سيناريوهات المشهد السياسي وتداعياتة علي الداخل اللبناني / عبد المنعم فياض سعدون
عبد المنعم فياض سعدون ( فلسطين ) – الثلاثاء 12/12/2023 م …
بعد زيارة لوريدان، لم يطرأ أي تغيير على المشهد اللبناني؛ فهو يظل ثابتاً على النحو السابق. يتعامل مع ملفات خلافية صعبة ومعقدة، وتجري فيه مواجهات سياسية بلا كلل تدفع إلى تعميق الانقسام الداخلي بشكل أكبر وأكبر. كما يعتمد على ظروف خارجية وتحولات ومتغيرات في محاولة لتحقيق مصالح ومكاسب فئوية وللتسلية من خلال الأحقاد الشخصية والأنشطة السياسية المكرهة
حاليًا يتم توزيع هذا المشهد على ثلاثة جبهات: في الجبهة الأولى، ليس هناك مكان الآن للرئاسة على الطاولة الداخلية، وأصحاب الحلول والربط، وحتى المعارضين لها مستسلمون له، وينظرون إليها على أنها ملف ثانوي، فهناك اتفاق بين جميع اللاعبين في الساحة الرئاسية في لبنان بأن رئاسة الجمهورية خارج نطاق الاهتمام الدولي في هذه المرحلة، وهي غير مرئية بالعين المجردة ضمن أولويات المجتمع الدولي، ووفقًا لما يُقال في المجالس السياسية، فإن حركة الوفود سواء كانوا قطريين أو فرنسيين أو غيرهم، لا تعدو أن تكون “تمضية وقت، لأن تطورات المنطقة تقدمت على الرئاسة ونقلها إلى ما بعد غزة وربما إلى ما بعد بعد غزة. وبالتالي، فإن دعوة المبعوث الفرنسي للتسريع في انتخاب الرئيس تم تفسيرها على أنها تسجيل موقف لا أكثر، وتذكير بأن لفرنسا دورًا وحضورًا في لبنان الآن وفي المستقبل
على الجبهة الثانية، يجد طاقم قيادة الجيش نفسه في وضع أكثر تعقيدا وإرباكا، حيث يواجه توجهات مختلفة من مختلف الأطراف. هناك من ينصح بتمديد فترة قيادة الجيش بشكل متحمس، بينما يتحفظ آخرون عن الاقتراب من هذه القضية أو تعيين قائد جديد
كما تشير التقارير إلى أن الحكومة، التي أُعطيت مهلة لحسم قضية تمديد قائد الجيش أو تعيين قائد جديد حتى نهاية تشرين الثاني الماضي، حصلت على فترة إضافية لحسم هذه القضية، نظرًا لأنها لديها السلطة والقدرة على تمديد الفترة واختيار الشخص المناسب، ولديها القدرة على حل هذه المشكلة، وليس من وظيفة المجلس النيابي أن يحل محل الحكومة في مثل هذا القرار وفيما يخصها
إذا كان هناك شخص يعتبر أن رئيس الحكومة انسحب من هذا الملف، فيوجد في المقابل من يرون أنه إذا لم تتخذ الحكومة قرارًا بشأن التمديد أو التعيين قبل نهاية هذا الأسبوع، فسيعني ذلك تخليها عن سلطاتها، وهذا يعني حدوث مشكلة كبيرة
يتم استنتاج من هذه الكلمات أن عملية التمديد أو التعيين سهلة حكومياً، ولكنها معقدة حتى الآن على المستوى التشريعي. وتشير الجلسة التشريعية المزعومة إلى أنها قد تعقد أو قد لا تعقد، وقد تعقد فيما يتعلق بقرار الحكومة في هذا الشأن. ولكن إذا تمت عقدها، هناك مشكلة كبيرة متوقعة فيها، حيث يوجد عدد كبير من المعترضين والممتنعين عن التصويت. وهناك تحالفات سياسية يجب أن تتفاهم مع بعضها البعض والمشاركة في تصويت واحد، سواء للرفض أو التأييد أو عدم التصويت
