ستالينغراد الفلسطينية: هدنة غزة تؤكد فشل الحرب الخاطفة الإسرائيلية

الأردن العربي –  الثلاثاء 28/11/2023 م …




يوري بوريسوف

كاتب صحفي روسي

مؤسسة الثقافة الإستراتيجية

اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف

22 نوفمبر 2023

 وهكذا اتفقت إسرائيل وحماس على هدنة في قطاع غزة. وبسبب الكثير من التحفظات والمراوغات لدى الجانب الإسرائيلي، فقد حان الوقت لإعادة صياغة النصيحة المعروفة الموجهة إليهم: “إما أن تخلعوا ملابسكم الرائعة، أو تلبسوا سراويل داخلية!” (من نكتة روسية عن اليهودي الذي كان في مأزق لأنه حمل الصليب في حمام عام لإخفاء هويته، لكن الأمر لم ينجح واضطر إلى الاعتراف بأصله عندما طلبوا منه ان يخلع الصليب او يرتدي ملابسه الداخلية-المترجم).

 وناقشت الحكومة الإسرائيلية الصفقة لأكثر من خمس ساعات، حسبما ذكر موقع أكسيوس.  ولم يصوت ضده سوى ثلاثة أعضاء في مجلس الوزراء، وثلاثة آخرون لم يؤيدوا الاتفاق غيروا رأيهم بعد قراءة التوصيات الاستخباراتية.

 لن يدخل الاتفاق حيز التنفيذ على الفور، وسيظل الوضع غير مستقر في المستقبل القريب، لكن حتى التوقف القصير في القتال يمكن أن يريح المدنيين، حسبما كتبت صحيفة نيويورك تايمز.  وبحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” فإن ما يقرب من 60% من الإسرائيليين يؤيدون الصفقة، وإذا نجحت الصفقة الحالية، فإن نسبة المؤيدين لمثل هذه الاتفاقيات ستزداد.  وفي الوقت نفسه، “لا يزال من غير المرجح أن يكون وقف إطلاق النار طويل الأمد ممكناً”.

 وفي الوقت نفسه، على الجانب الفلسطيني هناك قدر أكبر من الدقة والوضوح في الصياغة، مما يشير بشكل مباشر إلى اهتمام حماس الكبير بإنهاء العمليات العسكرية.

 وقالت الحركة في بيان لها: “بعد أيام عديدة من المفاوضات الصعبة، نعلن… أننا توصلنا إلى اتفاق بشأن هدنة إنسانية لمدة أربعة أيام بفضل الجهود الحثيثة والماهرة التي بذلتها قطر ومصر”.  وأكدت حماس أنه ضمن الاتفاقات التي تم التوصل إليها، “سيتم إطلاق سراح 50 أسيراً وامرأة وطفلاً دون سن 19 عاماً، مقابل إطلاق سراح 150 امرأة وطفلاً دون سن 19 عاماً” من السجون الإسرائيلية.  وفي إطار الاتفاق مع الإسرائيليين، يلتزم الجانبان بوقف إطلاق النار، مما يضمن وقف “جميع الأنشطة العسكرية في جميع مناطق قطاع غزة”.  بالإضافة إلى ذلك، “سيتم ضمان إيصال مئات الشاحنات من المساعدات الإنسانية والطارئة والطبية والوقود إلى جميع مناطق قطاع غزة شماله وجنوبه”.  وفي إطار التهدئة الإنسانية، “ستتوقف حركة الطيران بشكل كامل في جنوب قطاع غزة لمدة أربعة أيام” وجزئيا في شمال المنطقة.  وقالت حماس في بيان لها: “في الشمال، سيتم تعليق الحركة الجوية يوميا لمدة ست ساعات من الساعة 10:00 حتى الساعة 16:00 [بالتوقيت المحلي]”.  بالإضافة إلى ذلك، “يتعهد المحتلون (الإسرائيليون) خلال فترة التهدئة بعدم مهاجمة أو اعتقال أي شخص في كافة مناطق قطاع غزة، وضمان حرية تنقل السكان من الشمال إلى الجنوب على طول طريق صلاح الدين”.

 ولكن القدر الأعظم من الوضوح جاء، كما هو الحال دائماً، من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، الذي وعد على ما يبدو في عام 2009 “بأن يأخذ العالم كله معه”، وأصبح منذ ذلك الحين يركز اهتمامه على هذه الفكرة.  وقال في اليوم السابق: “لدينا قرار صعب يجب اتخاذه هذا المساء، لكنه القرار الصحيح”.  وأضاف: “إن جميع ممثلي الأجهزة الأمنية يؤيدون هذا القرار بالكامل، بناءً على تقييماتهم المهنية.  ووفقاً لهذه التقديرات، ستبقى قواتنا آمنة خلال وقف إطلاق النار، وسيتم تحسين قدراتنا القتالية خلال أيام الصمت هذه.

