الدولة: البنية والوظيفة / المبادرة الوطنية الأردنية ( جورج حدادين )
الثلاثاء 25/10/2016 م …
الأردن العربي …
ننطلق من تعرف الدولة بأنها شعباً مندمجاً شكل مجتمعاً مستقراً، على بقعة جغرافية محددة، تمكن من تحول الثروات الطبيعية والمقدرات الوطنية إلى خيرات لصالح المجتمع ورفاهه وسعادته ومنعته ووحدته، خاضعاً لسلطة سياسية معينة، تمثل مصالح الطبقة السائدة أو التحالف الحاكم، وتعبر عن طبيعة تشكيلة اقتصادية – اجتماعية سائدة في مجتمع محدد، يمارس نشاطات إنتاجية خاصة به لإشباع حاجاته المختلفة وعلى كافة الصعد: الاقتصادية الاجتماعية السياسية والثقافية والفكرية والروحية.
ويبدو أن الوظيفة الأهم والأساس للدولة في المحيط تتمثل في إحداث التنمية الوطنية الحقيقية المتمحورة حول الذات الوطنية، أي وضع الخطط الإستراتيجية- قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى – لضمان تطور متوازن وإيجابي للمجتمع، وتعميم القيم والسلوكيات التي تضمن نمو المجتمع المتعافي السعيد المنتمي والصحي، عبر تنمية قوى الإنتاج الوطني، وتطبيق العقد الاجتماعي القائم بين المجتمع والدولة، بالشكل الدستوري والقانوني المتفق عليه ضمن العقد الاجتماعي.
ومن يعتقد بأن الدولة تطبق القوانين والأنظمة والتعليمات بشكلٍ محايدٍ، فهو واهم، لأن تطبيقها لهذه القوانين هو انعكاس طبيعي لموازين القوى داخل المجتمع، موازين القوى بين الشرائح والطبقات المتمايزة بداخلة، هكذا تعلمنا من تاريخ كافة الدول الطبيعية، وعبر كل العصور، من يملك وسائل الإنتاج في المجتمع هو الذي يملك القرار، وعلى كافة الصعد: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والروحية، ومن يعتقد بأن الدولة، بغض النظر عن مسمياتها: مدنية أو تابعة أو محمية أو وطنية، محايدة في الصراع الاجتماعي القائم في المجتمع، فهو واهم، ومن يعتقد بأن الدولة المدنية تحقق المواطنة والمساواة وحرية الأفراد، فهو واهم، ومن يعتقد أن الدولة المدنية هي الخيار الوحيد المتاح أمام الدول التابعة، فهو واهم، ومن يعتقد بأن خيار فصل الدين عن الدولة متاح عبر الدولة المدنية، فهو واهم، ومن يعتقد بأن فصل الدين عن الدولة بقرار إداري من قبل الدولة المدنية سيغير المجتمع، فهو واهم، لأن التغيير يتطلب تغيير موازين القوى داخل المجتمع، وتغيير موازين القوى على الأرض لا يتأتى عن طريق تغيير البنى الفوقية للمجتمع: التشريعات والقوانين والأنظمة، بل عبر تغيير البنى التحتية: قوى الإنتاج ووسائل الإنتاج وعلاقات الإنتاج في المجتمع، ففي دول كثيرة لم يتم فصل الدين عن الدولة ومع ذالك حققت تغيرات نوعية في حياة المجتمع، المادية والروحية، وأنتجت تقاليد داخل المجتمع تؤمن بأن التدين خيار فردي ” بين الفرد وخالقه” ولم يشكل الدين عائقاً أمام تطور هذه المجتمعات: ماليزيا، كوريا الجنوبية، تركيا المحكومة من قبل حزب ديني، بخيار أغلبية شعبية، وبالرغم من العلمانية المنصوص عليها في الدستور…الخ.
