مُستقبل داعش بين الخلايا النائِمة والذِئاب المُنفرِدة / رفعت سيد أحمد

 

رفعت سيد أحمد* ( مصر ) الإثنين 24/10/2016 م …

*باحث وكاتب مصري

إذا تحدّثنا عن أجيال داعش ومراحل تطورّهم الزمني في قيادة هذا التنظيم المُحيّر والمُثير للجدل، فإننا نعتقد أن كلمة الجيل هنا ليست دقيقة، لأن أعمار المؤسّسين لهذا التنظيم منذ نشأته عام 2004 وحتى اليوم 2016 (أي 12 عاماً) هي أعمار مُتقارِبة، وتُمثّل جيلاً واحداً بالمعنى الإصلاحي للجيل، لكن إذا قصدنا بالجيل هنا نَسَق (فكرى واستراتيجى) فإن ثمّة أجيال داخل داعش يُمكن تصنيفها بـ 4 أجيال ونحن الآن في استقبال الجيل الخامس ونظنّ أنه سيكون الأكثر دموية وعشوائية لأنه جيل من دون (قاعدة بيانات معروفة) حتى لمُشغّليهم من القوى الدولية والإقليمية، لذلك ستكون ردود فعلهم غير تقليدية وغير مُتوقّعة والأجيال.

إن قصة داعش طويلة ومُعقّدة ونحسبها ستستمر لسنوات طويلة قادمة، وزوايا النظر إليها مُتعدّدة وما نتناوله هنا هو بعض من تلك الزوايا الغامضة والمُحيّرة.

اليوم وبعد هذه الرحلة الطويلة من الإرهاب المُمَنهج (2004-2016) نتساءل ما هي الأهداف الاستراتيجية لداعش وأخواتها في المنطقة ؟ الإجابة يُمكن حصرها فى خمسة أهداف أساسية:

1 – بناء وَهم الخلافة على جُثّة الدول الموحدَة، من خلال تفكيك بُنيتها وجغرافيتها بعد الاستنزاف المُمَنهج لجيوشها، ومن أشهر كُتب داعش التي تتحدّث عن هذا الهدف يأتي كتاب (إدارة التوحّش) للمدعو أبوبكر ناجي الذى يتحدّث عن ذلك باستفاضة حين يُقسّم مراحل تطوّر الأهداف الاستراتيجية لداعش ويُحدّدها في أربعة (مرحلة شوكة النكاية والإنهاك المُنظّم للجيوش وللدول – مرحلة إدارة التوحّش والتمكين – مرحلة إقامة الدولة الإسلامية – مرحلة إقامة الخلافة الواسعة).

2 – خدمة المشروع الأميركي والصهيوني وتحقيق أهدافه في البقاء والهيمنة والاحتلال، وكون داعش جماعة وظيفية، سواء عَلِمَ جمهورها بذلك أم لا، (أي خُلِقَت لتؤدّي وظيفة لمَن خلقها من أجهزة مخابرات ودول) وأدبيّات قياداتها بعلاقاتها الغامِضة مع واشنطن وأنقرة والدوحة وتل أبيب، تؤكّد ذلك، كونها (جماعة وظيفية) فهي الأقدر على تحقيق أهداف واشنطن وتل أبيب في المنطقة.

3 – ضرب الإسلام المُحمّدى وتشويهه، وتقديم إسلام آخر بمُجرّد ذِكره، ينفضّ الناس من حوله لأنه سيصبح قرين (الإرهاب) مباشرة.

4 – سرقة النفط وتهريبه وبيعه لصالح التنظيم فضلاً عن تسهيل السرقات الدولية له نظير عَقد صفقات السلاّح واستمرار الوجود الأمريكى والغربى في المنطقة.

5 – العِقاب الدامي لمحور المقاومة وتأديبه على مقاومته (وهو محور ممتدّ من حزب الله إلى طهران وفلسطين وصولاً إلى سوريا، وقاعدته وساحته الآن هي سوريا والعراق)، والعمل بدأبٍ على حَرف البوصلة بعيداً عن الصِراع العربي الصهيوني. وهنا تصحّ مقولة أن داعش هي إسرائيل العربية بامتياز لأنها حقّقت ما عجزت (إسرائيل العبرية) عن تحقيقه طيلة مائة عام من الصِراع.

أما إذا تحدّثنا عن أجيال داعش ومراحل تطورّهم الزمني في قيادة هذا التنظيم المُحيّر والمُثير للجدل، فإننا نعتقد أن كلمة الجيل هنا ليست دقيقة، لأن أعمار المؤسّسين لهذا التنظيم منذ نشأته عام 2004 وحتى اليوم 2016 (أي 12 عاماً) هي أعمار مُتقارِبة، وتُمثّل جيلاً واحداً بالمعنى الإصلاحي للجيل، لكن إذا قصدنا بالجيل هنا نَسَق (فكرى واستراتيجى) فإن ثمّة أجيال داخل داعش يُمكن تصنيفها بـ 4 أجيال ونحن الآن في استقبال الجيل الخامس ونظنّ أنه سيكون الأكثر دموية وعشوائية لأنه جيل من دون (قاعدة بيانات معروفة) حتى لمُشغّليهم من القوى الدولية والإقليمية، لذلك ستكون ردود فعلهم غير تقليدية وغير مُتوقّعة والأجيال بيانها كالتالي:

الجيل الأول هو جيل أبو مصعب الزرقاوي ومَن رافقه خلال عامي (2004-2006) جيل (تنظيم التوحيد والجهاد) و(القاعدة في بلاد الرافدين) أما الجيل الثاني فهو جيل أبوحمزة المُهاجر وأبوعمر البغدادي (2006-2010) وهو الذي أسّس (تنظيم شورى المُجاهدين في العراق ثم الدولة الإسلامية في العراق). أما الجيل الثالث فهو جيل أبوبكر البغدادى الذي صار أميراً لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق عام 2010 وأدمى العراق والشيعة تحديداً في فترة ولايته، بطُرُق وحشية ومع وقوع الأزمة السورية (2011) تشكّل الجيل الرابع الذي ضمّ أيضاً البغدادي ومعه أبومحمّد الجولاني، وأسرَع بالامتداد إلى سوريا ليصبح اسم التنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام / داعش)، وبعد مقتل 23 من مؤسّسي هذا التنظيم آخرهم أبومحمّد العدناني من أصل 31، ولم يتبقَ إلا 8 فقط، وكان من أشهر القتلى أبو عمر الشيشاني وأبو محمّد العدناني وغيرهما – يبدأ الجيل الخامس والأخطر (كما تنبّأ نعوم تشومسكي في كتابه مَن يحكم العالم، وأشار إلى أن أميركا ستسعى إلى خلق تنظيم أكثر وحشية من داعش ليحقّق أهدافها في الهيمنة على المنطقة) إن جيل ما بعد البغدادي والعدناني وهو جيل يُنبئ بالوحشية والعشوائية والفوضى في ممارسة العنف في المنطقة والعالم.

يتبقّى في قصة داعش سؤال أخير: ماذا عن خريطة الانتشار الإقليمي وخلاياها النائِمة؟ تُحدّثنا الوثائق والحقائق على الأرض أنه لا تخلو دولة عربية أو إسلامية تقريباً من وجود لهذا التنظيم سواء بشكلٍ علني أو عبر ما سُميَ بالخلايا النائمة لأسباب تارة سياسية استبدادية وتارة أخرى سلفية مُتطرّفة أضحت موجودة ليس في بيئتنا العربية فحسب، بل موجودة حتى في أوروبا والولايات المتحدة، عَبر بيئات المُهاجرين المُسلمين الفقراء في أحزمة الفقر حول المدن الأوروبية أو تنظيمات المُقاتلين العائدين من سوريا والعراق!!.

* أما عن الخريطة فإن إطارها العام يشمل وباختصار (1) سوريا والعراق وبهما ما لا يقل عن مائة تنظيم أبرزها داعش والنصرة وجيش الفتح وأحرار الشام وصار (داعش) يتركز فى الموصل بالعراق والرقة فى سوريا ومناطق أخرى معروفة (2) داعش فى مصر يتواجد فى سيناء باسم (ولاية سيناء) (3) فى ليبيا باسم أنصار الشريعة وبها جماعات أخرى تناسلت من “الجماعة المقاتلة” و”فجر ليبيا”، وغيرهم (4) تونس بها عشرات التنظيمات أبرزها جماعة “عقبة بن نافع” (5) الجزائر بها تنظيم “جند الخلافة” (6) المغرب: القاعدة فى بلاد المغرب العربى (7) نيجيريا: جماعة بوكو حرام (8) الصومال جماعة “الشباب المجاهدين” (9) اليمن وتتواجد بها تنظيم القاعدة (10) السعودية : القاعدة فى الجزيرة العربية.

أما الخلايا النائمة فهى موجودة نتيجة البيئة السلفية التكفيرية التى تسود المنطقة لانتشار الفكر السلفى الوهابي والأموال التى صرفت عليه والتي تعدت الـ 85 مليار دولار فى الربع قرن الأخير لوحده، هذه البيئة تمثل حاضنة ومناخاً مفرخاً للخلايا النائمة خاصة إذا أضفنا إليها الاستبداد السياسي وانسداد أفق المجال العام للتغير. وهذه الخلايا لا تظهر إلا عند حدوث منعطف أو أزمة داخل تلك البلدان تتطلب إيقاظ تلك الخلايا، واستدعائها لتضرب وبقوة فى مفاصل محددة للدولة المستهدفة، وبعض أهم وأشرس تلك (الخلايا) موجود الآن فى (بلجيكا مجموعة هلسنكى – فرنسا – بريطانيا – ألمانيا – الشيشان – الولايات المتحدة) وغيرها من الدول الغربية التى بسياساتها وتمويلها ساهمت فى خلق أو على الأقل توظيف واستمرار نشاط واستفحال خطر هذه التنظيمات الداعشية وأخواتها.

* أما ما اصطلح مؤخراً على تسميته بـ(الذئاب المنفردة) لتلك التنظيمات الداعشية فهم أفراد يعيشون حياة طبيعية ولا يمكن تمييزهم عن غيرهم داخل الإطار العام لتنظيمى داعش والقاعدة، ولكنهم عناصر فاعلة وخطرة وتستيقظ عندما يطلب منها عملاً إرهابياً مثل الاغتيالات الفردية (نموذج لها أخير على ما نظن هو اغتيال الكاتب السياسى المعروف ناهض حتر فى الأردن)، ووفق كتاب (الذئاب المتفردة : جند الله الأخفياء والأتقياء الذى نشر فى مصر عام 2015) عادة يكون الذئب وفقاً لنص كلمات الكتاب (محاسباً أو طبيباً أو عاملاً بالنهار … وذباح لأهل الردة والكفر بالليل) !! .

 

* تلك هى داعش .. قصة أجيال، وقصة إرهاب لاتزال مستمرة ومواجهتها لم تعد تحتاج إلى تلك السياسة أو هذا الإعلام العربى المعوق والسطحى، إنها وباختصار تحتاج إلى استراتيجية شاملة : دعوية وسياسية وأمنية على المستوى العربى والإسلامى والعالمى .. فمن لها ؟!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.