الإستثمار في مجال الرياضة، نموذج السّعودية / الطاهر المعز

الطاهر المعز ( تونس ) – الأربعاء 06/12/2023 م …




تقديم:

ارتفعت إيرادات قطاع الرّياضة، وبالخصوص رياضة كرة القدم، بالتوازي مع زيادة عدم المساواة بين الأندية على المستوى الوطني والأوروبي حيث زادت إيرادات أندية “النُّخْبَة” التي احتكرت الإستثمارات الواردة فاشترت أَمْهَرَ الرّياضيين، واحتكرت إيرادات الإشهار واحتكرت الألقاب، كما تعمقت الفوارق بين الرياضيين – كما هو الحال بين فئات المجتمع – غير إن الرأسماليين الذين يشترون الأندية لا يُحقّقُون أرباحًا مالية كبيرة، بشكل مباشر، بل يستخدمون الأندية الرياضية كعلامة تجارية أو كمنصة لتعزيز نفوذهم واشترت دُوَيْلات الخليج النّفطيّة أنديةً رياضيةً أوروبيةً لتكون مَصْدَرًا “للقوة النّاعمة” بشكل عام، وانحصرت الإستثمارات والألقاب والإيرادات في نخبة –ما انفك ينحَسِرُ عددها – وعلى سبيل المثال فازت تسعة أندية مختلفة من دوري الدّرجة الأولى الألمانية بلقب البطولة، خلال عقد الستينيات من القرن العشرين، وانحسر اللقب في خمسة أندية خلال عقد التسعينيات، وفي إثنين فقط خلال العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين 2010.

أنتجت الإستثمارات الهائلة وعدم المساواة تركيزًا يتعلق بإيرادات الأندية وبرواتب اللاعبين، ولا يجرؤ سوى القليل من السياسيين أو الإعلاميين على نقد هذا الوضع غير الطّبيعي، غير أن قليلاً من اللاعبين يكسبون الملايين ويصبحون أثرياء، خصوصًا في البطولات الخمس الكبرى (إنغلترا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا) التي يستخدمها النّظام الرأسمالي العالمي لاحتواء غضب الشباب من خلال إلهائهم بأخبار وإنجازات “نُجُوم” كرة القدم، واعتبر بعض مُنَظِّرِي الرأسمالية هذا الإهتمام المُفرط بكرة القدم وتخصيص العديد من الشّبّان حصة من دَخْلِهِم لشراء تذاكر الدّخول إلى الملعب وشراء قُمصان وشعارات الأندية “مُساهمةً في رفاهية المُجتمع”…

تأثّر قطاع الرياضة بانتشار وباء كورونا (كوفيد – 19) وعرف قطاع كرة القدم صعوبات مالية بسبب توقف المباريات قبل استئنافها واستئناف البث التلفزيوني للمباريات، بدون حضور الجمهور، ما أدّى بشركات البث التلفزيوني إلى محاولة تخفيض قيمة حُقُوق البث التي تُشكل موردًا هامًّا في ميزانيات الأندية…

أصبحت السعودية – خصوصًا منذ أصبح محمد بن سَلْمان حاكمًا فعليًّا لها – تُنافس مَشْيَخَة قَطَر – التي لا يتجاوز ناتجها المحلي الإجمالي 20% أو 25% من الناتج السعودي – في مجالات الدّعاية والإشهار السياسي واستخدمت كلاهما الرياضة كمجال للإستثمار، وبعد مُرُور أشهر قليلة على تنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم سنة 2022 في قَطَر، نظّمت السّعودية خلال شهر شباط/فبراير 2023 مباراة استعراضية في الملاكمة كانت موضع دعاية واسعة النطاق، بين تومي فيوري وجيك بول اللّذَيْن تقاسما أكثر من 13 مليون دولار أمريكي، ويريد آل سعود، بزعامة محمد بن سلمان، تلميع صورة السعودية باستخدام العديد من الوسائل، والسّعي لزيادة الحضور السعودي في الرياضة الدّولية، ليس بالرياضيين وإنما بأموال النّفط، فقد طلبت السعودية استضافة كأس العالم لكرة القدم سنة 2030، وتم اختيار السعودية لاستضافة كأس العالم للأندية سنة 2023، وكأس آسيا لسنة 2027، وترعى السّعودية بطولة كأس العالم للسّيّدات في أستراليا 2023، وشكّل إعلان رئيس الفيفا جياني إنفانتينو يوم يوم الثلاثاء 31 تشرين الأول/أكتوبر 2023 استضافة السعودية دورة سنة 2034 لكأس العالم لكرة القدم، ذروة هذه الطّموحات، وتريد السعودية – من خلال الصندوق السيادي – شراء نوادي نيوكاسل ومانشستر يونايتد وليفربول، واشترت السعودية بالفعل نادي نيوكاسل يونايتد واستحوذت على حصّة في فريق “ماكلارين” لسباق السيارات (فورمولا 1 )، واشترت عددًا من مشاهير لاعبي البطولات الأوروبية الذين أشرفوا على التّقاعد، برواتب مرتفعة، من بينهم البرتغالي كريستيانو رونالدو (نادي النصر السعودي) براتب سنوي يعادل 600 ألف دولارا…

