حلب تعيش المشهد الأخير من عهد النصرة… ورحيلها قد يكون مسألة أيام / د.خيام الزعبي
د.خيام الزعبي ( سورية ) الخميس 20/10/2016 م …
تتّجه الأنظار كلها إلى مدينة حلب عاصمة سورية الإقتصادية التي إجتاحها آلاف المسلحين والمتطرفين في صيف عام 2012 بهدف سلخها عن بقية البلاد وجعلها منطلقاً لإستهداف مناطق الدولة وخاصة العاصمة دمشق، واليوم بإنتظار تحريرها من براثن الإرهاب بعد إستعادة زمام المبادرة من قبل الجيش السوري الذي إنتقل من مرحلة الدفاع الى الهجوم، ويبدو أن الجيش السوري وحلفاؤه عازمون على إفشال المخططات الجديدة للمسلحين ورعاتهم تأكيداً لما أعلنه الرئيس الأسد وقوله ” إن إستعادة الجيش السوري السيطرة على مدينة حلب ستكون نقطة إنطلاق مهمة جداً لدحر الإرهابيين إلى تركيا “.
عندما تقصف الجماعات المسلحة مدينة حلب وأحياءها، وتدمر مستشفياتها ومدارسها وبنيتها التحتية، فإن هذا يعود لأمرين رئيسيين، الأول، هو إنتهاء معظم الأهداف العسكرية التي يمكن قصفها بعد مرور عدة سنوات من الحرب على حلب، والثاني توجيه رسالة ترهيب للمدنيين في حلب بأن القصف سيستمر خاصة بعد أن أخفقت الشهر الماضي في ثني الجيش السوري عن إكمال الطوق حولها، في هذا الإطار ووفق مقابلة تلفزيونية مع قناة دنماركية أعلن الرئيس الأسد إن الجيش السوري سيواصل محاربة “المسلحين” في حلب حتى يغادروا المدينة، إلا اذا وافقوا على الخروج بموجب إتفاق مصالحة، وقال “إن هدف القوات السورية والروسية في المرحلة المقبلة الاستمرار في محاربة المسلحين حتى يغادروا حلب”، مضيفاً “ينبغي أن يفعلوا ذلك، ليس هناك خيار آخر، لن نقبل بأن يسيطر الإرهابيون على أي جزء من سورية”.
اليوم تتحدث مصادر عسكرية مختلفة داخل حلب عن إستنفار المسلحين على المحاور التي يحتشد فيها الجيش السوري وحلفاؤه، مشيرة إلى قيام المسلحين بحرق خزانات الوقود والإطارات في محاولة لعرقلة إستهداف مواقعهم من قبل طائرات الجيش الروسي والسوري، وسط مؤشرات عديدة حول تبلور العديد من المخاطر المحتملة التي يمكن أن تشكّل تحدياً كبيرا للجماعات المتطرفة وأخواتها في المناطق التي تسيطر عليها.
وفي الاتجاه الآخر أعلنت روسيا عن “هدنة إنسانية” توقف خلالها ضربها لمواقع المسلحين في حلب، من أجل ضمان سلامة المدنيين الذين سيسمح لهم بالإجلاء من المناطق التي يسيطر عليها مسلحو المعارضة المسلحة في الجزء الشرقي من المدينة، كما تأتي هذه الهدنة أملاً في أن يستخدم أصدقاء روسيا هذه الهدنة التي أعلن عنها، من أجل فصل “جبهة النصرة” والتنظيمات الشبيهة بها التي تدعمها وتسلحها الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية والإقليمية عن المعارضة المعتدلة، وأكد وزير الخارجية الروسي لافروف أن هناك خيارات عدة للفصل بين الإرهابيين والمعتدلين، بينهما طرد “النصرة” من حلب، مضيفاً، أن روسيا ستدعم هذه المقاربة بالذات التي تنص عليها خطة المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، وشدد لافروف على أن أولئك الذين لا يعتبرون أنفسهم مرتبطين بالإرهابيين، أن يوقعوا على الإتفاق الخاص بوقف الأعمال القتالية، كما تنص على ذلك الإتفاقات الروسية الأمريكية الأولى والقرارات لدولية التي صدرت دعما لتلك الاتفاقات، مع العلم أن واشنطن كانت تتعهد بالفصل بين “النصرة” والمعتدلين، باستمرار منذ فبراير الماضي، لكنها لم تفعل شيئاً في هذا الاتجاه، مبررة هذه المماطلة بذرائع مختلفة.
في نفس السياق حث وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو البلدان التي لها نفوذ على المسلحين في حلب على إقناعهم بوقف إطلاق النار، ومغادرة المدينة، وأضاف، أن على كل المعنيين فعلاً باستقرار الوضع في مدينة حلب اتخاذ “خطوات سياسية حقيقية” بدلاً من المماطلة السياسية، ووعد بأن قوات الحكومة السورية ستنسحب هي الأخرى من أجل إقناع المسلحين بمغادرة حلب، ولتحقيق هذا الهدف فسينشأ ممران، وسيكون أحدهما عبر طريق الكاستيلو، والثاني في منطقة مجاورة من سوق الحي.
هنا يمكنني القول إن من أهم شروط إستمرار الهدنة في حلب، هو أن تنفصل جماعات المعارضة المسلحة عن “النصرة” وتدير ظهرها لها، ثم ستوضع “النصرة” أمام خيارين: خروجها من حلب أو سحقها من قبل الجيش السوري وحلفاؤه، لذلك فإن الهدنة الإنسانية التي أعلنت عنها روسيا ربما تكون الهدنة الأخيرة من أجل عودة المفاوضات من جديد والتوصل إلى حل لنهاية الحرب في حلب.
مجملاً… إن النجاحات الأخيرة التي يحرزها الجيش السوري، مؤشر واضح بقرب تطهير عاصمة سورية الصناعية من الإرهابيين، لذلك فإن الجيش الذي أثبت بأنه عصي على الانهيار والإنكسار، هو أمل الشعب في الحسم العسكري، فأخبار الإنتصارات القادمة من حلب تثبت مرة جديدة أن هذا الجيش بمساعدة حلفائه هو القوة الوحيدة التي تستطيع مجابهة الارهاب ودحره وإعادة الأمور إلى نصابها في كل بقعة من سورية وتفنيد مزاعم أمريكا وحلفاؤها الذين يدعون محاربة الإرهاب علناً ويدعمونه سراً أو عبر وكلائهم في المنطقة.
بإختصار شديد يمكنني القول إن عملية تحرير مدينه حلب تعد العملية الفاصلة لنهاية ودحر ما تبقي من المتطرفين في معظم المناطق السورية، كما تؤكد على جهوزية الجيش السوري للتحرك على مختلف الأرض السورية، لذلك فإن التحضيرات مازالت مستمرة، من أجل دحر المتطرفين وأعوانهم في المنطقة، ونتائج هذه المعركة ستنعكس بشكل كبير على نتائج المفاوضات السياسية، وكذلك على مستقبل سورية، من هنا فإن الأيّام المقبلة هي التي ستحدّد وجهة الحرب السورية وإحداث تغيير جذري في الخريطة العسكرية والذي سيكون من بوّابة معركة حلب.
التعليقات مغلقة.