اليسار والقضية الفلسطينية / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – الإثنين 13/11/2023 م …
(خلاصة مختصرة مُستوحاة من ناقشات التنسيق الشيوعي العربي (محاولة جرت بين 2007 و 2008) بشأن القضية الفلسطينية بمشاركة مُمثلين من المغرب وتونس والسودان وسوريا ولبنان وفلسطين )
بنى اليسار الأوروبي تحليلاته ومواقفه تجاه القضية الفلسطينية على شرعية دولة الإحتلال الإستيطاني الصهيوني، تمامًا مثل كل أحزاب ومنظمات اليسار الصهيوني، وتبنى اليسار ـ على المستوى الدولي ـ ككل (مع استثناءات قليلة) نفس المواقف الاستعمارية. أما في فلسطين المحتلة، فقد كان “الحزب الشيوعي الإسرائيلي” – الذي غَيَّرَ إسمه من “فلسطيني” إلى “إسرائيلي” ( بعد الإنقسام) بمجرّد اعتراف الإتحاد السوفييتي بكيان الإحتلال – وعدد قليل من الأحزاب الصغيرة الأخرى فهي الأحزاب اليهودية الوحيدة التي تعتبر نفسها غير صهيونية، لكن اليسار الإسرائيلي يعتبر شرعية دولة إسرائيل الاستعمارية، التي ليست سوى حارس للإمبريالية في المنطقة، مُسلّمة وغير خاضعة للنقاش، ولذلك فإن هذا اليسار يقف في صفوف الصهيونية والإمبريالية، ورغم ادّعائه أنه غير صهيوني فإن هذا الصنف من اليسار ضد تطبيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين…
إن مناهضة الصهيونية تتطلب معارضة الدولة المنبثقة عن المشروع الصهيوني والتي يجب اعتبارها غير شرعية، ولا يكفي أن يعلن المرء نفسه ماركسياً أو أن يكون معارضاً للنظام الرأسمالي، لكي يدّعي مناهضة الصهيونية، بل يجب أن يعارض وجود الكيان الإستيطاني الصهيوني ذاته، وهذا ما يُعارضه اليسار “الغربي” لأنه يستلهم مواقفه من اليسار “الإسرائيلي” الأشكنازي (الأوروبي).
أما الفلسطينيون، أعضاء الحزب الشيوعي الذي اعترف بإلكيان سنة 1948 وخسر ثُلُثَيْ أعضائه، فقد تأقلموا مع الإحتلال وأعادوا بناء العلاقات مع “اليسار الإسرائيلي” ودعموا ما اعتبروه “أُسُسَ الديمقراطية” بالكيان الأشكنازي، وأصبحوا صهيونيين أكثر من شيوعيين، بمشاركتهم في انتخابات الكنيست الصهيوني وأداء القسم بالولاء للكيان المُحتل لوطنهم، ولهذا السبب فإن علاقات هذا اليسار مع اليسار العربي معدومة، لأن اليسار العربي يتمسّك في معظمه بالثوابت ويولي أهمية للنضال من أجل تحرير فلسطين وحق عودة اللاجئين…
نجح المشروع الاستيطاني الصهيوني في خلق كيان رأسمالي وعنصري وسط الوطن العربي، مستفيدا من دعم الإمبريالية وجزء كبير من الاشتراكية الديمقراطية والأحزاب الشيوعية التحريفية، خاصة بعد اعتراف الاتحاد السوفيتي “بإسرائيل”، وهو قرار يُناقض قرارات الأُمَمِيّة الثالثة (التي تم حلُّها من قِبَل الإتحاد السوفييتي سنة 1943) ويُناقض كتابات ومواقف مؤسسي الماركسية ضد إصباغ أي طابع قومي للمسألة اليهودية – وهي قضية أوروبية بحتة – لأن تحليل ماركس أو لينين هو تحليل طبقي، بينما لا يُوجَدُ أي حَيِّز للصّراع الطّبقي في التكوين الاجتماعي للمستعمرات الاستيطانية مثل الكيان الصهيوني.
كان المشروع الصهيوني كإيديولوجية وفكرة ولّدت الدولة الصهيونية، مدعومًا من قِبَل الرأسماليين والكنائس المسيحية البروتستانتية وبعض رجال الدين اليهود، ثم دعّم الإستعمار البريطاني والفرنسي والألماني الحركة الصهيونية حتى إنشاء “دولة اليهود” سنة 1948، حيث أدى الدعم السوفييتي إلى تعزيز “شرعية” الحركة الصهيونية ومشروعها الإستيطاني ودولتها، وإلى تشويه سمعة الشيوعيين العرب الذين رفضوا المشروع الصهيوني…
أدّى انهيار الاتحاد السوفييتي إلى تعميق أزمة اليسار الذي تعثر العديد من مناضليه اليساريين وتعثرت كذلك معظم المنظمات والأحزاب الشيوعية العربية التي لم تتجرّأ على تقييم تجربتها ولا تزال تجد صعوبة في تأكيد انتمائها للفكر الإشتراكي في مواجهة الثورة المضادة ورأس المال والعولمة، وانتهزت البرجوازية الكُمْبرادورية العربية الفرصة للتنديد بالشيوعية ـ وأي فكر تقدمي ـ خدمة منها لمصالح الإمبريالية، بل إن هذه القوى الرجعية العربية كشفت عن علاقاتها السرية مع الكيان الصهيوني منذ نشأته على أرض فلسطين، من خلال تسهيل هجرة المواطنين العرب من ذوي الدّيانة اليهودية ليمُدُّوا الكيان الصهيوني بمستوطنين جُدُد كي يحتلوا وطَن الفلسطينيين، وليمدُّوه بالعُمّال وبالجنود، وخاصة في الفترة من 1948 إلى 1952، ودعموا بذلك الكيان الصهيوني قبل وبعد تأسيسه، خدمة لمصالح الإمبريالية التي ترتبط بها مصالح العُملاء العرب، ولذلك يمكننا التّأكيد أن عدو الشعب الفلسطيني والشعوب العربية ليس الصهيونية فقط، بل أيضاً الإمبريالية والقوى العربية الرجعية التي تقمع أي صوت مُعارض لهذا الثالوث، غير إن الشعوب العربية بقيت في معظمها داعمة لحق الشعب الفلسطيني في تحرير وطنه بكافة الأساليب، بما في ذلك شعوب البلدان التي جاهرت الأنظمة السياسية التي تحكمها بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني (مصر والأردن والمغرب والسودان…)، وبقيت المنظمات والقيادات الثورية غائبة، أو عاجزة عن تحويل الغضب إلى ثورة ضد الأنظمة العربية وضد الإمبريالية وضد الصهيونية، ومن أجل “فكّ الإرتباط” مع هذه المنظومة الرّأسمالية والرّجعية، كما أظهرت الأحداث الأخيرة (العدوان على غزة سنة 2023) إن شُعُوب العالم تدعم القضية الفلسطينية – بدرجات مختلفة – رغم حَظْر التظاهرات المُناصِرة للشعب الفلسطيني ورغم التّعتيم والتّجْهِيل الإعلامي والسياسي والإيديولوجي، ورغم الإفتقاد إلى منظمات وقيادات ثورية…
التعليقات مغلقة.