ما عدا مما بدا ، سمعناه من الحبيب بورقيبة فرأيناه من الرئيس السيسي!! / سماك العبوشي
سماك العبوشي ( العراق ) – الأحد 26/11/2023 م …
في أتون ولهيب معركة طوفان الأقصى المباركة، وفي خضم احتفالات شعبنا العربي بهزيمة الكيان الصهـيـوني (عسكريا وسياسيا وإعلاميا)، ورضوخه بالتالي لمطالب وشروط المقاومة الفلسطينية ببنود الهدنة الحالية، سقط قناع الانبطاح والخذلان عن وجه أحد قادة أنظمة العرب واتضحت حقيقة مواقفه، رغم صدور قرار من قمة الرياض (العاجلة والطارئة!!) لقادة أنظمة الدول العربية والإسلامية ودعوتها بضرورة فتح معبر رفح، إلا أنه أبى باستعلاء فتحه دونما خجل ولا وجل إلا بعد الرجوع لدولة الاحتلال والحصول على موافقتها المسبقة!!
خرج علينا فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي يوم الجمعة الموافق 24 نوفمبر 2023، في مؤتمر صحفي مشترك في القاهرة مع رئيس الوزراء الإسباني (بيدرو سانتشيث)، ورئيس الوزراء البلجيكي ( ألكسندر دي كرو)، مصرحا ومعلنا موافقته على إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح – وهي نظرية لشارون سرعان ما تبناها النتن ياهو –، وأكد خلال مؤتمره الصحفي المشترك أنه وأقتبس نص ما قاله: “قلنا إننا مستعدون أن تكون هذه الدولة منزوعة السلاح وأيضا هناك ضمانات بقوات سواء هذه القوات من الناتو (حلف شمال الأطلسي) أو قوات من الأمم المتحدة أو قوات عربية أو أميركية مثل ما تروه مناسبا، حتى نحقق الأمن لكلتا الدولتين، الدولة الفلسطينية الوليدة والدولة الإسرائيلية“.
لم يكن هذا هو الموقف المتخاذل والمتواطئ الوحيد للرئيس المصري السيسي فحسب، فلقد سبقه تصريح آخر له أثناء احتدام العدوان الوحشي على غزة العزة، وفي اعقاب دعوة وزير الطاقة الإسرائيلي وعضو مجلس الوزراء السياسي “الكابنيت” يسرائيل كاتس، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى فتح معبر رفح مع قطاع غزة وإدخال سكان القطاع إلى سيناء وتسكينهم، فما كان من الرئيس السيسي الا أن اقترح على دولة الاحتلال بأن يتم نقل أبناء غزة الى صحراء النقب، ليتمكن جيش الاحتلال من إتمام مهمته بالإجهاز والقضاء على جميع مقاتلي حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، ومن ثم إرجاع أبناء غزة الى مدينة غزة ثانية!!
وإذا عدنا بالذاكرة لسنوات أخرى، فنستذكر ما أقدم عليه هو ونظامه من هدم الانفاق على الحدود بين مصر وقطاع غزة، والذي كان يُعد شريان الحياة الذي كان يؤمن لأبناء غزة حاجاتهم الإنسانية في ظل حصار دولي قاس وعصيب فرض ومورس على غزة العزة والكرامة، كما تم تشريع قانون مصري يغلظ عقوبة حفر الأنفاق الحدودية الرابطة بين مصر وقطاع غزة، ونص القانون على معاقبة كل من حفر أو أعد أو جهز أو استعمل طريقاً أو ممراً أو نفقاً تحت الأرض في المناطق الحدودية للبلاد، بقصد الاتصال بجهة أو دولة أجنبية أو أحد رعاياها أو المقيمين بها لإدخال أو إخراج أشخاص أو بضائع أو سلع أو معدات أو آلات أو أي شيء آخر، مقوماً بمال أو غير مقوم!!، كل ذلك بتبرير مقاتلة الجماعات التكفيرية في سيناء وحماية الامن القومي المصري، في وقت رأى الخبير الإستراتيجي والعسكري عبد الحميد عمران بأنه لو فتحت مصر معبر رفح بطريقة مستمرة ونظامية بحيث يسهم في تلبية كافة حاجيات الفلسطينيين، لانتقت حاجة أهل غزة إلى حفر الأنفاق أو استخدامها!!
