وعدُ الأسد – حلب ستكون مقبرةُ السفاح التركي / ميشيل كلاغاصي 

 

ميشيل كلاغاصي  ( الأربعاء ) 26/10/2016 م …

(منذ ما قبل أردوغان بسنوات وعقود تعيش الأمة التركية حالة ضياع ما بين التدين والعلمانية , وما بين الإلتفات نحو أوروبا أو نحو العالم العربي – الإسلامي , حالها كحال لغتها وما تحتويه من كلمات فارسية وعربية وغربية وكردية وقوقازية وآسيوية غريبة… وهذا ليس من باب التنوع , إنما من باب الضياع وعدم إمتلاكها عوامل نشوء الأمم الأصيلة , حتى أنها لم تقرر حتى اللحظة إسلوبها ونهجها وسيرتها الأخلاقية العامة , لذلك يتأرجح سلوكها بين قطع الرؤوس والعنف والسلوك الإجرامي وإبادة الخصوم , وبين الخداع السياسي الأجوف , الذي ينال من عقول أبنائها قبل أن ينال من عقول الأمم الأخرى .. لقد شكل الحلم العثماني للأتراك هاجسا ً أبديا ً, أخفوا تحته مطامعهم وندمهم وأسفهم على أيام ٍ خوال ٍ كانت لهم فيها الكلمة العليا وسلطة ً امتدت حوالي 600 عام وعلى مساحة نهائية تزيد عن 2.5 مليون كم مربع , أحلام ٌ وأطماع ٌ خاضت لأجلها مختلف الحروب حتى العالمية منها , لكن التاّمر الغربي وضع لها نقطة النهاية وحوّلها إلى رجل ٍ مريض و اقتسم تركته المسروقة أساسا ً, وبقي الأتراك إلى يومنا هذا يتأرجحون بين حلم العثمنة القومية, وعثمنة الخلافة القديمة – الحديثة – الأردوغانية , على طريق إنهيارها الحتمي كفاتورة ِ أحلام ٍ تخطت أطماع العثمنة ونفاق العولمة).

لقد كان تاريخ 28/11/2014 م  فاصلا ً وكافيا ً لدخول تركيا الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا, في وقت ٍ تضافرت النوايا الفرنسية والإنكليزية لبدء العمل للإطاحة بالدولة العثمانية, وتوصلتا إلى اتفاق مبدئي يتعلق بتقاسمهما النفوذ في مناطق سورية ولبنان في حال خروجهم من الحرب منتصرتين…وتم التحضير لإتفاقية سايكس – بيكو بين سطور إتفاقية لوزان 1023, بعد القفز على معاهدة سيفر 1920 , و بقي الأتراك يشعرون بالإهانة والخديعة ومرارة اندحار امبراطوريتهم , ولم تكن الهدية الألمانية- الفرنسية بمنح الأتراك لواء الإسكندرون السوري بعد سلبه وسلخه كافية ً لإرضائهم , فبقيت أطماع السلطنة في عقولهم ولم تغب عنهم لحظة ًواحدة , وظلوا يتطلعون لإستعادة ما استلبوه في الماضي , ويسعون نحوالتوسع العدواني عبر خطوط حدودهم الجنوبية مع سورية مرورا ً بحدودهم مع العراق والحدود الإيرانية ولجزء ٍ من أراضي أرمينيا , على إعتباره حقا ً من حقوقهم , وهذا ما دعاه – الغائب الحاضر – أحمد داود أوغلو ب “خط الأمن القومي التركي”.  وعلى هذا الأساس قادت الحكومات التركية المتعاقبة سياساتها وأحلامها وعدائها لكل الدول المجاورة والمحيطة , وإتبعت أسوأ الأساليب وإنقلبت دائما ً على المعاهدات والإتفاقيات التي وقعتها مع الجميع , كبصمة ٍ خاصة لطبيعة الذات التركية الوقحة عبر العصور .. وغدت تركيا دولة ً معزولة ً ومكروهة ً في محيطها الجغرافي و بصفر علاقات.