بنية الدولة: أركان الدولة، والمقومات القانونية، والمؤسسات ( منقول بتصرف)
• أركان الدولة: تقوم على:1 – الشعب 2 – الإقليم 3 – السلطة 4- السيادة
• مقومات الدولة القانونية: كما تعتمدها الدولة المدنية “الدولة البرجوازية” ينطلق فقهاء القانون البرجوازيون من الأسس التالية:
أولا – الدولة القانونية : هي تلك الدولة الخاضعة للقانون ، حكاماً ومحكومين، سلطة وأفرادا، ومقوماتها هي :
1 – وجود دستور : يحدد سلطات الحكومة ، وحقوقها وواجباتها ، وحقوق الأفراد ، وواجباتهم ، والعلاقة بين السلطات وشكل الدولة ، ونظام الحكم فيها.
2 – تدرج القواعد القانونية : ويقصد بها أن تكون الدولة قائمة في نظامها القانوني على قواعد متسلسلة من حيث القيمة والقوة، فالقاعدة القانونية التي في مرتبة أدنى تستند إلى أعلى منها وهكذا ، وتسلسلها كما يلي :
– الدستور .
– القوانين العادية .
– اللوائح الإدارية .
– القرارات الإدارية الصادرة من سلطة إدارية دنيا .
3 – خضوع الإدارة للقانون : بهدف حماية حقوق الأفراد وحرياتهم – كما يعتقدون – ويؤدي هذا المبدأ إلى مبدأ آخر وهو سيادة القانون ، ويقصد بالإدارة جميع أجهزة الدولة ، وإذا خضعت الإدارة للقانون فإن ذلك يؤدي إلى حماية حقوق الأفراد وحرياتهم – كما يتصورون – وإذا لم تخضع الإدارة للقانون يقع بالأفراد الظلم وتصادر حرياتهم ، فالدولة التي تخضع للقانون دولة قانونية – كيف يمكن تفسير “مرحلة مكارثي” التي مارست أبشع أنواع الظلم والاضطهاد ضد المعارضين في المجتمع الأمريكي وكذلك قانون “البتريوت آكت” بعد أحداث سبتمبر – وقانون منع العمل للمعارضين في ألمانيا- في دولة القانون، كيف يتم تطبيق القانون؟.
4 – الاعتراف بالحقوق والحريات الفردية : من أجل أن تكون الدولة قانونية لا بد من اعترافها بحقوق الأفراد وحرياتهم ؛ لأن هدف الدولة القانونية هو حماية حقوق الأفراد وحرياتهم من سياسية ، واقتصادية واجتماعية ، وفكرية ، ودينية، لاحظوا “لا يتضمن النص حقوق المجتمع في اختيار طريق تطوره ولا حقه في اختيار نظام الحكم، ولا طريقة الحكم”.
ثانيا : ضمانات تحقيق مقومات الدولة القانونية : لكي تتحقق مقومات الدولة القانونية حدد فقهاء القانون المعاصرون ( البرجوازيون ) عدة ضمانات لا بد من وجودها لتحقيق تلك المقومات، وهذه الضمانات هي:
1 – الفصل بين السلطات :
هذا المبدأ يشكل ضمانة لخضوع الدولة للقانون وهي ضمانة مهمة وفعالة ولكن عدم الأخذ به لا يعني عدم قيام الدولة القانونية ؛ لأن مجرد احترام الهيئات الحاكمة لقواعد اختصاصها وعدم خروجها عن حدود سلطاتها يكفي لاعتبار الدولة خاضعة للقانون ، إلا أنه من تتبع التجارب يتضح أن هذا المبدأ أسهم بشكل فعال في خضوع الدولة للقانون، علماً بأن هذا النص موجود في كافة دساتير العالم، فهل ضمن هذا المبدأ، بما فيها الدول المدنية في المنظومة الرأسمالية، عدم تغول السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية والقضائية وعلى وسائل الإعلام، في الممارسة اليومية.
2 – تنظيم رقابة قضائية : مقتضاه أن تخضع أعمال الهيئات العامة للقضاء المتخصص الذي يملك مناقشتها في تصرفاتها ، وتعتبر هذه الضمانة أقوى الضمانات جميعا ، هل فعلياً وعملياً تطبق هذه الضمانات على أرض الواقع.