وبالإضافة إلى ذلك، هناك أصوات نيابية وسياسية مسؤولة تعمل على التأكيد على أن هذه المسألة تتعلق فقط بصلاحية الحكومة، وتقول بصراحة: كيف يمكن أن نشرع بما يريده “القوات اللبنانية” وفقًا لمصالحها، علمًا بأن “القوات” كانت الأولى في اعتبار المجلس النيابي هيئة انتخابية في غياب رئيس الجمهورية ولا يصح لها التشريع؟ وكيف يمكننا أن نشرع بما يصر عليه الأمريكان والفرنسيون ونستسلم لرغبات الخارج؟ وماذا يبقى من المجلس النيابي إذا كان جاهزًا لتشريع طلبات سطحية وفقًا لرغبات خارجية؟
يبدو أن هذا الجو، وصل إحدى سفارات الدول الكبرى، أعرب أحد أعضاء الموظفين البارزين فيها عن رأيه قائلا: “ربما قد أخطأنا في إظهار بطاقة قوتنا، وإظهار مدى اهتمامنا بتمديد قائد الجيش”
بالنسبة للجبهة الجنوبية، حتى الآن يمكننا القول إن الصورة المستقبلية لها تظل غامضة ورمادية باتجاه ملحوظ نحو السواد، حيث يشير الكرة النارية المتدحرجة على الجبهة إلى اقترابها من خروج عن السيطرة. وتتوالى الدعوات من جميع أطراف المجتمع الدولي إلى احتواء الوضع وتجنب الانجراف إلى حرب لا معنى لها، إذ سبقتها التطورات الميدانية العسكرية وأصبحت الحرب الحقيقية مستعرة على امتداد الجبهة من الناقورة إلى مزارع شبعا وجبل الشيخ، وتصاعدت وتيرتها بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة مما ينذر بتصاعدها وانفلاتها وخروج العمليات العسكرية من الجانبين عن ما يعرف بميثاق النزاع
الشيء الأكثر خطورة في هذه الجبهة هو أنها حوّلت المنطقة المجاورة للحدود إلى ضاحية أمنية تسيطر عليها النيران، وتقريبًا خالية من السكان، وانتشرت سياسيًا في الداخل، وأدخلت مسألة إضافية إلى مستودع القضايا الداخلية المثارة التي لم يتم التوافق عليها. وفرقت الواقع اللبناني بين المتضامنين مع “حزب الله” ومؤيديه لعملياته ضد الجيش الإسرائيلي وتأييد المقاومة الفلسطينية في غزة، وبين المعارضين لهذا الحرب مهما كانت مبرراتها وأسبابها والداعين إلى الامتثال لقرار 1701، محملين الحزب مسؤولية لعبه بمصير لبنان وتجاوزها إلى حرب تدميرية. وتتصدر هذه الحملة ضد “حزب الله” حزب “القوات اللبنانية” و”حزب الكتائب” بالإضافة إلى حلفائهم في السيادة
ويطور هذا التصنيف الداخلي تفاعلاته إلى ما هو أكثر خطورة، حيث يبدأ الآن في رسم معالم صراع داخلي محتمل، وهذا الصراع يحمل في طياته مخاطر عظيمة متعلقة بقرار 1701، وبدأت مؤشرات هذا الصراع تظهر عن طريق ارتفاع بعض الأصوات المدعية بتنفيذ هذا القرار وانسحاب “حزب الله” من المنطقة الحدودية، وتباعها نداءات خارجية مماثلة مع تسريبات حول مناقشات دولية حول القرار 1701، وتوجهات جدية لبعض الدول الكبرى لتعديله بشكل جذري ومنح قوات “اليونيفيل” حرية حركة أكبر كقوات قتالية في منطقتها، والتي يفترض أن تكون خالية من المسلحين. وهذا يتوازى مع المخاوف التي تثيرها إسرائيل بشأن المستوطنين في الشمال وصعوبة إعادتهم إلى المستوطنات في ظل وجود “حزب الله” على الجبهة المقابلة. وتخشى إسرائيل تكرار سيناريو الاعتداء على مستوطنات الشمال الذي حدث في 7 تشرين الأول والهجوم على المستوطنات الحامية في غلاف غزة من قبل حركة “حماس في النهاية، يتبين أن هؤلاء الأشخاص ماهرون في القراءات الخاطئة والتقديرات العجولة والاعتماد على الأوهام والأحلام
التعليقات مغلقة.