 ليس هناك شك في أن هذه “الهدنة” من جانب إسرائيل ليست ذات طبيعة إنسانية في المقام الأول، بل هي ذات طبيعة عملياتية تكتيكية، وليست أكثر من مجرد فترة راحة لحشد القوات وغيرها من اجراءات “تحسين القدرات العسكرية” من أجل الاستمرار في العملية العسكرية، بنفس روح الإبادة الجماعية التي دفعت إسرائيل بالفعل إلى حافة المواجهة مع كل الإنسانية العاقلة.  في كل الأحوال، فإن عملية انهيار الوضع الدولي لـ«بيبي المسعور» آخذ في التزايد.  وعلى غرار العديد من الدول الأخرى، تم إغلاق سفارة إسرائيل من قبل سلطات جنوب إفريقيا.

  وجاء في بيان قمة البريكس الطارئة التي عقدت عبر الإنترنت:-

 “… أدان قادة البريكس أعمال العنف التي تستهدف المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين، بما في ذلك جرائم الحرب والهجمات العشوائية واستهداف البنية التحتية المدنية.  وشددوا أيضًا على ضرورة حماية المدنيين وإقامة المساءلة عن الجرائم.

 ويعارض قادة البريكس أي تهجير قسري أو ترحيل للفلسطينيين من أراضيهم، سواء بشكل فردي أو جماعي.  وقد أكد العديد من القادة أن التهجير القسري والترحيل القسري للفلسطينيين، سواء داخل غزة أو إلى البلدان المجاورة، يعد انتهاكًا خطيرًا لاتفاقيات جنيف وجريمة حرب…”

 وبما أن الهدنة من جانب إسرائيل، كما اعترف بها نتنياهو رسمياً، هي في طبيعتها إعادة تجميع وتعزيز القوات العسكرية لمزيد من العدوان على فلسطين، فمن حقنا الاستفسار عن الأسباب الحقيقية لذلك. التوقف الذي، بحسب بيبي نفسه (وهذا مهم للغاية)، وافقت عليه “جميع الهياكل الأمنية الإسرائيلية”.

ما سبب هذه النغمة الهادئة والاستعداد الكامل لوقف إطلاق النار، إذا كان كل شيء، بحسب تقارير هيئة الأركان العامة الإسرائيلية، يسير على ما يرام، و”لا توجد خسائر” أو أنها شبه معدومة، والعدو يفر من شدة الرعب؟!!

 قال المكتب الصحفي للجيش الإسرائيلي في اليوم السابق: “إن الخسائر خلال القتال مع حماس في قطاع غزة منذ بدء العملية البرية في 27 أكتوبر وصلت إلى 69 شخصًا”، لكن هل هذا صحيح؟

يبدو أن المسؤولين الإسرائيليين كانوا يكذبون بغباء منذ بداية هذه الحرب، لأنهم يعاملون الجميع على أنهم مغفلون من الممكن بيع أي كلام لهم… وحول “الرؤوس المقطوعة لعدد لا يحصى من الأطفال الإسرائيليين التعساء”، كما حدث في الأيام الأولى بعد 7 أكتوبر.  وحول عدم مشاركة المروحيات القتالية الإسرائيلية في إطلاق النار على المشاركين في المهرجان الفني الإسرائيلي.  وحول كيف قتل صاروخ إسرائيلي قائداً فلسطينياً بشكل بطولي، لكنه في الواقع قتل مائتي مدني فلسطيني.  وعن عدد لا يحصى من “مستودعات الأسلحة” في المستشفيات المدمرة… وأكثر من ذلك بكثير.

 إبادة جماعية معتادة: دمر الجيش الإسرائيلي جزءًا كبيرًا من شمال قطاع غزة، وألحق أضرارًا جسيمة بأكثر من نصف المباني ومساحات واسعة من أحياء بأكملها خلال هجومه الذي استمر 42 يومًا، وفقًا لتحليل فايننشال تايمز لبيانات الأقمار الصناعية.  وتعرض ما يقرب من نصف المباني في منطقة شمال غزة لأضرار جسيمة.

 واستشهد نحو 200 شخص في غارة جوية إسرائيلية على مدرسة الفاخورة في جباليا شمال قطاع غزة.  وتظهر اللقطات التي انتشرت بشكل واسع آثار التفجير.

