر الاستخباري والعسكري لغيرهم، وثانيهم أنّه أراد التمهيد لإدخال مقاتلين فلسطينيين، يجري تجميعهم وتدريبهم الى الشمال الفلسطيني المحتل(الجليل)لأنّها أرضهم المحتلة، مع توفير غطاء ضخم لهم من حزب الله، وهذا تكتيك بالغ الأهمية، اتبعته روسيا في تحرير القرم، اذ أرسلت جنودها في ملابس عسكرية بلا شارات، وأعلنت أنهم مقاتلون من القرم يسعون لتحريرها، واتباع ذات النهج في الشمال الفلسطيني المحتل من لبنان، يرفع الحرج واللوم، عن حزب الله أمام الصين، التي دخلت الصراع، من خلال صواريخ كوريا الشمالية اليمنية، ومن خلال تقديم دعم اقتصادي كبير لإيران وسوريا، فلا تظهر الصين وكأنّها تدعم قوات تحتل بلدًا آخر، بل تصرح بأنّها تتفهم أنهم مقاتلون فلسطينيون يحررون بلدهم.

انّ علينا الانتباه بأنّ مصلحة الصين هي، في نقل ساحه الصراع الذي تفتعله معها أمريكا، من مناطق نفوذها الحيوي في بحر الصين، الى مناطق نفوذ أمريكا الحيوي في الشرق الأوسط، لذلك قدّمت الصين الدعم اللوجستي العسكري الصاروخي، من خلال كوريا الشمالية لإيران واليمن فيما مضى ولاحقاً.

ما يفرحنا جدّاً، هو أنّ ما يجري على الساحة في منطقتنا منذ عشرين عاما، يبين أنّه ورغم القهر والقيادات المتخاذلة، أصبح لدى العرب والمسلمين، قوى صاعده شابه خبيرة خارج التعليب، تملك القدرة على التخطيط والتنظيم والتحرك، بما يناسب العصر والقوى الدولية، بل ويتخطى أعظمها قوّة وكفاءه. 

* عنوان قناتي على اليوتيوب البث عبرها أسبوعيا:

https://www.youtube.com/channel/UCq_0WD18Y5SH-HZywLfAy-A

[email protected]

خلوي:- 0795615721  

منزل – عمّان : 5674111

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.