“الكمونة” – رواية من تأليف ماريوس تشَاكّاس – كُتِبَت باللغة اليونانية سنة 1972 “عرض كتاب” / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – السبت 25/11/2023 م …
الترجمة الإنغليزية: The Commune – Marios Chakkas – (Inpatient Press – 2023 )
وُلِدَ الروائي والشاعر اليوناني اليساري ماريوس تشاكاس سنة 1931، ونشأ في أحد أحياء الطبقة العاملة بضواحي أثينا الذي امتلأ باللاجئين (النّازحين) خلال الحرب العالمية الثانية، حيث أعدمت قُوات الإحتلال النَّازي مائتي مقاتل من المقاومين الشيوعيين سنة 1944، وكان “ماريوس تشاكاس” شاهدًا على هذه الأحداث المأساوية الذي جعلت منه مناضلا شيوعيا دفع ثمنًا مرتفعًا لالتزامه السياسي فبقي فقيرًا وحُرِمَ من العمل واضطر لممارسة مهن مختلفة بشكل غير منتظم، كما اضطر لتَرْك دراسته الجامعية، وعانى من المناخ الرجعي الذي خَلَّفَه انتصار الفئات الرجعية التي دعمتها الولايات المتحدة وبريطانيا خلال الحرب الأهلية، ثم سُجِنَ لمدة أربع سنوات، بداية من سنة 1954، بموجب قانون الطوارئ، وبعد مرور ثلاثة عشر عامًا تعرض لخطر السجن مرة أخرى، بعد استيلاء المجلس العسكري على السلطة، سنة 1967، ودَوّن الشهادات على عصره في روايته “الكومونة” التي صدرت باللغة اليونانية، سنة 1972، بعد خمس سنوات على الإنقلاب، ولم تصدر باللغة الإنغليزية سوى سنة 2023 عن دار إنباتيس برس، بعد مرور قرابة خمسين سنة عن صُدُورها باللغة اليونانية.
قاوم الشيوعيون اليونانيون الإحتلال الفاشي الإيطالي والألماني خلال الحرب العالمية الثانية، بينما كان المَلِك وعائلته وحكومته في المنفى، وواجه العديد منهم الموت والإعدام فيما اضطر آخرون إلى مغادرة البلاد، قبل دخول قوات الحُلفاء المنتصرة في الحرب (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) التي اعتقلت ما لا يقل عن خمسين ألف مُقاوم ومناضل شيوعي سنة 1944، ويتضمّن كتاب “الكمونة” – الذي كُتِبَ بعد خمس سنوات من الإنقلاب العسكري الرجعي سنة 1967 – شهادة عن مأساة الشيوعيين المَحَلِّيّين، لما كان النقاش حادًّا حول بعض القضايا السياسية مثل الشيوعية مقابل الفاشية، أو الديمقراطية مقابل الدكتاتورية.
قاد الحزب الشيوعي اليوناني – كما الإيطالي والفرنسي – المقاومة ضد النازيين، وسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد، ويذكر سكان الأحياء الشعبية التي تسكنها الطبقة العاملة بأثينا هنا، إعدام سلطات الإحتلال النّازي سنة 1944، مائتي شيوعي في مجموعات مكونة من عشرة أشخاص، بينما كان أولئك الذين كانوا في معسكرات الاعتقال ينتظرون فرقة الإعدام يغنون أغاني المقاومة، وكتب تشاكاس: “يقولون إن الدم المتدفق من السيارة كان مغطى بذراع وطني يحمل زهور القرنفل… بعد سنوات، ظهرت أساطير مفادها أن الأسفلت قد نبت زهورًا، وهي نفس الزهور التي كان من الممكن وضعها على هذه البقع الداكنة”. بنهاية الحرب العالمية الثانية نَصّبت بريطانيا حكومة رجعية طاردت المقاومين الشيوعيين، بدعم من مليشيات “فِرَق الموت” التي كانت تُساعد الإحتلال الألماني، وسجنت نحو خمسين ألف من المناضلين الشيوعيين والأنصار الذين ثاروا سنة 1946 ضد هذا القمع الذي أقَرّتْهُ وأشرفت عليه الولايات المتحدة وبريطانيا ونَفّذته الحكومة المَلَكِيّة المَحلّية، وانهزمَ الشيوعيون سنة 1949، وتم حَظْرُ نشاطهم، قبل المجازر التي ارتكبها ضدهم ضُبّاط اليمين المُتطرف الذين نفّذوا انقلاب 21 نيسان/أبريل 1967 الذي رافقته مجازر وقمع واعتقالات جماعية…
