الرهان الأمريكي الأخير في سورية، سقط
الإثنين 17/10/2016 م …
الأردن العربي – كتب سمير الفزاع …
1-الموصل: قلت في مقالي السابق،” رفع السرية، اسراب في الأفق”: “بأن البنتاغون وشركائه يبتزون أوباما في سورية من أجل منحه نصر يحتاجه هو وحزبه ومرشحته هيلاري كلينتون للفوز بانتخابات الرئاسة التي ستجري في غضون شهرين تقريباً، وهذا النصر الذي يبدو مضموناً وأكثر سهولة… ولا يرافقه تنازلات “مؤلمة” تجاه العدو الاستراتيجي، روسيا، ليس في الرقة أو حلب أو دير الزور؛ بل في الموصل.”، وهذه هي الخطوة الأولى في المخطط، وأما الخطوات التالية، فهذا بعض منها:
* تحويل المشاركة الأمريكية والتركية في تحرير الموصل إلى “حصان طروادة” لينفذوا من خلالها المشاركة برسم مستقبل المحافظة الحساسة وعموم العراق، وخصوصاً، ذلك القوس من المحافظات التي تغلغلت فيها داعش: ديالى، صلاح الدين، نينوى، الأنبار… ومعروف أن هذه المحافظات ذات طابع “سني”.
* ستقدم القوات التي يدربها الجيش التركي في معسكر “بعشيقه” الغطاء التنظيمي والراية الجديدة التي سيلتف حولها الألاف من مقاتلي داعش، في تكرار لتجربة مدينة “جرا بلس” السورية، تمهيداً لخلق قوة “سنيّة” ضخمة، تضم الجسم الأكبر لداعش، وتكون قادرة على فرض “الإقليم السني” الذي طالما بحثت واشنطن وأدواتها الإقليمية والعراقية عنه.
* سيكون هذا “الإقليم السني” جاهزاً لمدّ ألاف المقاتلين الذي تسللوا إلى سورية تحت عيون واشنطن وحلفائها، قبل وخلال عملية تحرير الموصل، بكل ما يحتاج من عدة وعديد، لمتابعة حربهم في وجه الهجمة “الصليبية-الشيعية”، ابتداء من دير الزور وصولاً إلى حلب.
* سيتمتع هذا “الإقليم” بحماية واشنطن العسكرية، وسيصبح تحريره من “الدو اعش الجدد” متعذراً دون الاصطدام بأمريكا وتركيا وتحالف واشنطن لمكافحة الإرهاب… وسيبدأ “الانتداب” لهذا الإقليم بدعوة ممن سلموا المحافظ لداعش، أمثال الأخوين “النجيفي” وطارق الهاشمي… للقوات التركية الموجودة في بعشيقه، لحماية هذا الإقليم من “البطش الشيعي”… والتي ستطلب بدورها دعماً أمريكياً وغربياً….
2-دير الزور وحماه، معارك متعددة والهدف واحد: لن تكون مدينة دير الزور نقطة تتوقف عندها داعش، أو الملاذ الآمن الذي تلجأ إليه بعد تحرير الموصل؛ بل ستكون محطة فاصلة “لبعثها” بعد هزيمة الموصل، وبداية “دموية” لمجازر مرعبة تعيد ألق “انتصاراتها” الإرهابية على الإنسان والجيش العربي السوري وحلفائه، ونقطة ارتكاز تقفز منها إلى حلب… وهذا التحليل تؤكده الغارات الأمريكية على جبل الثردة، والتي مهدت لداعش السيطرة عليه. ومعروف بأن جبل الثردة يمثل البوابة الحصينة لمطار دير الزور، وهذا المطار يمثل بوابة المدينة وخاصرتها. وإذا ما نجحت داعش في اجتياح المدينة التي يقطنها ربع مليون إنسان تقريباً، ويحميها بضعة ألاف من الجنود السوريين والقوى الرديفة… بعد مجازر مروعة، سيصبح الطريق ممهداً أمامها لغزو الريفين الشمالي-الشرقي والجنوبي-الغربي لمدينة حلب تمهيداً –الباب، كويرس، السخنة – لعزلها عن بقية سورية بالتنسيق الكامل مع القاعدة-جبهة النصرة، التي تسيطر على محافظ إدلب وريفي حماه الشمالي والشرقي… ومن هنا لا يمكن فصل المعارك التي تشنها القاعدة وأخواتها في أرياف حماه منذ شهر تقريباً عن مخطط تحرير الموصل وغزو دير الزور، والتمهيد لحصار حلب والسيطرة عليها.