فأي عهر سياسي هذا وأي انحطاط فكري!؟
أيعقل أن يتم ائتمان شخص على قضية شعب فلسطين كهذا شخص يقود شعبا عربيا أبيا كشعب مصر العروبي العظيم، وكان لجيشه الباسل صولات وجولات عظيمة دفاعا عن عروبة أرض فلسطين منذ عام 1948، مرورا بحرب السويس 1956، ثم معركة 1967، وانتهاءً بحرب تشرين 1973!!؟
من منحه الحق ليقترح ويتبنى مثل هكذا مقترحات ووجهات نظر، ولمصلحة من يا تُرى!؟
من يتوقف أمام مسلسل تعامل النظام المصري مع أنفاق غزة يجدها قديما قد غض النظام السياسي المصري الطرف عنها لتبقى متنفسا للفلسطينيين المحاصرين في غزة ، ووصل الأمر في العقد الأخير من حكم مبارك أن أشيع أن الأمن القومي المصري هو من يدير الأنفاق بتكليف من مبارك لغوث أهل غزة، وإذا به اليوم يسعى بلا خجل ولا وجل ودونما حياء منه يسعى للتضييق على أبناء غزة والقضاء تماما على روح المقاومة فيه!!
والشيء بالشيء يذكر …
أذكر في مرحلة صباي، ما تردد من أنباء زيارة الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة رحمه الله لمدينتي القدس واريحا في الثالث من آذار / مارس عام 1965، متفقدا خلالها مخيمات اللاجئين فيها، والتي كانت وقتها تحت السيادة الأردنية، وألقى خطابه الشهير بقبول العرب فكرة التقسيم وقيام دولة فلسطينية جنبا لجنب مع دولة الكيان الصهيوني!!، والتي على إثرها قامت الدنيا في عالمنا العربي ولم تقعد، وانهالت حملات الإدانة والشجب والاستنكار على الرئيس بورقيبة لتصريحاته التي وردت بخطابه ذاك وعدت بأنها خيانة عظمى!!
ولصغر سني وقت وقوع الحدث، فكان من الطبيعي أن أستعين بالشبكة العنكبوتية لمعرفة ما جرى آنذاك، وردود الأفعال التي صدرت حيال خطابه ذاك، ولقد توصلت بعد البحث والتقصي والابحار فيه الى النتائج البحثية وأدرجها على شكل نقاط وكالتالي:
– أصدرت منظمة التحرير الفلسطينية بياناً بتاريخ 23 أبريل 1965، شجبت فيه تصريحات الرئيس بورقيبة.
– دعا الأمين العام للجامعة العربية أحمد الشقيري مجلس الجامعة لدورة استثنائية، لإقرار فصل تونس من الجامعة، ومجلس الدفاع المشترك، وجميع الهيئات واللجان المتفرعة عنها.
– عقد المجلس الوطني الفلسطيني دور انعقاده الثاني في القاهرة، خلال الفترة من 31 مايو حتى 4 يونيو 1965، بحضور الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر رحمه الله، وأعلن أن تصريحات الحبيب بورقيبة خيانة عظمى للقضية الفلسطينية.
– فى 27 أبريل 1965، ناقش مجلس الأمة المصري تصريحات بورقيبة، وطالب عدد كبير من الأعضاء بطرد السفير العربي من تونس.
– وفى 28 أبريل 1965، خرجت تظاهرات في القاهرة، استنكاراً لتصريحات الرئيس بورقيبة، وحاصرت سفارة تونس وحاولت إحراق منزل السفير التونسي.
– في العراق قال الدكتور فؤاد الركابي “إن هذه التصريحات من الطعنات التي وجهت، حتى الآن، إلى القضية الفلسطينية..” ، كما وأعلن رئيس الحكومة العراقية طاهر يحيى، “أن شعب العراق لا يمكن أن يقبل أي مساومة أو حلول وسط للمشكلة الفلسطينية”
– أما في سوريا فقد خرجت في السادس عشر من مارس 1965، تظاهرات كبرى صاخبة في دمشق، تستنكر تصريحات بورقيبة، وأصدر كميل شمعون، رئيس الجمهورية اللبنانية الأسبق، بياناً اتهم بورقيبة بالجهل ببعض نواحي كارثة فلسطين.
هكذا كنا بالأمس، وهكذا انقلب اليوم حالنا وصار مآلنا للأسف الشديد!!
أختتم مقالي هذا بعبارة رائعة جاءت على لسان الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه ورضي عنه وأرضاه) قالها للزبير بن العوام (رضي الله عنه) يوم الجمل معاتبا: “عرفتني بالحجاز، وأنكرتني بالعراق، فما عَدَا مما بَدَا”!!؟
سماك العبوشي
26 تشرين الثاني / نوفمبر 2023
التعليقات مغلقة.