خصّص صندوق الإستثمارات العامة السّعودي – الذي تُقدّر ميزانيته بستمائة مليار دولار- نحو 1,5 مليار دولارا للإستثمار في مجال الرياضة، في كرة القدم وسباق السيارات والدّرّاجات والغولف والمصارعة، بهدف استخدام الرياضة كأداة سياسية، وكجزء من استراتيجية – صمّمتها شركة ماكنزي الأمريكية للإستشارات – أطلق عليها محمد بن سلمان “روية 2030″، وهو برنامج اقتصادي واجتماعي وسياسي ( يتضمّن التّطبيع العلني مع الكيان الصّهيوني) “لتأمين مستقبل السّعودية على المدى الطويل” ، في بلد يُشكّل الشباب (دون 35 سنة ) نسبة 70% من السّكان، وتريد أسرة آل سعود الترويج للرياضة والترفيه والتسلية، لتجنب احتجاجات الشباب المُعطّلين عن العمل وفُقراء المنطقة الشّرقية، كما يشكل هذا “التبييض الرياضي” محاولة لصرف الانتباه عن عمليات الإعدام المنتظمة، وعن العدوان على الشعب اليمني، وقَمْع أي نفس نقدي أو مُعارض واضطهاد النساء والأقليات…

شكّلت مُشاركة نجوم كرة القدم العالمية في الدوري السعودي الممتاز تغييرًا في تنظيم الرياضة الاحترافية السعودية، إذ تمت خصخصة قطاع الرياضة وارتفعت قيمة شراء اللاعبين المعروفين ( منهم البرتغالي كريستيانو رونالدو والفرنسي كريم بنزيمة والبرازيلي نيمار والجزائري رياض محرز والسنغالي ساديو ماني ) من أقل من 400 مليون دولار إلى حوالي 1,5 مليار دولارا، خلال سنة واحدة، واستثمر صندوق الإستثمارات العامة (السعودي) مبالغ كبيرة للحصول على 75% من حقوق ملكية النوادي السعودية الأربعة الأكثر شعبية ونجاحاً، وهي النصر والهلال والأهلي والاتحاد، وتهدف هذه النوادي الأربعة استقدام اللاعبين الدّوليين الشُبّان الذين يُتَوَقَّعُ أن يُصبحوا نُجومًا.

 

خاتمة

لم يعتمد نُمُوّ الرّياضة، ومنها كرة القدم، في السعودية (أو قَطَر) على مؤهلات ومواهب الشباب السّعودي، بل على مخطط سياسي يستخدم قطاع الرياضة الاحترافية في مجالات عديدة، منها كرة القدم والغولف وسباق السيارات، كمنصة دعائية لصالح نظام أُسْرة آل سعود، ولصالح مشروع محمد بن سلمان “رُؤْيَة 2030” وطموحاته الشخصية، ولذلك قَد يُؤَدِّي شراء اللاعبين وتنظيم التظاهرات الرياضية الدّولية إلى زيادة الإستثمار وزيادة الإهتمام بالرياضة في الإعلام والتلفزيون السّعُودي، وزيادة الإهتمام بها من قِبَل الرّعايا السعوديين كوسيلة ترفيه، ولكن لن يُؤَدِّي ذلك حتمًا إلى زيادة عدد مُمارسي الرياضات المُختلفة، وأهمها كرة القدم…

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.