متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثامن والأربعون / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – السبت 02/12/2023 م …




يتضمّن العدد الثامن والأربعون من نشرة “مُتابعات الأسبوعية” فقرة عن الغذاء والأمن الغذائي، وهو موضوع مؤتمر انعقد خلال شهر أيلول/سبتمبر 2023، في سمرقند عاصمة أوباكستان، وفقرة عن بعض نتائج الإجرام الصهيوني في غزة، وفقرة بعنوان “الصحة تجارة مربحة” وتتناول المراكز الصحية الخاصة والتي يرتادها الأثرياء، وفقرة عن المغرب وارتفاع الدّيون، خصوصًا بعد زلزال التاسع من أيلول/سبتمبر 2023، وفقرة عن دور منظومة الحُكْم اللبنانية في تيْسير عمليات العدوان على أهل غزة وتيسير عملية تدفّق الأسلحة والمعدّات للكيان الصهيوني، وفقرة عن دور حزب الإخوان المسلمين الحاكم في تركيا في دعم الكيان الصهيوني، وفقرة عن انتخابات الأرجنتين التي أفضت إلى انتخاب رئيس يميني متطرف وصهيوني، وفقرة عن أثرياء الحرب من المُستثمرين في أسهم شركات الصناعات الحربية التي زادت أرباحها الصافية بفعل زيادة الطلب على الأسلحة، وفقرة عن بعض أسباب الدّعم غير المشروط الذي تُقدّمه الإمبرياليات الأمريكية والأوروبية للكيان الصهيوني الذي يُمثل قاعدة متقدّمة للإستعمار والإمبريالية في الوطن العربي وفقرة عن الدّعم المالي للسلطة وللشركات الأمريكية لتيسير عمليات إبادة الشعب الفلسطيني، وفقرة عن بعض مظاهر الفوارق الطّبقية بفرنسا.

 

غذاء:

انعقد “المؤتمر الدّولي للأمن الغذائي” في “سَمَرْقَنْد” عاصمة أوزبكستان يوم التاسع عشر من أيلول/سبتمبر 2023، بدعم من منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، بهدف محاولة “إيجاد حُلُول لأحد أكبر التهديدات التي تواجه البشرية”، وفق المنشور الإشهاري للمؤتمر الذي أكّد “إن 735 مليون شخصًا كانوا سنة 2022، يجدون صُعُوبةً في الحصول على الغذاء والوصول إلى غذاء صحي” (بزيادة 122 مليون شخص منذ سنة 2019) ما يجعلهم يَفْتَقِرُون إلى الأمن الغذائي بفعل “الصراعات المسلّحة والأوبئة وتعطيل سلاسل التوريد وتغير المناخ والفقر”، وفق المَطْوية التي تُقدّم المؤتمر، ولا تتطرق المداخلات ولا الوثائق ولا منظمات الأمم المتحدة إلى الشركات الإحتكارية التي تتحمل مسؤولية كبيرة، لأن العالم يُنتج كميات من الغذاء تفوق حاجة سُكّان الكوكب، غير إن الدّول والشركات الكبرى تُهيمن على عمليات الشراء والنّقل والتّخزين والتّسويق، ما يجعلها تتحكم بالأمن الغذائي وتنسف السيادة الغذائية للبلدان الفقيرة، كما تُقَوّض أحد أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة المتمثل بالقضاء على الجوع بحلول سنة 2030…

تتوقّع منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أن يُعاني نحو 670 مليون شخصًا من الجوع بحلول 2030، بسبب ارتفاع الأسعار وصعوبة الوصول إلى الغذاء، فيما يُعاني صغار الفلاّحين من شح المياه ومن ارتفاع أسعار البذور والأسمدة وعلف الحيوانات، فيما يمنع المُقرضون (صندوق النّقد الدّولي والبنك العالمي والدّول الدّائنة) دعم السلع الغذائية ودعم قطاع الفلاحة…

 

الصهيوني مُجرم مُعْفَى من العقاب

قَدّر تقرير داخلي لوزارة الخارجية الأمريكية قبل نهاية شهر تشرين الأول/اكتوبر 2023، نشرته صحيفة هآرتس الصهيونية إن ما لا يقل عن 30 ألف طفل فلسطيني تَقلّ أعمارهم عن ستة أشهر وحوالي 52 ألف امرأة حامل يشربون المياه القذرة في غزة، مما يعرض صحتهم للخطر حيث حَظَرَ الكيان الصهيوني دخول المياه والكهرباء والوقود والمُساعدات الإنسانية والغذاء والدّواء، وما يزيد من مخاطر تعرّضهم للإصابة بالعدوى والأمراض والمشكلات الصّحّية طويلة المدى التي تُهدّد حيواتهم، واعتمد التقرير على معلومات صادرة عن المنظمات التابعة للأمم المتحدة مثل منظمة الصحة العالمية التي أشارت تقاريرها إن المياه المُلَوَّثَة هي المصدر الوحيد للمياه لمعظم سكان غزة، كما أشار تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) يوم 17 تشرين الأول/اكتوبر 2023، إن سُكّان غزة يشربون مياه البحر الممزوجة بمياه الصّرف الصِّحِّي وبالنِّتْرات الذي يُسبّب حالة تسمى متلازمة الطفل الأزرق التي يمكن أن تسبب الغيبوبة والوفاة وفي الولادة المُبكّرة للنساء الحوامل.