* كيف واجهت سورية وحلفائها هذا المخطط؟:
سأتحدث هنا عن ثلاثة عناصر فقط بشكل مكثف:
1-الحظر الجوي:
لا يمكن لمشاريع واشنطن النجاح إلا إن فرضت مناطق يحظر على الطيران السوري التحليق فيها، وما عبارة “تجميد” أمريكية المنشأ إلا تخفيفاً لهذا الهدف الهام. من خلال حظر الطيران السوري من التحليق فوق مناطق العمليات المشتركة الروسيّة-الأمريكيّة، والتي تريد واشنطن أن يكون شمال شرق سورية جزءاً أساسيّاً منها، بدليل “الاحتكاكات الجوية” التي جرت في الحسكة وفي جبل الثردة مؤخراً… لتمكن داعش وأدواتها من التنقل بحريّة هناك وبتغطية مباشرة منها، فأي صدام جوي بين الطائرات الروسيّة والأمريكيّة سيؤدي إلى حرب لا يسعى خلفها أحد ولا يمكن لأحد تحمل نتائجها، بينما يمكن تحمل مواجهة جوية سورية-أمريكية محدودة “تنتهي” بتفوق جوي أمريكي ساحق. سأقدم نموذجين لأبرز ردود سورية وحلفائها:
* ضمن احتفالات الجمهورية العربي السورية بالذكرى /43/ لحرب تشرين التحريرية، ظهرت على التلفاز الوطني صورة لطيار حربي سوري، ومن خلفه طائرة ميغ-29، وقد حملت على أحد نقاط التعليق الصاروخ “R-77” المخصص للاشتباك الجوي، والذي يماثل في فعاليته أحدث الصواريخ الأمريكية. وتلك الصورة تقول، سورية لوحدها قادرة على إسقاط مشروع حظر الطيران، وجاهزة تماماً لأي اشتباك جوي.
* عندما تقول موسكو بأن الدفاعات الجوية المنتشرة في سورية ليس لديها الوقت الكافي لتحديد نوع القذيفة أو الجهة التي أطلقتها ووجهة السلاح الذي قام بتسديدها –طائرة، بارجة…- فإن هذا يعني من ضمن ما يعنيه، أن قرار التصدي لأي جسم معاد بات في عهدة القوى المنتشرة على الأرض، وليس قراراً مركزيا، أي أن أنظمة الدفاع الجوي مثلاً، تمتلك القرار بالتصدي للعدو، ويبقى عليها تقدير التهديد لحظة وقوعه أو الاشتباه بأنه وشيك الوقوع… وهذا الموقف “يشبه” إلى حدّ بعيد إعلان حالة الحرب… خصوصاً إذا ربطنا ما سبق مع التحذير القاطع للناطق باسم وزارة الدفاع الروسية، في مؤتمر صحفي عقده الخميس، 6/10، على أن “غالبية ضباط المركز الروسي الخاص بتنسيق المصالحة بين الأطراف المتناحرة يعملون في الوقت الراهن على الأرض… يقومون بإيصال المساعدات الإنسانية، وإجراء مفاوضات مع زعماء البلدات والمجموعات المسلحة في معظم المحافظات السورية… ولهذا السبب، ستشكل أية ضربات صاروخية أو جوية موجهة إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية تهديدا بالنسبة إلى العسكريين الروس… وختم قائلاً: إن روسيا اتخذت على خلفية شن طائرات التحالف الدولي ضربة جوية على القوات السورية في دير الزور في 17/أيلول، كل الإجراءات الضرورية لمنع تكرار مثل هذه الأخطاء بحق العسكريين الروس والمنشآت الروسية في سورية”.
2-ريف حماه، ميدان معركة التقسيم:
منذ بدأ غزو ريف حماه قبل شهر تقريباً، كان الهدف المباشر تخفيف الضغط عن حلب، ومحاولة حجز موطئ قدم للبدء بمشروع عزل حلب تمهيداً للسيطرة عليها، ويبقى الهدف البعيد الإبقاء على محافظ إدلب بعيدة عن أي مواجهة جدية مع الجيش العربي السوري وحلفائه… لكن هذا المشروع باء بالفشل الذريع، وتكبدت الأدوات الإرهابية خسائر كبيرة، وأستعاد الجيش وحلفائه معظم ما خسروه، وقد تصبح هذه الانتصارات بوابة للذهاب أبعد مما يتصور الأعداء.
