“محمد دحلان” الحصان الأسود او حصان طروادة في مستقبل غزة / كمال خلف

كمال خلف ( فلسطين ) – الأحد 26/11/2023 م …

وضعت الولايات المتحدة مسألة مستقبل قطاع غزة على طاولة البحث مبكرا، ومن الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني والمقاومة في غزة، انسجاما مع شرط وهدف إسرائيلي اثر عملية “طوفان الأقصى” ان لا تعود الأوضاع الى القطاع كما قبل السابع من أكتوبر.




 الهدف الإسرائيلي المعلن من اليوم الأول القضاء على حماس والمقاومة وفرض تصور إسرائيلي محض يحدد شكل الحوكمة في القطاع. الولايات المتحدة صادقت على هذا المطلب. كان في ذهن قادة إسرائيل ان هذا الهدف يمكن ان يتحقق من خلال الحسم العسكري فقط لا غير، واعتقدوا ان هجوما قائما على مبدأ “الصدمة والترويع” لا يلتفت الى أي قواعد او ضوابط، اي دمار هائل وشامل و شلالات من الدم مع توغل بري كثيف وبقوات ضخمة، يمكن ان يسبب فقدان المقاومة التوازن والسيطرة ويؤدي الى الانهيار، ومن ثم فرض الشروط. لكن هذا السيناريو وعبر 47 يوميا، لم يثمر، وبقيت المقاومة تقاتل، وتسيطر وتبادر.

حاول قادة إسرائيل كسب المزيد من الوقت وإقناع الولايات المتحدة ان الاستمرار لوقت إضافي يمكن ان يحقق الغاية ويوصل الى الأهداف، لكن ما كان في الأيام الأخيرة قبل اعلان الهدنة هو انتكاسات اقرب للفضائح للجيش الإسرائيلي، ابرزها فضيحة “مستشفى الشفاء” سقطت رواية إسرائيل عن ان قيادة المقاومة تحت الشفاء سقوطا مدويا، ولم يعد امامهم سوى الاستسلام للضغوط الامريكية وتصاعد المطالب الدولية والقبول بالهدنة.

وعلى وقع هذه الهدنة وجوهرها صفقة التبادل، بدأ الحديث عن تمديد او هدن إضافية، ولم يغب في قلب كواليس التفاوض وحركة الوسطاء والنقاشات بين الأطراف مسألة البحث عن مستقبل القطاع، وتغيير ما كان قائما قبل السابع من أكتوبر. وكما هي عادة الولايات المتحدة فان الهدف الذي تفشل في انتزاعه عسكريا، تذهب للحصول عليه بالضغوط والخيارات الأخرى، اغلب تلك الخيارات الابتزاز والضغط والعقوبات والتجويع ومنع الاعمار، ولنا امثلة حية على هذا النهج وتطبيقه على دول في المنطقة العالم.

اعتقد ان النقاش حول مستقبل القطاع قد بدأ في الغرف المغلقة بشكل جدي.

حسب خطاب في الأيام الأولى للعدوان لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية فقد اعدت حماس ورقة وضعت فيها تصورا شاملا كان هذا إدراكا من حماس لخطورة ما يرسم في واشنطن. هنا يبرز اسم القيادي السابق في فتح، ورئيس ما يعرف بتيار الإصلاح الفتحاوي ” محمد دحلان “.

 دحلان ارسل يوم الأربعاء الماضي وفدا يمثله الى الدوحة ضم ” سمير المشهرواي، وناصر القدوة ” والتقى مع القادة في حماس ” إسماعيل هنية، وخالد مشعل. هو اول تحرك علني لتيار دحلان، بعد تكهنات فرضتها ثلاث اطلالات تلفزيونية لدحلان مثيرة، تحدث فيها بخطاب مقبول شعبيا ووطنيا، رافضا ادانة حماس او عملية طوفان الأقصى، ومحملا إسرائيل المسؤولية الكاملة عن معاناة الشعب الفلسطيني. بتقديري لم تكن اطلالات دحلان المتتالية على الاعلام لمجرد التعليق على العدوان وتحديد موقف منه، بقدر ما كانت تمهيدا لمشروع يرى دحلان ان الفرصة التاريخية له قد لاحت.