يُشير تقرير وزارة الخارجية الأمريكية إلى عدم حُصُول 640 ألف نازح يقيمون في الملاجئ التي تديرها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) سوى على حوالي نصف لتر من الماء للشخص الواحد يوميا، بينما يحتاج الشخص الواحد لما بين خمسين ومائة لتر من المياه لتلبية الحاجات الأساسية للإنسان، وقَدّرت منظمة إنقاذ الطفولة عدد الأطفال الفلسطينيين الذين قتلتهم الاسلحة الصهيونية خلال شهر تشرين الأول/اكتوبر 2023 بما لا يقل عن أربعة آلاف طفل فلسطيني في غزة، وفق تقديرات موقع – Truthout – 30 تشرين الأول/اكتوبر 2023

 

الصّحّة تجارة مُرْبِحَة:

قَدّر تقرير صادر عن معهد “غلوبال ويلنس إنستتيوت” (Global Wellness Institute ) إيرادات المراكز الصحية الخاصّة بنحو 3,4 تريليونات دولارا سنة 2013، وبنحو 5,6 تريليونات دولارا بنهاية سنة 2022، ويتوقع أن تبلغ 8,5 تريليونات دولارا سنة 2027، بزيادة نسبتها 57%، أو ما يُعادل ضعف الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا، ويشمل نشاط المراكز الصحية مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأنشطة أهمّها العناية الشخصية والتجميل (العناية بالبشرة وصالونات الشعر أو الأظافر ) التي تقدر قيمتها بنحو 1,08 تريليون دولار، والتغذية الصحية (بغرض تخفيض الوزن) بقيمة 1,07 تريليون دولارا، و”السياحة الصحية” بقيمة 651 مليار دولارا، وتشمل السياحة العلاجية والمُنْتَجعات الصّحّيّة شركات الضيافة، التي تحاول بشكل متزايد الاستفادة من السياحة العلاجية والطلب على المنتجعات الصحية التي تُوفِّرُ تمارين اللياقة البدنية للزّبائن، وتندرج معظم المراكز الصحية ضمن فئة المنتجعات والفنادق الفاخرة التي تُشغّل طاقمًا من الأطبّاء والفَنِّيِّين في تحليل الدّم والفيتامينات واليوغا الخ.

 

المغرب

قَدّر الدّيوان المَلَكِي يوم 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 الميزانية المتوقعة لإعادة الإعمار بعد الزلزال المدمر – بقوة سبع درجات – الذي ضرب البلاد ليلة الثامن من أيلول/سبتمبر 2023، وقَتَلَ نحو ثلاثة آلاف مواطن وأصاب أكثر من 5600 بجراح، ناهيك عن تشريد الآلاف، بنحو 120 مليار درهم، أو ما يُعادل 11,7 مليار دولار، وعدد المُتضرّرين بنحو 4,2 ملايين مواطن وأعلن القصر المَلَكِي رَصْدَ هذا المبلغ للإنفاق على برنامج يمتد على خمسة أعوام، ويتضمّن إعادة البناء وإعادة تأهيل البُنْيَة التَّحْتِيّة، وتأهيل المناطق المتضررة ، وإعادة بناء المَساكن وإيواء السّكّان المتضرّرين ومعظمهم من قرى نائية فقيرة في جبال الأطلس الكبير وسط تضاريس وَعْرَة جنوب شرقي البلاد، وخصوصا جنوبي مراكش، وكانت الدّولة قد أطلقت حمْلَة تبرّعات وطلبت الدّعم الدّولي ن وأعلن صندوق النّقد الدّولي إقراض المغرب بقيمة 1,3 مليار دولارا على امتداد 18 شهرًا “ليتمكّن من مواجهة الكوارث الطبيعية والمناخية” ويندرج هذا التمويل في إطار فتح خط ائتماني، خلال شهر نيسان/ابريل 2023، بقيمة خمسة مليارات دولار لدول “الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” (أي الوطن العربي)، ويعد المغرب من أكثر البلدان الإفريقية مديونية، واستفاد من خطّ ائتماني بقيمة ثلاثة مليارات دولار، سنة 2020، في إطار “خطّ الوقاية والسيولة”، للتخفيف من الصدمة التي سببها تفشي فيروس كورونا، وتُقدّر دُيُون الدّولة بنحو مائة مليار دولارا، بنهاية شهر نيسان/ابريل 2023، ليصل إلى حوالي 80% من الناتج المحلّي الإجمالي، وتوقعت ميزانية الدّولة لسنة 2023 الحصول على قُرُوض خارجية بقيمة 5,7 مليارات دولارا، وبلغت حصة الدين الخارجي نحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي، بنهاية سنة 2022 بينما بلغت قيمة احتياطي المصرف المركزي من العملات الأجنبية 35,3 مليار دولارا، بنهاية نيسان/ابريل 2023 ومَصْدَرُها الصادرات وتحويلات المُهاجرين وإيرادات السياحة…

 