3-حلب، معركة الحسم:
في لقاءه مع صحيفة “كومسومولسكايا برافدا “قبل أيام، قال الرئيس بشار حافظ الأسد عن السيطرة على حلب:” أولاً وقبل كل شيء فإن ذلك يشكل مكسباً سياسياً، على المستوى الاستراتيجي، مكسباً سياسياً ومكسباً وطنياً ثم من المنظور الاستراتيجي والعسكري فإن ذلك لا يعزل “النصرة” بل إن حلب كمدينة كبيرة ستشكل منطلقاً للتحرك إلى مناطق أخرى وتحريرها من الإرهابيين، هنا تكمن أهمية حلب الآن.”. لأجل ذلك منعت أي مصالحة في حلب، ولأجل ذلك تعمل واشنطن وحلفائها على شنّ الهجوم تلو الآخر على حلب وريفها لمنع أي تقدم للجيش العربي السوري وحلفائه نحو بقية المناطق التي تحتلها أدوات واشنطن، وتحديداً نحو ادلب والرقة ودير الزور… ولكن استمرار الجيش وحلفائه بالتقدم المدروس نحو أحياء حلب الشرقيّة، وتحقيقه للانتصار تلو الآخر، أفقد واشنطن وأدواتها عقلهم، فعلقوا المفاوضات، وهددوا بضربات صاروخية وجوية لمواقع جيشنا، ونفذوا عدوانا صريحاً بالشراكة مع داعش في الثردة… ليغيروا أولويات سورية، ولكنهم لم يفلحوا، فقرروا اللجوء إلى سيناريو داعش-الموصل، كورقة أخيرة قبل الانتخابات الأمريكية… فلا يمكن لأي محاولة تقسيم في شمال وشرق سورية أن تنجح دون أن تضم حلب.
* ختاماً، عندما يقول الناطق العسكري، بأن أنظمة الدفاع الجوي الروسيّة ستفاجئ الأهداف المعادية في مداها، من جهة، ومن جهة ثانية، إعلانه بأن صواريخ S-300-MV، قادرة على الدخول في وضعية القتال خلال دقائق… سنقف أمام أسئلة جديّة وغاية في الخطورة، ومنها: لماذا لم تنصب هذه الصواريخ حتى اللحظة –حسب المصادر الاستخبارية الأمريكية-في طرطوس؟ بما أن هذه الصواريخ محمولة على عربة مجنزرة تتيح لها سهولة الحركة، وهي مخصصة أصلاً لمواكبة تقدم القوات البرية وتوفير مظلّة جوية “معتبرة” لها، هل يمكن أن تكون أحد أسباب مفاجأة العدو من بوابة مدى هذه الصواريخ، أي أنها ستنقل إلى مواقع خارج طرطوس، أو هل هناك أكثر من منظومة نشرت فعلاً في مواقع متعددة من ميادين المواجهة؟ وهل يمكن اعتبار تلميح الناطق العسكري، بأن مستعدون لمواجهة أي “خطأ” أمريكي تجاه الجيش السوري دليل على نشر هذه الصواريخ خارج طرطوس وحميميم؟ خصوصاً إذا علمنا أن منظمة S-400، الموجودة في مطار حميميم لم تستنفذ كامل قدراتها الناريّة والاستكشافية بسبب التضاريس الصعبة لجبال الساحل السوري، فهل تم تلافي هذه الجبال المرتفعة بنشر صواريخ S-300-MV، بعيداً عنها، وفي مناطق “مفتوحة” أكثر، مثل مطار كويرس وحماه وغيرهما؟. قال الرئيس بشار الأسد لصحيفة “برافدا” قبل أيام واصفاً حالة الاشتباك العالمي والإقليمي التي نعيشها: “يمكن القول إن ما نشهده الآن، ما شهدناه خلال الأسابيع، وربما الأشهر القليلة الماضية، هو أكثر من حرب باردة وأقل من حرب فعلية”… بعد أن وضعت اليد على الزناد، هل سيسلم أعدائنا بانتصارنا أم سنذهب إلى الحرب العالمية الثالثة؟ حتماً سيفعلون.
التعليقات مغلقة.