يوم امس خرج المشهرواي من الدوحة على شاشة “قناة الجزيرة “، ربما هي المرة الأولى التي تستضيف القناة قياديا من تيار دحلان. كلام المشهراوي كان لافتا، خطابه يتسم بالوطنية العالية، وابعد من ذلك شرع المشهرواي المقاومة المسلحة. تصريحات ومواقف تيار الإصلاح في فتح سواء المشهرواي او دحلان، خضعت شعبيا مباشرة للمقارنة بينها وبين مواقف رجال السلطة في رام الله، قبل يومين كانت صادمة تصريحات المتحدث باسم الرئيس أبو مازن ” نبيل ردينة على قناة الحرة، عندما تنصل من المقاومة، ومن حماس واعتبرهم انقلابيون على الشرعية ولا يمثلون الشعب. سبقه تسريبات مثلت فضيحة للرجل الثاني في رام الله ” حسين الشيخ ” الذي عاتب الوزير بلينكن لان الولايات المتحدة لم تعمل على القضاء على حماس منذ زمن.

لكن ان يكون تيار الإصلاح اذكى من نقيضه في رام الله، او اقرب للمقاومة في غزة وحركة حماس، او ناجح في كسب الحالة الشعبية، مقارنة بالخسارة الشعبية المدوية لرجال رام الله، لا يعني انه من السهل ان يكون عنوان الحاكمية المقبلة وفق تسوية في غزة ما بعد الحرب.

صحيح ان دحلان وتياره من جذور فتحاوية قد تكون الأخطر على شرعية سلطة رام الله، بما تمثله فتح من عنوان التمثيل الرسمي عبر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني دوليا. وان حاكمية لدحلان في غزة، بما يملكه الرجل من علاقات واسعة عربيا ودوليا، قد تقوض شرعية أبو مازن، خاصة ان حالة من التململ والاستياء تسود أوساط عديدة من قادة فتح حول الرئيس، بسبب “تكويش” حسين الشيخ وماجد فرج على القرار وتهميش الاخرين من الرموز الوطنية والمناضلين في الحركة.

لكن هذه العوامل المساعدة لدحلان غير كافية، إشكالية دحلان في طبيعة دوره وموقعه السابق، فلن ينظر له ولتياره الا من زاوية انهم يمثلون نفوذ للامارات في غزة لا غير، ونظرا للعلاقة المتينة التي تربط بين أبو ظبي وإسرائيل، فان الشك بدور دحلان سيكون هو الطاغي لدى النخبة الفلسطينية والوطنية. هذه النظرة لدحلان وتياره ستثير حفيظة دول عربية وفي الإقليم لها تأثيرها في المشهد الفلسطيني وقبل ذلك حفيظة قوى فلسطينية. فضلا ان أشخاصا محسوبون عليه او” كما يقال” ممولون منه، دأبوا طوال السنوات الماضية على الترويج للتطبيع مع إسرائيل، والهجوم على الشعب الفلسطيني، وتشويه المقاومة خدمة لمشروع صفقة القرن، ودفاعا عن الاتفاقات الابراهيمية مع إسرائيل.

هذه النقاشات تدور على هامش العدوان والحرب الهمجية الإسرائيلية على غزة، لكن برأينا الأساس هو المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني على ارضه، نتائج هذه الحرب الدموية المفروضة على شعبنا، وافشال اهداف هذه الحرب ببركة المقاومين، هو ما سيحدد شكل المستقبل، وهدف هذا الشعب هو التحرر وتقرير المصير وطرد الاحتلال وليس تسويات جزئية او سلطات محلية تصنع هنا وهناك.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.