لبنان قاعدة أطلسية؟

نشرت صحيفة الأخبار اللبنانية (بين 18 و 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2023) أخبار استخدام جيوش الدول الأعضاء بحلف شمال الأطلسي الأراضي اللبنانية لتخزين وإرسال الأسلحة إلى الكيان الصهيوني، بتواطؤ السلطات المدنية والعسكرية اللبنانية، وتتجلّى “الحركة الأمنية المُكثّفة” من خلال ارتفاع عدد الطائرات العسكرية “الغربية” في مطار بيروت الدولي وقاعدة “حامات” العسكرية، منذ السابع من تشرين الأول/اكتوبر 2023، ومن خلال ارتفاع عدد طلبات الدول الأجنبية للسماح بإدخال أسلحة حربية وذخيرة، بحجة تعزيز أمن سفاراتها في لبنان وإجلاء رعاياها وديبلوماسييها، غير إن الأسلحة التي وصلت إلى لبنان تتجاوز “تعزيز أمْن السفارات” بل حَوَّلت الولاياتُ المتحدةُ وحلفاؤها لبنانَ الى مستودع للأسلحة، فقد حَطّت عشرات الطائرات العسكرية الأمريكية والكندية والبريطانية والهولندية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والسعودية، أو ما لا يقل عن 55 طائرة عسكرية في قاعدة حامات، وفي القاعدة المخصصة للطائرات العسكريّة والديبلوماسية في مطار بيروت، بين الثامن والعشرين من تشرين الأول/اكتوبر 2023، وما لا يقل عن 23 طائرة بين العشرين من تشرين الأول/اكتوبر والعاشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2023، كما هبطت طائرات عسكرية غربية، بعضها قادم من فلسطين المحتلة أو من قُبرص (من قاعدة أكروتيري البريطانية) في مطار بيروت، خلال الأسبوع الثاني من تشرين الثاني 2023، وطلبت فرنسا ” إدخال باخرة تحمِل حوالي 500 عسكري وما يقارب 50 آلية” إضافة إلى طلبات أخرى لهبوط طائرات عسكرية كندية وبلجيكية تحمل أسلحة خفيفة ومتوسطة، بذريعة “حماية موظفي السفارات والمنظمات الدّولية” من تأثيرات العدوان على غزة، في حين يتم اغتيال عشرات الصحافيين الفلسطينيين ( أربعون خلال شهر واحد) والأطباء والممرضين والأطفال وتدمير سيارات الإسعاف، دون إثارة اهتمام هذه الدّول الغربية وإعلامها وسفاراتها وملحقيها العسكريين وغيرهم…

ادّعى رئيس الحكومة اللبنانية (الرأسمالي الثري نجيب ميقاتي) “عدم عِلْمِهِ بما يحصل من حركة مكثّفة للطائرات العسكرية في قاعدة حامات وبمطار بيروت الدّولي”، وكانت السفيرة الأمريكية قد ضغطت على وزير الدّفاع اللبناني وعلى الحكومة من أجل تمديد فترة ولاية قائد الجيش اللبناني “جوزيف عون” الذي يُعتبر أحد أهم عُملاء الولايات المتحدة وحلفائها، ما سَمِحَ بتحويل لبنان إلى مُستودَع أسلحة حلف شمال الأطلسي التي يتم إعادة إرسالها إلى الجيش الصهيوني.

 

في جبهة الأعداء – تركيا

يَصِفُ رئيس تركيا رجب طيب أردوغان ما يجري في فلسطين، من احتلال استيطاني ومن إبادة، منذ عُقُود، بالحَرب الدّينية أو ما يُسمِّيه “حرب الهلال والصليب” أي إنها حرب بين المسيحية والإسلام، وهذا لا يستقيم فالكيان الصهيوني لا يتبنّى المَسِيحِيّة، وهو يشن العدوان تلو الآخر، على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، ويُهدّد حتى الفُرْس، بدعم ومساندة من القوى الإمبريالية، باسم رأس المال وليس باسم الكنيسة المسيحية، بينما دعم الكيان الصهيوني تركيا “المُسلمة” في حربها (إلى جانب أذربيجان ) ضد الأرمن الذين تخلّت عنهم القوى الإمبريالية “الغربية/المسيحية” في “قُرّة باغ”، ووجب التّذكير بالعلاقات المُبَكِّرة والقوية بين تركيا العثمانية والحركة الصهيونية، ثم بين تركيا الأتاتوركية و”المُسلمة” والكيان الصّهيوني الذي اعترفت به منذ سنة 1949، وبين تركيا والإمبريالية الأمريكية “المسيحية”، ضد الإتحاد السوفييتي، قبل انضمام تركيا إلى حلف شمال الأطلسي سنة 1952، ولمّا أصبح “الإسلامي” عدنان مندريس رئيسًا للحكومة التركية تعزّزت العلاقات السياسية والعسكرية والإقتصادية، وارتفع نَسَقُ هذه العلاقات خلال فترة رئاسة “الإسلامي” طورغوت أوزال، وكذلك خلال فترة حكم نجم الدّين أربكان، المُعلِّم السياسي “الإسلامي” لرجب طيب أردوغان، ومُؤّسّس حزب الرّفاه الذي يُعتَبَرُ رائد الحركة الاسلامية الحديثة في تركيا خلال سبعينيات القرن العشرين التي لم تُحارب الصهاينة ولا المسيحيين ولا الأتاتوركيين، بل حاربت اليسار التركي (بالإغتيالات والهجوم بالقنابل والسلاح)، قبل أن يفوز التّلميذ أردوغان وحزبه ( العدالة والتّنمية) بانتخابات حزيران/يونيو 2002، وكَرّم المؤتمر اليهودي الأمريكي رجب طيب أردوغان، سنة 2004 ومَنَحَهُ “جائزة الشّجاعة”، لأنه طَوَّر العلاقات الإقتصادية والعسكرية مع الكيان الصهيوني، بل وَصَفَ المُقاومة الفلسطينية في الضّفّة الغربية بالإرهابية، وكان شمعون بيريز أول مسؤول سياسي صهيوني رفيع يُلقي كلمة في البرلمان التّركي يوم 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2007، وارتفع حجم التبادل التجاري بين بين تركيا والكيان الصهيوني من 1,5 مليار دولار سنة 2002 حوالي 9,5 مليارات دولارا مُعْلَنَة سنة 2022، ولم تتخذ تركيا بعد العدوان على غزة (منذ السابع من تشرين الأول إلى غاية السادس والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2023) أي إجراء ضد الكيان الصهيوني، بل تعززت العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية حيث وصلت 300 سفينة تركية (بين السابع من تشرين الأول والرابع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 2023) إلى موانئ فلسطين المحتلة، مُحَمّلة بالسلع والموادّ المختلفة، كما لم تتخذ تركيا “الإسلامية” أي إجراء ضد القواعد الأميركية التي تستخدمها الإمبريالية الأمريكية لنقل التجهزات العسكرية والأسلحة إلى الجيش الصهيوني…