3 – تطبيق النظام الديمقراطي : يذكر القانونيون هذا المبدأ باعتباره ضمانة من ضمانات الدولة القانونية ، ومقتضى هذه الضمانة هو تنظيم الحكم بطريقة تجعل للمحكومين الحق في اختيار الحاكم ، ومشاركته السلطة ، ومراقبته ، وعزله ؛ مما يكون له الأثر الفعال في خضوع الحكام للقانون ، ونزولهم على أحكامه ، هل تستطيع شخصية عامة محترمة ونظيفة، غير مدعومة من مراكز رأسالمال، من الوصول إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية؟.
أشكال الدولة: بما أن الدولة بنية وظيفية فإنها تنمو وتتبدل بنمو الوظيفة وتبدلها، ومعها تتبدل وظيفة المؤسسات القائمة بداخلها، وذلك نتيجة انتقال المجتمع ذاته من مرحلة إلى مرحلة أخرى، وليس بسبب الدساتير والقوانين والأنظمة والتعليمات، التي هي الخطوة اللاحقة لهذا التحول:
الدولة الماقبل رأسمالية: الكثير من علماء الاجتماع لا يعتبرها دولة بل سلطة ما قبل الدولة، وذلك لكونها تجمع مجاميع الماقبل رأسمالية البدائية: العشائرية والقبائلية والإثنية والمناطقية…الخ داخل حدود جغرافية ، ولكنها لم تتمكن من دمج هذه المجاميع لتشكل المجتمع المندمج بعد، الذي هو أحد أهم شروط تشكّل الدولة.
الدولة المحمية: هي الدولة التي تضع نفسها باتفاق مبرم علني أو سري أو شفوي، طوعاً أو رغماً عنها في حماية دولة أخرى أقوى منها تتولى مسئولية حمايتها، فتحدد دولة الحماية طريق تطور وشكل حكم الدولة المحمية، وتخضع المجتمع والثروات الطبيعية والمقدرات الوطنية، والسياسة الخارجية والثقافية لسلطة قوة الحماية ومصالح شركاتها العملاقة، ويختلف مركز الدولة الحامية من حالة إلى أخرى وذلك نظراً لتباين شروط الحماية التي يتضمنها الاتفاق المبرم بين الدولة المحمية والدولة الحامية، ولكن هناك مبدأ مشترك يجمعها وهو أن هذه الرابطة تفترض بصفة عامة حرمان أو تحديد ممارسة الدولة المحمية سيادتها الوطنية المستقلة في الداخل والخارج، مع احتفاظها بحرية تصريف كل أو بعض شئونها الداخلية. ويلاحظ أن دول الحماية تتمتع بأحد الميزات التالية:
• امتلاكها ثروات طبيعية هائلة، السعودية وباقي دول الخليج العربي، مثلاً.
• موقعها الجيوسياسي، على تقاطع خطوط التجارة العالمية البرية أو البحرية، جمهورية بنما ودول القرن الأفريقي، تركيا، ودول طريق الحرير، مثلاً.
• مواقع جغرافية تؤمن الهيمنة العسكرية للمركز الرأسمالي العالمي، دول البلطيق ، ودول جنوب شرق أسيا، مثلاً.
الدولة التابعة: هي التي ترتبط بدولة أخرى برابطة خضوع وولاء، وتنتج هذه الرابطة بعد الاستقلال الصوري من الاستعمار، حيث تبقى مرتبطة بالدولة التي كانت تستعمرها أو بدولة تهيمن عليها حالياً، وتختلف حالات التبعية باختلاف درجاتها ولكنها تشترك في حالة حرمان مطلق أو نسبي من التمتع بحق ممارسة سيادتها وفي حقها في اختيار طريق تطورها وطريقة حكمها واختيار من يحكمها، ويحجز عليها حقها في استغلال ثرواتها ومقدراتها الوطنية لصالح مجتمعها وتحدد سياستها الخارجية وكذلك المعاهدات التي تبرمها الدولة التابعة مع الدول الأخرى، وعلاقاتها مع الدول الأخرى، ويترتب على ذلك أن الدول التابعة لا تشغل مركزها في المحيط الدولي إلا عن طريق الدولة المتبوعة.