 ولكن ماذا عن الخسائر العسكرية الإسرائيلية في الواقع التي لا تستطيع البروباغاندا التغطية عليها، من حقك كل واحد أن يسأل؟ دعونا نقوم ببعض التقديرات:

 مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن الغزو البري الإسرائيلي لقطاع غزة بدأ في 27 أكتوبر/تشرين الأول، ومضى 26 يومًا منذ ذلك الحين، فليس من الصعب حساب ما يقرب من 700-750 قتيل من العسكريين الإسرائيليين دفنوا في مقبرة عسكرية واحدة (وهناك غيرها بالطبع)، وهو ما يناسب تماماً طبيعة القتال في منطقة حضرية ضخمة. وانتشرت أيضًا على على وسائل التواصل الاجتماعي العديد من الفيديوهات، بعبارة ملطفة، للعمليات غير الناجحة تمامًا التي قامت بها وحدات مدرعة تابعة للجيش الإسرائيلي في المناطق الحضرية المزدحمة في غزة.

« تشير مقاطع الفيديو الجديدة التي تظهر إصابة المركبات المدرعة الإسرائيلية على يد مقاتلي حماس إلى أن وحدات الجيش الإسرائيلي، على الرغم من توغلها في عمق قطاع غزة، ترتكب أخطاء يستغلها الفلسطينيون على الفور . وتظهر العديد من الصور ومقاطع الفيديو بوضوح أن المعدات الثقيلة للجيش الإسرائيلي، التي اعتمد عليها الجيش الإسرائيلي، يتم تدميرها بشكل نشط في المناطق الحضرية المزدحمة بقطاع غزة.

 وتظهر المواد التي وزعتها حماس بوضوح أن دبابات ميركافا Mk.3/Mk.4 وناقلات الجنود المدرعة Namer تقف في مجموعة واحدة، مما جعل تدميرها أسهل على الأرجح.  يجب أن تكون هذه الأرتال موزعة على الأرض.  يجب أن يتم ذلك على الأقل بحيث لا تعيق القوات في المقدمة عمل الصفوف الخلفية، والعكس صحيح، بحيث يتم الحفاظ على قدرات إطلاق النار، وبحيث لا يكون هناك العديد من الطرق للاقتراب من مكان تموضعها.

وبمعرفة كيف تفضل المجموعات الفلسطينية خفيفة الحركة العمل، كان على الجيش الإسرائيلي أن يولي اهتمامًا خاصًا للامتثال لهذه القواعد.

 علاوة على ذلك، يتم وضع المعدات بحيث، إذا لزم الأمر، لا يمكن لأي من الدبابات أو ناقلات الجنود المدرعة أن تستدير على الفور وتتيح طرق الهروب للمعدات الأخرى.  في حين أن دبابة واحدة أو ناقلة جند مدرعة واحدة معطوبة يمكن أن تسد الطريق أمام أي عربة أخرى».

 وهكذا، فقد تبين أن الجيش الإسرائيلي، الذي تكيل له الدعاية الغربية الثناء بشكل واضح (بغرض زيادة تخويف العرب المتفوقين عدديا)،يقوم بعملية برية هجومية في ظروف المدن، بطريقة غير فعالة جدا.  واليوم، يبدو أن هذه الحقيقة التي لا شك فيها قد بدأت تصل إلى الجنرالات الإسرائيليين أنفسهم، الذين كانوا يحلمون، على نحو غير لائق، بسباقات موشيه ديان السريعة عبر صحراء سيناء (إشارة إلى سرعة احتلال سيناء عام 1967-المترجم)، في الوقت الذي كان عليهم فيه التفكير في “ستالينغراد” الفلسطينية وكل العواقب التي تلت ذلك. واليوم يبدو أن هؤلاء الديانيين (نسبة إلى ديان) المحتملين قد أدركوا أنهم إذا استمروا على نفس روح “الانتصار على الجميع”، فإن إسرائيل سوف تتمكن بسهولة، وفي وقت قياسي، من دفن جيشها الشجاع بالكامل.

 وإذا أضفنا إلى ذلك عجز الساسة الإسرائيليين، مثل الجنرالات البليدين، عن تقديم تفسير واضح لسبب دخولهم إلى غزة، فإن الوضع بالنسبة للدولة اليهودية يصبح غير واضح تماما.  وكما تبين، فإنهم يشنون حربهم لأسباب مجهولة وبطرق غريبة جداً، على أقل تقدير.  لذا فمن الممكن قراءة الهدنة الحالية بوضوح باعتبارها علامة على فشل إسرائيل الكامل في كل من الاستراتيجية والتكتيكات.

 من الطبيعي أن “الحرب الخاطفة” الصهيونية “غطت نفسها بحوض نحاسي”، وما يجب فعله بعد ذلك، في تل أبيب لا يعرفون ببساطة، في حين أن الفلسطينيين ربما لم يبدأوا بعد.

(التغطية بحوض النحاس: يرتبط بالتقليد القديم المتمثل في تغطية المحارب المتوفى بالدرع. كذلك يتم تغطية الحالة الفاشلة بـ “حوض نحاسي” قياسًا-المترجم).

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.