ولا تتعلق أطماع وعدائية الأتراك  لسورية بشخص أردوغان وحزبه  فقط , بل هي أحلام غالبية مكونات المجتمع والأحزاب التركية, ولطالما ردد أردوغان وكافة الأتراك مقولة :”حلب لي,حلب لنا وباللهجة التركية halep bizim, halep bizard)).

أعتقد أن العودة إلى التاريخ تزيل النقاب عن مواقف الدولة التركية في الحرب الدولية على سورية منذ اليوم الأول لإندلاعها , وكانت ولا تزال صاحبة الدور الأسوأ والأخطر على سورية والعراق , نتيجة الحدود الطويلة معهما (بما يقارب 935 كم , و330 كم على التوالي) , وبات الجميع يعرف ما قامت به خلال السنوات الفائتة , و الذي يمكن وضعه في إطار عدوان ٍغير مباشر: يشمل استباحة الحدود و إدخال الإرهابيين وتمويلهم وتسليحهم و

تدريبهم …. إلخ , بالإضافة إلى سرقة الثروات والمقدرات السورية بكافة أشكالها , ناهيك عن سرقة المواطنيين السوريين أنفسهم و إستغلالهم أبشع إستغلال .. وفي إطار عدوان ٍ مباشر: يتمثل بعدوانها العسكري المباشر على الأراضي السورية و استهدافها غير مرة للقوات العسكرية السورية , والمدنيين السوريين .

لقد راهنت على دور ٍ أطلسي ينسجم مع تبعيتها للولايات المتحدة الأمريكية , من خلال المشروع الصهيو – أمريكي – الإسلاموي التكفيري الإرهابي , الذي يستهدف سورية الدولة بكافة أركانها , على أمل إقتناص فرصتها و ما تعتبره “حقها ” الشرعي و “موروثها” التاريخي ” في المحاصصة الجديدة ,  بما يحقق مطامعها و أحلامها السلجوقية.

إن تصعيد العدوان التركي- الأردوغاني العسكري على سورية , ودخوله مدينة جرابلس , وإعلانه مدينة الباب كهدف ٍ لاحق , وإعلان وزير خارجيته التحرك اللاحق شرقا ً , بالإضافة إلى دعوة أردوغان في 19/10/2016 م  إلى إعادة النظر بإتفاقية لوزان 1923 التي يرفضها , وهو بذلك يُخرج المعادلة من التحليل والتوقع السياسي  إلى التأكيد على المخطط العثماني الذي يتحرك وفقه .

وعليه يتم ربط التحرك التركي بين معركتي حلب والموصل و ما سيتلوها من معارك لن تتوقف عند حدود أرمينيا واليونان.. و يرى أردوغان أن عليه التحرك و أن لا يقف مكتوف الأيدي في محاربة تهديدات الأمن القومي التركي في كل ٍ من سورية والعراق , وبذلك يؤسس لتغطية ِ وقاحة الأمة التركية في عدوانها على جيرانها تحت عنوان الخطر الكردي, وليس تحت عنوان الحرب على داعش كما إدعى.

إن الإنزعاج الأمريكي والتركي والفرنسي والبريطاني من إنتصارات الجيش العربي السوري وحلفائه وتقدمهم الكبير في حلب وحصار الإرهابيين في الأحياء الشرقية , لا يعبر عن حقيقة وجوهر ما يحدث فعليا ً فالإدارة الأمريكية تدرك فشل مشروعها و تحاول الإسراع بتأسيس منصات ٍ جديدة تكون كافية للإدارة الجديدة لمتابعة العدوان , أما الأوروبيون فلا زالوا يحلمون بحصتهم بتقاسم النفوذ عبر تواجدهم المباشر على الأرض , وهذا ما يفسر الإزدحام الحاصل في الشمال السوري.