كافة دول المحيط ،مع بعض الاستثناء، هي من هذا النوع من الدول.
علاقة التبعية علاقة غير طبيعية لا يمكن أن تدوم، وغالباً ما تنتهي بتحقيق الدولة التابعة استقلالها.
الدولة المدنية: دول مجتمعات أنجزت مهمات الثورة الوطنية البرجوازية، وهي إنموذج الدولة الرأسمالية، التي تفصل بين السلطات ، وتحولها سلطات منفردة لخدمة مصالح الطبقة الرأسمالية السائدة، في الداخل والخارج، تمارس الهيمنة في الخارج على مجتمعات دول المحيط، وتستعمر دول المحيط وتستولي على ثرواته وخيراته بالقوة العسكرية أو بالعنف الناعم، وتمارس القمع الداخلي، ضد كل من يقاوم ظلم وقهر واستعباد الطبقة السائدة،لا بل تحمّل الشرائح الكادحة من عمال وصغار الموظفين وصغار الكسبة وحتى الشرائح الوسطى، وزر أزمات لم تصنعها هذه الشرائح، بل هي من صنع الطبقة السائدة من أصحاب رؤوس الأموال.
الدولة الوطنية: دولة المجتمع الذي أنجز مهمات الثورة الوطنية الديمقراطية، وحققت مهمة اندماج عناصر المجتمع، وحققت مسار التحول من المجتمع المستهلك إلى مجتمع منتج، كما ومارست السيادة الوطنية، وحققت استقلال الإرادة السياسية المستقلة، أي حققت الاستقلال الناجز.
دولة ما فوق الدول: دولة الشركات العملاقة التي هيمنت على السوق العالمي أو معظمه، وفرضت قوانين تخدم مصالحها الخاصة عليه، دولة الطغمة الرأسمالية المالية العالمية التي تتحكم في السوق وفي القرار السياسي العالمي، بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، ومحاولة فرض المنظومة الرأسمالية المضاربة على السوق، برزت مفاعيل هذه الدولة الخفية بشكلٍ جليً بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، بداية تسعينات القرن الماضي، عبر توافقات واشنطن، حيث اجتمع ممثلو الطغمة الرأسمالية المالية في واشنطن، وتم الاتفاق على توافقات من ضمنها:
• خصخصة القطاع العام أينما وجد، في دول المركز الرأسمالي ودول المحيط.
• رفع يد الدولة عن التدخل في السوق وفرض مقدس آلية السوق الحرة التي تنظم نفسها بنفسها، الفكر الغيبي العلماني المرادف للفكر الغيبي الديني.
• رفع يد الدولة عن دعم السلع الأساسية، والتي تعود بالفائدة على الشرائح المفقرة والمعوزة والحدية.
• العقد شريعة المتعاقدين، من أجل القضاء على أي دور للنقابات العمالية للدفاع المشترك عن مصالحها.
• حرية حركة رؤوس الأموال ” تحت عنوان الاستثمار” مقابل منع حرية حركة اليد العاملة.
ومع توافق الطغمة المالية العالمية على هذه البنود ، لم تعد الدولة، كما يدعي فقهاء الاجتماع البرجوازي، بأنها فوق الطبقات، بل اتضح أنها دولة الدفاع عن مصالح الاحتكارات البشعة، بصورة ساطعة ” نظام يمسح الظلم بمسحة القانون ويوطده، ملطفاً اصطدام الطبقات” حيث حدثت انزياحات هائلة للثروة من يد الدول ليد الشركات العملاقة ومن يد المجتمعات ليد عائلات وأفراد، حيث أصبحت الدول ترزح تحت المديونية، وأفقرت المجتمعات والأفراد.
” كلكم للوطن والوطن لكم”
التعليقات مغلقة.