تستخدم سلطة الإخوان المسلمين في تركيا الدّين لغايات سياسية، ولِمُغالطة جمهور المُسلمين، أما القضية الفلسطينية فإنها قضية تحرّر وطني ضد الإستعمار الإستيطاني الصهيوني الذي تدعمه الإمبريالية والأنظمة العربية والإسلامية، وتُعتبر السلطة الإسلامية في تركيا عضوًا هامًّا في حلف شمال الأطلسي وشريكًا في كل جرائمه، وجزءًا من المنظومة الرجعية التي تدعم الكيان الصهيوني…

 

هوامش من انتخابات الأرجنتين

جرت الانتخابات والبلاد تُعاني من أزمة اقتصادية خانقة، حيث بلغ معدّل التّضخّم أحد أعلى المعدلات في العالم (143% على أساس سنوي)، كما أصاب الفقر أكثر من 40% من السكان رغم برامج الرعاية الاجتماعية، وسط الدّيْن العام المُرتفع وتراجع قيمة العملة، ويعاني المواطنون من ارتفاع إيجار السّكن ومن الزيادات المُستمرة في الأسعار، في حين انخفضت الأجور -بما في ذلك حدها الأدنى- إلى 146 ألف بيزو (400 دولار)، واضطر الكثيرون إلى نظام المُقايضة في محاولة للحصول على ما يحتاجونه، ويذكّر الوضع الحالي بالأزمة الاقتصادية الحادة التي عاشها المواطنون سنة 2001، والتي دفعت حكومة كيرشتنير إلى إعلان العصيان وعدم تسديد الدّيون التي فاقت قيمتها قُدْرةَ البلاد على السّداد.

فوز اليمين المتطرف

كان التنافس شديدا بين المرشحين سيرخيو ماسا (51 عاما) الذي كان وزيرًا للإقتصاد لمدة 16 شهرا قبل أن يُغادر منصبه، وخافيير ميلي (53 عاما) الإقتصادي النيوليبرالي الذي يعتبر نفسه “رأسمالي فوضوي”، وما انفكّ يتعهّد منذ سنتيْن بالتخلص من “الطبقة الطفيلية” و”تقليم الدولة المعادية” وإنعاش الاقتصاد، وفاز هذا الاقتصادي اليميني المتطرف والصّهيوني، خافيير ميلي، بالانتخابات الرئاسية يوم الأحد 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، بحوالي 56% من الأصوات، مقابل 44%، لمنافسه وزير الإقتصاد السابق سيرخيو ماسا، وتَعَهَّدَ الفائز بتقليص دور الدّولة، وخفض الخدمات والمِنَح الحكومية، وجَعْلِ الدّولار عملة البلاد بدل «البيزو» الذي انخفضت قيمته حال إعلان نتيجة الإنتخابات وبخصوص الشّأن العربي، اعتبرت وسائل الإعلام الصهيوني إن الرئيس الجديد خافيير ميلي صديق حميم حيث دافع علناً، منذ سنوات، «عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وصَرّح: “لقد كان موقفي واضحاً جداً، وعبّرت عنه في خطاباتي… أنا أدين الأعمال الإرهابية (الفلسطينية) وأعلن تضامني مع إسرائيل…”، وينتمي الفائز إلى تيار يميني متطرف مدعوم من الولايات المتحدة ومن الكيان الصهيوني، ولذلك كان الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو (2019-2022) من أول المُهنِّئين إلى جانب الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” والرئيس الحالي ووزيره للخارجية أنتوني بلينكن، فيما رحّبت المديرة العامة لصندوق النّقد الدّولي، كريستالينا جورجيفا، بالرئيس الجديد خافيير ميلي، مؤكدةً أنّها تتطلّع إلى العمل عن كثب معه ومع إدارته التي ستتولى مباشرة مهامها لما يتولّى ميلي الرئاسة يوم العاشر من كانون الأول/ديسمبر 2023، بينما تصل نسبة التضخم إلى نحو 143% على أساس سنوي، ما خفض الدّخل الحقيقي للمواطنين الذين أصبح 40% منهم يعيشون تحت خطّ الفقر، مع الإشارة إن الرئيس الجديد يفتقر إلى الأغلبية في الكونغرس لكي يستطيع إنجاز وعوده..ز