قرأ وكَتَبَ “ماريوس تشاكاس” كثيرًا، أثناء سجنه، وبعد خروجه من السجن، أصبح شخصية محلية مهمة في حزب اليسار الديمقراطي المتحد الذي أسّسَهُ الديمقراطيون الإشتراكيون بعد حَظْرِ الحزب الشيوعي، وكان حزبًا ديمقراطيا اجتماعيا، وأصبح “تشاكاس” عضوًا في مجلس مدينة EDA وأحد مُؤَسِّسِي اتحاد الشباب التقدمي (FEN)، وخاض عددًا من المعارك السياسية مع “شُيُوخ الحزب” (الحَرَس القديم) وكثيرًا ما اشتبك تشاكاس معهم، في بداية عقد السبعينيات من القرن العشرين، عندما بدأ الانضباط الحزبي يتناقض مع الأنشطة السياسية الرئيسية لاتحاد الشباب التقدمي، ومن بين هذه الأنشطة: المهرجانات الفنية في أحياء الطبقة العاملة بالعاصمة أثينا، حيث بدأ “ماريوس تشاكاس” كتابة أحداث كتابه الكمونة في السّجن ثم وجد في هذا النشاط الحزبي (سنة 1972) مصدر إلهام لكتاباته، وتنقسم أحداث رواية “الكومونة” إلى أربعة أقسام، وتدور وسط أنقاض هذا العالم السياسي والفَنِّي، ما جعل منها “وثيقة” تُؤَرِّخُ للوضع آنذاك، في ظل السجن والمجلس العسكري والسرطان الذي أودى بحياته في وقت لاحق من ذلك العام، وهو أول عمل لشاكاس يُترجم إلى الإنجليزية، رغم مكانته في أوساط اليسار اليوناني، وتُجَسّد تلك الرواية تجربة مشتركة بين العديد من حركات اليسار خلال النصف الثاني من القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين، وهي مزيج من مُخلّفات الصّدمات والهزائم والإعدامات الجماعية التي مارستها السلطات العسكرية، ومن النّضال من أجل تغيير الوضع وتحرير اليونان من منظومة التحالف بين مؤسسة الجيش ورأس المال، مُستذْكِرًا المقاومة البطولية لسُكّان مدينة، والشُّهداء الذين سقطوا أثناء الدّفاع عن المدينة وأهلها، ضد الإحتلال النازي ثم ضد الحُكم العسكري الذي أَلْغَى الحريات المدنية وأعاد تأهيل عُملاء الإحتلال النّازي، واعتقل وسجن المُعارضين الذين لم يتمكّنوا من الفرار خارج الوطن، نحو المنافي…
خلافًا لكومونة باريس، لا تقترح كومونة ماريوس تشاكاس برنامجا سياسيا محددا، بل هي محاولة للمقاومة والهروب من وضع الكآبة والإحباط واليأس، وهي نوع من الحُلْم الذي يُجَسِّدُهُ مشهد الدم الذي سقى الأزهار التي نبتت في شقوق الإسفلت، وفي المقابر الجماعية التي دُفِن فيها الشيوعيون الذين تم إعدامهم، ورغم الحزن واليأس، يتفاءل تشاكاس بنمو أطفال الأحياء الشعبية والعُمّالية – حيث تتراكم أكوام القمامة في الشوارع التي لا تهتم الحكومة بتنظيفها – ليكونوا في صفوف المقاومين الجدد لمواصلة القتال ضد الدكتاتورية، مثلما قاوم أسلافهم الاحتلال الألماني والمليشيات اليمينية المُسَلَّحَة…
سقط حكم المجلس العسكري إثر الحركة الإحتجاجية والمظاهرات الضّخمة سنة 1974، بعد عامين من وفاة “ماريوس تشاكاس”، وكان الشيوعيون – رغم حَظْر حزبهم – في مقدّمة صفوف المُحتجّين، غير إن القوى اليمينية استولت على السّلطة لأنها كانت الأكثر تنظيما وبفعل الدّعم الأوروبي والأمريكي، ولم تحل الإشتراكية محل الحكم العسكري، بل حلت محله الليبرالية الجديدة بقيادة حزب الديمقراطية الجديدة اليميني، مما يُذَكِّرُنا بما حصل في تونس ومصر سنة 2011، حيث ناضلت القوى التقدمية وسقط الفُقراء شهداء في الشوارع والساحات ليستولي الإخوان المسلمون على الحكم بدعمٍ من الإمبريالية الأمريكية والأوروبية…
The Commune (1972) – Marios Chakkas – English Edition : Impatient Press – 2023
التعليقات مغلقة.