فيما تنفرد تركيا بمخططاتها وأحلامها , إذ عرف أردوغان بعد الإنقلاب الفاشل كيف يستعيد قوته , عبر استغلال إتهامه لواشنطن بوقوفها و دعمها إنقلاب فتح الله غولن من جهة , و من جهة ٍ أخرى  بعد إعتذاره من الروس و إطلاقه بعض التصاريح الخادعة حول إحترامه للسيادة و وحدة الأراضي السورية و نفيه أيا مطامع فيها , بقوله :” نحن نحترم الحدود الجغرافية لكل الدول حتى لو كانت ثقيلة على قلوبنا” في إشارة واضحة إلى سورية بالدرجة الأولى و العراق بالدرجة الثانية , بالإضافة للرهان الروسي والإيراني على محاولة إحتوائه لتغيير مواقفه من سورية , ناهيك عن إطلاقه التصاريح حول إقامة المنطقة الاّمنة في الشمال السوري على مساحة     5000 كم مربع , وإطلاق متثيلتها في الشمال العراقي , معتمدا ًعلى خطوات ٍ يعتقدها دستورية ً تبيح له دخول الأراضي السورية وفقا ً ل “إتفاقية” أضنة لعام 1998 ( الإتفاق الأمني غير المكتمل بين الدولتين السورية و التركية) , لكنه فاجئ الجميع بحديثه عن إعادة النظر في إتفاقية لوزان1923.

وعليه فإن التصعيد التركي العسكري الأخير وإرساله لعدد من الدبابات الإضافية , واستمرار إعتداءاته وقصفه لعدة قرى في الشمال السوري و إزهاقه أرواح أكثر من 200 مدني سوري سواء كانوا أكراد أم عرب , و محاولاته للدخول على خط تحرير الموصل كانت للغرض ذاته.

 

نعتقد أن واشنطن لا تمانع في بعض الخطوات التركية التي تضمن عدم إلتقاء الجيشين السوري و العراقي عند حدود البلدين , لضمان استمرار الحرب في الفترة الإنتخابية للإدارة القادمة , فيما يجد الروس أنفسهم أمام مراهنة صعبة مع المخادع أردوغان , وأن استدارته قُوبلت سوريا ً بتصريح الوزير المعلم :” نريد أفعال ولا نريد أقوال “, وأن استدارته كانت نحو المزيد من التصعيد العسكري ضد سورية و العراق , وأن عدم قبول الهدنة في حلب من قبل إرهابيي جبهة النصرة كانت بأوامر أمريكية و تركية مشتركة و أن أردوغان يسعى للتحرك نحو حلب.. فكان لا بد للرئيس بوتين أن يطلق أوامره لقواته العسكرية بضرورة الحسم في حلب خلال ثلاثة أسابيع , فيما أتى الرد السوري وفي بيان ٍ للجيش والقوات المسلحة حازما ً وقويا ً إذ إعتبر التحرك العسكري التركي عدوانا ً و سيُجابه بكل الوسائل , في رسالة تحمل في طياتها شجاعة السوريين و إقدامهم و استعدادهم لقطع اليد التي تمتد نحو سورية والسوريين , في وقت شهد تأسيس مقاومة  سورية وطنية عربية كردية قوامها منذ اللحظة الأولى ما يزيد عن 1500 مقاوم , بهدف الوقوف في وجه الإحتلال التركي , بالإضافة إلى خيبة الأمل لبعض المكون الكردي الذي علّق اّماله وحلمه الفيدرالي على الدعم الأمريكي الذي سقط في أول إختبار, وامتنع عن تغطيتهم جويا  في الحرب المباشرة للدولة التركية على الأكراد في سورية , على أمل أن يشكل هذا عامل صحوة ٍ تجعل من ابتعد عن الصف الكردي أن يعود لمكانه الطبيعي في سورية الحضن الدافئ للجميع و أن يكونوا كأقرانهم أول المدافعين عنها…  بالإضافة  للحديث عن مفاجئات  سورية ستجعل من أردوغان أول المنسحبين عن الخارطة السورية مهزوما  وحسبه حلم  يحتفظ به في رأسه  وفي أدراج النسيان , خاصة ً بعد وعد الرئيس بشار الأسد أن حلب ستكون “المقبرة التى ستدفن فيها آمال وأحلام السفاح” التركي.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.