يُدافع الرئيس الجديد عن حُرّيّة الأسواق (ولذلك دعمه الرئيس الأسبق الرأسمالي الليبرالي “ماوريسيو ماكري” ) وعن حرية شراء وحمل السلاح وإجراء استفتاء حول إلغاء قانون الإجهاض الذي تمّ إقراره قبل ثلاث سنوات، ويتسم خطابه بالعُنف اللفطي والشّتائم تجاه خصومه، ويصفه بعض رجال الدين ب”خطاب الكراهية” واعتبرت وكالة “بلومبرغ” الرأسمالية الليبرالية الأمريكية ( لصاحبها مايكل بلومبرغ رئيس بلدية نيويورك الأاسبق) “إن طروحاته تثير قلقاً واسعاً في أوساط المراقبين والمختصين في الأرجنتين وخارجها، ويمكن أن تُلحق ضررًا كبيرا بثالث أكبر اقتصاد في أميركا الجنوبية، لأنه يُعادي كل الدّول باستثاء الولايات المتحدة وإسرائيل… قد تواجه الأرجنتين عدم اليقين وتقفز إلى المجهول مع الرئيس خافيير ميلي” الذي يُعتبَرُ فَوْزُهُ انتصارًا للتيارات اليمينية المتطرفة في الدّاخل التي تُعيد بالذّاكرة إلى الإنقلاب العسكري لسنة 1976، وتُذَكِّرُ مواطني أمريكا الجنوبية والعالم بانتخاب “جايير بولسونارو” في البرازيل ودونالد ترامب في الولايات المتحدة، وقوى اليمين في بيرو والإنقلابيين في بوليفيا الخ، كما عبّر قادة حزب “فوكس” الإسباني اليميني المتطرف، عن ابتهاجهم بفوز خافيير ميلي، وكذلك إيلون ماسك، رئيس شركة السيارات الكهربائية “تيسلا”، الذي اعتبر إن انتخاب “ميلي” سوف يجلب لالإزدهار إلى الأرجنتين

هذا الرئيس الذي يُهدّد بقمع أي حركات مقاومة اجتماعية محتملة لسياساته، بينما تواجه البلاد مشاكل التضخم والركود والبطالة والفقر والبُؤس وانعدام الأمن، ويتَوقّع معهد التمويل الدولي (فرع مجموعة البنك العالمي) أن يُعاني اقتصاد الأرجنتين من الركود والإنكماش بنسبة – 2,4% خلال العام 2023 و بنسبة 1,3% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2024، وارتفاع التضخم في نفس الوقت، وارتفاع المعدّل السنوي للتضخم إلى أكثر من 100% بنهاية العام الحالي والعام المقبل (2024) وانخفاض قيمة العملة المحلية…

علاقة إيديولوجية مع الصهيونية

يُعتبر الكيان الصهيوني والولايات المتحدة أكبر مستَفِيديْن من انتخاب “خافيير ميلي” الذي صَرّح ليلة انتخابه، أمام الآلاف من أنصاره: “إن إسرائيل والولايات المتحدة أهم شريكين ويُمثّلان نموذجا لنا”، في مقابل استياء العديد من حكومات وشُعوب بلدان الجوار والقوى التقدّمية والنقابات في الدّاخل، لأن اقتصاد الأرجنتين هو ثالث أكبر اقتصاد في أمريكا الجنوبية (تراجع من المرتبة الثانية إلى الثالثة، خلال السنَتَيْن الماضِيتَيْن) ويُعاني من انهيار حادّ فاقمته جائحة كورونا، ووصل مستوى التضخم إلى 143%، ومعدل الفقر 40% من السّكّان، ولا تزال المواطنون يُعانون من آثار الدّيون التي اقترضها الرئيس اليميني “ماوريسيو ماكري” (57 مليار دولارا من صندوق النقد الدّولي، سنة 2018) وخفضت حكومة فرنانديز ونائبته كريستينا كيرشنر المنتهية ولايتها، حجمها إلى 44 مليار دولار، ونجح الإعلام الذي يُسيطر عليه اليمين في جعل حكومة فرنانديز/كيرشنير مسؤولة على مشاكل اقتصاد البلاد، وفي تأجيج الغضب الشعبي التي لم تتمكّن الحكومة من امتصاصه، وقام الإعلام الصهيوني في الأرجنتين (أكبر لوبي صهيوني في أمريكا الجنوبية) مثل قناتي “لاناسيون ماس” و “إيه 24 ” بالدّعاية اليومية والمكثفة لميلي، رمز اليمين المتطرف المُتحالف مع الصهيونية، فتم انتخابه نائبًا بالبرلمان سنة 2021، وتواصلت تلك الدّعاية لمشروعه ولدعمه غير المشروط للكيان الصهيوني وللسياسات النيوليبرالية وأعلن إنه سيزور فلسطين المحتلة للقاء القادة الصهاينة قبل تولي الرئاسة يوم 10 كانون الأول/ ديسمبر، لشكر “الرب” ودعم “إخوتي اليهود في محنتهم هناك، وإعلان نقل سفارة الأرجنتين إلى القدس.”

 

أثرياء الحرب

يتوقّع الرأسماليون المُضارِبُون ارتفاع الميزانيات العسكرية في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وأستراليا، بفعل تورّط حلف شمال الأطلسي وحلفائه في العديد من الصراعات المسلحة لأسباب جيوسياسية في أوكرانيا وآسيا، ثم في فلسطين، ولذلك ارتفع طلب المُستثمرين على أسهم شركات الصناعات الحربية في أسواق الأسْهُم، منذ بداية العدوان الصهيوني على غزة، شهر تشرين الأول/اكتوبر 2023، وضخوا نحو 622 مليون دولارا خلال حوالي 45 يومًا، وبلغت التدفقات الصافية بصندوق إنفستو للصناعات الجوية والدّفاعية تدفقات بقيمة 380 مليون دولارا خلال سبعة أسابيع وشهدت أسهم صناديق “آي.شيرز يو.إس” و “إس.بي.دي.آر إس آند بي” تدفقات كبيرة بسبب “تنامي تهديدات الأمن القومي” (الأمريكي) وفق فرع الإستثمار بمصرف “غولدمان ساكس” الذي يُبالغ في تضخيم هذه التهديدات المُفْتَرَضَة، لتبرير زيادة إنفاق دول حلف شمال الألأطلسي على الأسلحة المتطورة وعلى التقنيات الحربية، خصوصًا منذ بداية الحرب في أوكرانيا التي رفعت الإنفاق الحربي – حيث وافق الكونغرس الأميركي على تقديم 113 مليار دولار لأوكرانيا خلال 21 شهرا منذ بداية الحرب – وارتفع بذلك صافي أُصُول صناديق الصناعات الحربية بما لا يقل عن 400% منذ انطلاق حرب أوكرانيا (24 شباط/فبراير 2023) وبنسبة 20% منذ انطلاق العدوان على فلسطينِيِّي غزة…

 

الديمقراطية على المذهب الأمريكي

نشأت الولايات المتحدة ( وكندا وأستراليا ونيوزيلندة) على المجازر والإبادة الجماعية والإستيلاء على أراضي ووطن السّكّان الأصليِّين ثم على العبودية التي سَرّعت عملية الرتّراكم الرأسمالي بالولايات المتحدة، وكذا نشأ الكيان الصهيوني الذي لا يزال يرتكب المجازر ويحاول تهجير من تبقى من الفلسطينيين في وطنهم، من خلال الحصار والتجويع وتدمير المباني وتجريف الأراضي الزراعية، غير إن التاريخ والإعلام والإشهار يتجاهل المجازر أو يُنْكِرُها، ويدّعي إن الولايات المتحدة (وجميع الدّول الإمبريالية) بلد الدّيمقراطية والحقوق والحرية والمساواة، غير إن الجميع يُلْقِي بهذه المبادئ في سلّة المُهملات، عندما تَشُنُّ الولايات المتحدة وحلفاؤها العدوان تلو الآخر على شعوب أمريكا الجنوبية وإفريقيا وآسيا، وخصوصًا عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان العربي في لبنان وسوريا والعراق وليبيا واليمن وفلسطين، حيث يتم قتل المَدَنِيِّين والأطفال بالأسلحة الأمريكية.

تستفيد السوق المالية “وول ستريت” وشركات المجمع الصناعي العسكري الأميركي، مثل راثيون وجنرال داينامكس ولوكهيد مارتن، كما تستفيد شركات التمويل والمصارف، مثل مورغان ستانلي وسيتي غروب وغيرهما، من العدوان على غزة وعلى سوريا واليمن، بفعل زيادة الطلب على الأسلحة والمُعدّات العسكرية التي يتجه جزء منها إلى أوكرانيا والكيان الصهيوني الذي يُمثّل مصالح الإمبريالية في الوطن العربي وما حوله، وفق طموحات ثيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، ومن تَبِعَهُ من قادتها، ولذلك لن تدعم الولايات المتحدة وبريطانيا والإتحاد الأوروبي هذا الكيان الذي يمكن أن يَنْهَارَ لو تظافرت جهود العرب وجهود التقدّميين في العالم، لهزيمته…

 

أمريكا – تمويل إبادة الشعب الفلسطيني

مَنَحَت الولاياتُ المتحدةُ الكيانَ الصهيونيَّ إعانات عسكرية بلغت قيمتها حوالي 320 مليار دولارا من أموال دافعي الضرائب، أو ما يزيد عن أربع مليارات دولار سنويا.، لتصبح دولة الإحتلال أكبر متلق للمساعدات الخارجية الأمريكية، ولا يزال تمويل الإبادة الجماعية مُستمرًّا، بل يعتزم الرئيس الحالي (جوزيف بايدن) وأعضاء الكونغرس زيادة مبالغ الدّعم وزيادة عدد القتلى الفلسطينيين وتدمير المزيد من المباني والطرقات ومحطات ضخ المياه وتوليد الكهرباء، ويتجاوز التّآمُرُ الولايات المتحدة، وفق المُقرّرة الخاصة للأمم المتحدة (فرانشيسكا ألْبانيز) التي صَرَّحَت يوم 14 تشرين الأول/اكتوبر 2023 : “يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية منع الجرائم الفظيعه وحماية السكان منها… هناك خطر كبير من أن ما نشهده قد يكون تكرارًا لنكبة 1948، ونكسة 1967، على نطاق أوسع”، وبعد شهر، في الثالث عشر من تشرين الثاني/اكتوبر 2023، حَذّر العديد من خُبراء الأمم المتحدة من أن “الشعب الفلسطيني معرض لخطر الإبادة الجماعية… إن حلفاء إسرائيل يتحملون المسؤولية أيضاً ويجب عليهم التحرك في الحال لمنع هذا المسار الكارثي”، وفق صحيفة “غارديان” التي حَمّلَ أحد صحافِيِّيها المسؤولية للزعماء الصهاينة وللولايات المتحدة التي تدعمهم ماليا وعسكريا: “يُصمّم المسؤولون الإسرائيليون وينفّذون إبادة الناس الذين يعتبرونهم أقل من البشر، بمباركة الولايات المتحدة ووسائل الإعلام التي تُعيد نَشْر بيانات الكيان الصهيوني، دون نقد أو تَمْحيص، وتُباركُ بذلك الأهداف والرغبات الصريحة لمَهْوُوسِي الإبادة الجماعية…”

لقد رفضت وسائل الإعلام وصف دونالد ترامب بالعنصري عندما أعلن سنة 2015 إطلاق حملة دعم للعنصريين البيض خلال دعايته الإنتخابية، ولم تَنقُدْه وسائل الإعلام إلا خلال صيف سنة 2019، بعد ارتفاع عدد جرائم الكراهية ضد المواطنين السود والمهاجرين ومن يُصنفون “مسلمين”، وهو ما يحصل حاليا بشأن الكيان الصهيوني حيث ترفض وسائل الإعلام الأمريكية وصف ما يحصل في الأراضي المحتلة سنة 1967، بالإبادة الجماعية، ما لا يُساعد الجمهور على فهم طبيعة الأهداف الصّهيونية، في حين ساهم بعض المواطنين في رفع دعوى قضائية لمنع دعم العدوان الصهيوني بأموال الضرائب الأمريكية وإبادة الشعب الفلسطيني (وشعوب أخرى) بأسلحة صنعت في الولايات المتحدة الأمريكية.

المستفيدون من الحروب الأمريكية

تجمّع عشرون مواطنا بصورة رمزية يوم الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر 2023، أمام مقر شركة “رايثيون” الأمريكية لصناعة الأسلحة، التي استهدفها مُنظِّمو محكمة الشعب، وبالفعل انعقدت يوم الثاني عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2023 محكمة شعبية على الرصيف خارج مكاتب شركة Raytheon في أرلينغتون بولاية فرجينيا “لمحاكمة العديد من شركات تجار جرائم الحرب والموت، وهي الشركات التي تنتج الأسلحة التي لتسبب الموت والدمار في جميع أنحاء العالم، وبشكل خاص في “الشرق الأوسط” حيث تستفيد هذه الشركات من معاناة الأبرياء”، وفق ما وردَ في الجلسة الإفتتاحية للمحاكمة التي قضى مُنظّموها سنَتَيْن في جمع الأدلة من خلال المقابلات مع الضحايا والمحللين والمحامين وأصحاب المصلحة، وستدوم المحاكمة أربعة أشهر، حيث سيتم إصدار سلسلة من مقاطع الفيديو أسبوعيًا على مدار الأشهر الأربعة المقبلة والتي ستظهر كيف تتواطأ شركات Raytheon و General Atomics و Boeing و Lockheed Martin في جرائم ضد الإنسانية، وستكشف مقاطع الفيديو عن ضرورة محاسبة هذه الشركات على جرائمها. وقد سجل أكثر من 1700 شخص حول العالم لحضور الجلسة الافتتاحية التي أعلنت “… باعتبارنا مواطنين أمريكيين، فإننا نتحمل المسؤولية عن أولئك الذين قتلوا بأسلحة قدمتها أو باعتها حكومتنا للآخرين الذين يقومون بعد ذلك بذبح الأطفال… وتضغط الشركات المُصنِّعة للأسلحة (تُجّار الموت) على الحكومات لمواصلة الحروب، بهدف تحقيق أرباح قياسية من معاناة وموت الأطفال والنساء والرجال، وهؤلاء الأشخاص لديهم أسماء وعائلات تحبهم وتحزن على وفاتهم…”، وقبل نهاية الجلسة أمرت الشرطة الحاضرين بمغادرة المكان وإلا فسيتم القبض عليهم، وتم اعتقال ستة متظاهرين تتراوح أعمارهم بين 28 و 77 سنة لفترة ست ساعات واتهامهم بالتعدي على ممتلكات الغير”…

 

تناقض مصالح الشركات الكبرى مع مصالح أغلبية الأمريكيين

وسّعت السلطات الأمريكية (البيت الأبيض والكونغرس) رقعة الأعداء خلال العقود الأخيرة، منذ انهيار الإتحاد السوفييتي، وخصوصًا بعد توسّع الاقتصاد الصيني، وذلك من أجل سيادة منظومة القطب الواحد بقيادة الولايات المتحدة التي يوجد بها 735 مليارديراً تبلغ قيمة ثرواتهم 4,5 تريليون دولار، ويمتلك شخص أمريكي واحد وهو أغنى ملياردير في الولايات المتحدة والعالم، في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 ثروة تقدر بـ 241 مليار دولار، وتواجه شركاتُهُ السّتّ دعاوى قضائية بشأن انتهاكات الحقوق المدنية وحقوق العمال، وتم رفع قضية ضد شركة “تسلا” للسيارات الكهربائية، ذاتية السّيْر، بتهمة التمييز العنصري والتحرش بالعمال السود، وما ينطبق على إيلون ماسك ينطبق كذلك على زملائه الأثرياء، من بينهم جيف بيزوس، ثاني أغنى أميركي بثروة تبلغ 168 مليار دولار، والذي أَسّسَ وترأس لفترة طويلة عملاق التجارة الإلكترونية أمازون التي حاربت تكوين النقابات في مستودعاتها ومكاتبها…

رغم الإرتفاع المستمر لثروات الأثرياء وللناتج القومي الإجمالي الأمريكي، تعمّقت الفجوة الطبقية، واعتبارًا من سنة 2018، كان لدى أغنى ثلاثة مليارديرات أمريكيين ثروات مجتمعة تتجاوز إجمالي ثروة نصف السكان الأمريكيين، وفي حين ارتفعت ثروة الأثرياء، لم ترتفع القيمة الحقيقية للأجور الدُّنيا والمتوسطة منذ أربعة عُقُود، ويعيش 18 مليون أمريكي في حالة “فقر مدقع” أو بدخل سنوي لا يبلغ 6380 دولارًا سنويًا للفرد أو أقل من 13100 دولار سنويًا لأسرة مكونة من أربعة أفراد، وشمل اتساع الفجوة الطبقية ملايين العُمّال الفُقراء، في أدنى درجات السُّلَّم والعاملين بعقود هَشّة أو بدوام جُزْئِي، ما جعل النقابات تخوض صراعا شرسا من أجل زيادة الأُجُور وتحسين ظروف العمل…

يُشكّل انتشار عدم المساواة الاقتصادية نتيجَةً طبيعية للنّفوذ السياسي الذي يُمارسه أصحاب الشركات وأصحاب المليارات فالسياسيون المليارديرات مثل دونالد ترامب يدّعون الدّفاع عن مصالح الطبقة العاملة، ولكنهم يقدمون إعفاءات ضريبية للأغنياء وللشركات الكبرى…

وردت معظم البيانات بموقع شبكة ويسكونسن للسلام والعدالة وموقع معهد الإعلام المستقل 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2023

 

فرنسا حكومة الأغنياء

ارتفع صافي أرباح الشركات الفرنسية المدرجة في بورصة باريس (كاك 40) من 64 مليار يورو خلال النصف الأول من سنة 2022 إلى 80 مليار يورو خلال النصف الأول من سنة 2023، وتخطط الحكومة لمنح الشركات متعددة الجنسيات أكثر من 100 مليار يورو، أي حوالي 4,1% من الناتج المحلي الإجمالي لفرنسا، ويدعم الإتحاد الأوروبي هذه الشركات بمقدار 39,4 مليار يورو، كما أعلن وزير الاقتصاد الفرنسي أن الشركات الكبرى ستحصل على 10,4 مليار يورو إضافية خلال الربع الأخير من سنة 2023.

في صفوف الكادحين والفُقراء، تجاوز معدل البطالة 7,4% من السكان النشطين خلال الربع الثالث من سنة 2023، وهي نسبة تقل عن الواقع ، لأن مكتب التشغيل يفصل أكثر من 58 شخص كل شهر، بذرائع مختلفة، وهم لا يزالون عاطلين عن العمل، ولكن لم يتم احتسابهم، لتقليل عدد العاطلين عن العمل، بشكل مُصْطَنَع، في ظل التباطؤ الاقتصادي، حيث انخفض الناتج الإجمالي المحلي، خلال الربع الثالث من سنة 2023، بنسبة 0,1٪ في فرنسا ومنطقة اليورو، حسبما تشير الوكالة الأوروبية للإحصاء “يوروستات”.

يشير المعهد الوطني للإحصاء إلى انخفاض الاستهلاك بأكثر من 11% في النصف الأول من سنة 2023، بسبب انخفاض القيمة الحقيقية للأجور بنسبة 2% سنة 2022 وستواصل الانخفاض خلال سَنَتَيْ 2023 و2024، وعلى مدى عام واحد، ارتفعت أسعار المستهلك بنسبة 4,9% بنهاية شهر أيلول/سبتمبر وبنسبة 4% بنهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ووصلت الزيادة التراكمية في أسعار المنتجات الغذائية إلى 19% بين كانون الثاني/يناير 2022 وآب/أغسطس 2023، ويشير المعهد الوطني للإحصاء إلى أن واحدا من كل ثلاثة أشخاص يضطر إلى الإستغناء على وجبة واحدة في اليوم على الأقل، وأن دخل 20% من البالغين لا يكفي لتغطية الحد الأدنى من النفقات الجارية، وأن 50% من السكان لا يستطيعون دفع تكاليف الرعاية الصحية والدواء، وفواتير الطاقة أو شراء المنتجات الطازجة… ارتفع معدل الفقر من 13,6% سنة 2021 إلى 14,5% من السكان سنة 2022، واستفاد الأغنياء من تزايد الفقر وعدم المساواة، حيث ارتفع مستوى ثرواتهم.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.